كتـب المقال د. محمد السعيدي
الخميس, 23 سبتمبر 2010 17:17
لم تكن الوحدة على أساس عروبي حلما للعرب منذ خلق الله هذه الأمة عبر تاريخها الطويل قبل الإسلام وبعده , إلا أن الفارق بين العصرين : أن العرب قبل الإسلام كانوا في غالب أحوالهم يأنفون من سيادة غيرهم عليهم , أما في في عصور ما بعد الإسلام فلم تكن هذه الأنفة واردة لديهم أبدا ما دام الحاكم مسلما ’ بل قد حكم الأعاجم الأمة العربية من قلب أمهات عواصم العرب كالبويهيين حكموا من بغداد والسلاجقة من دمشق والأيوبيين والمماليك من القاهرة , واستمر ذلك حتى أوائل القرن الرابع عشر .
إذا لم تكن الوحدة على أساس عروبي واردة في ذهن الأمة العربية فضلا عن أن تكون حلما لها .
ولا يخفى أن بداية الفكر القومي جاءت كردة فعل على الفكر الطوراني الذي جاء به بعض الحزبيين الأتراك , وانطلقت المناداة بها تطبيقيا على يد الشريف الحسين بن علي , ثم درجت الثورات والانقلابات العربية ترفع شعار الوحدة العربية على أساس قومي لتنال تعاطف الشعوب العربية التي بدأت تحس بالحاجة إلى الوحدة بعد احتلال فلسطين التي حولتها الدول العربية إلى قضية عربية محضة لاسيما وأن غالب الدول الإسلامية من غير العرب لم تعتن بقضية فلسطين وكثير منها اعترفت بدولة إسرائيل واحتفظت بعلاقات قوية معها .
المهم أن الفكرة القومية وجدت في الساحة العربية بقوة وتشربتها أذهان العرب بسرعة نتيجة قوة الإعلام القومي الذي طرحتها وسائله في معظم أقطار البلاد العربية في وقت واحد .
ثارت إشكالية كبيرة تعد جديدة على الفكر العربي والإسلامي وهي موقف الإسلام من العروبة ووقف المفكرون من هذه الإشكالية مواقف متباينة لكنها في حقيقة الأمر لم تؤثر على موقف المواطن العربي المسلم الذي لم تكن تفصيلات المفكرين تعنيه كثيرا أو لم يكن يفهمها كثيرا بقدر ما يفهم ويعتني بفهمه السهل للإسلام والذي لم يخطر بباله أنه يتعارض مع اعتزاز المسلم بعرقه مادام هذا الاعتزاز لا يؤدي إلى غمط الناس حقوقهم المادية أوالمعنوية والتي لا يفرق الإسلام في وجوب الوفاء بها بين عربي وغيره .
هكذا كان العربي المسلم يفهم القومية ويقدرها , مع أنها في التنظير الثقافي ليست بهذه الأريحية ورحابة الصدر بالتقارب على أساس ديني .
أما اليوم فكيف هو فهم العربي لفكرة القومية والاتحاد مع إخوانه العرب ؟
هل ينبذها؟ هل يريدها كنواة لوحدة على أساس ديني؟ هل يطلبها كحل مؤقت أو دائم للضعف العربي أمام الهجمة الصهيونية والإنبريالية ؟ هل يراها خيار مقابلا للإسلام أم خيارا متماشيا معه ؟
نعم : نحن في حاجة إلى أن نجد جوابا عن هذه الأسئلة لأنها تعنينا حين نتحدث عن مستقبل الأمة الديني والفكري والثقافي في وقت تواجه الأمة فيه أعاصير مختلفة الاتجاهات تستهدف تعييرها , وجواب مثل هذه الأسئلة سيكشف لنا عن مدى استجابة الأمة لهذه الأعاصير , وأي منها تحديدا كان أشد وطأة على بناء الأمة الفكري ونسيجها الاجتماعي .
طرأت علي هذه الفكرة وأنا أشاهد حلقة من برنامج الحلم العربي الذي تنظمه قناة المستقلة وهو يناقش فكرة انتخابات وهمية لعدد من المرشحين لرئاسة هذه الولايات .
فكنت أتساءل هل الوحدة حلم عربي , وأي وحدة يريدون ؟
في تقديري : أن هذه الانتخابات إن نتج عنها فوز المرشح الوهمي الذي ينتهد نهج الملك فيصل أو نهج الشيخ حسن البنا , فسوف نقول حينذاك : إن العرب لم يختاروا العروبة بل اختاروا الإسلام , وحين نجد أن المرشحين الآخرين قد فازت مناهجهم بأغلبية أصوات الناخبين على قناة المستقلة فسوف نضع هذه الحقيقة المرة أمام كل دعاتنا وعلمائنا وكتابنا , لأن هناك خللا جعل الأمة ممثلة بالشريحة المشاركة في هذه الانتخابات تستبدل العلمانية والقطرية بالإسلام .
قد يقول قائل : إن تلك الشريحة لا تعبر عن الأمة فهم جزء قليل من الأمة ممن تستفزهم مثل هذه النقاشات وحلقات الجدال التي لا يستفيد منها سوى أصحاب القنوات , أما الأكثرية الساحقة فهم الأكثرية الصامتة التي لا يعكر على وقارها مثل هذه البرامج التي لا تزيد على أن تنكأ جراح الأمة .
نعم هم جزء يسير من الأمة ولكنهم سيكونون من جهة بحثية علمية عددا صالحا لأن يكون عينة تعبر عن التوجه السائد في ما يسمى نبض الشارع .
ولا أعتقد أن التصويت في هذا البرنامج أقل شأنا من التصويت في ستار أكاديمي حين استطعنا من خلال عدد المشاركين المؤسف في ذلك التصويت أن نعرف أين يقف شبابنا من الإعلام المنحرف , ولعل المتذرعن بالوقار عن المشاركة في مثل هذا التصويت يسوقهم إليه الرغبة في غسل عار ... الذي شوه عدد مشاركة أبنائنا فيه تلك الصورة الجميلة التي نتباهى بها لشبابنا المولع بالتدين والمثل العليا .
فهل الوحدة العربية حقا حلما للعرب ؟