-----------------
زفرات حرى:الطيب مصطفى
أتيح الفرصة للأخ د. إسماعيل الحكيم وأقول له إن عشق الأضواء قتّال فقد عاصرتُ أحدهم عندما كنتُ أدير التلفزيون وكانت لي معه مواقف لو حكيتُها أو عقدتُ المقارنة بين حاله اليوم وحاله في تلك الأيام لربما كذَّبني القراء فسبحان مغيِّر الأحوال ولا أقصد آراءه الفقهية اليوم وآراءه قديماً وإنما تلك الرحلة التي أرسلناه فيها إلى دولة قطر لاستفتاء الشيخ العلاّمة يوسف القرضاوي وقصته مع القحطاني مما أرجو أن أتعرَّض له لاحقاً وكذلك قصته مع بعض المنظمات الدولية التي أصبح أسيرًا لها بعد أن عُيِّن مستشاراً يقبض بالدولار الأخضر!!
رحم الله الأستاذ سيد أحمد خليفة وابنه عادل اللذين زاراني عندما كنت وزير دولة في وزارة الإعلام والاتصالات فقد كانت جلسة مثيرة مليئة بالعجائب والغرائب!!
يا أيها.. الكودة.. هل ترضاه لآل بيتك؟!.
دفعني إلى كتابة هذا المقال ما خطّه يوسف الكودة ودعا فيه إلى استخدام الواقي الذكري condom كخطوة قال إنها لا مناص منها لتجفيف ظاهرة الأطفال مجهولي الأبوين، وإنها الحل الناجع والسحري من هذه الظاهرة. مستندًا إلى قاعدة أخفّ الضررين.. كما هو الجهل الواقع في فهم «الأنصاف» لبعض القواعد الفقهية وتحريف الأحكام الشرعية من خلال تطبيقها في غير مواضعها كقاعدة أهون الشرِّين، أو أقل الضررين، أو أخف المفسدتين، أو درء المفسدة الأكبر بالمفسدة الأصغر، أو بما في هذا المعنى؛ لتبرير بعض المواقف والأعمال المحرَّمة أو من باب الشهرة والاشتهار وبيانًا وتبيانًا لهذه الفرية التي أتى بها رئيس حزب الوسط الإسلامي الذي يبيح الزنا جهارًا نهارًا أقول:-
أولاً: إن هذه القاعدة المذكورة أعلاه بنصوصها المختلفة، عند العلماء الذين يأخذون بها، ترجع إلى معنى واحد، وهو جواز الإقدام على أحد الفعلين المحرّمين، وهو الفعل الأقل حرمة منهما، وهي ليست مطلقةً بهذا المعنى، وإنما مقيَّدة فيما إذا كان المكلَّف لا يسعه إلا القيام بأحد الحرامين، ولا يمكنه أن يترك الاثنين معاً.. فضلاً عن أن هذه القاعدة تُستخدم عند تزامن وقوع ضررين في وقت واحد ولا يكون هناك بُد من الأخذ بأحدهما، وهل هذا ينطبق على الزنا يا أيها الكودة؟ وقد أخطأتَ «في ما أحسب» يا أيها الكودة خطأً فادحاً ستترتّب عليه جملة مفاسد باستنادك إلى باطل «وما بُني على باطل فهو باطل» لأنك تركتَ الأصل وهو الزنا وتمسكتَ بالفرع الذي هو الأطفال فاقدو الوالدين وما هذا إلا ثمرة «تالفة» من ثمرات الزنا.
ثانياً: ودعوتك هذه يا أيها الكودة سبقك إليها الغرب متهتِّك الأعراض، منحلّ القيم ، سافر المقاصد وتبنتها منظمات ما يسمى بالمجتمع المدني وساندتها بعض حكومات الفسق والضلال لأن غايتهم أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويصبح الزنا مباحاً كالغرب باعتباره حقًا أصيلاً من الحقوق الإنسانية والحاجة إليه كالحاجة إلى كل ما تحتاج إليه النفس من مأكل ومشرب وغيره.. وكم يساوي الترويج لهذه الفتوى من محصلة الذي يتردّى في الرذيلة ويقع في الفاحشة.. زانياً؟
ثالثاً: نحن في مجتمع إسلامي نظرتنا إلى العلاقة الجنسية نظرة معتدلة تقوم على جملة من الضوابط والآداب التي جاء بها الإسلام، ونُلزم أنفسنا بما أُمرنا به من قِبل ربنا تعالى فلا نُحلُّ حراماً ولا نحرِّمُ حلالاً.. ومن ذلك أمرنا الشارع الحكيم بعدم القرب والاقتراب من الزنا، لقوله سبحانه وتعالى: «ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً» الإسراء «32»، فهذا أمرٌ بيِّن بألّا نقرب الزنا، وهو نهي شديد ومن ورائه تحذيرٌ أشدّ بعدم القرب وليس فقط بعدم الوقوع.. وذلك لجملة أمور لا يسعنا المجال إلى التفصيل فيها ولكن يكفي قول علمائنا في آية الإسراء هذه إنها جمعت كل أنواع القبح «ولا تقربوا الزنا قبح شرعي كان فاحشة قبح عقلي وساء سبيلا قبح عادي».. فيا أيها الكودة نظرتنا للزنا ليست كنظرة أهل الغرب وهي في حدِّها الأدنى عند أهل الغرب أنه مباح وعندنا القرب منه حرام ناهيك عن الوقوع فيه.
رابعاً: وهل يا أيها الكودة وأنت تبيح الزنا عبر فتواك السحرية هذه، وتُقدِّم للزناة «مخرجاً» تقاصرت نظرتُك عن مترتِّبات الزنا إلإ من خروج أطفال فاقدي الأبوين وقد تناسيتَ هتك العرض المسلم، وذبح العفة، وإهدار الغيرة، وقتل الحياء، وتدمير الفرد، وضياع الأسر، وتفشي الأمراض القاتلة، والإعراض عن الزواج، وإشاعة الفاحشة وغيرها من الآثار التي يصعُب حصرُها ها هنا.. علماً بأن ما ذهبتَ إليه هو واحدٌ من مترتِّبات الزنا الذي هو جماع كل شرّ.. ومحصِّلة كل قُبح.. وبالمقابل هل ترضى هذا الصنيع لآل بيتك ذكراناً كانوا أو إناثاً؟ وما العلاج النبوي في الأمر ذاته بخافٍ عنك!!
خامساً: هل تعلم يا أيها الكودة أن الذين يصنعون هذا «...» الذي تدعو إلى استخدامه وتسوِّق إلى استعماله، حتى يُصبح في متناول يد الجميع، ومن ضمن أغراضهم واحتياجاتهم المعتادة في الأسواق والحوانيت ومن بعدها في المدارس والبيوت، كما هو في الغرب تماماً يقولون إن استخدام هذا «...» لا يمنع نقل الأمراض الجنسية ولا يضمن منع الحمل إلا بنسبة ضئيلة تترواح بين 20 ــ 25% ولو كان «...» يحمل في ذاته مواد قاتلة للحيوانات المنوية. فكيف يكون ذلك علاجاً سحرياً وناجعاً؟
سادساً: كان الأحرى بك يا أيها الكودة، أن يكون علاجُك السحري والناجع في القرآن الكريم والهدي النبوي القائم، على العفة والاستعفاف والداعي إلى الزواج والإحصان، وكان واجبًا عليك أن تضطلع بدورك التربوي والأخلاقي وأن يأتي العلاج عبر حزبك الوسطي والإسلامي، وتُسهم في بناء الأمة الوسط دعماً لحزبكم الذي يقوم على الإصلاح لا الإفساد وعلى الأخلاق الفاضلة لا السيئة، وبيان ما رتّبه الشارع الحكيم من عقوبات رادعة ونصوص قطعية الدلالة وعدم الرحمة ولا الرأفة التي لم يُعرف لها مثيل في سماحة هذا الدين «والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله...» إلا مع الزناة، وخطورة الزنا وعواقبه الوخيمة وغيرها من الواجبات التي هي في عنقك، بدلاً من حسن الإعداد للزُّناة وهم شرُّ الخلق وتهيئة المتكأ لهم، وتزيِّن لهم الباطل حقاً، فيزداد الفتق على الراقع، وأنت تقدِّم لهم هذه الفتوى التي سيتخذها ضعاف النفوس والجُهّال سبيلاً، إلى انتهاك الأعراض، فيكثر الأطفال فاقدو الأبوين وينتشر الزنا ويحلُّ من بعد ذلك غضبُ الله وسخطُه والعياذ بالله.
«ياحسرةً على العباد ما يأتيهم من رسولٍ إلا كانوا به يستهزئون»