صرخة عانس
ما إن وضعت رأسي على الوسادة؛ حتى تداعى ذاك الشريط الذي يتكرر كل ليلة: يدي في يد عريسي، ليلة الزفاف، وأنا في ثوبي الأبيض الجميل، يغمر قلبي الفرح، ويفيض السرور من عيني.
لم أصخ من حلمي هذا إلا على طرقات باب الحجرة. إنه ابن أخي. أخي صار عنده ولدان. أخي الذي يصغرني بسنوات تزوج وأنجب وأنا ما زلت... آه كم كنت غبية حمقاء.
ما زلت أذكر فرحة أمي وهي تخبرني أن شابا متدينا تقدم إلى خطبتي. كنت في المرحلة الثانوية. لم يفرحني يومها الخبر فرددت عليها بقولي: "أنا لا أفكر في هذا الموضوع يا أمي.. أريد أن أكمل تعليمي " وانصرفت عنها بغرور وعجب بنفسي.
بعد أن أنهيت مرحلتي الثانوية قال لي أبي:
"يكفيك هذا. لقد خطبك عمك اليوم لابنه أحمد. آن لك أن تتزوجي ".
بكيت وبكيت، ورفضت الزواج، وأصررت على مواصلة الدراسة، ونجحت في إصراري، ودخلت الجامعة، وحين صرت في السنة الثالثة، تقدم لخطبتي ابن جيراننا عبد الرحمن، هذا المهندس الناجح في عمله. ما زلت أذكر كيف سمعت أمه وهي تخطبني إليه من أمي.. وكيف اقتحمت عليهما جلستهما وأنا أصرخ: لن أتزوج قبل أن أتخرج في الجامعة.
وتخرجت في الجامعة، ولم يعد يخطبني أحد. أدركت أنني كنت على خطأ. بل لعل أبي كان على خطأ حين خضع لإصراري على مواصلة دراستي. لا.. بل لعلها أمي التي لم تشرح لي.. لا أدري.. لا أدري.. كل ما أعرفه الآن... أنني أصبحت عانسا.