يولد عمرو بين أسرة تتعشق العلم و تباهي به، فيودعه أبوه معهدا علميا، و لا يتذوق عسيلة العلم إلا و قد مات أبوه عن ثروة طائلة، فيصبح و هو طفل الأمس و تلميذ اليوم يعد نفسه من الإعجاب و الغرور بالأسرة و القبيلة علما و مالا، و هو أجهل من حماره، و أفقر نفسا من فأره، يذهب به الإعجاب مذاهب بعيدة جدا - و أنه أهل لأن ترد إليه و تصدر إليه الجموع، و نظره لا يتجاوز نظر اليربوع، إنه العلامة الكبير المصلح، و أنه هو الوالي الصالح …… .
لا عجب، فالإعجاب يصور للمرء كل شيء مقلوبا، الإصلاح إفسادا و الإفساد إصلاحا، الطاعة معصية و المعصية طاعة، الدين كفرا و الكفر دينا، الحلال حراما و الحرام حلالا، الواجب محرما و المحرم واجبا، الحق باطلا و الباطل حقا، العلم جهلا و الجهل علما، الورع سفها و السفه ورعا، الأفاضل أراذل و الأراذل أفاضل، و هكذا يقلب الصور و الأوضاع و الأشكال و الألوان، لكن هذا في نظر المغرور فقط، أما في نظر الحقيقة و الواقع فالأمور كلها هي هي لا تتبدل و لا تتغير.
و قد يتأثر بعض الغوغاء بمثل هذا، فيحسب لغروره أنهم إنما تأثروا لفضله و مآثره، فيزداد زهوا و إعجابا، و يتخذ ذلك كبرهان على صحة حدسه و تخمينه، فيتخيل أن حوله قوة يمكنه أن يبلغ بها مآربه، فتحدثه نفسه بالدخول إلى معترك الحياة.
و لمجرد ما يجد الجد و يحمى الوطيس يجمد دمه، و يتعقد لسانه و يذهب عنه رشده و صوابه. فأين ذلك العلم الغزير و الشقشقة الهذرية؟ و أين ذلك المال الواسع؟ تبخر مع دخان الإعجاب و الغرور، و لم يبق منه لا أنصاف و لا أثلاث و لا أرباع. و أين تلك الغوغاء و السلاح المفلول؟ كل ذلك ذهب شذر مذر إزاء عزة الحق و صولته. و هل أجدى الإعجاب شيئا؟ كلا، لا نقيرا و لا فتيلا.
قد يوبخ مثل هذا المغرور ضميره و يشخص له عاقبة الإعجاب من الخيبة و الإخفاق، عسى أن يشفق على نفسه فينزلها منزلتها، و لا يحملها ما لا طاقة لها به، و لكن سرعان ما يهجم عليه شيطانه فيوسوس له و ينفخ في أوداجه فيزداد تعاظما و شموخا و لكن في الفضاء، و لا يلبث أن يخر منه فيهوى في مكان سحيق
منقول
2000سلام