هل للأسرة ا لسودانيه تخطيط تربوي لأبنائها؟
إن الأسرة بشكل عام انفعالية في تربية أبنائها، إذ إنها تغذيهم في الطفولة الأولى، ثم تسلمهم للمدرسة الابتدائية أو للتعليم الأساسي بمرحلتيه الأولى والثانية، ثم للتعليم الثانوي فالجامعي، وقلما تتابع الأسرة الإشراف على تربية أبنائها وفق خطة هادفة محكمة، فتلاحقهم في دراستهم وتأدية واجباتهم، وتتعاون مع المدرسة لرفع مستواهم العلمي والتربوي، وقليل من الآباء من يزور المدرسة ليتعرف على المعلمين والمدرسين والإداريين والمشرفين الذين يشرفون على التربية والتعليم.
إن التخطيط التربوي العام في الدولة يأخذ مجراه، بغض النظر عن درجة تنفيذه، ولكن الأمر جد خطير بالنسبة للأسرة، فالتربية تحكمها العادات والتقاليد ووسائل الإعلام بقنواتها العالمية.
المطلوب أن تكون تربيتنا في الأسرة قائمة على خطة سليمة ومدروسة واضحة الأهداف والمعالم، يتولى الوالدان تنفيذها بجدية دون تواكل أو تكاسل، فأبناؤنا مستقبلنا وعدتنا، فإن فرطنا وقصرنا في تربيتهم خسرنا الكثير، ونشأ فتياننا على تربية لا نرضاها، وعندها يحدث الصراع المرير بين الآباء والأبناء.
ومما يعين الأسرة على تنفيذ الخطة التي تضعها: المتابعة والملاحظة، وتجديد الاهتمام بتنفيذها، وعلى الأسرة أن تكون فاعلة في التخطيط التربوي وتنفيذه، فتعرف مسبقاً كيف تربي أبناءها في البيت، وكيف تعدهم ليخوضوا غمار الحياة وميادينها.
وعلى الأسرة أن تستنير بما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف، وأقوال علماء التربية بشأن تربية الأبناء، فثمة خطط عامة وخاصة محددة بزمن وردت في أقوال الرسول الكريم (ص) منها قوله:
"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".
وروي في الأثر: غذِ ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثم اترك حبله على غاربه".
وهذه امرأة أعرابية مسلمة ربت ابنها تربية جيّدة لأنها خططت لتربيته، ونفذت تلك الخطة: فقد رأى المفضل بن زيد... ابن أعرابية مسلمة، فأعجب بمنظره، فسألها عنه، فقالت: "إذا أتم خمس سنوات أسلمته إلى المؤدب، فحفظ القرآن فتلاه، فعلمه الشعر فرواه، ورغب في مفاخرة قومه، وطلب مآثر آبائه وأجداده، فلما بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل فتمرس وتفرس، ولبس السلاح، ومشى بين بيوت الحي، وأصغى إلى صوت الصارخ".
ولو تدبرنا هذه الخطة لوجدناها تتضمن نواحي دينية وثقافية واجتماعية وعسكرية، فهي خطة متكاملة بالرغم من بساطة تلك الأعرابية، فقد عرفت كيف تخطط وتنفذ منهاج تربية ابنها، حتى أصبح رجلاً مثقفاً شجاعاً، يستمع إلى صوت المنادي حين يدعو: حيّ على الجهاد، وهذه تربية تناسب كل مجتمع، ولو اختلفت الوسائط والوسائل والأساليب.
ولابن سينا رأي مشهور في تربية الأولاد يدور حول المنهج الأولي للتربية فيقول: "ينبغي البدء بتعلم القرآن، بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسمياً وعقلياً، وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء، ويلقن معالم الدين، ثم يُرَوَّى الصبي الشعر، مبتدئاً بالرجز ثم بالقصيدة، لأن رواية الرجز وحفظه أيسر، إذ إن بيوته أقصر، ووزنه أخف، على أن يختار من الشعر ما قيل في فضل الأدب، ومدح العلم، وذم الجهل، وما حث منه على برّ الوالدين، واصطناع المعروف، وقِرى الضيف، فإذا فرغ الصبي من حفظ القرآن، وألَمَّ بأصول اللغة، نظر عندك ذلك في توجييه ما يلائم طبيعته واستعداده".
وفي القرن العشرين وضع بعض الأدباء والكتّاب خطة لتربية أبنائهم من خلال وصايا ورسائل وجهوها إليهم وطبعت في كتب مثل كتاب "إلى ولدي" لأحمد أمين، وكتاب "إلى ولدي خالد" ليعقوب العودات، وكتاب "من والد إلى ولده" لأحمد حافظ عوض، و"رسالة إلى ابني" للدكتور فاخر عاقل وغيرها.
إن هؤلاء الكتّاب حرصوا على تعليم أبنائهم حتى نالوا شهادات علمية عالية.
وعلى الأسرة أن تضع خطة لأبنائها، وتتيح لهم الاستفادة من الحاسوب والوسائل التعليمية الأخرى، ويكون ذلك ضمن وقت منظم لا يطغى فيه جانب على جانب.
بعد أن تعرفنا على أهمية التخطيط وخصائصه ودوره في تربية الأبناء أقول: أصبح لزاماً علينا دولاً وهيئات ومؤسسات وأسراً أن نضع خطة تربوية شاملة تنبع من رسالتنا وقيمنا، وتخرِّج متفوقين من العلماء والمثقفين القادرين على خوض غمار الحياة بجدارة، ليكونوا عماداً لحضارة واعدة لأمتنا المجيدة.
الملاحظة والإصغاء والتحفيز خطة اكتشاف مواهب الأبناء
اطلاع الأطفال على القصص المؤثرة المحفزة للنجاح والتألق يساعد على اكتشاف مواهبهم
أكدت اختصاصية علم النفس التربوي اللبنانية عبلة بساط جمعة أنَّ كل الأطفال لديهم أحلام وتطلعات يعبرون عنها سواءً بالكلام أو السؤال أو بالاهتمام بالقصص التي يصرون على سماعها والعودة إليها، أو حتى من خلال اللعب الذي يرغبون ممارسته معظم الوقت. مشيرة إلى أنه يمكن لكل أب أو مرب أن يتحلى بالملاحظة الثاقبة أن يتعرف على أحلام الأبناء وتطلعاتهم، حيث يمكن اكتشاف مواهب الأبناء من خلال الإصغاء لهم والتحفيز؛ حتى وإن كان الآباء غير متأكدين من قدرة الأبناء على تنفيذ هذه الأحلام أو التطلعات.
وأوضحت عبلة أنَّه يجب عدم الاستخفاف بما يقول الأبناء أو العمل على تحبيطهم، وأن هناك ثمة دلائل تعطي مؤشرًا واضحًا على تكون نواة للموهبة داخل الأطفال، ويمكن ملاحظتها عن طريق المثابرة التي تعتبر صفة طبيعية في الأطفال.
وتابعت قائلة " كلنا لاحظ إتقان الطفل لعملية المشي وهو يحبو، فيسقط تارة، ثم يتمسك، ويقع المرة تلو الأخرى ، فلا يخاف ولا يتراجع، حتى يخطو خطواته الأولى، ويبدأ بالمشي" غير أن رد فعل المحيطين به يعزز همة الطفل ومثابرته أو يضعفها، لكنه في النهاية يتغلب على كل المخاوف ويتحداها ويمشي ، ومن هنا يمكن أن نقول "إن التربية لا تكون أبدا من خلال الخوف أو حتى الشفقة لأنهما عاملان محبطان لكل الهمم، وبالتالي لكل المهارات الممكن أن يكتسبها الطفل، والتي قد تكون نواة الموهبة التي يتمتع بها ويمتلكها لاحقًا.
وشددت اختصاصية علم النفس التربوي على الآباء خلال السنوات الخمس وحتى السبع الأوَل من عمر الأبناء ضرورة إطلاع الأطفال على كل ما يحفز الحواس، لأن هذا يعود عليهم بالفائدة الكبيرة ؛ كما يمكن تعريضهم لمشاركات عديدة رياضية ثقافية إن كان بالمجهود الشخصي للآباء أو من خلال الدورات المقامة خاصة في فصل الصيف ؛ لتوسيع دائرة الاطلاع والمعرفة، ومن ثم التنبه إلى ما يرغب الأبناء القيام به أو إلى الشغف الذي يتملكهم، ولا بد من مشاركة الآباء الشخصية لأبنائهم خاصة في الصغر؛ لتنمية القدرات والمواهب التي يرغبها الأبناء، وليس ما يرغب آباؤهم ، فمن الخطأ أن نضغط على الأبناء ليحققوا أحلام الآباء إن كانت رياضية،أو ثقافية أو أشياء أخرى. ورأت عبلة أن من الأمور المساعدة لتحفيز الأبناء هي إطلاعهم على قصص شخصيات واجهت المصاعب ولم تستسلم أبدًا ، أو حتى حيوانات تحدت ونجحت، وفي قصص " والت ديزني" الكثير من القصص المؤثرة المحفزة للنجاح والتألق، محذرة من التسويف والتأجيل عند وعود أبنائهم ووجوب الانتباه إلى المفردات التشجيعية لأنهم قدوة ومرآة للأبناء ويتأثرون بهم تأثرًا مباشرًا.