تقديم د.الطيب زين العابدين:
الشكر على الدعوة. مع أنه ليس من المناسب أن يتحدث من هم في سن السبعين بعد شاب قوي مثل الشيخ ناصر. بالنسبة للاسم الأنسب مقاومة الظلم وليس جهاد الظلم بما له من دلالات خاصة عند الأنصار.المشروعية أوضحها عبد المحمود الوسائل:بالقوة وسلمية كلاهما جائز وقد استخدمت كلتا الوسيلتين في تاريخ المسلمين المعاصر.
السؤال :متى يلجأ أهل المقاومة إلى وسيلة عنيفة أو سلمية.هذا هو السؤال الحقيقي والتحدي لأن الوسيلتان صادفتا النجاح في أحيان، وأحيانا الفشل.مثلا الرسول في مكة ظل 13 سنة دون قتال
(الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة واتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا الى اجل قريب قل متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا) النساء 77
وبعد أن أجبروا على المقاومة المسلحة(اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) الحج 39 ،كان الرسول (ص) قلقا –فإن تهلك هذه العصابة فلن يعبد الله أبدا- وهذا غير مطلوب فالمواجهة لم تكن – حينها ممكنة من حيث موازين القوة من تحالف قريش والقبائل المحيطة.
لكن أحيانا قد يجد القائد أن لا مفر من المواجهة فما هي المعايير؟ مثلا:
هل كان من الممكن للخليفة عبد الله ألا يرد بالوسائل المسلحة ؟ذلك غير وارد كذلك في حالة علي دينار حتى إن علم أنه سيهزم سيخوض المعركة لعدم وجود خيار آخر .
من المحاضرة أخذت انطباع أن المحاضر يميل إلى الوسائل السلمية .
لا أحد ينكر دور حزب الله في لبنان أو دور حماس في غزة فلا شك أن مقاومة حماس هي التي جعلت إسرائيل تنسحب من غزة أيضا ما وجدته أمريكا من مقاومة في الصومال والعراق كل تلك أمثلة ناجحة للمقاومة المسلحة.
توجد أمثلة ناجحة للمقاومة السلمية مثل ما قام به غاندي أما جنوب أفريقيا فلا نظن أنها كانت سلمية بل كانت مسلحة وطلب من مانديلا إدارة العنف لكنه رفض وبقي في السجن والجزء السلمي من التغيير هو في قبول غاندي بالمصالحة والسلم لذلك استمر النظام مستقرا.
ما هو نوع الظلم الذي نشتكي منه ؟
الظلم الحقيقي هو الطغيان السياسي والاستبداد السياسي وكل المظالم الأخرى من رشوة وغيرها.
كيف يواجه هذا الطغيان السياسي؟
أميل هنا إلى الوسائل السلمية لكن لا يمنع حدوث مقاومة بالقوة ولكنها جربت من الأحزاب في السودان ضد جعفر نميري في يوليو 76 وضد هذا العهد في التسعينات ولم تؤد لنتيجة .
الوسيلة المناسبة يجب أن تحسب بالعقل :هل بإمكان المقاومة المسلحة أن تطيح بالنظام ؟لا بد أن يجيب الذي يريد المقاومة عن هذا السؤال هناك معايير للمقايسة (يا ايها النبي حرض المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وان يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا بانهم قوم لا يفقهون )الأنفال 65.
ثم كانت
الان خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مئتين وان يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن الله والله مع الصابرين )الأنفال 66
الفرار يوم الزحف غير مطلوب لكنه جائز فليس المطلوب استعراض البطولات بل قمع الظلم وهي عملية حسابية.
في عهد الرسول (ص) كان نوع السلاح واحد لكن الفارق كبير الآن وهذا هو ما هزم الأنصار في كرري ولم تخذلهم شجاعتهم.
هل هناك فرصة لاستخدام السلاح ضد النظام الذي عندنا؟أظن هنا أن استشهاد عبد المحمود بالإمام عبد الرحمن صحيح-مثلا حركة ود حبوبة هو ومن استشهدوا معه قطعا كانوا يريدون الاستشهاد ولم يكن في حساباتهم الانتصار والإمام عبد الرحمن حسب ذلك وأظن الإمام الهادي حسب ذلك أيضا وكان يفكر في تلك الحسابات لكن من معه من متحمسون غلب رأيهم.
أميل شخصيا إلى مقاومة الاحتلال بالمقاومة المسلحة القضية الفلسطينية مثلا في تفاوض منذ أول السبعينات منذ عهد عرفات والآن محمود عباس ماذا حققوا؟ رغم ما قاله شيخ عبد المحمود عن انتفاضة الحجارة ماذا كانت النتيجة؟ بينما استفاد حزب الله من المقاومة المسلحة واستعاد الأرض وكذلك حماس في غزة.المسألة كما أسلفت تحتاج حسابات.
الشهادة ليست هدف للجماعة بل هدف للفرد. هدف الجماعة هو الانتصار وإقامة العدل ولا بد لقائد الجماعة من تحقيق ذلك سلما أو حربا.
ما أسميناه في الجنوب في التسعينات جهادا لم يكن جهاد على الإطلاق بينما يحاسب الأفراد على نياتهم وكانت حرب الجنوب بقصد المحافظة على وحدة البلاد مثلما فعلت كل الحكومات قبل الإنقاذ.
بالنسبة للطغيان السياسي الوسائل السلمية هي الأنجع مثلما حدث لنا في السودان في اكتوبر وابريل ومثلما حدث الآن في تونس وفي مصر .
ثم أنه من مشاكل المقاومة المسلحة أن الجهة التي تنتصر بالسلاح قد تتحول إلى طاغية مثلما حدث في أفغانستان بعد خروج الروس ومن بعدهم الأمريكان واجه الأفغان بعض بالسلاح فاستخدام السلاح يغري وقد رفضوا الاتحاد حكمتيار وغيره.
أيضا قد لا تكون نتائج الصدام المسلح هادفة لبسط العدل.
أفضل استخدام الوسائل السلمية ضد الطغيان السياسي وهي أيضا لا تخلو من ضحايا وفي حالة مصر أكثر من 300 لكن في حال مقاومة جيش مسلح سيكون الفرق كبيرا .مصر كانت من أسوأ مناطق الاستبداد في العالم ومنذ عبد الناصر وظل الوضع يزيد سوء .
بالنسبة لنا في السودان :إحساسنا بالظلم الاجتماعي ضعيف لكن في حال الظلم الفردي لا نتحمل الحقارة في حدود الشعور الفردي وهذه نقطة يجب أن يلفت الدعاة لها النظر هذا هو الأكثر تأثيرا وظلما وتوعية الناس بالظلم المجتمعي كبير الجدوى، أضرب مثلا بما يضربه القرآن لطغيان فرعون رمز الاستبداد السياسي (بينما قارون رمز استبداد الغنى)وقوله "ماأريكم الا ما أرى"غافر 29 الاستبداد يصنع هو ليس صدفة:مثلا أصدر البشير قرارا بمصادرة أرض البركس في جامعة الخرطوم ومنحها لصندوق رعاية الطلاب والأرض المنزوعة مساحتها 110 ألف متر مربع في قلب الخرطوم تم هذا الانتزاع بخطاب في أربعة أسطر فقط مما أغضب كل أسرة الجامعة من طلاب وأساتذة وعمال وهو أسلوب مستبد لم يشاور ولم يخطر حتى مسبقا.بدأ تفاكر واجتهادات ومن ضمنها ذهبت لشخص مقرب جدا ليخطر الرئيس عن طريق شخص ظل مقربا إليه طيلة الاثنين وعشرين عاما محذرا من نتائجها السياسية الخطرة ومستخدما الحجج ولكنه أخبرني بأن هذا الشخص المقرب للرئيس لا يمكنه أن يراجع الرئيس أبدا في أي شيء! هذا هو النوع الذي يصنع الاستبداد.
نعود إلى قصة فرعون –ربنا سبحانه وتعالى ذكر في الزخرف(فاستخف قومه فاطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين)الزخرف 54 .عدم طاعة الطغيان السياسي هي الوسيلة القوية ضد الطغيان السياسي.