تحري ليلة القدر
ليلة القدر ليلة مباركة،وهي في ليالي شهر رمضان،ويمكن التماسها في العشر الأواخر منه،وفي الأوتار خاصة،وأرجى ليلة يمكن أن تكون فيهاهي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان ، فكان أبي بن كعب يقول : " والله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، وهي ليلة سبع وعشرين " [ أخرجه مسلم ] . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان متحرياً فليتحرها ليلة سبع وعشرين ، يعني ليلة القدر " [ أخرجه أحمد بسند صحيح ] .
والصحيح أن ليلة القدر لا أحد يعرف لها يوماً محدداً ، فعن عبدالله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ، وإذا بي أسجد صبيحتها في ماء وطين " قال : فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين ، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف ، وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه " [ أخرجه مسلم وأحمد ] .
وعن بن عمر رضي الله عنهما : أن رجالاًمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدرفي المنام في السبع الأواخر،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أرى رؤياكم قد تواطأت ـ توافقت ـ في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر " [ متفق عليه ] .
وعن أبي سلمة قال : سألت أبا سعيدوكان لي صديقاً،فقال : اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم العشرالأوسط من رمضان،فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال : " إني أريت ليلة القدر ، ثم أُنْسِيُتها أو نُسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر ، وإني رأيت أني أسجدفي ماء وطين،فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع "فرجعناومانرى في السماء قزعة ـ قطعة ـ فجاءت سحابة فمطرت حتى سأل سقف المسجد ، وكان من جريد النخل،وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدفي الماء والطين،حتى رأيت أثر الطين في جبهته " [ متفق عليه ] .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " [ متفق عليه ] .
وعن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ـ يعتكف ـ في رمضان ، العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه،ورجع من كان يجاور معه ، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ، ثم قال : " كنت أجاورهذه العشر ثم قدبدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر ، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد أُريت هذه الليلة ثم أُنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوهافي كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين " ، فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد ـ خر من سقفه ـ في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طيناً وماءً " [ متفق عليه ] .
وعن عائشة قالت : كان رسول الله صلىالله عليه وسلم يجاور ـ يعتكف ـ في العشر الأواخر من رمضان ، ويقول : " تحروا ليلةالقدر في العشرالأواخر من رمضان " [ متفق عليه ] .
وعن بن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" التمسوها في العشر الأواخرمن رمضان ليلةالقدر، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسةتبقى "[ أخرجه البخاري ]،قال أبو سلمة : قلت ياأبا سعيد : إنكم أعلم بالعدد منا ، قال أجل نحن أحق بذلك منكم،قال قلت : ما التاسعة والسابعةوالخامسة؟ قال : إذا مضت واحدة وعشرين فالتي تليها ثنتين وعشرين وهي التاسعة ، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة ، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة .
وقال بن عباس رضي الله عنهما : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم :"هي في العشر ، هي في تسع يمضين ، أو في سبع يبقين " يعني ليلة القدر.
وعن عبادةبن الصامت قال : خرج النبي صلىالله عليه وسلم ليخبرنابليلة القدر ، فتلاحى ـ تخاصم ـ رجلان من المسلمين فقال : " خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان،فرفعت وعسىأن يكون خيراً لكم،فالتمسوهافي التاسعةوالسابعة والخامسة " [ أخرجه البخاري ] .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم في العشر الأواخر ، فاطلبوها في الوتر منها " [ أخرجه مسلم ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أريت ليلة القدر ، ثم أيقظني بعض أهلي ، فنُسيتها فالتمسوها في العشر الغوابر ـ البواقي ـ " [ أخرجه مسلم ] .
وعن أبي سلمةعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اعتكف العشر الأول من رمضان ، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير ، قال فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوامنه فقال:"إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ، ثم اعتكفت العشر الأوسط ، ثم أُتيت فقيل لي : إنهافي العشر الأواخر ، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ، فاعتكف الناس معه،قال : " وإني أريتها ليلة وتر ، وأني أسجد صبيحتها في طين وماء،فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلي الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد ـ قَطَرَ الماء من سقفه ـ فأبصرت الطين ظاهراً ، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وأنفه كلاهما فيهما الطين ظاهرا وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر " [ متفق عليه ] .
وعن عبد الله بن أنيس:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أريت ليلة القدر ، ثم أنسيتها ، وأراني صبحها أسجد في ماء وطين " قال : فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف،وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه .
ومن تلك الأحاديث يتضح لنا أن ليلة القدر لا يعلم بوقتها أحد ، فهي ليلة متنقلة ، فقد تكون في سنة ليلة خمس وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة إحدى وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة تسع وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة سبع وعشرين ، فهي ليلة متنقلة ، ولقد أخفى الله تعالى علمها ، حتى يجتهد الناس في طلبها،فيكثرون من الصلاة والقيام والدعاءفي ليالي العشر من رمضان رجاء إدراكها ، وهي مثل الساعة المستجابة يوم الجمعة، فقد أخفاها الله تعالى عن عباده لمثل ما أخفى عنه ليلة القدر .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر، ويأمر أصحابه بتحريها ،وكان يوقظ أهله في ليالي العشرالأواخرمن رمضان رجاءأن يدركواليلة القدر، وكان يشد المئزروذلك كنايةعن جده واجتهاده عليه الصلاة والسلام في العبادة في تلك الليالي ، واعتزاله النساء فيها ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر، أحيا ليله، وأيقظ أهله ، وشد المئزر "[ أخرجه البخاري ومسلم ] ، وفي رواية:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره " .
فعلى المسلم أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم، فيجتهد في العبادة، ويكثر من الطاعة في كل وقت وحين،وخصوصاًفي مثل هذه العشرالأخيرة من رمضان، ففيها أعظم ليلة ، فيها ليلة عظيمة القدر،ورفيعة الشرف،إنها ليلة القدر، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم الذي غُفر له ماتقدم من ذنبه وماتأخر،يقوم ويعتكف في هذه الليالي المباركات رجاء أن يدرك ليلة القدر ،رجاء مغفرة الله تعالى له ، فحري بكل مسلم صادق ، يرجو ما عند الله تعالى من الأجروالثواب ، ويطمع فيما عند الله تعالى من الجزاء الحسن ، ومن يرغب في جنة الخلد وملك لا يبلى ، وحري بكل مؤمن صادق يخاف عذاب ربه ، ويخشى عقابه ، ويهرب من نار تلظى ، حري به أن يقوم هذه الليالي ، ويعتكف فيها بقدر استطاعته،تأسياً بالنبي الكريم ، نبي الرحمة والهدى صلى الله عليه وسلم ، فماهي إلا ليالي عشر ، ثم ينقضي شهر الخير والبركة ، شهر الرحمة والمغفرة ، والعتق من النار .
فليحرص الجميع على أداءصلاتي التراويح والتهجدجماعةفي بيوت الله تعالى طمعاً في رحمته ، وخوفاً من عذابه ، فمن وفق فيها للقيام والعمل الصالح ، ومن ثم نالها فقد وقع أجره على الله تعالى ، بمغفرة ما تقدم من ذنوبه، وكل ابن خطاء ، وكل الناس صاحب خطأ وزلل ، وذنب وخطيئة.
وهذه العشر هي ختام شهر رمضان ، والأعمال بالخواتيم ، ولعل أحدنا أن يدرك ليلة القدروهو قائم يصلي بين يدي ربه سبحانه وتعالى،فيغفر الله له ما تقدم من ذنبه .
وعلى المسلم أن يحث أهله وينشطهم ويرغبهم في قيام هذه الليالي للاستزاده من العبادة ، وكثرة الطاعة وفعل الخير، لا سيما ونحن في موسم عظيم،لا يفرط فيه إلا محروم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم،يقول لأصحابه : " قد جاءكم شهر رمضان،شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه ، فيه تفتَّح أبواب الجنة ، وتغلق أبواب الجحيم ، وتغل الشياطين ،فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم " [ أخرجه أحمد والنسائي ] ، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً : " أتاكم رمضان ، شهر بركة ، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة،ويحط الخطايا،ويستجيب فيه الدعاء،ينظر إلى تنافسكم فيه ، ويباهي بكم ملائكته ، فأروا من أنفسكم خيرا ، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله ".
و ينبغي أن يتحراهاالمؤمن في كل ليالي العشرعملاًبقوله صلىالله عليه وسلم :
" التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " [ متفق عليه ]