التاريخ
أصل كلمة الفنج
وردت كلمة "الفنج" في مصادر ومخطوطات كثيرة ومختلفة نذكر منها كتاب (ملوك السودان) تحقيق مكي شبيكة و(مكمايكل) في تاريخ العرب في السودان كما أيدها كتاب الطبقات لابن ضيف الله تحقيق يوسف فضل والذي يقول فيه (والملاحظ أنها تكتب في وقتنا هذا فونجاوي وليس فنجاوي.
أصل الفنج
أما أصل الفنج كما أورده المؤرخون على مختلف أشكالهم لا يزال موضع خلاف). ويقول المصدر نفسه فالفنج شعب أسود قدم من أعالي النيل الأزرق وسيطر على الجزء الجنوبي من الجزيرة ثم امتدت نفوذه على العرب الذين سبق لهم السيطرة على مملكتي علوة والمقرة في أعقاب هجرتهم في القرن الرابع عشر (1504م) أما معظمهم يسكنون الجزء الجنوبي الشرقي لمحافظة النيل الأزرق (التقسيم ما قبل 1974م).[1]
يذكر يوسف فضل في مقالته (لمحات من تاريخ مديرية النيل الازرق) عن الحفريات التي تمت بمنطقة سنجة والتي اكدت وجود بعض المجموعات البدائية التي استوطنت المنطقة في العصور السحيقة من التاريخ ويقول:
قد تمكن الأثريون من اكتشاف جمجمة انسان سنجة وتفيد الحفريات ان هذا الانسان عاش في الفترة المطيرة Fluvial التي تعاصر نفس الفترة التي شهدت هطول امطار غزيرة شملت شرق أفريقيا حيث كانت الحياة تعتمد أساساً على الصيد في مجموعات, وكان عنصر البوشمان اكثر انتشاراً مما هو عليه الآن.
وقد أثبتت الحفريات أيضا ظهور بعض الدلائل التي تدل على ان هذه المنطقة كانت إمتداداً لمملكة مروي القديمة وربما كانت المنطقة التي تمثل المركز الجنوبي لامبراطورية كوش وورثها المرويون حيث أضافوا لها مراكز إدارية وحضارية أخرى:
اختلف الباحثون كثيراً في تحديد أصل الفونج وقد أدرج بعض علماء اللغات والمقارنة والآثار نظرية أصل الفونج التي ترجع الى منطقة الشلك على النيل الأبيض وهم من المجموعة النيلية بالسودان وتحديداً الأصول القديمة للشلك واحتمال آخر انهم من بلاد برنو في غرب أفريقيا وآخرون ترجع نظرياتهم الى الأصل الحبشي. أما عن الروايات السودانية وبعض المؤرخين والأهالي انفسهم يجمعون على ان الفونج من سلالة بني أمية الذين هربوا من قيد الدولة العباسية بعد سقوط دولتهم, وترجح هذه الرواية انهم دخلوا السودان عن طريق الحبشة.
وفي عام 1772م زار الرحالة جيمس بروسي عاصمة الفونج سنار وقد أخذ وجمع ما كان متداولاً من روايات من رواة مختلفين على رأسهم أحمد سيد القوم الذي كان مدير شئون القصر الملكي أو ريس الخدم، وقد ربط بين الفونج والشلك أما آركل الذي عدل في نظريته عن تأييده المطلق الى نظرية الأصل الشلكاوي الى الأصل البرناوي بعد اخذه من رواة مملكة دارفور التي كانت ذات صلة قوية بمملكة كانم أو سلطنة برنو يقول وتقول الروايات بعد سقوط سلطان برنو عثمان قاضي بني مادي داوود اثر نزاع حول العرش (1486م) شق طريقه الى حوض حول وادي النيل وتمكن من سيطرته على الشلك أولاً ثم على مملكة سوبا ثانياً. يظهر مما سبق ذكره وخلال الطواف بتلك المنطقة القول أنهم عدا النظرية التي ترجعهم الى الاصل الحبشي، وصارت تلك الأجناس عدداً قد لا يذكر من العرب. ويمكن القول ان سلطنة الفونج كانت اسلامية وهي اول تجربة رائدة في خلق دولة موحدة ومن ملوك سنار نذكر عمارة دنقس مؤسس سلطنة الفونج (1504م) وقد كان دنقس مسلماً الا ان كثيراً من اتباعه ظلوا على الوثنية خلفه نايل وعدلان 1611 – بادي سيد القوم – بادي أبو دقن 1645م – بادي الأحمر 1692م ابنه الثالث 1716م، بادي أبو شلوخ 1724م الى نهاية السلطنة 1821م على يد جيش محمد علي 1821م.
لم يستكن الفونج للغزاة مطلقاً حتى قيام الثورة المهدية بعدها – ومنذ 1820م جعل محمد علي باشا عن طريق ارسال اسماعيل باشا 1821م جعل فامكة التي تبعد من الخرطوم 435 ميلاً عاصمة لمنطقة فازوغلي الجبلية وبنى فيها قصراً جميلاً ومعملاً لاستخراج الذهب مما جعل هناك صراع حول الذهب والرقيق والسلاح، فمن الانتفاضات نذكر ثورة الشريف أحمد ود طه بين رفاعة وأبو حراز وقد أعد ذلك العطاء الحربي الى عطاء اقتصادي اسهم في دعم دولة المهدية ويقود إلى ما ورد عن منطقة بني شنقول – فبعد هزيمة المهدي لملك الحبشة (منليك) وفرض شروط الصلح جاء عهد الخليفة عبد الله التعايشي، اسهمت دبلوماسيته في خلق علاقة حميمة مع ملك الحبشة منليك ويقول الاهالي ان تلك المنطقة الواقعة بين الكرمك وقيسان الى داخل الحبشة وحتى مدينة (اصوصا) الحبشية الى منطقة بني شنقول كانت أراضي سودانية ومما يدعم ذلك عدة أسباب، الأول هو أنه ما فتح محمد علي باشا السودان إلا من أجل الذهب بمنطقة بني شنقول والثاني هو عدم الفواصل الطبيعية والبيئية التي تفصل تلك المنطقة السودانية الحالية، أما الثالث هو وجود السودانيين بها حتى اليوم والذين يتبعون سياسياً فقط للحبشة دون الانتماء من ناحية الأصل والتقاليد والطباع أو حتى الشبه البيئي من شكل ولغة او خلافه. ويطابق ما ذكره الأهالي ما سرده الرحالة الايطالي بلزم Beltrum قول أحد محدثيه في بني شنقول يقول بلترم (حدثني فكي السيد) فقال (نحن سيدي نقيم في هذه الديار منذ امد قصير نحن من أهل شندي والمتمة وحلفا الذين هربوا من مناطقهم عندما أرسل محمد علي جنوده المصريين لينتقموا لمقتل ابنه إسماعيل باشا الذي أحرق حياً في شندي فعدد كبير منا في ذلك الوقت لجأ لبني شنقول والتي كانت في ذلك الوقت المدينة الرئيسية من أرض الشناقلة والبعض ذهب الى بلد فداسي بينما الباقي على الجبال المجاورة.
من الزنوج تراهم كان سيدي مكان فيهم من سكن بني شنقول قبل وصولنا والآخرين هم البرتا السود الذين جاءوا ووضعوا انفسهم تحت سلطتنا لعدم تمكنهم من ايجاد ما يمكن ان يعيشوا عليه فوق جبالهم الجدباء، والرئيس الكبير لكل هؤلاء الزنوج هو (هنكتوق) وللمزيد يمكن بحث ذلك فيما كتبه J.Spaudling وما يضيفه الأهالي من قصص حول منطقة بني شنقول. يقول الأهالي ان تلك المنطقة كانت منطقة سودانية وصارت الآن مقسمة بين السودان وأثيوبيا ويلاحظ ذلك في تقسيم الجبال الى قسمين مثل جبل (دول) بمنطقة الكرمك وجبل كشنكرو بمنطقة قيسان وما فيه من سكان سودانيين الأصل بالاضافة الى ما سبق ذكره يستمر الأهالي في سرد قصتهم (فكان يحكم تلك المنطقة حاكم سوداني) شمالي (جعلي) يطلق عليه اسم (تور الجودي).
وفي عهد الخليفة عبد الله التعايشي وعند اضمحلال حكمه وإبان المجاعة والمطامع الخارجية حاول تور الجودي الانفصال بتلك المنطقة وذلك بعصيانه للخليفة عبد الله التعايشي وعدم دفع الضرائب والرسوم الحكومية التي كانت مقررة من قبل – ولضعف نفوذ سلطات الخليفة قام بإهداء نصف المنطقة وما فيها من تور الجودي لصديقه الملك الحبشي منليك ادباً لتور الجودي ورداً لجميل سبق ان قدمه له وكان عبارة عن هدايا اقتصادية وعتاد حربي يتمثل في عدد كبير من الحصين لمواجهة ذلك الخطر الخارجي. وفيما بعد أصبحت المنطقة التي أهديت لا حبشية ولا سودانية اذا اعطى فيها منليك صلاحية الحكم بعد تور الجودي وفي شكل نظام شبيه بنظام النظار والعمد للملكة آمنة وأخيها وأصبحت من الجانب الحبشي، أما عن الجانب السوداني كان يحكم الملك ود الجاز (خوجلي ود الحسن شقيق الملكة آمنة).
وحتى عهد قريب كان في آواخر الستينيات يتمتعون بكامل الحرية وجيش خاص وحراس..وخدم وعن ذلك كتب حسن عبد الرحيم الطيب في دراسة مقارنة بين منطقة جبال النوبة وجبال الانقسنا يقول: أما الاخبار الأشبه بالأساطير هي وجود ذهب مخبأ في جبال النوبة وحوله اللعنة بمن يحاول اخذه وأساطير متشابهة عن ذهب المك خوجلي ود الحسن ملك بني شنقول في فترة المهدية والملكة آمنة زوجته المخبأ في جبل كرت في اثيوبيا وحوله سكن الجن لهذا الذهب وكذلك حول وجود الذهب او شجرة الاكسير في جبل دول بالكرمك وشجرة اخرى في طريق الأبيض.