قصة قد يرويها أي طفل "بعد ما يكبر طبعاً" وهذه الرواية حتماً لم تكن عني..
اليوم أمي غائبة عن المنزل..
يااااااه.. ما هذا الشعور؟
شعور بالحرية.. ليس من عاداتها أن تتركني بالبيت، فقد كانت تأخذني معها في كل مشاويرها، ولكنها هذه المرة استمعت لنصيحة جارتنا حليمة.. وهاهي بدأت بتطبيقها.. قالت لها حليمة ذات يوم وقد كنت برفقة والدتي وكانت النساء يجلسن جلسة ( خاصة ).. وكنت أنا الوحيد معهن من الأطفال استمع لكل كلمة يقلنها، ولاحظت النسوة نظري يتجول بين وجوههن فأخذن يضربن بخمرهن على جيوبهن.. فغمزت إحداهن لحليمة بأن هذا الولد يشكل خطراً على الجلسة.. فانبرت حليمة لوالدتي بعد أن خرجن وقالت لوالدتي: ما شاء الله يا ليلى، ولدك كبر وبقى راجل.. لشنو سايقاه معاك طوالي لأي حتة؟! خليهو في البيت ما بتجيهو حاجة.
قالت والدتي: انتي ما عارفاهو.. الولد ده شقي خلاص، منجضني نجاض.
قالت حليمة: منجضك لأنك كابتاهو، والحاجات البعملها دي بس عشان انتي معاهو ودائماً بحاول يغيظك عشان يحصل على الحاجة العاوزها.
قالت أمي: عندك حق، وأنا ذاتي ما دايراهو يقعد مع النسوان.
قالت حليمة: يا أختي يمشي كمان يلقط ليهو كلمة كلمتين كده ويوديهم البيت ويعمل لينا مشكلة.
اقتنعت والدتي بالكلام المنطقي للست حليمة وتركتني هذه المرة بالبيت ومشت تحضر دق الريحة حق بت صحبتها سواكن، ووصت زينب جارتنا تخلي بالها مني.
أظهرت لأمي الانصياع والتأدب، وجلست ألعب وخرجت والدتي لمشوارها. وبدأت مناوبة زينب فكانت تأتي كل نصف ساعة وتطمئن عليّ، واستمر الأمر لساعتين وأنا أظهر تأدبي حتى اطمأنت وجاءت هذه المرة وكانت ( الأخيرة ) ومعها سندوتش للفطور وذهبت لقضاء أعمالها.
الحرب خدعة.. فقد كان تأدبي هدوء ما قبل العاصفة، والآن جاءت العاصفة.. وبدأ الهجوم الكاسح على كل ممتنع..
بدأ الهجوم على المطبخ بداية بعلبة حليب البودرة وكانت بعيدة جداً على الرف الأخير، استخدمت الكرسي وطلعت وأنزلتها و(سفيت) لحد ما صار لي شنب وذقن من الحليب.. وتركت العلبة على الأرض حتى لا يضيع مني الوقت، فلديَّ أعمال كثيرة ينبغي القيام بها، وهذا سكر وعصير.. كأني في حلم!!
سأذهب إلى الحمام وأتبول على الأرضية.. أعذروني حتى أنا أعرف بأن هذا الأمر خطأ لا ينبغي علي القيام به.. ياما منعتني أمي من ذلك، ولكن اليوم ما من أحد يمنعني وعاقبتني مرات ومراتً، حتى عقاب هذه المرة دفعت ثمنه مسبقاً ولذك فإنها مدينة لي.. وفعلت.
ياااااه.. هل هذا هو الاعتماد على الذات.. فقد كانت حليمة محقة فيما تقول.. فعلاً كنت أحتاج إلى هذا اليوم.
ماذا تبقى لي من غزوات؟ تذكرت، سأدخل إلى غرفة أمي.. ذهبت إلى الغرفة ووجدتها مغلقة.. ولكن لم يكن أمر فتحها بالأمر الصعب.. فقد رأيتها تضع شيئاً على سطح دولاب المطبخ وأظنه المفتاح.
سارتقي بالكرسي وأجلب المفتاح. وأنا أحاول الصعود على الكرسي سقطت على علبة الحليب وتغطت أرضية المطبخ ببدرة الحليب.
واصلت الصعود وجلبت المفتاح.. وأخفيت معالم الحليب من فوق الأرض، ولكن لم استطع إخفاء الفراغ الذي تركته بالعلبة.
فتحت الغرفة ودخلت، وبدأت أنبش في أدراج الدولاب، حتى وقعت يدي على عشر جنيهات، وترددت كثيراً؛ هل آخذها وأذهب للدكان واشتري الحلوى التي طالما تمنيت شراء كمية كبيرة منها؟ أم أبحث عن (فكة)؟
لم أجد الفكة، لأن أمي أخذتها لتدفعها في المواصلات حتى لا يجد الكمساري سبباً "لينوم" بالباقي كما حصل لها ذات مرة.
أخذت العشرة جنيهات وذهبت لدكان الشايقي.. وحتى لا أثير دهشته لأني أحمل مبلغاً كبيراً ولا أريد سوى الحلوى، قررت شراء شيء يخص الكبار..
فقلت له: أمي قالت ليك أدينا نص أوقية بن وحلاوة بجنيه وأدينا الباقي.
لم يتعجب الشايقي من طلبي وأعطاني ما طلبت، وحين هممت بالرجوع قابلت أصحابي أحمد ومهند وهم يودون اللعب في الشارع، فدعوتهم ليذهبا معي إلى البيت لنلعب سوياً، وقبل ذلك أود أن اشتري لهم حلوى حتى انفرد بنصيبي ولا يشاركاني فيه. فرجعت إلى الشايقي ومددت له جنيهاً آخر، وعندها ارتاب في أمري، فأمسك الجنيه ولم يعطني الحلوى، وطالبني بما تبقى من العشرة فرفضت، وأخذت أعدو حتى وصلت البيت وأغلقت عليّ الباب، وسمعت خطواته وهو يقترب وبدأ يدق وينادي على والدتي، فلم يجبه أحد لخلو المنزل من أحد غيري، فسمعته جارتنا زينب وجاءت تخبره بأن ليلى ليست بالبيت. فأجابها بأن ابنها جاء واشترى بعض الأغراض مدعياً أن والدته أرسلته.. فتعجبت زينب وظنت أن ليلى عادت.. فأخذت تضرب الباب وتنادي ولم أجد بداً غير إجابتها.. فأجبتها بأن أمي لم تأت بعد، فأمرتني أن أفتح الباب ففتحت ووجدتني أحمل الحلوى فوضعت يدها على خدها وأخذت شهقة وقالت: جبت القروش من وين؟ وأمسكت بيدي والشايقي واقف يتفرج فرمقته بنظرة متوعدة وجرجرتني زينب إلى الغرفة فوجدتها مفتوحة ومبعثرة، فأغلقتها على حالها ورجعت للشايقي الذي مد لها الجنيه الذي كان أمسكه مني وقالت له: رجع الحاجات دي وجيب القروش، الولد ده فتح دولاب أمه وشال العشرة جنيه دي.
أخذ الشايقي البن وما تبقى من الحلوى لأني خبأت جزءاً منها قبل مجيئهم.
أخذتني زينب إلى بيتها وأقفلت أبواب البيت. وتوعدتني عند مجيء والدتي أن تخبرها بكل ما حصل وشددت عليّ الرقابة بقية اليوم حتى جاءت أمي وكان أن نلت من العقوبة أكثر مما نالته على يدها من حلي، وعزمت ألا تتركني بعد اليوم بالبيت، ولن تتركني أصاحبها لأي مكان، بل تذهب بي وتتركني وديعة عند جدتي.
آه من جدتي، كم أعاني عندما أذهب إليها..
_________________