إخوتي فى الله إعلموا أن المسؤولية تجاه الأولاد والأهل والواجب نحوهم كبير، فهم أمانة في الأعناق وكل مسئول عمن يعول يوم القيامة يسأل، قال تعالى -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)- [التحريم/6].
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن راعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته» رواه البخاري ومسلم( ).
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» رواه النسائي وغيره( ).
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»رواه البخاري ومسلم واللفظ له( ).
عباد الله :
لقد كثرت الشرور وعظمت الفتن وصارت بسبب كثرتها يرقق بعضها بعضا ولعل في هذا مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ»رواه مسلم وغيره( ).
ولقد تزايد في هذا الزمان كيد الكفار أعداء الله وأعداء دينه وأعداء عباده المؤمنين مستهدفين ديار المسلمين يبتغون خلخلة دينهم وزعزعة أمنهم وإيمانهم وتدمير أخلاقهم وإفساد سلوكهم ونشر الفاحشة والرذيلة بينهم وإخراجهم من دين الإسلام، لا بلَّغهم الله فيما يسعون إليه وجعل كيدهم في نحورهم.
ولقد كانوا سابقا يعجزون عن الوصول إلى أفكار الشباب وعقول الناشئة، لبث ما لديهم من سموم وعرض ما عندهم من كفر وإلحاد ومجون، وأما الآن فقد أصبحت تحمل أفكارهم الرياح إنها رياحٌ مهلكه بل أعاصيرٌ مدمرة تقصف بالمبادئ والقيم، وتدمر الأديان والأخلاق، وتقتلع جذور الفضيلة والصلاح، وتجتث أصول الحق واليقين، لقد تمكن أعداء دين الله من خلال القنوات الفضائية،والبث المباشر، من الوصل إلى العقول والأفكار، ومن الدخول إلى المساكن والبيوت، يحملون فتنهم وسمومهم ويبثون كفرهم وإلحادهم ومجونهم، وينشرون رذائلهم وحقاراتهم وفجورهم، في مشاهد زور، ومدارس خنا وفجور، تطبع في نفوس النساء والشباب محبة العشق والفساد والخمور، بل إنها بمثابة شَرَك الكيد، وحبائل الصيد، تقتنص القلوب الضعيفة، وتصطاد النفوس الغافلة، فتفسد عقائدها، وتحرف أخلاقها، وتوقعها في الافتتان، ولا أشد من الفتنة التي تغزُو الناس في دورهم وبيوتهم محمومة مسمومة ،محملة بالشر والفساد.
وللأسف بل ومما يملأ النفس حزنا، أن أصبح في أبناء المسلمين وبناتهم، من يجلس أمام هذه الشاشات المدمرة ساعات طويلة، وأوقات كثيرة، يصغي بسمعه إلى هؤلاء، وينظر بعينيه إلى ما يعرضون، ويقبل بقلبه وقالبه على ما يقدمون، ومع مر الأيام، تتسلل الأفكار الخبيثة، وتتعمق المبادئ الهدامة، وتغزى العقول والأفكار، قال الله تعالى -(فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ(
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)- [القلم/8-9] وقال عز وجل -(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)- [النساء/89] وقال تعالى -(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ)- [البقرة/109]. وقال تعالى -(وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ)- [آل عمران/69].
إن من يتأمل الأضرار والأخطار، التي يجنيها من يشاهد ما يبثه هؤلاء، يجدها كثيرة: أضرار عقائدية، وأضرار اجتماعية، وأضرار أخلاقية وأضرار فكرية ونفسية، فمن الأضرار العقائدية: خلخلة عقائد المسلمين، والتشكيك فيها ليعيش المسلم في حيرة واضطراب وشك وارتياب، وإضعاف عقيدة الولاء والبراء، والحب والبغض، ليعيش المسلم منصرفا عن حب الله، وحب دينه، وحب المسلمين إلى حب زعماء الباطل، ورموز الفساد، ودعاة المجون، إضافة إلى ما فيها من دعوات صريحة إلى تقليد النصارى وغيرهم من الكفار، في عقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وغير ذلك.
ومن الأضرار الاجتماعية والأخلاقية: ما تبثه تلك القنوات الآثمة، من الدعوة إلى الجريمة، بعرض مشاهد العنف والقتل، والخطف والاغتصاب، والدعوة إلى تكوين العصابات للاعتداء والإجرام، وتعليم السرقة والاغتيال، والاختلاس والتزوير والدعوة إلى الاختلاط، والسفور والتعري، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والدعوة إلى إقامة العلاقات الجنسية الفاسدة لتشيع الفاحشة وتنتشر الرذيلة، إضافة إلى ما فيها من إكساب النفوس طبائع العنف والعدوان بمشاهدة أفلام العنف والدماء، والرصاص والأسلحة والجريمة، ناهيك عما تسببه تلك المشاهدات من إضاعة للفرائض والواجبات، وإهمال للطاعات والعبادات، ولا سيما الصلوات الخمس التي هي ركن من أركان الإسلام، إلى غير ذلك من الأضرار والأخطار التي يصعب حصرها ويطول عدها، -(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا(15)وَأَكِيدُ كَيْدًا(16)فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)- [الطارق/15-17].
هذا بعض ما يقوم به هؤلاء، ويسعون إلى الوصول إليه، فما الواجب علينا تجاه ذلك كله، أيليق بالمسلم أن يصغي لكيدهم، ويركن لشرهم، ويستمع لباطلهم، أيليق بالمسلم أن يرضى لنفسه وأبنائه الجلوس لمشاهدة ما ينشر هؤلاء، والاستماع إلى لما يبثونه، أيليق بالمسلم أن يرضى لنفسه بالدنية، ولأهله وبيته بالخزي والعار والرزية، لقد حذر الله عباده من الركون إلى الكفار وبين عظم شرهم، وكبر خطرهم، وفداحة كيدهم ومكرهم، وبين سبحانه لعباده السبل السوية التي من سلكها نجا، ومن سار عليها هدي إلى صراط مستقيم، إنها العودة الصادقة إلى دين الله، والاعتصام الكامل بحبله، والسير الحثيث على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على الأولاد من أضرار تلك القنوات وغيرها وإبعادهم عن وسائل الشر وإبعادها عنهم والصبر على ذلك كله إلى حين لقاء الله عز وجل قال تعالى -( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)- [آل عمران/120].
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . أميييين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته / محبكم أسامة محمد حسن فضل البصير. الكارناب