اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيد الاضحى المبارك
التى القاها الحبيب محمد المهدى حسن
بمسجد الامام عبد الرحمن المهدى بودنوباوى
27 مارس 1999
الله اكبر الله اكبر الله اكبر
اللهم انى احمدك واثنى لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم واشكرك شكر عبد معترف بتقصيره فى طاعتك يا ذا الاحسان والنعم.
قال تعالى: "وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"
احبابى فى الله واخوانى فى الوطن العزيز
يجتمع المسلمون اليوم فى كل انحاء العالم كتجمعنا هذا ليؤدوا صلاة العيد الاكبر ويجتمع ممثلوهم على مختلف السنتهم والوانهم فى منى بعد ان ادوا اعظم ركن فى الحج الاكبر: الوقوف بعرفات انها تجمع لها حكمتها ولها فلسفتها التعبدية والاجتماعية البالغة التى قدرها الله وارادها لهذه الامة.
فالحج ركن من اركان الاسلام فرضه الله على من استطاع اليه سبيلا وهو ربط للامة بماضيها الضارب فى القدم حينما امر رب العزة ابانا ابراهيم عليه السلام برفع اركان البيت وان يؤذن فى الناس بالحج اليه وحينما امره -تعالت حكمته – بان يذبح ابنه قربانا لله وامتثالا لامره فامتثل الاب وتجاوب الابن فى الامتثال فجاء الفداء من قبل العلى القدير "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ" الآية. ومنها جاءت مشروعية الفداء ولهذا امرنا رسول الله بالاضحية حيث قال مرغبا فيها "عن عائشة رضى الله عنها ان رسول الله قال ما عمل ادمى من عمل يوم النحر احب الى الله من اهراق الدم انها لتاتى يوم القيامة بقرونها واشعارها واظلافها وان الدم ليقع من الله بمكان قبل ان يقع بالارض فطيبوا بها نفسا" فالاضحية سنة، فمن ذبح قبل الصلاة فانما هو لحم قدمه لاهله ومن ذبح بعد الصلاة فهى اضحية وقربانا لله واداء لسنة نبوية ومن شروطها انت تكون سليمة من العيوب قال فيما يرويه البراء بن عازب ان رسول الله سئل ماذا تبقى من الضحايا؟ فاشار بيده وقال اربعا العرجاء البين ظلعها والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التى لا تشفى وامر رسول الله ان يؤكل منها ويطعم منها ويهدى انها سنة وطعمة للاهل والجيران والضيوف والاضحية مثل الحج تكون بالاستطاعة وقد رووا ان رسول الله ضحى بكبشين اقرنين واحد عنه والاخر عن فقراء الامة.
ايها الاحباب،
وبينما يتقرب المسلون هنا وفى اماكن اخرى بضحاياهم يكون حجاج بيت الله الحرام قد حلوا بمنى وهم يمضون قدما فى اداء الشعائر. ان شعائر الحج كلها اشارات ورمز تلوح احيانا وتدق عن الفهم احيانا اخرى ولكنها جميعا تحمل معنى الامتثال لله والسير القاصد اليه والترقى فى سلم الايمان شأنها شأن كثير من شعائر الاسلام الاخرى والتى ندرك الحكمة من بعضها ونعتبر البعض الاخر توقيفا يعلم الله وحده الحكمة منه ونتعامل معه بالتسليم والامتثال. ومن حكم الحج انه مؤتمر اسلامى سنوى يجمع حجيجا الوانهم شتى واشكالهم شتى والسنتهم شتى ولكن هدفهم واحد وهمهم واحد.
ان مؤتمر هذا العام ياتى وفى انتظاره اجندة مهمة وكبيرة انها تحديات فكرية وحضارية ومخاطر اقتصادية وسياسية تواجه الامة الاسلامية تتطلب توحدا فكريا فى مواجهتها وبصيرة نيرة.
ايها الاحباب لقد طرح منبر هيئة شئون الانصار فى السنوات الماضية مشروعا لتوحيد اهل القبلة بالسودان سماه عهد الولاء والبراءة لمواجهة التحديات التى تواجه المسلمين بالسودان واليوم فى مواجهة تلك التحديات القديمة والتحديات المستجدة تطرح هيئة شئون الانصار ممثلة فى قائدها السيد الصادق المهدى نداء المهتدين وتهيب بكل اهل القبلة ان يقوموا بدراسته والتجاوب معه واتخاذه عهدا. انه نداء يخاطب الواقع الاسلامى والواقع الدولى المعاصر ويضع المسلمين امام واجباتهم لقد خاطب النداء تلك المعانى بما يمكن تلخيصه على النحو التالى:
سطرت سيرة الاسلام صلاحا ونجاحا وفلاحا لم يعهد تاريخ البشرية له مثيلا، لقد اسس الاسلام دينا عالميا مازال يتمدد فى كل انحاء العالم واسس المسلمون حضارة استصحبت عطاء حضارات الانسان الابقة واتت بنسيج وسطى فريد. ولكن تلك الحضارة - بعد حين من الدهر – قعد بها الجمود الفكري والثقافي، وأضعفها التفرق المذهبي، وأقعدها التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وحبسها الاستبداد السياسي فتآكلت وتراجعت حتى صارت كالمستعدة للغزو الأجنبي والاستسلام له وفى المقابل منذ ثلاثة قرون استطاعت الحضارة الغربية استصحاب الحضارات السابقة لا سيما الحضارة الإسلامية، فحققت انجازات عظيمة وتفوقت على الحضارات الاخرى. اهلها لذلك تراجع الحضارة الاسلامية وتطور قدراتها الذاتية بسبب ثلاثة عوامل هى:
1- الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي.
2- تأسيس نظام سياسي يقيم الحكم على رضا المحكومين ويعرض الحكام لمحاسبتهم عبر مؤسسات مقننة ويحقق التداول السلمي للسلطة عبر مؤسسات دستورية ويخضع الوظيفة العسكرية للشرعية الدستورية وللقرار المدنى.
3- تأسيس نظام اقتصادي حقق جدوى استثمارية وإنتاجية عالية بالاستفادة من التطور التقنى وآلية السوق الحر.
وضعت الحضارة الغربية الحديثة المهيمنة الحضارات الآخرين أمام واحد من ثلاثة خيارات:
أ. رفض الحضارة الغربية ومقاومتها.
ب. الامتثال التام لها باعتبارها الطريق الوحيد نحو المستقبل.
ت. اتخاذ موقف وسط يحافظ على الهوية الحضارية ويقبل التحديث ويفرق بين المقومات الذاتية للحضارة الغربية وبين الحداثة.
ومن واقع الحال الآن فأن البلدان التي تمت فيها محاولات البعث الماضوي المحض ورفض الحضارة الغربية تشهد بعثا تأصيليا وهذا يعنى أن النهج الأفضل هو التزام التأصيل دون انكفاء والتحديث دون تبعية.
إن علاقة الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية يحفها التعقيد لاسباب عديدة منها: وجود تيارات الانكفاء الاسلامى التى ترفض التعامل مع الاخر ومنها التخوف الغربى التاريخى من الاسلام ومنها التعالى الغربى على الحضارات الاخر والتعامل الظالم مع المسلمين. هذه العوامل تشكل مهددات ربما قادت العالم الى فترة صدام ظلامية.