أزمة الشباب .......هل هي أزمة عقل، أم هي أزمة عصر؟!
كلنا يعلم أهمية الشباب في أي مجتمع متحضر، وكلنا يعلم مدى أهميته لرقي وتطوير الإنسان- الإنسان المنتج المحافظ على عاداته وتقاليده والذي يعمل لرقي مجتمعه من خلال الكثير من الفرص التي تسنح وتقدم له لتطوير قدراته وإمكاناته البدنية والعقلية في أوقات فراغه الذي بدأ في التزايد من جراء التكنولوجيا المتطورة والتقدم العلمي الكبير في جميع مناحي الحياة والتي من شأنها أن توجه جهوده للاستفادة من هذا التقدم وما يصاحبها من خدمات من شأنها أن توجهه إلى الكثير من السلوكيات التي تقدم له من مصادر تربوية أو حياتية تلعب فيها الجهات الحكومية الدور الرئيسي لتوجيهه لما يقوم به خلال اليوم الواحد و خلال الكم الكبير من وقت الفراغ.
إن المتغيرات الجديدة للعولمة تتطلب ضرورة الوصول إلى صياغة جديدة للتعامل مع المنطق الخاضع لخصائص وشروط التنشئة الحضارية بهدف الوصول إلى قيم التفعيل الجاد والتكامل المتماشيين مع مصلحة الوطن، إذ لا بـد من مواجهة حالات التحدي المتشعب الذي خلفته المتغيرات الجديدة الناجمة عن العولمة الساعية لاحتواء العقل العربي والإسلامي في كافة مجالات الحياة، ونظراً لما يمثله الشباب من طاقة حيوية هامة، كونهم الطليعة الأكثر جدارة في تحمل أعباء المجتمع.
إن تحصين الناشئين من أخطار الفضائيات والانفتاح الإعلامي وتغير السلوك من خلال توسيع قاعدة الانتشار الثقافي والتربوي للتكيف مع حالات المنافسة الشاملة وبالاعتماد على مناهج وبرامج معرفية متنوعة لتجاوز مخاطر وتحديات الهيمنة العلمية لمنابر الثقافة والأدب والأخلاق والمعرفة التي تسعى لطمس معالم ثروتنا الإبداعية وتحريفها وفق تقنية عالية لاستعراض نفوذها والتغلغل بين أوساط هذه الشريحة على وجه التحديد. وعلية بات من الضروري غرس قيمة الزمن والإنتاج وتقدير الذات لإمكانياتها، مع دراسة نتائج الضرر الحاصل للطاقة المعطلة - كل في مجاله - بما ينسجم مع ظروف وتكوين الشخصية الشبابية؛ للارتقاء بهذه الفئة الواعية من أبناء هذا الوطن ؛ من اجل أن تبقى الهوية العربية والإسلامية محافظة على استقلاليتها وشروط نموها.
إن الشباب مسؤول عن رسالتنا التي حملها الذين من قبله، مسؤول عن هذه الأمانة مسؤولية تاريخية وحضارية شاملة تحتاج إلى دراسات مستديمة تستلهم عناصر القوة والقيم في تأريخنا وتراثنا وهويتنا العربية والإسلامية؛ ولهذا فأن مفهوم التربية الحديث يسعى إلى جملة من القضايا والمرتكزات التي من أهمها:
1- ضرورة توسيع دائرة الانتشار الحضاري والمعرفي للمؤسسات الإنمائية والتطويرية على اختلاف أنواعها. 2- ضرورة تطوير الشخصية المسلمة، من خلال تحليل مقوماتها وقدراتها الإنتاجية.
3- ضرورة توزيع البرامج على أساس التوعية الثقافية والروحية والبدنية ، لامتلاك منهجية قادرة على التحليل والتصور وفهم جوهر العلاقات والتحولات، وخلق لغة التفكير النقدي الشامل والعميق، بالإضافة إلى الإعداد الروحي والنفسي بما يؤهل هذه الشريحة المهمة لمواجهة الضغوطات الحياتية بنتيجة ما تخلقه مؤثرات الوضع الحالي.
إن النظر إلى المتغيرات الواقعية التي برزت في ملفات البنية الثقافية والاجتماعية للشخصية الشبابية بناءً على المؤشرات الإحصائية المتعلقة بالتعليم؛ كونه الوجه الأنصع من وجوه المعرفة، وكونه أحد أهم الوسائل الفعالة في التربية، فيتضح عندئذِ معنى التعريف الذي قال به (جولد سيمون) بأن التربية هي التي تكون أداة إلى النمو العقلي وازدهار النفس بالأخلاق الفاضلة، وكذلك ما قاله (جون ستيوان) بأن كلمة التربية إنما تطلق على الثقافة التي يسلمها كل جيل لما يتلوه من أجيال لتزويد الناشئين بما يقومهم ويرفعهم إلى المستوى الذي وصل إليه آباؤهم ـ أما مصطلح التربية لغوياً فمأخوذ من ربّ ولده ؛ أي أحسن القيام عليه حتى أدرك وفي الحديث (لك نعمة تربّها) أي تحفظها وترعاها..
إن أفلاطون يرى أنه من أغراض التربية أن نطلق سراح الجهلة، ونحرّرهم من أغلالهم، ونخرجهم من عالم الظلمات إلى عالم النور. وقد انقسمت الآراء حول مفهوم الغاية الأساسية من التعليم والتربية إلى ثلاثة محاور وهي:
1- الأهداف الروحية: كون التربية تسعى لتطهير الذات الإنسانية وتهذيب الأخلاق تهذيباً معرفياً يسعى إلى الفضيلة
2- الأهداف المادية: لأن هنالك أهدافاً مادية لاكتساب العيش والاطمئنان إلى الثروة وهذا يتأتى من خلال التعلم والمعرفة.
3- الأهداف الاجتماعية: على أساس تحقيق الازدهار التام لشخصية الإنسان ودعم حسن الاحترام لحقوق الغير ـ باعتبار أن الهدف الاجتماعي للتربية يعبر عن توجيه التعليم بشكل ينتج عنه ارتقاء الصناعة وتقدمها بحيث تزداد سعادة المواطنين. وغاية هذه الاتجاهات تصبُ في أن التربية والتعليم منبع فاعل في السلوك الحضاري المنفتح والخلاق لما فيه مصلحة المجتمع والأمة.
العقل والهيمنة الثقافية: لما كانت الثقافة لا تحلق ولا تنتشر إلا بالتعليم فقد أكدت القوى المهاجمة منذ بدايتها على التوجه إلى مراكز التربية والتعليم والثقافة لأغراض السيطرة عليها. ونرى اليوم خطة أخرى جديدة من مظاهر هذه القوى وهو مايشاهده العالم من خلال آلاف المحطات وعبر ساعات من البث التلفزيوني العالمي المتواصل بواسطة توجيه وسائل السيطرة السمعية والبصرية بما يدعونا للإحاطة بهذه البرامج ومعرفة السبل الكفيلة لتحليل أبعادها الحاضرة والمستقبلية وتمييز الصالح منها عن الطالح وتوعية أسرنا وشبابنا بذلك، ونحن لا يغيب عنا ما تدعيه بعض وسائل الأعلام المضادة، لقلب وتشويه الحقائق، كأن تسمي الثوار بالإرهابيين، أو استظهار الطابع المزيف لواقع العلاقات الأسرية الأمريكية بصورة تظهر للمتلقي بأنها علاقات متحضرة وإنسانية، أو العمل باتجاه تضليل واقع علاقاتنا الإنسانية أو وعينا الثقافي، المنهاج التربوي للشخصية الشبابية وإشغال العالم بصور بعيدة عن الواقع الفعلي للحياة بطرق فاتنة وبجاذبية أنيقة ومتقنة. المنهاج التربوي للشخصية الشبابية:
أـ الجانب النظري: ويتمثل في النقاط التالية::
1- الإعداد الذهني والمعرفي للعقل بطريقة تنظيم المعلومات الشاملة المتصلة مع المنهج الدراسي الجديد
2- الإعداد الروحي؛ الذي يتمثل بتنظيم الغرائز والحاجات التي يبحثها علم النفس والتربية الإسلامية الخاضعة للإدراك الوجداني والحسي النابع من الضمير الإنساني الخلاق.
3- الإعداد البدني؛ لخلق وضع نفسي ملائم للشباب بعيداً عن محطات التميع والسقوط في مهاوي الرذيلة والانحطاط والتفسخ؛ فالجسد الرياضي هو الجسد البعيد عن محطات الإدمان والمخدرات وعوامل التسيب والخمول.
ب ـ الجانب العملي (التطبيقي): وأهم النقاط في هذا الجانب متعلقة بما يلي:
1- تفعيل وضرورة توسيع دائرة الانتشار الثقافي والمعرفي المتصل مع طبيعة المناهج الدراسية الجديدة كالمسرح والسينما والنوادي الثقافية..الخ.
2- تكثيف البرامج التربوية الشاملة.
3- تنشيط حركة النوادي ودور الشباب والمراكز الثقافية والمركبات الرياضية واستحداث نواد أخرى جديدة.
4- توسيع عمل الجمعيات الثقافية والاجتماعية والرياضية وضمان انتشارها في الريف والمدينة.
5- إعداد نخبة اللجان المشرفة على عمل هذه المنظمات، ومتابعتها بطرق تحقق وسيلة الاتصال المستمر مع الشباب والسيطرة على ميولهم واتجاهاتهم من خلال معرفة الأدوات التي يتعاملون معها والهوايات التي تنسجم مع المصلحة الفردية والجماعية، وتنسجم مع طرق تهيئة المناخ الاستثماري للعقل المبدع. المنهج الإسلامي و التربية الحديثة: ولا يخفى أن هناك ترابطاً جدلياً بين العقل الإسلامي والعقل الحضاري على أساس المكون الثقافي الذي تناوله النهج القرآني في هذا الموضوع وفق أسس تتناسب مع مقومات التفاعل الفكري الجديد الذي من أهم شروطه لغة التفاعل والتصدي وفق ثوابت لا يمكن تلافيها، ومن خلال قواعد الالتزام الديني والأخلاقي في الممارسة الواعية؛ كون الإسلام منهجاً لكل العصور، في أفق المحافظة على لغة الإعداد المعرفي الذي يتطلب إيجاد صيغة تفعيلية بين سمات العقل المكون والثقافة الأكاديمية بطريق التواصل.
إن العقل العربي هو أصل الحضارة العالمية ولغتها الأصيلة، وقد اتخذ الخيال عند الفلاسفة العرب عدة أبعاد ومستويات تجعل فعله يشمل معظم الأنشطة البشرية الانفعالية والفعلية، البيولوجية والمعرفية، الحركية والإدراكية، وما يهمنا في هذا البحث أننا نسوّق حضارتنا الأصيلة، بينما تُسوّق لنا ثمار الفساد والخيبة في انعكاسها النفسية، وليس المقصود هنا الحالة التقنية. وانطلاقا من ذلك، فان مهمتنا تنطلق من صبغتنا الأصيلة، ونحن بصدد الإحاطة بالأوضاع القائمة، بصدد التوجه إلى أزمة شبابنا الحالية، هل هي أزمة عقل، أم هي أزمة عصر؟! والإجابة على هذا السؤال متروكة إلى القارئ؛ لأن القارئ وحدة هو إنتاجية قابلة ومتفاعلة في الأثر والتأثير. ولكن هنالك مسألة لابدّ من الإشارة إليها في هذا الشأن، ولسنا هنا بصدد تسليط الأضواء على هذه التفاصيل لأن ما يهمنا الآن هو الإشارة بإيجاز إلى أهم معالم النهضة الحضارية العربية والإسلامية على ضوء استحداث المنهج الجديد للتربية الشبابية؛ للتسلح بالفكر الإسلامي الذي من أهم دواعيه بناء إنسان قوي مسلح بالصبر والإيمان ومعرفة شروط العولمة التي لا يمكن تبنيها إلا من خلال التسلح بلغة القرآن ومدرسة الرسالة السامية؛ في الوفاء والمحبة والالتزام وعدم الاعتداء على حقوق الآخرين وتنمية لغة الوجدان باعتباره المسلك الصحيح للنجاة من المخاطر وتنظيم المسعى لخير امتنا العربية الإسلامية