هذه مجموعة وسائل شرعية تثمر علاقة زوجية سعيدة، ومحبة نفسية عالية بين الزوجين، ومنها ما هو واجب على الزوجين فعله، منها ما هو مستحب، وهذه -بمجموع تلك الوسائل- هو السحر الحلال الذي به أمر الزوجان، وبه يتم بناء علاقة زوجية إيمانية سعيدة مدى الحياة!!
الحياة الزوجية مملكة إيمانية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى، في جنة ودار مقامته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله: الطريق إلى السعادة الزوجية، هذا هو موضوع محاضرتنا مع حضراتكم في هذه الليلة الطيبة، وكما تعودت حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا، فسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم في هذا الموضوع المهم في العناصر التالية: أولاً: الحياة الزوجية مملكة إيمانية. ثانياً: مفاتيح قلب الزوج. ثالثاً: مفاتيح قلب الزوجة. وأخيراً: هذا هو الطريق. فأعيروني القلوب والأسماع، فإنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يوجد الآن بيت من بيوت المسلمين على وجه الأرض إلا وهو في أمس الحاجة إلى هذا الموضوع، والله أسأل أن يجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18]. أولاً: الحياة الزوجية مملكة إيمانية: فملكها وربانها، والمسير لدفة شئونها هو الزوج المسلم، لما جعل الله عز وجل له من القوامة، كما في قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، والزوجة هي الأخرى ملكة متوجة في هذه المملكة، فهي شريكة الحياة، ورفيقة الدرب، وقرة العين، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]، والرعية في هذه المملكة الكريمة الإيمانية هم ثمرة الفؤاد، ولب الكبد، وزهرة الحياة الدنيا، قال تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46]. أيها الأحبة! هذه المملكة الإيمانية لو ظلل سماءها منهج رب البرية، وسيد البشرية، وروي نباتها بماء المودة والرحمة الندية، آتت تلك المملكة ثمارها كل صبح وعشية، وأنبتت أرض هذه المملكة كل زهرات الحب والوفاء والأخلاق الندية العلية، ولو ظهر في يوم من الأيام في أرض هذه المملكة الإيمانية نبتة شيطانية فإنها سرعان ما تذبل أو تموت؛ لأن مثل هذه النباتات لا يمكن ألبتة أن تحيا وأن يدوم نباتها في هذه البيئة الزكية. فورب الكعبة إن سر الضنك الذي تحياه الآن كثير من الأسر المسلمة، هو البعد عن منهج الله جل وعلا، والإعراض عن الغاية التي من أجلها أقيمت الأسرة المسلمة؛ لأننا وبكل أسف نبحث عن الغاية التي من أجلها خلق كل شيء لنا في الكون، ولا نفكر بل ننسى أو نتجاهل أن نبحث عن الغاية التي خلقنا نحن من أجلها، والتي قال الله في حقها: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]. والله ما شعرت بيوتنا بالضنك إلا لإعراضها عن منهج الله جل جلاله، قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:123-124]. ......
مفاتيح قلب الزوج
! إن السعادة الحقيقية في البيوت لا يمكن ألبتة أن تتحقق إلا في ظلال منهج الله، وفي رحاب هدي الحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه، مع الفهم الدقيق، والوعي العميق للحقوق والواجبات من كلا الزوجين، ولن أتحدث الليلة عن الزواج كآية ربانية، وسنة نبوية، وفطرة إنسانية، وضرورة اجتماعية، وسكن للغريزة الجسدية، بل ولن أتحدث أيضاً عن الزواج وعن حقوقه الظاهرة المعروفة الجلية، فكل هذه الموضوعات قد غطاها إخواننا من الدعاة جزاهم الله خيراً، ولكنني أود الليلة أن أتطرق إلى بعض القضايا المهمة وبعض اللمسات الخفية التي هي في غاية الأهمية، بل إنني أؤكد لحضراتكم بأن هذه اللمسات، وتلك القضايا هي المقومات الحقيقية للسعادة الزوجية، وأستهل هذه المقومات بمخاطبة الزوجة المسلمة الزكية التقية: كيف تسعد زوجك؟ وكيف تتملك مفاتيح قلبه؟ وهذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز وهو لب الموضوع. ......
حسن الخلق
أولاً: حسن الخلق: فإن سفينة الحياة الزوجية التي تخوض بحر الحياة بهدوء واتزان وسط هذه الرياح الهوجاء والأمواج المتلاطمة، يقودها حتماً قائد مسلم تقي ألمعي ذكي، وتعينه على القيادة وتوجيه الدفة كلما انحرفت السفينة زوجة تقية زكية ألمعية نقية، بل إنني أؤكد للإخوة والأخوات أن النجاح والاستمرار، والسكن والاستقرار، وهدوء النفس وراحة البال، وراءه زوجة صالحة تقية زكية عرفت كيف تسعد زوجها، واستطاعت أن تمتلك مفاتيح قلبه، بل ونجحت في أن تحول البيت إلى جنة خضراء، يسعد الزوج حينما يأوي إلى ظلاله الوارفة، وتتبدد كل همومه وأحزانه وآلامه وهو في ظلال هذه الجنة، وإلى جواره زوجة طيبة تضمد جراحه، وتسكن آلامه بحسن خلقها، وعظيم ورفيع أدبها. أيها الأحبة! إن حسن الخلق من أجمل الزينة التي تتحلى به المرأة لزوجها، وإن حسن الخلق هو أقصر طريق لتأسر فيه الزوجة قلب زوجها، فالمرأة التي تتخذ حسن الخلق والأدب الرفيع العالي منهجاً في التعامل والخطاب، والحوار بينها وبين زوجها امرأة صالحة ذكية ألمعية، استطاعت بحسن خلقها أن تأسر قلب الزوج بلا نزاع. يا إخوة! ويا أخوات! إن المرأة لو كانت ذات نقص في الجمال أو في المال أو في الحسب أو النسب أو في العلم فإنها تستطيع أن تعوض كل ذلك بحسن الخلق والأدب الرفيع العالي، وإلا ما قيمة الجمال عند المرأة؟ وما قيمة المال؟ وما قيمة حسبها ونسبها؟! وما قيمة شهاداتها وعلمها إن كانت بذيئة اللسان سيئة الخلق، لا تحسن أن تتكلم مع زوجها بالكلمات الرنانة، أو بالكلمات الرقراقة الرقيقة الطيبة؟! إن الكلمة الطيبة، والخلق العالي، والأدب الرفيع هو البلسم الشافي -أيتها الزوجة المسلمة!- وهو الضمادة العظيمة الأكيدة التي تضمدين بها كل جرح ينبت أو يظهر من آن لآخر على جسد العلاقة الزوجية. وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق). وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وابن حبان وأحمد وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تقوى الله وحسن الخلق)، (وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الفم والفرج). وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم). فأنا أؤكد لأخواتي المسلمات المتزوجات بأن أول مفتاح تفتح به الزوجة المسلمة قلب زوجها في كل لحظة وحين، إنما هو حسن الخلق والأدب الرفيع العالي! والكلمة الطيبة الرقيقة الرقراقة!
الرضا بما قسم الله جل وعلا
ثانياً: الرضا بما قسم الله جل وعلا، فإن الرضا بما قسم الله كنز ثمين يجعل من بيت الزوجية جنة ولو كان فقيراً، ويجعل من بيت الزوجية سعة ورخاء ولو كان ضيقاً، فقد يكون الزوج المسلم من متوسطي الحال في المال.. في الجمال.. في الشهادات العلمية.. في الحسب والنسب والجاه.. إلى غير ذلك من حظوظ الدنيا، ولا يتمكن الزوج المسلم من أن يحقق لزوجته كل ما تصبو إليه نفسها، فإن رأى الزوج زوجته راضية بما قسم الله لها لا تتضجر ولا تتسخط على قدر الله، ولا تشكو زوجها لأهلها بل تستر عليه عيبه، وتعيش في أمن وأمان، ورضاً واطمئنان. إن رأى الزوج زوجته على هذه الحال وعلى هذه الصفة يسعد قلبه، وينشرح صدره، ويعيش في غاية السعادة والطمأنينة مع هذه الزوجة الطيبة التقية التي ترضى بما قسم الله جل وعلا لها، وهذا والله يا أختاه! هو الغنى الحقيقي، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الغنى عن كثرة العرض -أي عن كثرة المال- ولكن الغنى غنى النفس). وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه)، فالزوجة المسلمة الربانية هي التي ترضى بما قسم لها رب البرية، ولا تنظر إلى من فاقها من الأخوات في أمر الدنيا، بل تنظر إلى من فاقها من الأخوات في أمر الدين.. تنظر إلى أهل الطاعة.. تنظر إلى أهل السبق في الالتزام.. تنظر إلى أخواتها من أهل القرآن، تمتثل الزوجة المسلمة الربانية الراضية بما قسم لها رب البرية أمر سيد البشرية، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله جل وعلا). فيا أختاه! لا تنظري إلى أختك التي من الله على زوجها بالثراء.. التي من الله عليها بسيارة فارهة، وبأثاث فاخر، وإنما انظري إلى أهل العاهات، انظري إلى أصحاب الأمراض والأعذار، انظري إلى الفقراء والمساكين والمشردين، والمطرودين والمحرومين! انظري إلى من أقعدهم المرض في الفراش، فاحمدي الله على التوحيد، واحمدي الله على الإسلام، واحمدي الله على العافية، احمدي الله أن من عليك بزوج صالح، واحمدي الله على أن من عليك بأولاد طيبين، وجعل الله لك بيتاً يأويك، وطعاماً يكفيك، ولباساً وثياباً تسترك، فاحمدي الله. اعلمي أختي المسلمة أن المال إلى زوال، وأن متاع الدنيا إلى فناء: النفـس تجـزع أن تكون فقيـرة والفقـر خير من غنى يطغيهـا وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيهـا هي القناعـة فالزمها تكن ملكـاً لو لم تكن لك إلا راحـة البـدن وانظر لمـن ملك الدنيا بأجمعهـا هل راح منها بغير الطيب والكفـن إن نظرتك -أختي المسلمة- إلى أختك ممن من الله عليها بالدنيا سيملأ قلبك بالأحزان، وسيملأ بيتك بالمشكلات والأزمات، فاحمدي الله وارضي بما قسم الله عز وجل لك، ولا تنظري إلى أهل الدنيا، واعلمي أن من أعظم مفاتيح الزوج أن ترضى الزوجة بما قسم الله لها، وألا تشتكي وتتسخط، وألا تنتقص من قدر زوجها فيحرم عليها ثم يحرم عليها ثم يحرم عليها أن تعير زوجها لفقره أو لنسبه، أو لقلة جاهه، أو لقلة علمه، أو لقلة شهاداته، يحرم عليها ذلك، بل إنها بذلك تتسخط على قدر الله، ولا ترضى بما قسم الله لها. فلا ينبغي ألبتة لزوجة مسلمة تتقي الله جل وعلا أن تقول لزوجها من آن لآخر: إن فلانة تعيش في رخاء وتعيش في سعادة.. إن زوجها قد أتى لها بثلاجة كذا.. وبفيديو كذا.. وبذهب كذا وكذا.. وإنني أعيش فقيرة، ما أشقاني! ما أتعسني! أسأل الله أن يخرب بيوت من زوجوني عليك. لقد كان يوماً تعيساً يوم أن دخلت بيتي، يوم أن نظرت إلى وجهك.. إلى آخر هذه الكلمات الخطيرة التي تتسخط فيها المرأة على قدر الله جل وعلا، ولا ترضى من خلالها عن قدر الله وقضائه سبحانه وتعالى. واعلمي يقيناً -أيتها الزوجة المسلمة- أن هذه الكلمات تمزق أواصر المودة والرحمة بين الزوج وزوجه. إذاً: من أعظم مفاتيح قلب الزوج: أن ترضى الزوجة بما قدر الله لها، وهو اللطيف الخبير، فإن الله قد قسم الأرزاق بين عباده بحكمته ورحمته، قال جل وعلا: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
الوفاء
ثالثاً: الوفاء: وما أحلاها ورب الكعبة من كلمة! وما أرقها من خصلة! وما أسماها من صفة! إنها الوفاء!! فالوفاء خلق جميل، وكنز ثمين، فالأيام دول، فكم من غني أصبح فقيراً؟ وكم من عزيز أصبح ذليلاً؟ وكم من قوي أصبح ضعيفاً؟! فالزوج قد تنزل به المحن والمصائب، فتتحول صحته إلى مرض، ويتحول غناه إلى فقر، وتتحول قوته إلى ضعف، وهنا يظهر معدن الزوجة الصالحة الوفية التي تقف إلى جوار زوجها في كل ضيق ومصيبة، وتخفي عيوب الزوج وتستر ذنوبه، ولا تنسى أيام الغنى، وأيام القوة والصحة والسعة، وتردد دوماً قول الله جل وعلا: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237]، وتنظر إلى زوجها نظرة رحمة وأدب، ونظرة حنان وتواضع، وهي تقول له: أبشر أيها الزوج الحبيب! أنا لا أنسى أنك فعلت كذا وكذا.. وقدمت لي كذا وكذا.. ثم تذكره بقول ربها: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]. فوالله إن الزوجة الوفية تأسر بوفائها قلب زوجها، وتحول بوفائها الفقر في البيت إلى غنى، والمرض إلى صحة، بل والضيق إلى سعة، بل والأزمات والمشكلات إلى لحظات طيبة ندية. ما أحلى الوفاء! وما أقبح الجحود! وما أقبح المرأة الجاحدة! التي تجحد فضل زوجها وكرمه!! جاء في الصحيحين من حديث زينب رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني رأيت النار، ورأيت أكثر أهلها النساء)، فلتحذر كل أخت مسلمة تستمع إليّ الآن أو تستمع إلي عبر شريط الكاسيت بعد هذه المحاضرة، فإنني لا أخاطب الإخوة والأخوات بين يدي، وإنما أخاطب المسلمين والمسلمات على وجه الأرض، وأسأل الله أن يجعل لهذا الشريط سبيلاً إلى كل بيت، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أقول: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: لكفرهن، قالوا: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ورأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط). فهل تقبل الزوجة المسلمة التقية الصالحة لنفسها هذه الخصلة الذميمة، وهذا الخلق اللئيم الذي يودي بأصحابه إلى نار الجحيم والعياذ بالله؟! أختاه! إن من أعظم مفاتيح قلب الزوج، ومن أعظم وسائل السعادة التي تسعدين بها قلب زوجك: الوفاء، وأسأل الله أن يرزق نساءنا وزوجاتنا الوفاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الطاعة
رابعاً: طاعة الزوج المطلقة في غير إثم ولا معصية: من أعظم مفاتيح قلب الزوج: أن تطيع المرأة زوجها في كل شيء، إلا إن أمرها زوجها بمعصية لله، فحينئذ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. إن أمرها زوجها بأن تظهر على إخوانه الذكور فترفض، وإن أمرها زوجها بأن تتبرج ترفض، وإن أمرها أن تتخفف في الثياب إن خرجت معه فتعصي الزوجة زوجها، وإن أمرها زوجها أن تضع قليلاً من (المكياج) وهي غير منتقبة إذا ما خرجت معه إلى الشارع فلا طاعة له، وهذه المعصية طاعة لله جل وعلا، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. أما إن أمرها الزوج بعد ذلك بأي أمر مادام هذا الأمر في غير معصية لله فيجب على الزوجة المسلمة وجوباً أن تمتثل أمر الزوج، وأن تقف عند الحدود التي حدها لها زوجها، من كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم. وأحذر الزوجة المسلمة من العصيان والجدال والمراء، وطول الحوار وكثرة الكلام، لاسيما إن كان زوجها مغضباً، ولاينبغي أن تستغل الزوجة لين الزوج أو دينه، بل يجب عليها -أي على الزوجة الصالحة الطيبة- أن تطيع زوجها، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والطبراني والبزار من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت). ومن أعظم الحقوق على الزوجة لزوجها، والتي يجب على المرأة أن تطيعه فيه فوراً، وفي أي وقت يشاؤه: حق الفراش، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته؛ فبات غضبان عليها، باتت الملائكة تلعنها حتى تصبح). وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها). وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد -أي: حاضر- إلا بإذنه، ولا تأذن لأحد في بيت زوجها إلا بإذنه). أختي المسلمة! اعلمي أيتها الفاضلة! بأن امتناع المرأة عن فراش زوجها إن دعاها إلى ذلك بغير عذر شرعي وبغير سبب صحي كبيرة من أعظم الكبائر، فلتتق الله الزوجة الصالحة. ولتعلم الزوجة أن من طاعة الزوج أيضاً: أن ترضيه إذا غضب، فالزوجة المسلمة لا تنام وهي تعلم يقيناً أن زوجها غضبان، ولو كان الزوج غاضباً بسبب خطئها فلتبادر الزوجة المسلمة بالتأسف والندم بأسلوب طيب، فإن من النساء من إذا أغضبت زوجها وأرادت أن تعتذر زادت في غضبه؛ لأنها تعتذر إليه بكبر واستعلاء، وكأنها تمتن عليه بأسفها وندمها، فيتسيط الزوج غضباً بعد غضب، ويزداد قلبه ألماً بعد ألم، ويزداد جرحه جرحاً بعد جرح، فلتذهب المرأة فوراً لتتأسف بأسلوب مهذب يستشعر فيه الرجل ندمها وخلقها وأدبها. ومن أدب الزوج -كما سأبين- أن يعجل هو الآخر بقبول الأسف والندم، ولا ينبغي أن يتسلط وأن ينتفخ وينتفش، وأن يتكبر كما سأبين الآن في مفاتيح قلب الزوجة إن شاء الله تعالى. فمن طاعة الزوج أن ترضيه زوجته إن غضب، أما إن كان الغضب -أيتها الأخت- بسبب الزوج نفسه، ومع ذلك فهو غاضب عليك، فأنا أنصحك ألا تلحي في معرفة سبب الغضب، وألا تكثري الجدال، وألا تكثري المراء، بل اتركي الزوج في هذه اللحظات حتى تهدأ نفسه، ويستقر بدنه، وإن اقتربت منه بعد ذلك للحوار والنقاش، فإن النقاش والحوار سيكون جميلاً مهذباً، يعيد البسمة والمودة والرحمة إلى مجرى الحياة الزوجية من جديد، أما الذي أحذر منه أن يكون النقاش والحوار في وقت الانفعال والغضب. أسأل الله عز وجل أن يرزقنا الحلم، وأن يرزق نساءنا الحكمة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الأنوثة والزينة
خامساً: الأنوثة والزينة: فبعد هذه الصفات الخلقية الجميلة أقول لأختي المسلمة: إن من أعظم مفاتيح قلب الزوج الأنوثة والزينة والتطيب، ففي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله جميل يحب الجمال). ومما لا شك فيه أن مما يؤثر في قلب الزوج: أن يرى الزوج امرأته في كل لحظة جميلة طيبة نظيفة، لاسيما ونحن نعيش الآن زماناً كثرت فيه الفتن: فتن المتبرجات! فتن الكاسيات! فتن العاريات! إن الرجل الآن يخرج من بيته فتعصف فتن الشهوات بقلبه، وتزداد المصيبة إن عاد إلى بيته فوجد امرأة مهملة وليست نظيفة ولا متجملة ولا متطيبة، ووالله إن هذا لا يكلف الزوجة شيئاً، وإن أهملته كلفه إهمالها لهذا الكثير والكثير، وتزداد الكارثة إن رأى الزوج امرأته تتزين وتتطيب إذا أرادت أن تخرج من البيت، وفي لحظات مكثها في البيت لا يشم من ثيابها إلا رائحة الثوم والبصل، وأنا أحذر كل مسلمة من رائحة الفم، ورائحة العرق، ورائحة الثياب، ولا حرج في الحق إطلاقاً. كم من بيوت خربت؟! وكم من علاقات أسرية تفككت؟! وكم من حب زال بسبب إهمال المرأة لجمالها وأنوثتها وزينتها وطيبها؟! وقد تقول المرأة: إنني أثق في حب زوجي لي، ولا أشك لحظة في أنه سيتركني يوماً، وهذا وهم، أيتها المسلمة! فقد يزول الحب، وتتلاشى المودة، وتنتهي الرحمة لمجرد أن ينفر الرجل من امرأته لرائحة فمها، أو لرائحة عرقها أو ثيابها، فيجب على الزوجة المسلمة أن تسعد زوجها بأنوثتها وطيبها وطهارتها، وأقول: إن العطر والطيب من ألطف وسائل المخاطرة بين الرجل وامرأته، فعلى المرأة دائماً أن تكون طيبة الريح نظيفة الثياب، جميلة تسريحة الشعر، وهذه هي المسلمة الزكية التقية النقية. وأرجو أن تنتبه أختي المسلمة إلى أن الإسلام العظيم لا يصادم أنوثتها وزينتها وجمالها، بل أمرها بالتزين للزوج وحرم عليها أن تتزين بالزينة الحرام، كأن تتزين بالوصل أو بالنمص أو بالوشم أو بتفليج الأسنان للحسن، وحرم عليها أن تظهر زينتها أياً كانت لغير زوجها. تدبري أيتها المسلمة قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه : (لعن الله الواصلة) وهي التي تلبس الباروكة لتظهر شعرها بصورة مختلفة عن حقيقته. (لعن الله الواصلة والمستوصلة) أي: التي تفعل ذلك ويفعل بها ذلك، (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة)، وفي رواية ابن مسعود في الصحيحين: (والنامصة والمتنمصة، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله). فالإسلام الذي يأمر المرأة بالزينة للزوج يحرم عليها أن تتزين بزينة محرمة، ويحرم عليها أن تتزين لغير زوجها، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي موسى الأشعري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة استعطرت -أي وضعت العطر والطيب والريح- فمرت على مجلس رجال ليرى الرجال من ريحها فهي كذا وكذا) أي: زانية والعياذ بالله! (والعين تزني وزناها النظر، والأنف تزني وزناها الشم، والأذن تزني وزناها السمع، واللسان يزني وزناه الكلام، واليد تزني والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)، هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
إكرام أهل الزوج
سادساً: من أعظم مفاتيح قلب الزوج -أيتها الزوجة المسلمة الزكية العاقلة- إكرام أهل الزوج، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، ومن حسن العشرة وجميل المعاشرة، فالزوجة المسلمة لا ينبغي لها أبداً أن تكون فتنة لزوجها في حق أبيه، أو في حق أمه، أو في حق أهله، ولا ينبغي للزوجة المسلمة أن توقع العداوة والبغضاء بين الزوج وأمه، أو بين الزوج وأهله ورحمه، ولا ينبغي أن تضع المسلمة نفسها في تلك المقارنة الصعبة، أنا أو أمك، لا، أمي ثم أمي ثم أمي ، فالزوجة العاقلة لا تضع نفسها أبداً في هذه المقارنة، في الوقت ذاته لا يجوز للزوج المسلم العاقل الذي يتقي الله أن يظلم زوجته من أجل بره بأمه، فهذا لا يجوز له أيضاً، بل يعطي أمه حقها، ويعطي زوجته حقها، ولا يخلط بين الحقين، فهذا ظلم يقع فيه كثير من الأزواج، يهين امرأته لصالح أمه، وهذا ظلم لا نقره، وتأباه شريعة الله العادلة. إن الزوجة المسلمة الذكية الألمعية لا توقع زوجها في عقوق لوالديه ألبتة، كيف وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة) ، أنفك في التراب إن أدركت والديك أو أحدهما ولم تدخل الجنة ببرهم.. بتقبيل أرجلهما.. بطاعتهما ولو كانا على الشرك.. بصحبتهما بالمعروف: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]. وفي الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرحم معلقة بالعرش تقول: وصل الله من وصلني، وقطع الله من قطعني) ، (من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله). فاعلمي -أيتها الأخت الفاضلة المسلمة- أن أعظم الناس حقاً على الزوج أمه، بل خذي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الحاكم والبزار بسند حسن، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله! أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟! قال: زوجها، قالت: وأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: أمه). فلتتحل الزوجة المسلمة بخلق الإيثار، ولتحذر الغيرة من الوالدين والأخوات لتنعم براحة البال، وسكينة النفس، ولتأخر حقها عن حقوق الآخرين، فيحبها الآخرون ويقدرونها، وتفوز بجنة الله جل وعلا في الآخرة.
الاهتمام بنظافة وجمال البيت
سابعاً: من أعظم مفاتيح قلب الزوج: الاهتمام بنظافة وجمال البيت، فالمنزل مملكة الحياة الزوجية، وأميرة المنزل هي الزوجة، ووالله ليست العبرة بكثرة الحجرات، ولا بضخامة البيت، فقد يكون البيت واسعاً، وقد يحتوي البيت على أثاث ثمين وفرش وثيرة، ولكن إن أهملت المرأة نظافة البيت هجر الزوج هذا البيت، وشعر بأن أنفاسه تختنق إن دخله؛ لأن الرائحة الكريهة تنبعث من هنا وهناك، ولأن الثياب والفراش والأثاث غير منظم، فتتوتر أعصابه، وتهيج نفسه. أختي! قد يسعد زوج مع زوجة نظيفة زكية في بيت لا يزيد عن حجرتين، يرى الزوج النظام، بل ويرى الرائحة الزكية العطرة ولو عن طريق البخور العادي البسيط التي تنبعث رائحته في كل وقت وآن من أرجاء هاتين الحجرتين، فيسعد الزوج، ويشعر بالأنس والسعادة، فليست العبرة بسعة البيوت، ولا بضخامتها، فكم من بيوت متسعة متسخة تؤلم القلب! وينفر منها صاحب النفس الزكية! وكم من بيوت ضيقة والله تدخلها فينشرح صدرك، وتعلم يقيناً أن في هذا البيت امرأة مسلمة نظيفة، لا أقول لك من مجرد أن تلقي النظرة على الفراش والأثاث، بل من مجرد كوب الماء الذي يقدم إليك في البيت، تشعر بنظافة المرأة، وجمالها ورقتها ورجاحة عقلها. إذاً: يجب على المرأة أن تهتم بنظافة وجمال بيتها، فإن هذا من أعظم مفاتيح قلب الزوج، ومن الأسباب التي تجعل الزوج يحن دائماً إلى أن يجلس في البيت أطول فترة. وهل هجر الأزواج البيوت إلا من أجل هذه الأسباب! فمن أسوأ ما ينغص على الزوج راحته في بيته أن يرى البيت غير نظيف، وأن تنبعث من بيته الروائح الكريهة، والله جل وعلا جميل يحب الجمال، وأنا أظن أن أختي المسلمة جميلة هي الأخرى تحب الجمال، وتحب الطهر والنظافة، كيف لا ودينها دين الجمال، ودين الطهر والنظافة؟! كيف لا وربها يحب الجمال؟! كيف لا ونبيها الجميل يحب كل جمال؟!
الاهتمام بتربية الأولاد
ثامناً: الاهتمام بتربية الأولاد: فإن مما يؤلم القلب أن المرأة الآن قد انشغلت بالأسواق، أو بالوظيفة مع عدم حاجتها للوظيفة، فقد من الله عليها بزوج أنعم الله عليه وأكرمها، وهي ليست بحاجة إلى الخروج، ولكنها تتألم غاية الألم إن لم تخرج من البيت، كيف تحبس بين هذه الجدران الأربعة؟! كيف لا تعيش فقط إلا لزوجها وأولادها؟! نفخ أهل الباطل في رأسها وفي عقلها، وتأثرت، وأصيب قلبها بهذه السهام القاتلة، فخرجت المرأة من بيتها ومن مملكتها الإيمانية، وهجرت أشرف وأغلى وأعظم وظيفة، ألا وهي وظيفة التربية، هجرت تربية الأبناء، وتركت الأبناء إلى التلفاز، والشوارع وإلى الطرقات، وأصحاب السوء، والمجلات الخليعة الماجنة، فراح الأولاد يبحثون عن قوتهم التربوي من هذه المصادر العفنة الخبيثة، فشعر الأبناء في البيت باليتم التربوي. ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلّفاه ذليلاً إن اليتيـم من تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولاً وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (..والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها)، وقال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، فيجب على الزوجة المسلمة أن تعلم أن البيت قلعة حصينة، ولبنة عظيمة في هذا المجتمع المسلم، فيجب عليها أن تخّرج من هذه القلعة لدين ربها الأبطال والعلماء والقادة والفاتحين. كيف تخرج المسلمة هذا الجيل الرباني إن هجرت بيتها، وراحت لتضرب بأرجلها وأقدامها في الأسواق، تلهث وراء أحدث الموضات وأرقى الموديلات وأرقى الملابس لتهجر بيتها ولتهجر تربية أبنائها؟! أختي المسلمة! إن من أعظم مفاتيح قلب الزوج: أن يرى امرأته مهتمة بتحفيظ أولاده القرآن، وبتعليم بناته فضائل الإسلام، فتأمر الزوجة ابنتها بالخمار وبالحجاب، وتعلمها القرآن، وتصطحبها إلى بيت الله جل وعلا، وتصطحب الأولاد إلى بيت الله إن كان الزوج مشغولاً فتعلم الزوجة أبناءه دين الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصية أمامة بنت الحارث لابنتها
أيها الأحباب! أختم مفاتيح قلب الزوج بهذه الوصية الجامعة التي قدمتها أم عاقلة، إنها أمامة بنت الحارث التي خلت بابنتها أم إياس بنت عوف الشيباني في ليلة زفافها لزوجها، وقدمت لها تلك الوصية الغالية، فقالت الأم العاقلة لابنتها: أي بنية! إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها معونة للعاقل، وتنبيه للغافل. أي بنية! لو أن امرأة استغنت عن زوجها لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها، لكنت أغنى الناس عن زوجك، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال. أي بنية! لقد فارقت العش الذي فيه درجت، والبيت الذي منه خرجت، إلى مكان لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً. أما الأولى والثانية: فالخضوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة. وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواطن عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح. وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة. وأما السابعة والثامنة: فالإرعاء لماله وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي العيال حسن التقدير. وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصي له أمراً، ولا تفشي له سراً، فإنك إن عصيت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإياك والكآبة بين يديه إن كان فرحاً! ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مكتئباً! ......
مفاتيح قلب الزوجة
وبعد هذه الجولة الطويلة التي تسعد الرجال يقيناً، وتسعد الأزواج بصفة خاصة، يبقى السؤال: كيف يسعد الرجل زوجته؟! وأنا أعلم أن أخواتي الآن ينتظرن هذا السؤال بلهف وشوق، فإن كثيراً من الزوجات يشتكين، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر المحاضرة: مفاتيح قلب الزوجة: ......
حسن الخلق والعشرة
أولاً: حسن الخلق وإحسان العشرة، وإلا فبالله عليكم ما قيمة علم الرجل؟ وما قيمة ماله؟! وما قيمة جماله وما قيمة حسبه ونسبه إن كان سيء الخلق، بذيء اللسان، كثير السب واللعن والطعن، مملوءاً بالكبر، منتفخاً بالغرور، تستشف منه زوجته الكلمة الطيبة، وتتسول منه البسمة الحانية، في الوقت الذي ترى فيه الزوجة المسكينة زوجها نفسه يداعب إخوانه وأخواته، يلاطفهم ويداعبهم ويمازحهم، وهي لا تسمع إلا السب والشتم واللعن والطعن؟! ظلم بشع! وهذا والله زوج ظالم.. ظالم لنفسه، وظالم لأقرب الناس إليه، وعاص لربه ونبيه. قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقال تعالى: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله). وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً). وفي الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وهو حديث صحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خيارهم لنسائهم). فالزوج المسلم الصالح التقي النقي، ولو كان فقيراً أو مريضاً أو ضعيفاً يستطيع أن يفتح قلب زوجته بأدبه.. بحسن خلقه.. بكلامه الطيب الرقيق العذب. من الذي يعجز منا جميعاً -أيها الأزواج- أن يلقي السلام على زوجته كلما دخل عليها البيت امتثالاً لأمر ربه، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم؟ قال تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور:61]؟ وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا بني! إذا دخلت على أهلك فسلم يكن -أي: يكن السلام- بركة عليك، وعلى أهل بيتك). من ذا الذي يعجز من الأزواج أن يمتثل أمر الله وأمر نبيه هذا؟! إذا ما دخل الزوج على امرأته بعد كل صلاة، وبعد كل دخول للبيت ولو كانت مدة خروجه دقيقة واحدة، يمتثل هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأدب السنة، فيلقي السلام على أهل بيته ليكن السلام بركة عليه وعلى أهل بيته. ومن ذا الذي يعجز من الأزواج أن يقبل على زوجته بوجه طليق؛ ليشعر أهله بالأنس والقرب، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق) أي: بوجه مبتسم.. بوجه تشع منه الفرحة، ويشعر المقابل لهذا الوجه بالسرور والألفة، وأولى الناس بطلاقة الوجه من الزوج هي امرأته وشريكة حياته ورفيقة عمره، أما أن يظل الزوج بعيداً عن البيت طليق الوجه لطيفاً شديد المزاح، كثير المداعبة، فإذا ما دخل البيت لا يدخل إلا بوجه عابس، وبجبين يشعر فيه كل من رآه بالغضب والضيق والنفور، فهذا زوج عاصٍ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن ذا الذي يعجز من الأزواج أن يخاطب زوجته بكلمة طيبة رقيقة حانية لا لعن فيها ولا طعن ولا سب؟! إن مما يؤلم القلب أن يسب الرجل أهل امرأته، أو أن يسب الرجل أباها وأمها، أو أن يسب أهلها، أو أن يسب اليوم الذي دخل فيه بيتها، وهذه معصية لله ورسوله، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكلمة الطيبة صدقة)، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، وأولى الناس بالكلمة الطيبة منك -أيها الزوج المسلم- هي امرأتك، فهي شريكة حياتك ورفيقة دربك. من ذا الذي يعجز من الأزواج أن يبتعد عن الألفاظ الجارحة والكلمات النابية التي يحقر بها الزوج زوجته ويسئ إليها؟! فلا ينادي عليها إلا بأقبح الأسماء، ولا يصفها إلا بأقبح الصفات. لتعلم أخي الكريم! أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينادي على عائشة رضي الله عنها بأحب الأسماء، بل ويدللها، فلقد ثبت في صحيح البخاري أنه كان ينادي عليها بقوله: (يا عائش !)، لا يقول: يا عائشة ! بل يقول: يا عائش ، بل ويقول لها: (والله إني لأعلم متى تكونين عني راضية، ومتى تكونين علي ساخطة، قالت: كيف ذلك يا رسول الله؟! قال: إن كنت عني راضية قلت: ورب محمد، وإن كنت غير راضية قلت: ورب إبراهيم، فقالت عائشة -الألمعية-: والله لا أهجر إلا اسمك يا رسول الله! أما أنت ففي القلب وفي الكيان كله). هذه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب:21]. إخوتاه! أسألكم بالله أن تتدبروا معي هذه الكلمات لتعرفوا الفرق الواضح بين زوجين، بين زوج يقول: إن النساء شياطين خلقن لنا نعوذ بالله من شر الشياطين وبين زوج يقول: إن النساء رياحين خلقن لنا وكلنا يشتهي شم الرياحين شتان .. شتان بين زوج عبوس غاضب سباب لعان فاحش بذيء، يرى الزوجة بين يديه شيطانة، فيقول: إن النساء شياطين خلقن لنا نعوذ بالله من شر الشياطين وبين زوج مسلم تقي نقي يتقي الله في امرأته وأقرب الناس إليه، ويرى المرأة ريحانة أسيرة عنده كما قال المصطفى، فيقول: إن النساء رياحين خلقن لنا وكلنا يشتهي شم الرياحين فاحذر -أخي الزوج- من ظلم المرأة، فورب الكعبة إن ظلمتها فإن الذي سينتصر لها هو الله، ولو استطعت أن تخدع المرأة بعلاقاتك، وأن تظلمها باتصالاتك بالقوانين الوضعية الجائرة الفاجرة، فاعلم بأن الذي سيقتص منك للمرأة الضعيفة هو الله جل وعلا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرج على حق الضعيفين، على حق اليتيم، وعلى حق المرأة، فإن المرأة أسيرة عندك، وإن المرأة ضعيفة، فالله الله في حق الضعيفين: اليتيم والمرأة! فامتثل وصية نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم، فوالله مهما أغدقت على زوجتك من الأموال، فإن سوء الخلق وبذاءة الألفاظ والكلمات الجارحة النابية ستفسد المودة، وستقطع أواصر المحبة بينك وبين امرأتك، ولو أغدقت عليها من الأموال ما أغدقت.
المعاونة على طاعة الله والنصح والتعليم
ثانياً: من أعظم مفاتيح قلب الزوجة: العون على طاعة الله والنصح والتعليم: ذكرت أن سر الضنك في البيوت هو ابتعاد البيوت عن طاعة الله، وعن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغفلة عن الغاية التي من أجلها أقيمت البيوت ابتداءً، بل وعن الغاية التي من أجلها خلقت البشرية كلها وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والزوج المسلم الصالح التقي هو الذي يعين زوجته على طاعة الرب العلي.. هو الذي يحثها على الصدقة ولو من ماله.. وهو الذي يذكّرها بقراءة القرآن.. وهو الذي يسألها دوماً عن الصلوات.. وهو الذي يسألها دوماً عن قراءة الكتب الشرعية.. عن سماع الأشرطة العلمية للمشايخ والدعاة.. هو الذي يتابعها ويقوّم عوجها بالأسلوب اللطيف الحسن والكلمة الحانية. إن الزوج الصالح المسلم لا ينظر إلى البيت على أنه مكان للطعام والشراب، والتناكح والتكاثر فحسب، فليست هذه هي الغاية من إقامة البيوت في الإسلام، فإن الغاية من إقامة البيوت أن نبذر في حقل الإسلام وأرضه بذرة صالحة للعبودية والتوحيد، فالزوج المسلم هو الذي يعين زوجته على طاعة الله، وهو الذي يبين لها أن البيت ليس مكاناً للطعام والشراب والذهب والزينة والفسحة والأولاد فحسب، لا، بل إن البيت مكان للطاعة، فيحث الزوج زوجته على قيام الليل، وما أحلى وأرق وأجمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل، فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء). فالزوج يفتح قلب امرأته بأن يكون عوناً لها على الطاعة، وأنا أحذرك -أيها الزوج- من أن يكون بيتك دوماً وكراً للمعاصي والشيطان، فأنا أعلم يقيناً ما أقول. أعلم أن كثيراً من بيوت المسلمين الآن لا تعرف للإيمان طعماً، ولا لليقين حلاوة، ولا للصلاة سبيلاً، ولا للقرآن طريقاً. أعلم أن كثيراً من بيوت المسلمين الآن -ورب الكعبة- لا يصلي فيها رجل أو امرأة، ولا شاب ولا فتاة، بل تسمع في هذه البيوت في الليل والنهار مزمار الشيطان. لا ترى في هذا البيت قرآناً ولا قياماً، ولا ذكراً ولا تسبيحاً ولا صلاة، فما الذي ينتظر من نبات ينبت في أرض هذه البيئة؟! هل ينبت الورد؟! هل ينبت الفل؟! هل ينبت الياسمين؟! لا والله، بل لن ينبت في هذه الأرض إلا الشوك، فمحال أن تزرع زرعاً وأن تجني ثمرة، بل إن زرعت شوكاً لا بد أن تجني شوكاً، فيخرج الولد منحلاً، وستخرج الفتاة متبرجة عارية، ومحال بعد فترة أن يسيطر الوالدان على هؤلاء الأولاد. فلذلك أخي: ازرع من أول لحظة في هذا البيت الطاعة والعبودية لله جل وعلا، لتستطيع بعد ذلك أن تسيطر على هذا البيت بأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ومن والاه. فالبيت ليس مكاناً للطعام والشراب والزينة فحسب، بل هو مكان للطاعة.. مكان للعبادة، فلا ينبغي أن يكون البيت المسلم مقبرة لا يصلى فيه، ولا يذكر أهل البيت فيه ربهم جل وعلا، ولا يقيمون فيه الليل، بل لا ينبغي أن يكون البيت المسلم في كل لحظات الليل والنهار لا تسمع فيه إلا غناء الشيطان، لا تسمع فيه صوت القرآن، فهذا بيت كالمقبرة، أهله أموات وإن تحركوا بين الأحياء. والله إن بيتاً يقوم أهله الليل لله، ويقرأ أهله القرآن لله، ويقيم أهله الصلاة لله، ويمتثل فيه الزوج أمر الله، ويأمر امرأته بطاعة الله وبطاعة رسول الله، والله إنه لبيت قريب من الله، حبيب إلى الله، حبيب إلى رسول الله، تتمنى أية زوجة مسلمة أن تقر وتعيش فيه، وأن تسعد به، وإن بيتاً لا يعرف الله لا يستحق أن تعيش فيه امرأة تعرف الله جل وعلا.
الإنفاق وعدم البخل
ثالثاً: الإنفاق وعدم البخل: فمن أعظم مفاتيح قلب الزوجة: أن يكون الرجل سخياً كريماً، من غير سرف ولا تبذير، فالسخاء بلا تبذير، والإنفاق بلا تقتير من أعظم مفاتيح قلب الزوجة، فالزوجة تبغض بكل قلبها وكيانها زوجها البخيل، لاسيما إن كان ممن أنعم الله عليه بالمال، فإنها تبغضه ولا تحبه أبداً. ومن رحمة الله جل وعلا أن نفقة الزوج على زوجته واجبة عليه، ولكنه إن صحح النية كان له بها أجر من الله، وهي له صدقة، فلينفق الزوج على امرأته إن كان ميسوراً على أحسن حال، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، وقال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]. واسمع إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يقول المصطفى: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار أنفقته على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك -انظر إلى هذه الأقسام الأربعة- أعظمها أجراً عند الله الذي أنفقته على أهلك)، سبحان الله! بل وفي الحديث الذي روى البخاري ومسلم من حديث أبي مسعود البدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة). وفي الحديث الذي رواه أحمد والحاكم وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر وهو حديث صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)، فمن أعظم مفاتيح قلب الزوجة أن يكون الرجل سخياً كريماً، من غير إسراف ولا تبذير، فإن: الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:27] وهذا بنص قرآن رب العالمين.
حق الفراش
رابعاً: حق الفراش، وهذا من أوجب واجبات الزوج، كما ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم، قال الإمام ابن حزم طيب الله ثراه وغفر له: فرض على الرجل أن يجامع امرأته، وأقل ذلك أن يجامعها في كل طهر مرة، ومن أهل العلم من قال: بأن أقل ذلك أن يجامع الرجل زوجته في كل أربعة أيام مرة، ومنهم من قال: في كل أربعة أشهر مرة، ومنهم من قال: في كل ستة أشهر مرة، والذي أود أن أؤكد عليه الآن، وأبينه لأخواتي وإخواني، أن لقاء الرجل بامرأته ما هو إلا خلوة في لحظات كريمة طيبة في الحلال، يستمتع فيها كل زوج بالآخر؛ للإحصان والعفاف، فإن تم اللقاء في ظلال الهدي النبوي بآداب الحبيب المصطفى كان اللقاء من أعظم أسباب المودة والمحبة، وتدعيم أواصر العلاقة بين الرجل وامرأته، وشتان شتان بين رجل مسلم ذكي ألمعي أوصل امرأته إلى أن تنتظر منه هذه اللحظات، التي يذوب فيها كل زوج في الآخر، ويسكن فيها كل زوج للآخر، ويصبح فيها كل زوج لباساً للآخر. فرق بين زوج أوصل امرأته إلى أن تنتظر منه هذه اللحظات، وإلى أن تنتظر منه هذا اللقاء، وبين رجل أوصل امرأته إلى أن تنفر من هذه اللحظات، وأن تكره هذا اللقاء؛ لأنها تشعر أنها تقبل على جولة من جولات المصارعة الحرة، تستجير الله جل وعلا ألا تختنق في هذه الجولة أنفاسها، وألا تحطم فيها عظامها. فلنتأدب بأدب النبي صلى الله عليه وسلم، ولنتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تعجب أخي الكريم! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لنا آداب الفراش واللقاء، بأبي هو وأمي، فورب الكعبة ما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، وما ترك شراً إلا وحذرنا منه، فإن تم اللقاء في ظلال الهدي النبوي والخلق النبوي الرفيع العالي كان اللقاء سبباً رئيساً من أسباب المحبة والمودة، والسعادة التي تظلل سماء البيت بين الزوجين. أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحكمة والرحمة.
التطيب والتجمل
خامساً: التطيب والتجمل: قد يظن بعض الأزواج أن الزينة والتطيب والتجمل واجب على الزوجة فقط، أما هو فلا يعنيه ذلك، وهذا وهم، بل ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم من بيوت فسدت ودمرت بسبب إهمال الرجل لرائحته.. لرائحة فمه.. لرائحة عرقه.. لرائحة ثيابه! وكم من شكاوى ورسائل من النساء بخصوص هذا! فما الذي يكلف الرجل إن أراد أن يقبل على امرأته أن يطيب فمه بالسواك أو بالفرشاة، وأن يضع قليلاً من العطر والطيب، فإن العطر من ألطف وسائل المخاطرة بين الرجل وال