أزاى هتبقى محاكمة مبارك..؟!
السلام على من اتبع الهدى و أمن بالرسول المهتدى أما بعد ......
انا أوا ما سمعت عن ثروة حسنى مبارك .... تنحت! بس بردو يا جماعة خلينا ما نظلموش ده كان يا عينى عليه عميل لليهود و الامريكان .... هو بيع الاعضاء و تنيم الشعب حاجة سهلة ..... لأ بجد 70 مليار دولار قليل جدا .... واحد زايوه كافيه عليه 1 قرش و يحمد ربنا انو طالو أصلا و الممتاز انو عشان يفضل على كرسى يموت ويعتقل و يخطف...... بس بردوا يا جماعة متأسوش عليه لأن الكلب مهما دمر ففى الاخر بيتلم و لكن بجد دلوقتى قدم سياسيون و شخصيات عامة دعوى للتحقيق فى ثروة حسنى مبارك و عائلته ....
و علفكره الى مضيع كرامة شعبه يبقى بالتأكيد ما عندوش كرامة و لا يستحقها
و يا ريت تقولوا انتوا نفسكوا تبقى محاكمة مبارك ازاى و اسبكوا مع ......
في مكان ما، وزمان قد يكون أضغاثحلم، أو تمنيات واهم، أو حقيقة مستقبلية، أو أطياف في نصف قيلولة قصيرة، أو مأثوراتشعبية ستحكيها أجيال قادمة، أو عبث الكتابة، أو يأس المتمرد، أو قراءة في صدورملايين المصريين الصامتين منذ خمسة آلاف عام، حدثت أو ستحدث أو لن تحدث وقائعالمحاكمة التالية.
القاضي: اسمك ووظيفتك وتاريخ ميلادك؟المتهم: محمدحسني مبارك، رئيس جمهورية مصر العربية سابقا، ومن مواليد مايو 1928ميلادية.
القاضي: وهل كانت لك وظائف أخرى؟المتهم: نعم، عشرات من الوظائفالتي لا مجال لذكرها هنا، وكلها مجتمعة ومتشابكة جعلت كل شبر، وحدث، وتغيير، وأمر،وتعيين، واستقالة، واقالة، ومحاكمة، وتبرئة، وتعذيب، وتحويل أموال، واستمرار شخص فيمنصبه .. في يدي أنا وحدي فقط، ولو أردت أن أبعث نصف المصريين وراء الشمس دونمحاكمة لفعلت دون أن تعترض طريقي نملة صغيرة لا يراها سليمان، عليه السلام، لو كانحيا بيننا.
القاضي: كيف تَسَلّمت الحكمَ؟المتهم: مصادفة بحتة جعلت الرئيسَالراحلَ أنور السادات يقوم باختياري نائبا له، ثم سقط قتيلا عندما كان يحتفل بقواتهالمسلحة في ذكرى العبور، فتوَلّيتُ الحكمَ. ومنذ ذلك التاريخ قمت بمسح وحذف والغاءكل مَنْ حوّلي ليتحولوا إلى أصفار لا تساوي جناح بعوضة لو اجتمعت على رأي مخالفلرأيي.
القاضي: وفي حال غيابك، ماذا كان يفعل نائب الرئيس؟المتهم: لم يدربذهني للحظة واحدة أن أقوم بتعيين نائب لي لسبيين: الأول هو أني لا أتصور أن تتجمعقوة وسلطة وسطوة في يد شخص آخر بجانبي، والثاني أن حلم استمرار أجيال من صلب مباركشغل كل كياني، فقمت بتلميع ابني جمال وجعلته فوق كل المصريين بمن فيهم رئيس الوزراءوالوزراء وكل مسؤول في أرض مصر وسمائها وبحرها.
القاضي: كيف تمت عملياتالانتخابات التي ترشح لها مصريون منافسون لك، وهل كانت هناك لجان رقابة دوليةلمراقبة سيرها والتأكد من نزاهتها؟المتهم: لم تكن هناك انتخابات ولو مرة واحدة،ولكن استفتاء على شخصي أنا فقط، فقد كنت أحتقر المصريين وأراهم بملايينهم أقل شأنامني ومن أسرتي الشريفة! كانت نتيجة الاستفتاء أقوم أنا بتحديدها في قصري، وأتركهامشا صغيرا يبدو كأنه معارضة لا يتعدى أربعة في المائة ليتسنى لرؤساء تحرير الصحفالكتابة عن غير الموافقين، والمصريون وأنا نعلم جيدا أنها مسرحية سخيفة لكنها ظلتطوال فترة حكمي.
القاضي: تقول بأنك لا تتخيل لبرهة مصريا منافسا لك على انتخاباتحرة ونزيهة، ألست مصريا مثلهم؟المتهم: كنت أظن ذلك، لكنني اكتشفت بعد فترةقصيرة من الحكم أنني أعلى منهم مقاما وذكاء وقدرة وكفاءة وعبقرية ونقاء جنس ودماء،وأنني سيد وهم عبيد تحت قدمي!
القاضي: كيف توصلت إلى هذا الاكتشاف؟المتهم: كنت كلما تفوهت بكلمة صحيحة أو خطأ أو معلومة مشوهة أو عرضت فكرة ساذجة أو تحدثت فيأمور لا أفقه فيها، وجدت مصر كلها في اليوم التالي تشيد بعبقريتيوحكمتي.
القاضي: ولكن هذا ليس صحيحا بالمرة، فأنت قد روعت مواطنيك بكلاب قصركوزبانية التعذيب في المعتقلات وأقسام الشرطة، وفي عهدك مر على سجون مصر أكثر من ربعمليون مواطن، وهناك مئات قضوا أو تشوهوا في عمليات تعذيب لا قبل لبشر بها في أقسامالشرطة من ضباط ساديين ومخبرين أغبياء ومرشدين حمقى، فكان أمرا طبيعيا أن تصنعجمهورية خوف كالتي صنعها معظم حكام العالم العربي. ألم تكن تعرف بما يجري لمواطنيكمن مهانة وقهر وقمع وتعذيب وانتهاك واغتصاب؟المتهم: قطعا كنت أعرف ذلك تماما،وأقرأ التفاصيل كاملة في صحف المعارضة، وتأتيني ملفات تفصيلية عن أوجاع وأحزانالمصريين والظلم الذي يتعرضون له من أجهزة حمايتي، لكنني كنت أشعر بسعادة غامرة،فقد عَلًّمْتُ المصريين أن يكونوا عبيدا، وأن يخضعوا لأوامري قبل أن أتفوه بها، وأنيبرروا جرائمي في حقهم، بل إن أكثرهم مقتنعون أنني لو علمت بما يجري لهم لسارعتبانقاذهم، وأوحى لهم كاتبو السلطة ومنافقوها وتُجار الكلمة وباعة الضمير أن الرئيسهو المنقذ والمُخَلِّص لهم، فكانوا ينشرون في الصحف اعلانات استجداء واستغاثة لكياتدخل، وأنا أصُمّ أذني، فلم أكن على استعداد للدفاع عن كرامة العبيد أو منحهمحقوقهم لئلا تصبح عادة فيدافعون عنهالقاضي: كيف كنت تختار الوزراء،وعلى أي أساس يستمرون في أعمالهم؟المتهم: الكفاءة لم تكن تعنيني بالمرة، وكنتأعلم أن مصر قادرة أن تمدني، لو أردت، بعباقرة في كل المجالات، لكنني استعنت بوجوهأعرف أصحابها، وأثق أنهم لا يكترثون لغير رضاي، ويبحثون عما يبهجني، ولا يصدعونرأسي بالشرف والنزاهة والمشروعات الناجحة والاهتمام بالجماهير، لذا عندما يتمادىأحدهم، ويبدأ في الجد والمثابرة ويظل ضميره يقظا طوال الوقت ويسعى لخدمة أبناءالشعب، كنت أركله فورا، فيعود إلى منزله مهانا ضعيفا!
عندما ظنت الدكتورة ناديةمكرم عبيد أن الوظيفة أمانة وشرف، وجعلت تطارد ملوثي البيئة وتعكر عليهم صفو (!!) فوضويتهم، وترفض تلوث مياه النيل، وتغضب منها أصدقائي المستثمرين وحيتان المالومالكي النيل وأصحاب المصانع التي تلقي في النهر الخالد بسمومها، استبدلت بهاغيرها.
نفس الأمر حدث مع الدكتور ماهر مهران الذي بدأ الناس يتعرفون على اخلاصهوعبقريته في وزارة شؤون السكان، وحاول توعيه الجماهير، فأسرعت فورالاقالته.
والدكتور اسماعيل سلام حاول مطاردة وحوش المستشفيات الاستثمارية الذينيبيعون أجسام المصريين بعد أن يستنزفوا جيوبهم، ثم طارد مافيا الدواء، فنزل عليهغضبي وهو في الطائرة متجها للعاصمة السويدية، فأنا لا أسمح بالشرف والنزاهة وإلاسينكشف المستور، وتبدأ فضائح الحكم في مطاردة أعين أبناء الشعب.
وهذا الوزيرالذي ظن أنه في حماية الفقراء، وبدأ الناس يشعرون أن الدكتور أحمد الجويلي يحملضميره معه في كل خطوة، وظهرت عبقريته في التعامل مع حاجات الشعب الأساسية، لم أجعلهيستمر في منصبه فطردته من الوزارة.
القاضي: ومن هؤلاء الذين احتفظت بهم سنواتطويلة ، ومنحتهم سلطات فوق الشعب، وجعلتهم تحديا منك لمطالب رعايك في التغيير،وغضضت الطرف عن أخطائهم وجرائمهم وتجاوزاتهم؟المتهم: إنهم رجالي الذين يلهثونخلفي، ويعرفون ما يدور بخلدي، ويقرأون أفكاري، وأضمن بهم حكما هادئا ومستقرا ولوأفسدوا، ونهبوا، وخربوا مصر من نيلها إلى بحرها.
ولكن لا مانع بين الحين والآخرمن ايجاد كبش فداء من أحد مساعديهم لحماية الوزير كما حدث مع يوسف والي عدة مراتومع صفوت الشريف.
رجالي، سيدي القاضي، كانوا فوق القانون والمساءلة، فهم يستمدونالحصانة من سلطتي، ولا تستطيع قوة في الأرض أن تزيح أيا منهم دون رغبتي، فأنا فوقالدستور وقبل الوطن، بل إن التجديف في حق الله كان أيسر وأسهل وأخف على المواطن منالتعرض لي.
لو رأيتما تكدس على مكتبي من انتقادات وشكاوى موثقة واتهاماتبالفساد وملفات تحوي تفصيلات يشيب لها شعر الجنين عن رجالي لما صدقت عينيك وفركتهمامثنى وثلاث ورباع لعل في الأمر سوء فهم.. أو نظر!
فمثلا قمت بتعيين وزير للماليةدون أن أطلب من أي جهة أمنية أن تعد لي ملفا عنه، وعن أخلاقه وسيرته واحتمالاتتعرضه لوساوس شياطين الانس من حيتان عهدي، ثم بدأت تتجمع على مكتبي الدلائلوالقرائن على فساد الرجل على الرغم من أن بين يديه أموال المصريين. وتركته عاما،ومددت له في عام آخر، ثم انتظرت خمسة أعوام حتى فاحت رائحته، فقمت باقالته، لكنالمصريين بسذاجتهم قدموا لي الشكر بدلا من أن يحاكمونني.
القاضي: وماذا عنالدكتور يوسف والي؟المتهم: كنت أعلم أنه أقام امبراطورية فساد وعلى رأسها وكيلالوزارة يوسف عبد الرحمن الذي قمنا باصطياده كبش فداء، وتمكن من جعل المصريينيستوردون القطن والقمح، وفتح لاسرائيل ممرا على أجساد وبطون المصريين، وكلما أمعنفي الفساد وزادت قوته وبطشه وجبروته واحتقاره للمصريين، قربته أكثر من سلطتي وسطوتيوأسبغت عليه حمايتي، وأصبح فوق القانون ولو قدمت كل الصحف آلاف الوثائق التي تدينه،فأنا ورجالي كنا، سيدي القاضي، أكبر من هؤلاء العبيد والرعاع.
القاضي: وماذا عن صفوت الشريف؟المتهم: جعل الإعلام المصري يهوي في الحضيض، وفتحأبواب ماسبيرو للواسطة والمحسوبية والفساد، واستقطب المعاقين ذهنيا، والمرضى فكريا،والملوثة لغتهم العربية، فوسع دائرة التفاهة، وجعل الانحطاط الفني والاعلاميوالثقافي عنوانا لأهم البرامج، وأنزل الرعب في قلوب المذيعين والضيوف ومعدي البرامجلتصبح كلها مديحا زائفا في رئيس الجمهورية، وأتحول أنا إلى معبود على الشاشةالصغيرة وكان مقدمو البرامج على مرمى حجر من البدء صباحا بالتسبيح بحمدي بدلا منالله الواحد القهار.
لقد كان صفوت الشريف وزير الإعلام عبقريا في صناعة فنالعبودية، واستطاع الإعلام في عهده أن يبرر كل جرائمي في حق أبناء الشعب المصري،وتفوقت دول صغيرة على مصر، لكننا اخترنا تصدير المسلسلات الهابطة والمنحطة التي تدرأرباحا مالية على حيتان الفساد، وهي لا تمت بأدنى صلة لواقع المصريين.
القاضي: وكيف احتفظت بكمال الشاذلي طوال كل تلك السنين على الرغم من أنه الوزير الذي تمنتكل قطاعات الشعب أن تزيحه عن منصبه؟المتهم: تلك هي عبقريتي، سيدي القاضي، فيتحدي مشاعر المصريين واحتقارهم وازدرائهم، فأنا أعلم أكثر منهم أن الرجل أوهن منبيت العنكبوت، ولكنني جعلته فوق أبناء مصر بشرفائهم وعباقرتهم ومخلصيهم ومثقفيهموأكاديميهم لأثبت للجميع أن السيد يأمر فيطيعه العبيد دون أن ينبس أحدهم ببنتشفة.
القاضي: لهذا ربما تحديت أبناء الاسكندرية كلهم لثلاثة عشر عاما عندمااستغاثوا بك لترحمهم من المستشار إسماعيل الجوسقي؟المتهم: نعم، فأنا أشعر بلذةعجيبة، ونشوة تتسلل إلى كياني عندما يستجديني المصريون، ويرفعوا الشكاوى المُرّة،وأقرأ تفاصيل عالم الرعب الذي يعيشون فيه، وأتابع سرقات المال العام، ويخرج من مطارالقاهرة الدولي لصوص قاموا بتهريب مئات الملايين من قوت الشعب، وتكتب الصحف عنانتهاكات جسدية للمواطنين، وتقوم سيارات البوكس بتعريض أبناء الشعب للمهانة وهميجرونهم من منازلهم في قضايا جرائم أو سياسة أو أصولية دينية أو آداب أو حتى سرقةمواشي، فالمهم أن يسيروا بعد ذلك بجانب الحائط، ويقدموا لي الشكر العميق لأنهم لايزالون أحياء يعيشون فوق الأرض أو حتى في مقابر بدلا من عشش الصفيح.
القاضي: هلتعرف حجم ديون مصر في عهدك؟المتهم: عشرات المليارات، ولا أتذكر بالتفصيل فهي منصغائر الأمور التي لم اكترث لها، ويمكن للمصريين بعدما ينتهي حكمي أنا وابني وربماحفيدي لنصف قرن قادم أن يتعرفوا على حجم الديون!
القاضي: من هو أحمد عز صديقابنك جمال؟المتهم: إنه عصامي ناجح، كون ثروة من مليارات الجنيهات من احتكارالحديد والصلب، ولحمايته قام ابني بتعيينه في منصب مسؤول عن الشؤون الزراعيةوالمالية في مجلس الشعب، وبالتالي تصبح الرقابة على أموال الشعب من نصيب حيتانالمال الجدد الذين صنعهم عهدي.
القاضي: لماذا لم تهتم بملفات المخابرات ومباحثأمن الدولة التي كان بامكانها أن تمدك بتفاصيل دقيقة لكل رجالك ووزرائك ومحافظيكومستشاريك فتقيل منهم الفاسد وتحتفظ بالصالح والشريف والنزيه والنظيف؟المتهم: كأنك، سيدي القاضي، لم تنصت إلي أو تسمع كلمة واحدة مما ذكرت! إنني لم أبحث مرةواحدة عن عبقرية أو كفاءة أو اخلاص، وإذا وقعت مصادفة على أحد هؤلاء فلا يمر وقتطويل حتى أتخلص منه.
وماذا سيحدث إن طلبت من المخابرات ومباحث أمن الدولة أنتقدم لي ملفات مفصلة عن حسابات رجالي وأولادي، وعن الاتصالات مع اسرائيل، وعنالتقاسم مع رجال الأعمال، وعن عالم الكيف وتزوير الانتخابات والبلطجة وتجاوز سيادةالقانون ؟إنها كارثة لا تبقي ولا تذر. ولو تم نشر ملفات المخابرات ومباحث أمنالدولة لما بقيت أنا وأسرتي في الحكم يوما واحداالقاضي: هل تعرف ثروة ابنكعلاء مبارك، وكيف قام بجمعها؟المتهم: أليس من حق ابني أن يصبح مليونيرا أومليارديرا في عهدي؟ كان يعمل في البزنس، وهو عالم عجيب من الطلاسم والألغازوالصفقات الاحتكارية والسلطة التنفيذية، لكنني جعلت الحديث عن ابني محرما في وسائلالاعلام كلها. كان علاء كشقيقه جمال أكبر من القانون والدستور والشعب. لا أعرفثروته حتى الآن، لكنه كان غنيا بما يسمح له بحياة كريمة لمدة سبعمئة سنة أويزيد.
القاضي: حدثني عن سلطة ابنك جمال مبارك.
المتهم: لقد أعددته منذ أنتوليت السلطة، وشاهدت بأم عيني أبناء الزعماء العرب يثبون على كرسي الحكم واحداوراء الآخر، أو يجمعون في أيديهم خيوط اللعبة السياسية، ويتحصنون وراء السلطةالتنفيذية، ويتم الايحاء لوسائل الإعلام بعدم الاقتراب منهم، فلماذا لايكون جمالمبارك وارثا للحكم بعدي؟القاضي: لكنك صرحت مرات عدة بأن مصر ليست سوريا، وأنكترفض توريث العرش، أليس كذلك؟المتهم: كنت أعد سيناريو آخر بالاتفاق مع رئيسمجلس الشعب، وفي الجانب المقابل تمكن ابني من تكوين خلايا شعبية كأنها جراد منشبيبة الحزب الوطني الحاكم، وهؤلاء مغيبون ومخدرون في عالم من الحماقة والاحساسبالأهمية كأعضاء فاعلين في حزب السلطة، ليتحرك الطرفان فتصبح السلطة التشريعيةوالجماهير المهووسة ضلعين متساويين ليكونا سندا لابني في تولي الحكم.
القاضي: ألم تفكر في اجراء انتخابات حرة يتساوى فيها المصريون؟المتهم: لم تدر بذهن قطهذه الأفكار المثالية لعالم المساواة والحقوق والديمقراطية، فأنا لآ أتساوى أو ابنيمع هؤلاء الرعاع، وليشكروا ربهم أنهم كانوا يعملون في خدمتي.
القاضي: لكنك أقسمتأن تحترم الدستور والقانون والوطن والمواطن، لماذا نكثت بوعدك؟المتهم: يبدو،سيدي القاضي، أنك ساذج وتسبح في عالم المثاليات.
إنني اقسمت فعلا، لكن لذةالسلطة قادرة على قلب المشاعر والعواطف والآراء والثوابت والمباديء والأخلاقيات،لذا نكثت بوعدي، وجعلت كرامة المصري تحت حذائي، ورفضت تعيين نائب لي، وحكمت مصربالحديد والنار وقوانين الطواريء، وتركت البلد ينزف، وأفسحت المجال للصوص والنهابينوالهبارين ليتقاسموا مصر. كنت أكره هذا البلد وشعبه كراهية شديدة، ولو قدر اللهومكثت في الحكم عقدا آخر أو اثنين فربما جعلت المصريين يتسولون طعامهم من دولأفريقية فقيرةالقاضي: كيف ترى كرامة المصري المغترب في الخارج؟المتهم: إنهآخر اهتماماتي، بل لا أخفي عليك، سيدي القاضي، أنني كنت أنتشي فرحا وأنا أرى جثثالمصريين تنزلق في نعوشها من أحشاء الطائرة القادمة من بغداد، فأعرف أن جلادي صدامحسين قاموا بتصفية أبناء شعبي، ولم أرفع صوتي يوما واحدا، أو أقدم احتجاجا، أوأطالب بعودة المصريين من جمهورية الخوف.
نفس الأمر ينسحب على العقيد معمرالقذافي الذي كان يدفع أموالا لمصر مقابل صمت الحكومة، فأمتهن هو كرامة المصريين،وابتلعت أنا كرامتي.
القاضي: هل تعرف حجم الأموال التي تم تهريبها بعد نهبها فيعهدك؟المتهم: لا أستطيع أن أحصيها، ربما عشرات المليارات، وربما مئات أوأقل.
القاضي: وماذا عن دخل مصر من السياحة وقناة السويس والتصدير والبترولوتحويلات المصريين في الخارج والمساعدات التي تتدفق على مصر من كل الدول الغنيةتقريبا؟المتهم: كان يمكن أن تجعل مصر في مصاف الدول الغنية، فالكويت بمفردهااستثمرت في مصر عن طريق صندوق التنمية بأكثر من خمسة عشر مليار جنيه، ولك أن تتصور،سيدي القاضي، حجم الأموال التي دخلت مصر، وخرجت منها نهبا، أو تم اهدارها وتبذيرهافي مشروعات فاشلة، لكنني لم أكن أملك رؤية تطورية، ولا أفهم في إدارة وتنظيم شؤونمؤسسات دولة، فتسربت أموال مصر إلى جيوب وبطون رجال قمت أنا بصناعتهم، وقاموابحمايتي.
القاضي: في عهدك أكلت الأمراض أجساد المصريين، ومنها البلهارسيا والكبدالوبائي، وامراض التلوث، وسوء التغذية. لماذا لم تخصص من مئات المليارات مبلغا، ولوعلى مضض لذر الرماد في العيون، وتطلق مشروعا قوميا لعلاج المواطنين؟المتهم: وماذا كنت استفيد من علاجهم؟ إنهم يموتون ويأتي غيرهم في انفجار سكانيمخيف.
القاضي: ألم تفكر في محو أمية ملايين من رعاياك؟المتهم: اضطررت تحتضغط المنظمات الدولية إلى اطلاق مشروعات هزيلة بعد عشرين عاما من تولي السلطة،وتولت سيدة مصر الأولى إدارة مشروعات محو الأمية وثقافة الطفل ومكتبة الاسكندرية
القاضي: ماذا تقصد بسيدة مصر الأولى؟ هل هي وظيفة أم منصب فخري وشرفي، أم هو عملرسمي تؤديه بعد تقديم طلب لرئيس الدولة أو مجلس الشعب أو الوزارة المسؤولة لرصدالميزانية؟المتهم وقد انفجر ضاحكا حتى اهتزت لضحكته قاعة المحكمة: وهل كانتسيدة المصريين تحتاج لميزانية؟ ألم أقل لك، سيدي القاضي، أنك تعيش في عالمالمثاليات. أُمّ جمال وعلاء كانت تستطيع أن تشير إلى مصباح علاء الدين فيخرج الماردرغم أنفه، وتنفق على أي مشروع، ولا تستطيع جهة قضائية أو تشريعية أن تحاسب أو تسأل،ناهيك بالقارعة وهي التردد في تنفيذ طلباتها، فأسرتنا الشريفة لا تستأذن العبيد،وعلى المصريين السمع والطاعة ما أمرتهم أو أمرهم أحد من أفراد أسرتي.
القاضي: أين انتهت التحقيقات في مصرع الخبراء العسكريين المصريين الذين وضعتموهم في طائرةواحدة تعبر أجواء نيويورك، وتعرف تحركاتهم المخابراتُ الصهيونية والأمريكية؟ هل هذاعمل يمر مر الكرام على قائد سابق للقوات الجوية؟المتهم: هل هذا السؤال استفسارأم اتهام؟القاضي: لا يستطيع أحد أن يتهمك في أمر كهذا، فقد كنت قائدا عسكريالجيش وطني عظيم، لكن الألغاز وعلامات الاستفهام التي تحيط بكارثة مصرع أكثر منثلاثين من خيرة خبرائك العسكريين تدفع إلى أهمية مزيد من التحقيقات.
المحكمة هنالا تتهم، لكنها تشعر أن الحادث ليس مصادفة.
المتهم: لا أستطيع الحديث باسهاب عماحدث، لكنني أرجو من عدالة المحكمة أن تقوم بتأجيل هذا السؤال.
القاضي: هل عرضتعليك أية جهة أجنبية أو مستثمر عربي أو مصري إقامة مدينة كاملة لنقل سكان المقابرالذين يشاطرون الأموات قطعة أرض مزدحمة في مشهد مذل لكرامة مواطنيك؟المتهم: فيالحقيقة لو أنني أردت اطلاق مشروع قومي ضخم لكانت الدول الغنية، أوروبية أو خليجيةأو اليابان، ستتسابق لدعمه، ومساحة مصر مليون كيلومتر مربع، وكنا سنجد بسهولة مكانايعيش فيه سكان المقابر بكرامتهم فوق أرضهم، لكنني، كما تعرف، مشغول باستقبالاتوحفلات ومحادثات ثنائية وزيارات لدول العالم.
القاضي: هل تعرف حقا ما هي مهمتكالتي من أجلها تجلس في القصر الجمهوري بعابدين؟المتهم: القَسًم الذي أديته يقولبأنني خادم للشعب، لكنني أفهم وظيفتي بطريقة مختلفة تماما. فالمصريون كلهم تحتقدمي، يطيعونني، ويبحثون عن سعادتي، ويبررون أخطائي، ويعبقرون صغائري، ويستغيثون بيإن ألم بهم خطب، ويخافون مني ومن أجهزة الرعب التي أبثها في كل مكان،القاضي: كيف كنت تجد الوقت لإدارة شؤون البلاد، ووضع حلول لمشاكل شعبك، وانهاء معاناتهم،وتحسين أوضاعهم المعيشية؟متهم: لم يكن لدي دقيقة واحدة لقضايا ومشاكل وأوجاعوهموم ومطالب المصريين، فيومي مشحون باستقبالات، أو اتصالات بقادة الدول الكبرى، أوالسفر إلى الخارج، أو افتتاح مشروع ، وفي هذه الحالة تتعطل الدولة، ويتوقف المرور،ويغادر رئيس الوزراء وكل الوزراء مكاتبهم ليكونوا في استقبالي، ثم في وداعي. لايتخلف أحد منهم. إنهم يعرفون أن وجودهم بجانبي حماية لهم، أما أن يتصور أحدهم أنهمشغول بوزارة الدفاع أو الأشغال أو التموين أو غيرها فغير مقبول لدي!
القاضي: لوكان معك نائب للرئيس يقاسمك السلطة، ويفسح لك وقتا للاهتمام برعاياك، فربما كانالوضع قد تغير بعض الشيء، أليس كذلك؟المتهم: الفكرة كانت محرمة على ذهني،ومحظورة على خيالي، وممنوعة من الاقتراب من كل المحيطين بي. كيف يمكن، بربك سيديالقاضي، أن يقاسمني مصري آخر جزءا ولو ضئيلا من السلطة؟ثم إنني لم أجد من بينملايين المصريين من هو صالح لهذه المهمة كما كنت أنا نائبا للرئيس الراحل أنورالسادات!
القاضي: ألم يهتز ضميرك مرة واحدة عندما تُعرض عليك عمليات التعذيبوالحرق والاغتصاب والجلد والركل والتعليق من الأرجل، وفي أحيان كثيرة القتل، التييمارسها ضباط الشرطة ضد رعاياك ومواطنيك الذين يأتمنك الرحمن على كرامتهم وحقوقهموكذلك الوطن والانسانية؟المتهم: لست مخلوقا من حجر، فقد كنت أتأثر بين الحينوالآخر، لكنني قاومت مشاعر الخير في داخلي، ورفضت توجيه كلمة حاسمة وحازمة تسمعهامصر كلها، ويلتزم بها كل رجال الأمن، بأن كرامة المصري تسبق كل ما عداها مناهتماماتي.
كان الأمر في غاية السهولة، ولو أنني ألقيت خطابا عن أهمية حقوقالمصريين، وأصدرت عقدا اجتماعيا عن واجبات وحقوق المواطن فيما يتعلق بالعلاقة معالشرطة ورجالها، وتابعت بنفسي، وأحلت ضباطا للمحاكمة بأوامر رئاسية لما تجرأ ضابطواحد أن يهين مصريا، أو يحرقه، أو يضع العصا في فتحة شرجه، أو يغتصب ابنته أوشقيقته أمامه.
ليس هذا هو المهم، سيدي القاضي، فالمصريون يظنون أنني لا أعلم،ولا أتابع، وبهذا يتحمل المسؤولية وزير الداخلية والضباط والمخبرون، وأتسلل أنابريئا من جرائم يهتز لها عرش الواحد القهارالقاضي: في عهدك تغيرت سلوكياتالمصريين، وقمت بصناعة ثقافة الفهلوة والتسول، وعممت دائرة الاستغلال التي لا تنتهيوتمر على معظم قطاعات الشعب. ألم تكن لديك خطة أمينة لصناعة زمن جميل في سنواتالفقر والمرض والتلوث، لعلك تخفف على مواطنيك من عذاباتهم اليومية؟المتهم: كيفلي أن أعرف وصفوة البلد من مثقفين وأكاديميين وكتاب وإعلاميين وفلاسفة وحكماءوعلماء يخافون مني، ويلتزمون صمت القبور؟لقاضي: ألم تكن أنت مسؤولا، بوسائلأمنك وإعلامك وسجونك ومعتقلاتك وجحيم أقسام الشرطة، عن حالة الخوف والفزع التيتسيطر على مشاعر الجماهير؟المتهم: لقد ذكرت في بداية محاكمتي أن الطريق الوحيدلصناعة العبودية هو الترهيب والتعذيب وامتهان الكرامة وتقزيم الكبار وتصغير كل منحولي.
إنني لم أفعل هذا بمفردي. كانوا يتبرعون للدفاع عني! يشاهدون بأم أعينهمبلدهم تنهار، وتُسرق، وتنهب، وتتراجع، ومع ذلك يستغيثون بي، ويطلبون رحمتي، ويخافونعذابي.
هل قرأت، سيدي القاضي، مقالات كبار الكتاب ورؤساء تحرير الصحف العملاقةومئات المحررين؟ هل أنا قمت بتهديدهم لكي يجندوا أقلامهم في تبرير أخطائي والدفاععن فشلي في مهتمي التي ساقف أمام الله، عز وجل، يوم الحشر ولا أملك دفاعا واحداعنها؟أنا صنعت عبودية من نوع فريد، لكنني وجدت بسهولة ويسر من يعطيني رقبته،والسيد والعبيد يتلازمان أحيانا كالدجاجة والبيضة فلا يدري المرء من أينيبدأ!
القاضي: لم ترُدّ على سؤالي..ألم تصنع أنت أجهزة أمن، وأعطيت الضوء الأخضرللتعذيب والقمع، وأوحيت إلى ساديي الشرطة بأن كرامة المواطن المصري أرخص من حفنةتراب؟ ألم يمر على سجونك ومعتقلاتك ربع مليون من رعاياك طوال فترة حكمك؟المتهم: هذا صحيح تماما، لكنني لم أستورد الزبانية وحراس السجون وجلاديي الشعب،فقد وجدت منهم أكثر من جراد الحقول.
القاضي: عندما كنت تسافر، وتلتقي برؤساء دولأوروبية، وأنت رئيس واحدة من أعرق وأقدم بلاد الأرض، وأكثر ها امتدادا لحضارةإنسانية انصهرت فيها عدة حضارات. ألم تشعر بخجل ودونية أمامهم، فهم قد وصلوا إلىالحكم عن طريق الاقتراع، والانتخابات النزيهة، وحرية الترشيح لكل مواطن، وحد أقصىللحكم، ورقابة برلمانية، ومؤسسات مدنية، وحساب عسير لأي اهدار لأموال البلد، أماأنت فتستفتي شعبك على شخص واحد، وتحكم بقانون الطواريء الخاص بالحروب منذ أن توليتالسلطة، وتحصل لبلدك على مساعدات تتسرب في الفساد الذي صنعه عهدك، ولا تحترممواطنيك، وتعتدي على السلطات التشريعية والقضائية؟المتهم: لا أظن أن شعورا كهذاانتابني، فأنا يحيط بي جيش جرار عرمرم من المنافقين والأفاقين والمتزلفين والجبناءوالفاسدين واللصوص والنهابين وخصوم الشعب، وهؤلاء يستطيعون ادخال البهجة إلى نفسي،والايحاء لي بأننيأفضل من كل الزعماء الآخرين، وأن أحاديثي يتناقلها العالم كله،وأن عبقريتي لا تقارن بأفكار هؤلاء.
هل قرأت، سيدي القاضي، لرجب البنا وهو صحفيعريق ومخضرم؟ إنه يكتب عني كانني نصف إله أو ما بعد خاتم الأنبياء. في الوقت الذييتسول المصريون طعامهم من المعونات، يكتب قائلا: إن الرئيس حسني مبارك فعل ما لميفعله أحد في التاريخ.
إنني أستطيع أن أحصي لك في خلال فترة حكمي مالم يكتبهالمؤمنون بدين من الأديان عن نبيهم.
هل تصدق عدالة المحكمة أنه حتى لحظات قليلةمن مثولي أمامكم يدافع كثيرون من المصريين عني بحجة أنني لم أكن أعرف حجم المصائبوالكوارث التي حاقت بأم الدنيا. إنهم لا يعرفون أن معرفتي أو جهلي يتساويان في حجمجريمة اغتيال وطن.
القاضي: كيف كانت رؤيتك للسياحة كمصدر دخل؟المتهم: كنت أعرف أنها مدخل لمافيا العقارات، وأن الفساد ينخر فيها كما يفعل في ماسبيرووالشهر العقاري ومجمع التحرير والمصارف، وأن شركات السياحة تدفع ( إتاوة ) حتى يتمالتعامل اللائق مع الركاب وإلا فسيذيقهم صبيان ثقافة التسول الأمَرّين.
وكنتأعرف أن مصر من أغلى دول العالم، وأننا لا نستطيع أن ننافس جزرا صغيرة ودولا مجهريةتقدم خدمات سياحية أفضل من كل وعود الدكتور ممدوح البلتاجي.
السياحة في مصر لاعلاقة لها بالمصريين، إنما هي شركات استثمارية تستفيد من الاعفاء الضريبي، وتتولىتشغيل مصريين في مهن خدمية، ومنها تتسرب مليارات الدولارات بالعملة الصعبة لخارجالبلاد.
لكن وزير السياحة يقوم بتلميع صورتي، ويتكلم عن توجيهاتي الحكيمة، ويقصعلي حكايات لا أول لها ولا آخر عن المعارض الدولية، وعن المديح الذي يكيلهالأوروبيون لرئيسه العبقري. كنت أعلم أن الأسعار في شرم الشيخ أغلى من كل بقاعالدنيا. لكنني احتفظت بالوزير كعادتي بتمكين الفاشلين من أهم مناصبالدولة.
لقاضي: لماذا انتظرت سنوات طويلة قبل البت في قرار عدم الحبس في قضاياالنشر؟المتهم: لأن المثقفين والاعلاميين والصحفيين والكتاب هم ضمير الوطن، وقدأحببت أن ألقنهم درسا بالغ الأهمية في العلاقة معي، فجعلتهم يحتجون، ويناضلون،ويكتبون، ويرفعون الشكاوى، ويلجأون للقضاء، ويوحون للسلطة التشريعية من أجلالموافقة على القرار بمنع الحبس في قضايا النشر.
ومرت أعوام، وهنا وجدت أنهمتعلموا الدرس جيدا، وأنني صاحب القرار الأول والأخير في هذا البلد، فأصدرت الأمربتعليق الحبس واستبداله بالغرامة الكبيرة.
هل تعرف، سيدي القاضي، ماذا حدث منصفوة أبناء البلد والنخبة الواعية؟ لقد شكروني شكرا مهينا ومذلا متناسين أنني صاحبقرار المنع طوال تلك السنوات.
إنني أتعامل مع أصحاب ذاكرة ضعيفة، فما بالك بعامةالشعب؟القاضي: أغلب الظن أنني ساحتاج لعدة أشهر وآلاف الملفات ومئات المجلداتلنرصد، ونحاسب جرائم قتل بلد كامل.
وهنا لم يتمالك رئيس المحكمة نفسه، وانزلقتمن عينيه دموع أراد اخفاءها فلم يفلح، فهو للمرة الأولى يقف أمام جريمة اغتيال أمة،واستهتار بالقيم والمباديء، واحتقار شعب بكامله، واذلال أبرياء، ونهب ثروة، واهدارخيرات، وفتح الباب على مصراعيه للصوص القرن، بل الألفية!
وطلب استراحة، ووقفبصعوبة بالغة ليتجه إلى مكتبه.
أما المتهم فجلس مكانه واجما، يتجنب نظراتالحاضرين، ويستعيد في خياله مُلكا ظن أن أيامه خالدة، وأن الشعوب لا تتمرد أو تثأرأو تغضب بين الحين والآخر حتى لو امتد هذا ( الحين ) عدة عقود.
بعد أربعين دقيقةعاد رئيس المحكمة بصحبة مستشاريه. وانطلق صوت الحاجب مرة ثاني: محكمة!
القاضيموجها حديثه للمتهم، الرئيس محمد حسني مبارك، بلهجة امتزج فيها الغضب بالحسم في صوتجهوري: هل كنت تعلم أن بيانات رئيس الوزراء منقطعة الصلة بالحقائق، وأنها أكاذيبوتلفيقات واحصائيات غير صحيحة وأرقام من نسج خياله؟المتهم: كنت أعلم ذلك، لكننيتركت رئيس الوزراء ككبش فداء، يسخر منه فلاح كفر الهنادوة، ويصب أعضاء مجلس الشعبمن القوى المشاغبة غضبهم عليه، ويتحمل عني المسؤولية، وتبدأ عمليات التنفيس عمابداخل النفس في مسرحية سخيفة من الديمقراطية، تم فيها التجديد لرئيس مجلس الشعبأربع عشرة دورة، وهو يتعامل مع الأعضاء بنفس الاحتقار والازدراء الذي أعامل أنا بهأبناء الشعب.
القاضي: ما هي الصفة الرسمية لابنك جمال مبارك ؟المتهم: رسمياهو رئيس لجنة في الحزب الوطني تصنع السياسة للحزب الحاكم.
أما عمليا فهو الرئيسالفعلي للدولة بسلطاتي واسمي، ويستطيع أن يمسح الوزراء من على خريطة الحكومة،وعندما نظم مظاهرة استعراضية ضد الحرب الأمريكية على العراق، جمع أكثر من مليونمتظاهر بفضل اعلام صفوت الشريف وعشرات الالاف من الحمقى المغيبين في الحزب الوطني. هنا وقف بجانبه كل كبار الدولة كأنهم جرذان خائفة، يرتعدون أمامه، ويبتسمون إذاابتسم، ويطمعون في رضاه. عندما رفع رئيس الوزراء السابق كمال الجنزوري نبرة صوتهأمامه بعد حادث موكبي في بورسعيد، تسلم الجنزوري ورقة الاستقالة مني بعدها بقليلدون أن استقبله، هكذا نحن، سيدي القاضي، تعاملنا مع هؤلاء الرعاع. إنني وأسرتي منفصيلة مختلفة تماما عن المصريين، وفي عروقنا تجري دماء شريفة ونقية.
القاضي: يحيرني سؤال عن سنوات الخدمة العسكرية التي جعلتك قائدا للقوات الجوية لجيش وطنيعظيم، ومع ذلك فقد تحولت إلى الناحية المضادة عندما توليت الحكم.
كيف حدث هذاالتغيير؟المتهم: للسلطة طعم الشهد، وقوة جاذبة لكرسي العرش تلصق صاحبه به ولاتتركه إلا أن تكون في نفسه قوة إرادة وعزيمة وعفة نفس وإيمان بأن مهمته هي خدمةرعاياه.
أما أنا فلم أصدق ما حدث لي. كأنني أصبحت بين عشية وضحاها نبيا بدونرسالة، أو سيدا على جماعة من الرقيق.
كان يكفي أن اشير بطلبي، أو أهمس بأوامريفتتحول إلى حقائق ملموسة. إنها سلطة مطلقة فوق القضاء ومجلس الأمة والاعلاموالخبراء والمتخصصين والأكاديميين والمثقفين وملايين من البشر.
لم أصل مرة واحدةإلى حالة روحية من صفاء السريرة، ويقظة الضمير، والخوف من عذاب الله، وحسابالتاريخ، وغضب الشعب.
ربما لو بحثت مخلصا في أعماقي لوجدت مكانا لصفاء السريرةوالايمان والضمير فيلهمني باستخدام السلطة المطلقة في خدمة الشعب الطيب. نعم، سيديالقاضي، كان بإمكاني أن أطرح مشروعات قومية عملاقة في محو الأمية، ومحاربة الأمراضالوبائية، والتلوث، والبلهارسيا، والفقر، والفساد، والرشوة.
كنت استطيع أن أمنعالتعذيب في السجون وأقسام الشرطة، وأن أمنح لجان حقوق الانسان حرية الحركة داخلزنزانات كل سجون مصر، وأن أبلغ وزير الداخلية بأن شرط استمراره مرتبط بالحفاظ علىكرامة المواطن، وأن أتابع بنفسي حالات السجون ففيها آلاف من المظلومين .
كنتاستطيع أن أجعل من مصر دولة تسابق الزمن، وتقفز فوق العوائق والحواجز، وتقودها نخبةمن العلماء والعباقرة والمتخصصين والملتهبين حماسا واخلاصا، حتى لو استعنت بآلاف منالمصريين المهاجرين للغرب واستراليا وكندا والولايات المتحدة، وكانوا سيلبونندائي.
كنت استطيع أن أترك قليلا هذا العبث في فهم الحكم وتصوري أن الواسطاتوالسفريات والرحلات المكوكية والبحث عن صورتي في وسائل الاعلام الغربية هي مهمةالحاكم في مصر، لانتبه لمشاكل شعبي، وأقترب من همومه، وأخفف أوجاعه، وأقيم نظاماعادلا، وأساوي بين المواطنين.
لكنني لم أفعل ولست بمفردي الذي يستحق المحاكمة،فكلهم يستحقون الوقوف أمام عدالتكم، من مسؤولين وجبناء ومثقفين وأكاديمين وعسكريينكبار ورجال أمن واعلاميين وكتاب وعلماء وملايين من أفراد الشعب الذين كانوا يدفنونوجوههم في الرمال وهم يعلمون أنني دمرت هذا البلد تدميرا، وكدت أجعله قاعا صفصفاتذروه الرياح، أو يشهر افلاسه، لولا رحمة الله، ووقوفي الآن أمام عدالةالمحكمة.
القاضي: عندما كنت تصطحب معك في طائرة الرئاسة رهطا من المثقفينوالاعلاميين والنخبة ، ألم يطرح أحدهم عليك ما لا تعرفه عن الأوضاع المزرية،والفقر، والمرض، والفساد، والتعذيب والاغتصاب في أقسام الشرطة وانحدار التعليموسقوط الاعلام؟المتهم: لا يا سيدي، كانوا يتحولون إلى أرانب خائفة تلتفت حولهامذعورة، وكانوا سعداء بالتشرف في رحلة رئاسية، ويتسابقون في كلمات الثناء والمديح،ويأخذ الضمير عطلة، ويستريح القلب في الصدر، ثم يتحولون إلى شبه رقيق يطيع سيده،ويعرف ما يغضبه وما يدخل البهجة في نفسه.
القاضي: عندما تقدم رئيس الوزراء بطلبلأعضاء مجلس الشعب بسحب الاستجوابات المقدمة عن الفساد في الجهاز المصرفي ، ألم يكنهذا اعتداء على الدستور الذي أقسمتم على احترامه؟المتهم: لم يكن لدى رئيسالوزراء حل آخر فالجهاز المصرفي واحد من أكثر مراكز الفساد في العالم الثالث كله. عشرات المليارات من أموال الشعب تسربت منه خارجة لمصارف أوروبية. في بعض البنوك كانالفساد يبدأ من مدير البنك ولا ينتهي عند أصغر موظف، فالكل يعرف أن حق نهب مصروافراغها من ثروتها وخيراتها مسموح به في عهدي ، هكذا كان الحال في بنك قناةالسويس( فرع سفنكس)، وبنك القاهرة، والمصرف الاسلامي للاستثمار والتنمية، فرعالمنيا، وعشرات غيرها من بنوك مصر كانت مستباحة في عهدي
القاضي: لقد برع الفساد في عهدك حتى أنه تمكن من المستشفيات، والدواء، والعلاج،فنهبوا المعدات التي تتبرع بها الجهات الأجنبية، وسرقوا أعضاء المرضى وهم مخدرون فيغرف العمليات، وقاموا بتزوير تاريخ الصلاحية لعشرات من الأدوية، واستوردوا ما هوغير صالح للاستخدام الآدمي، وأصبحت المستشفيات الحكومية أكثر قذارة من شوارع فيأعماق الريف، أما المستشفيات الاستثمارية فهي للآثرياء فقط، وأسعار العلاج والاقامةبها أضعاف مثيلاتها في أوروبا وأمريكا، ألم يكن هناك في عهدك مكان واحد يفتخر بهالمصريون؟المتهم: كانت هناك المخابرات بكل فروعها، المدني والعسكري، ومباحث أمنالدولة، والقيادة العسكرية وهي كلها أجهزة وطنية لا غبار عليها، ولم تشارك فيالفساد، ولا تتلقى هدايا، ولا تخضع لاغراءات، لكنني قمت بمحاولات تحجيمها وتقزيمها،فبدأت باحالة اللواءات إلى التقاعد، وهؤلاء قد عرفوا أكثر مما ينبغي، ووصلوا إلىمرحلة النضوج الكامل في سن الخمسين، ولديهم ملفات عن الفساد في عهدي لو تم فتحهالما وجدنا لدينا حبال مشانق كافية، ولأن الضمير الوطني لدى أفراد هذه الأجهزة لايمكن لرئيس مصري أن يتلاعب به أو يخفي عنه حقائق خصوم مصر، فقد جعلتهم ينشغلونبقضايا هامشية مثل التصدي للمظاهرات، واستجواب متهمين ضد أمن الرئيس، وعائدين منأفغانستان، وبعض الجماعات الدينية واليسارية التي لا تحرك ساكنا.
ثم إنني لمأدافع عنهم مرة واحدة عندما اختلط الأمر على الجماهير بين التعذيب في أقسام الشرطةوبين التحقيقات في أجهزة المخابرات ومباحث أمن الدولة. قطعا كانت هناك بعضالتجاوزات، لكن بوجه عام هي أجهزة وطنية لا استطيع الطعن فيها. لقد جعلت أفرادالشعب يتوجسون خيفة من أجهزة الأمن في المخابرات ومباحث أمن الدولة، وغفل الناس عنالدور الوطني لأجهزة تقوم بحمايتهم، ولم ينبينوا ملامح مشهد يأمر فيه رئيسالجمهورية ببيع البترول لاسرائيل، وبالسماح بتفريغ الحمولات في بورسعيد عندما أضربعمال الموانيء الاسرائيلية، وبترك شبابنا وطلابنا يسافرون للعمل أجراء لدى قوىصهيونية قد تؤذي بلدهم لاحقا، وبمضاعفة عدد السياح الاسرائيليين في وقت يقوم آريلشارون بمذابح جماعية وتهديد أمن مصر.
القاضي: ألهذا الحد كنت تكره الأجهزةالوطنية الأمنية حتى أنك اخترت اللواءعمر سليمان ليكون وسيطا بين الفلسطينيينوالاسرائيليين، وضيفا لدى الموساد، تراقبه، وتعرف أسراره، وتتولى عمل أرشيف لرجاله،وتلغي الحاجز النفسي الذي يحفظ أحيانا للوطنية قوتها وعزتها؟المتهم: كنت أخشاهمفهم يعرفون عني الكثير، وعن علاء وجمال وأسرتي ومعارفي وأقاربي، وعن يوسف واليوصفوت الشريف وكمال الشاذلي وممدوح البلتاجي وعشرات غيرهم. ولعلك لاحظت، سيديالقاضي، أنني كنت اصطحب معي وزير الدفاع في أماكن لا علاقة له بها، وفي حفلاتوافتتاح مشروعات، فيسير خلفي ومعه الحكومة كلها وفي المقدمة رئيس الوزراء. كنت أشعربمتعة بالغة عندما تتوقف الحياة كلها ومصالح الوطن من أجلي. لم يكن مهما أن يتواجدوزير الدفاع بين جنوده، أو يُسَيّر رئيسُ الوزراء شؤونَ حكومته، لكن الأهم هو أنيسيروا خلفي، يراقبون حركاتي، ولا ينبسون ببنت شفة. قد يصفقون، وتنفرج أساريرهم إذاابتسمت، ويتحسس كل منهم قلبه في صدره إن ظهرت على وجهي إشارة غضب واحدةالقاضي: كيف تمكنت مع كل صور الاستبداد والطغيان أن تتسلل إلى مشاعر الجماهير وتوحي إليهمبأنك ديمقراطي، وتسمح بالرأي الآخر، ويمتدحك المثقفون وصفوة المفكرين؟المتهم: كنت أتركهم يتحدثون، ويتصايحون، وينتقدون الفساد والنهب والسرقة، ويرفعون دعاوىقضائية ضد المسؤولين، ولا أعطي لهم أذني، ولا اكترث بأوجاعهم وصراخهم واستغاثاتهمإلا قليلا.
وظن الكثيرون بسذاجتهم أنني ديمقراطي، على الرغم من أن أولى مباديءالديمقراطية أن يكون لها طرفان، وأن تستجيب السلطة التنفيذية لمطالب الأكثرية وتهتمبهموم الأقلية، أعني السياسية وليست الدينية.
القاضي: هل ساهمت مصر في اقامة الجدارالاسرائيلي العازل عنصريا في فلسطين المحتلة؟المتهم: لم تصدر مني توجيهات في أيصورة من الصور، فمصر صَدّرت الأسمنت لاسرائيل عن طريق عضو عربي في الكنيست. صحيحأنني أبيع البترول لآلة الحرب الاسرائيلية لتكسير عظام الفلسطيينيين، وأمنع التسلل،وأتعاون أمنيا، وأجعل حدودنا مع فلسطين المحتلة الأكثر أمنا لقوى الاحتلال، وأساعد، كما ذكرت، في تفريغ الحمولات من موانئنا عندما يضرب العمال الاسرائيليون، لكنبناء الجدار العازل عمل صهيوني بحت لم ندعمه من قريب أو من بعيد.
القاضي: مظاهرالتطرف الديني في عهدك وصلت إلى مرحلة مقززة للنفس العفيفة، ومزايدة كبيرة فيالدين، وضغوطات على المواطنالبسيط من أجل اشغاله بقضايا هامشية، كالحجاب والنقابوالغناء والموسيقى والفنون والصور وجمل اعتراضية في ثنايا كتب، وقد أفسحت المجاللقوى التخلف الظلامية لكي تخترق العقول، وتضلل الشباب، وتخيف الفتيات، توزع صكوكالغفران، وتحول الدين إلى هوس جنسي، أليس كذلك؟المتهم: كان ينبغي أن نفتعلللجائعين والعاطلين والفقراء والمهمشين قضايا جانبية، فكان التخدير بالدين خشية أنتستغله قوى أخرى فتجعله في خدمة حقوق الانسان والمواطنة الكاملة والتعليم السليموالصحة والعلاج المجاني والسكن اللائق والحياة الكريمة وحرية السفر والضرائبالعادلة والمعاشات المناسبة وتحريم الرشوة والفساد. كنت أخشى القوى المستنيرة أنتستخدم الدين ضد التعذيب في المعتقلات والسجون، وأن تحرم امتهان كرامة المواطن، وأنتقوم بتكفير أي ضابط شرطة يغتصب أو ينتهك حرمة مواطن، وأن يستخدم الدين في الدعوةإلى التنافس العادل في الترشيح للانتخابات، والغاء قوانين الطواريء، والدعوة لفتحالأبواب أمام منظمات حقوق الانسان، فقررت أن يكون الدين في خدمة الرجعية والفسادوالتخلف الاعلامي وتحريم الموسيقى والجمال والخير والفنون ، فانشغل المصريون بمعاركتافهة، وتركوني ورجالي ندمر بلدهم ونفعل بها كما يحلو لي.
القاضي : يبدو منمتابعة قضايا الفساد في عهدك أن الحياء قد اختفى نهائيا، كان اللص في زمن آخر يكتفيبقطعة أرض( وضع اليد)، أو عقار متهالك، أو رشوة موظف في الأوقاف، أو خمسة فدانات فيمنطقة مهجورة وبعيدة عن أعين مباحث الأموال، أما في عهدك فإن اللصوص حيتانيونيسرقون وعيونهم وقحة، يستولى أحدهم على أرض بين القاهرة والاسكندرية مساحتها 200فدان، أو على شبه مدينة في سيناء تكفي لنقل كل سكان المقابر إليها. حالة من الاسهالالفسادي جعلت مصر كلها في عهدك كمغارة علي بابا. مستباحة لكل من تعرف على مباديءالفهلوة والبلطجة.
حتى الثقافة والسينما والترجمة تراجعت في وجودك.
هل تعرفشروط المنح والقروض المقدمة لمصر؟المتهم: أعرف فقط أنني سأترك أجيالا من بعديتسدد الديون من أفواه مقهوريها.
القاضي: ماذا تعرف عن الجمارك، خاصة جمركالاسكندرية؟المتهم: ظللت لأكثر من عقدين لا يخالجني شك في أنه أكثر الأماكنعفنا ونتنا وفسادا وتهريبا للأموال والناس والمخدرات والأسلحة، ولم تكن لدي أي نيةلاصدار أوامر باصلاحه أو سد منافذ الفساد فيه.
القاضي: أتعجب من قدرتك علىالاستمرار وقد نشرت وسائل الاعلام عشرات الالاف من التحقيقات والوثائق الدامغة عنجرائم الدولة والتهريب والنهب، ومع ذلك ظللت واقفا تتحدى سبعين مليونا من الصامتين،وآلافا من المناهضين والمتمردين والمدافعين عن الشعب والعدل والحق.
وأردف رئيسالمحكمة قائلا: إنني أمام جريمة لم يشهد لها تاريخ أرض الكنانة مثيلا. والغريب فيهاأن الضحايا صامتون وكأن للقمع والاستبداد والطغيان لذة ونشوة وبهجة وسعادة!
ونظرالقاضي إلى قاعة المحكمة فوجدها مكتظة بعشرات من الوجوه المألوفة لعمالقة الكلمةوالثقافة والفكر والفنون والفلسفة والعلوم والآداب والاعلام وكلهم يطرقون وجوههم فيالأرض خجلا وحياءً، وربما عارا. وخرج القاضي ومستشاروه، فالحكم بعد المداولة. ووقفالمتهم، الرئيس محمد حسني مبارك، ينتظر عدالة القضاء المصري
منقوووووووووووووووووووووووووول