(1)
&&-الْمَوْلِدُ النَّبَوي
الحمدُ للهِ الَّذِي بعثَ سيدَنَا محمَّداً رحمةً للعالمينَ، وأخرجَ بهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلماتِ إلَى نورِ الحقِّ المبينِ، وأشهدُ أنْ لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ وأشهدُ أنَّ سيِّدَنَا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ, صلَّى اللهُ وسلَّمْ وبارَكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
فِي كلِّ عامٍ هجريٍّ تُشرقُ علينَا ذكرَى ميلادِ الرَّحمةِ المهداةِ والنِّعمةِ المسداةِ؛ ففِي عامِ الفيلِ وفِي شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ وفِي يومِ الاثنينِ وُلِدَ النبيُّ المصطفَى مبشِّراً بِميلادِ عهدٍ جديدِ، يعمُّ الخيرُ فيهِ أرجاءَ الكونِ، وتنشرُ الرَّحمةُ ظلالَهَا الوارفةَ علَى المعمورَةِ كلِّهَا، قالَ سبحانَهُ وتعالَى : قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ
(2)
وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . فهذَا النُّورُ الْمُحمديُّ كانتِ البشريةُ تنتظرُهُ منذُ دعوةِ أبِي الأنبياءِ إبراهيمَ وبشارةِ سيِّدِنَا عيسَى عليهِ وعلَى نبيِّنَا أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي آمِنَةَ الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ» وَأَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللهِ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهَا قُصُورُ الشَّامِ ، ثُمَّ تَلاَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.
عِبَادَ اللهِ: إنَّ النَّبيَّ محمَّدًا وبعثتَهُ مِنَ النِّعَمِ العظيمةِ الجليلةِ الَّتِي أكرَمَ اللهُ بِهَا الإنسانيةَ كلَّهَا؛ فكانَتْ ولادتُهُ بركَةً عامَّةً وخاصةً، فقدْ حفظَ اللهُ البيتَ العتيقَ مِمَّنْ أرادَ هدْمَهُ، وَلَمَّا نزلَ ديارَ حليمةَ السَّعديةِ مرضعتِهِ كَثُرَ الخيرُ والبركةُ فيهَا، وأَلَحَّتْ حليمةُ السعديةُ علَى أمِّ الرسولِ السيدةِ
(3)
آمنةَ بنتِ وهبٍ أَنْ تُبْقِيَهُ عندَهَا فترةً أطولَ، فَلَـبَّتْ أمُّهُ طلبَ مرضعتِهِ، وهكذَا أشرقَتْ شمسُ النُّبوةِ وأنارَتْ للبشريَّةِ دربَهَا وبَثَّتْ الرُّوحَ فيهَا, فأنبتَتْ فِي رياضِ القلوبِ غراسَ الإيمانِ والمحبَّةِ والمودةِ, وأثمرَتْ فِي طريقِ الإنسانيَّةِ العزَّةَ والوحدةَ والكرامةَ والمعرفةَ، قالَ اللهُ سبحانَهُ : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ.
عِبَادَ اللهِ: إنَّ الفرحَ بِمولدِهِ فرحٌ بالنِّعمةِ العظمَى، وقدْ قالَ تعالَى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ وذِكْرَى ميلادِ النَّبيِّ فُرْصَةٌ عظيمةٌ تُجَدِّدُ صِلتَنَا وارتبَاطَنَا بالسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ العَطِرَةِ الَّتِي تُمَثِّلُ سبيلَ النَّجاةِ للإنسانيةِ، فبِالنظَرِ فِي هذِهِ السيرةِ يرَى الإنسانُ صورةَ التَّوَاضُعِ المقترنِ بالمهابةِ، والحياءِ المقترنِ بالشجاعةِ، والكرمِ
(4)
الصادقِ البعيدِ عَنْ حُبِّ الظُّهورِ، والأمانةِ المشهورةِ بيْنَ الناسِ، والصِّدْقِ فِي القولِ والعملِ، والزُّهْدِ فِي الدُّنيا عندَ إقبالِهَا، وعدمِ التَّطَلُّعِ إليهَا عندَ إدبارِهَا، والإخلاصِ للهِ فِي السِّرِّ والعلانيةِ، معَ فصاحةِ اللسانِ وثباتِ الجَنانِ، وقوَّةِ العقلِ وحُسْنِ الفَهْمِ، والرَّحْمَةِ للكبيرِ والصَّغِير، ولِينِ الجانِبِ، وخَفْضِ الجَناحِ، ورِِقَّةِ المشاعِرِ، وحُبِّ الصَّفْحِ، والعفْوِ عَنِ المسيءِ، والبُعْدِ عَنِ الغِلْظَةِ والجفاءِ والقَسْوَةِ، والصَّبْرِ فِي موَاطِنِ الشِّدَّةِ، والجُرْأَةِ فِي قَوْلِ الحقِّ، والتَّبَتُّلِ إلَى اللهِ تبْتيلاً، وهذِهِ معانِي الإسلامِ السمحةِ، يقولُ سبحانَهُ : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
عِبَادَ اللهِ: إنَّ ذِكْرَى ميلادِ النَّبيِّ تبعَثُ فينَا إحياءَ سنتِهِ العطرَةِ، ودعوتَهُ إلَى الرَّحمةِ بأبْهَى صورِهَا وشتَّى أنواعِهَا، وتذكِّرُنَا بأخلاقِ الإسلامِ السَّاميةِ الرفيعةِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا خاتَمُ النَّبِيينِ، قالَ «إِنَّمَا
(5)
بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ». وقالَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ». وقدْ نَهَى عَنِ العصبيَّةِ العُنْصُرِيَّةِ الذَّمِيمةِ، وحثَّ علَى المساواةِ فقالَ «النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ». وقدَّمَ للعالَمِ نظامَهُ المتوَازِنَ وقَانُونَهُ العَادِلَ فَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ». اللهمَّ اجعلْنَا علَى منهجِهِ وطريقتِهِ وأكرمْنَا بشفاعتِهِ إنَّك أنتَ السَّميعُ العليمُ .
الحديث: رَوَى الإمَامُ أبو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنِ عَبْدَ الرَّحَمنِ الدَّارِمِيُّ- بِسَنَدِهِ عَنْ جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَحُرِّمَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَيِّبَةً مَسْجِداً وَطَهُوراً، وَيُرْعَبُ مِنَّا عَدُوُّنَا مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ». أو كما قالَ .
(6)
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ، واعلمُوا أنَّنَا مطالبُونَ بالقيامِ بِحَقِّ النبي علينَا، ومنْ حقِّهِ علينَا أنْ نُحبَّهُ محبَّةً صادقةً تسمُو علَى كُلِّ محبَّةٍ للوالدينِ والأولادِ والأموالِ والنُّفوسِ، وعلينَا اتباعُهُ والتزامُ أوامرِهِ واجتنابِ مَا نَهَى عنْهُ قالَ اللهُ تعالَى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم ومِنْ مقتضياتِ محبَّتِهِ التَّأَسِّي بِهِ والاقتداءُ بأخلاقِهِ وأفعالِهِ وأقوالِهِ وسائِرِ أحوالِهِ .
(7)
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ
تَعَالَى:إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ويَقُولُ الرسولُ «مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ التأسِّيَ برسولِنَا محمدٍ اللَّهُمَّ أعِنَّا علَى التزامِ منهجِهِ وإتباعِ سنتِهِ واحشرْنَا فِي زمرتِهِ، واسقِنَا مِنْ يدِهِ الشريفةِ شربةً لاَ نظمأُ بعدَهَا أبدًا، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدينِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نعلمْ، ونعوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نَعلمْ، ونَسألُكَ الجَنَّةَ ومَا قَرَّبَ إِليهَا مِنْ قَولٍ أَوْ عَملٍ، ونَعوذُ بِك
(
مِنَ النَّار ومَا قَرَّبَ إِليها مِنْ قَولٍ أوْ عَملٍ، ونَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منه سيدُنَا مُحمدٌ ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ اللهمَّ اختِمْ بالسعادةِ آجالَنَا، وحقِّقْ بالزيادَةِ أعمالَنَا، واقْرِنْ بالعافيَةِ غُدُوَّنَا وآصالَنَا، ومُنَّ علينَا بإصلاحِ عيوبِنَا، واجعلِ التَّقْوَى زادَنا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ،
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله
* * *
مسجد الرحمن -- امبدة ح3