مرحبا بك يا زائر نور المنتدى بوجودك |
معا لترقية مستشفي الهدى معا لترقية مستشفي الهدى معا لترقية مستشفي الهدي معا لترقية مستشفي الهدى
|
|
| الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية | |
| كاتب الموضوع | رسالة |
---|
مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الجمعة 19 أغسطس 2011 - 7:33 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لك يا الله حمداً يوافي نعمك ويكافي مزيدك ولك الحمد لذاتك حمداً يوافي مرضاتك وصلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين لاشك أن الدعوة إلى الله ضرورة من ضروريات هذه الحياة لأتقل أهمية من حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب بل هي من أعظم الضروريات على الإطلاق وما أحوجنا إلى التوسع في مجالات الدعوة ووسائل مخاطبة الجماهير والسعي إلى توسيع دائرة المخاطبة ومن أهم هذه الوسائل (خطبة الجمعة ) وهى المناسبة الوحيدة التي يستمع إليها الناس دون أن يهمس شخص في أذن الآخر ولا تحتاج إلى أن تعلن لخطبة الجمعة لكي ياتى إليها الناس وبعد ذلك ياتى دور الخطيب فهذا كتاب جامع لنماذج من خطب الجمعة حاوي للعديد من المواضيع الهامة متناول جميع المناسبات وقد جمعت مادتها من كتب التفسير والعقائد وكلام أهل العلم المعتبرين وبعض المواقع الإسلامية على الشبكة العنكبوتية غير غافل عن الأدبيات في السلوك وتهذيب النفس الإنسانية فما أحوجنا إلى الكلمة الطيبة التي توتي أكلها كل حين أقدمها إلى أئمة المساجد والخطباء راجيا ان تثرى عناصر الدعوة أخوتى فى الله : كل عملى هذا هو تنسيق بين هذا وذاك؛ ثم هو لك معينٌََََ؛ فخذها هنيئاً مريئاً؛ ولتحسن نيتك فى الأخذ ؛ ولا أعدم منك دعوة صالحة بظهر الغيب تكون نعم المعين |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الجمعة 19 أغسطس 2011 - 7:37 | |
| أَثَرُ الإِيمَانِ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جعلَ جزاءَ المؤمنينَ فلاحاً ونجاحاً وفوزاً مبيناً فِي الدُّنْيَا والآخرَةِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِنْ خلقِهِ وحبيبُهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الإيمانَ اعتقادٌ بالجَنانِ وإقرارٌ باللسانِ وعملٌ بالجوارحِ, وسعادةُ المرءِ فِي دُنياهُ وأخراهُ لاَ تتحقَّقُ إلاَّ بالإيمانِ، فهُوَ نورُ الحياةِ الَّذِي يُضيءُ للمسلمِ طريقَهُ فيُقَرِّبُهُ مِنْ خالقِهِ جلَّ فِي عُلاهُ, ويدعُوهُ إلَى كُلِّ فضيلةٍ كَالمحافظةِ علَى الصلواتِ وإيتاءِ الزكاةِ وبِرِّ الوالدينِ ومعاملةِ الناسِ بالحسنَى, والإيمانُ يمنعُ الإنسانَ مِنْ كلِّ رذيلةٍ, ولقَدْ بيَّنَتْ نصوصُ الكتابِ والسنةِ أَنَّ للإيمانِ آثاراً عظيمةً وفضائلَ كبيرةً تنفعُ الفردَ والمجتمعَ, فمِنْ آثارِ الإيمانِ تحقيقُ التَّكافُلِ الاجتماعيِّ بَيْنَ أفرادِ المجتمعِ, فالمؤمنُ يُنْفِقُ ويُساعدُ الآخرينَ لأنَّهُ يعلَمُ أَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ سيُخْلِفُ عليهِ, وسيجازِيهِ بأعظمِ الجزاءِ يومَ الدِّينِ، قَالَ تعالَى:آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ وقالَ رَسُولُ اللَّهِ :« أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِناً عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِناً عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِناً عَلَى عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ ». عِبَادَ اللهِ: إنَّ الإيمانَ يحقِّقُ للفردِ والمجتمعِ الأمنَ والأمانَ والاستقرارَ قالَ تعالَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ والمؤمنُ يُراقبُ اللهَ فِي سائرِ تصرفاتِهِ, وإيمانُهُ يجعلُهُ صادقًا فلاَ يكذبُ، ولاَ يعتدِي علَى أحدٍ, وقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ». وللإيمانِ آثارُهُ فِي استقرارِ الأُسرةِ وتماسُكِهَا, فهوَ يدعُو كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أفرادِ الأُسرةِ إِلَى تحمُّلِ مسؤولياتِهِ والقيامِ بواجبَاتِهِ، فالزَّوجُ يدفعُهُ إيمانُهُ إلَى معاملةِ زوجتِهِ وأولادِهِ بالخُلُقِ الحسَنِ, قالَ النَّبيُّ : «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» والزوجةُ يَحُثُّها إيمانُهَا علَى طاعةِ زوجِهَا ورعايَةِ أبنائِهَا والمحافظةِ علَى بيتِهَا, قالَ رسولُ اللهِ : « إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» وأمَّا الأبناءُ فالإيمانُ يأمرُهُمْ بطاعةِ الوالدينِ والإحسانِ إلَيهِمَا, وقَدْ قرنَ اللهُ طاعةَ الوالدينِ بطاعتِهِ, وقرَنَ شكْرَهُ بشكرِهِمَا, فقالَ سبحانَهُ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فآثارُ الإيمانِ علَى الأُسرةِ عظيمةٌ, لأنَّهُ يجعلُهَا أُسرةً آمنةً مطمئنَّةً معطاءةً تقدِّمُ للمجتمعِ أفراداً صالحينَ مُصْلِحينَ مُنْتِجِينَ. عِبَادَ اللهِ: إنَّ الإيمانَ يَحُثُّ صاحبَهُ علَى إتقانِ العملِ, ورعايةِ الأمانةِ الَّتِي حُمِّلَهَا, مُسْتحْضِراً قولَ اللهِ تعالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وقولَ رَسُولِ اللَّهِ : «لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ». فالأمانةُ والإخلاصُ خُلُقانِ أَصِيلانِ يَنْبُعَانِ مِنَ الإيمانِ. ومِنَ الآثارِ العظيمةِ للإيمانِ علَى حياةِ الإنسانِ ذلكَ التَّوازنُ الَّذِي يتَّصِفُ بهِ المؤمنُ فِي جميعِ الظُّروفِ والأحوالِ الَّتي تَمُرُّ بِهِ, قالَ : «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» وهكذَا يحيَا المؤمنُ آمناً مطمئنًّا عزيزاً كريماً سَمْحاً رحِيماً عادلاً أَميناً صادِقاً يصبِرُ عندَ البلاءِ, ويشكُرُ عندَ الرَّخاءِ, ويحبُّهُ أهلُ الأرضِ والسَّماءِ . اللهمَّ أَكْرِمْنَا بالإيمانِ, وزَيِّنْهُ فِي قلوبِنَا. الحديث: رَوَى الإِمامُ مُسْلِمُ فِي الصَحِيحِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»... أو كما قال . الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوَى, ورَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ والنجْوَى، واعلمُوا أنَّ التخلُّقَ بأخلاقِ المؤمنينَ يجعلُ الإنسانَ سعيدًا فِي الدنيَا والآخرةِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ. هذِهِ هِيَ بعضُ صفاتِ المؤمنينَ, وهذَا هُوَ جَزاؤُهُمْ. هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، اللهُمَّ ارزُقْنَا حلاوةَ الإيمانِ وصِدْقَ اللسانِ والعملَ بالإحسانِ، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلِمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نعلمْ، ونعوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلِمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نَعلمْ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الجمعة 19 أغسطس 2011 - 7:39 | |
| (1) آخر رمضان الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام, ووفقنا لإكمال شهر الصيام, فله الحمد على أن هدانا لهذا, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى وسارعوا إلي ما يحبه ويرضاه, واعلموا أن ضيفكم الكريم وموسمكم العظيم قد تصرمت أيامه, وتقلص ظله, قد قُوِّضَت خيامه, وأخذ في الرحيل, ولم يبقى منه إلا القليل, فغداً سيرحل روضة المتقين وفرصة العاملين, ويكون أثراً بعد عين, وسيرحل حامداً لمن أكرمه بتجنب الحرام, وحافظ فيه على الصيام والقيام, وأحسن فيه القيام, محتفظاً بما اُودع فيه, وسيأتي شاهداً لك ومحامياً عنك, ومحاجاً إن كنت أكرمته وحفظت له حقه, إنه سيرحل ولعلك لا تلقاه بعدٌ فودِّعه بسلام, وأختمه بخير فإن العمل بالختام, عباد الله: حاسبوا أنفسكم, وانظروا ماذا سجلتم في صحائفكم قبل فوات الأوان, فمن أحسن (2) فليزدد من الإحسان وليسأل الله الثبات, فإنه لا يدري بماذا يُختم له, وليكثر من قول (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك). وليهتم بقبول عمله اهتمام عباد الله الذين وصفهم الله بقوله }وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{. عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله عن هذه الآية, هم الذين يشربون الخمر, ويسرقون مالاً؟ قال لا يا بنت الصديق, ولكنهم يصومون ويصلون وهم يخافون أن لا يُقبل منهم, أولئك الذين يسارعون في الخيرات! وعن علي بن أبي طالب قال (كونوا لقبول العمل أشدّ اهتماماً منه بالعمل, ألم تسمعوا قول الله تعالى: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ{ فمن فرط فليبادر بالتوبة النصوح قبل أن يُغلق الباب ويسدل الحجاب. صعد رسول الله يوماً المنبر فقال: (آمين, فسُئل عن ذلك, فقال: إن جبريل أتاني فقال من أدرك رمضان ولم يغفر له فيه فأبعده الله قُل آمين فقُلت آمين). فيأيها المصر على الكبيرة, كالسرقة, وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين, وغش المسلمين, وقذف الغافلين, وسب المؤمنين, وتناول المحرمات كشرب الخمر (3) وما أشبه ذلك مما حرمه الله. أيها المصر! أترجو تكفير ذنوبك في هذا الشهر العظيم وأنت باقٍ على شيء من هذه الموبقات, هذه الأمراض الفتاكة التي قد يُلقَى المسلم بسببها في النار على وجهه. اعلموا عباد الله أن التكفير مشروط باجتناب الكبائر اسمعوا قول الله عز وجل: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا{ وقول الرسول (الصلاة إلى الصلاة ورمضان إلى رمضان كفارةٌ لما بينهُنَّ إذا اجتُنبت الكبائرُ) فاحذروا رحمكم الله أن تقعوا في هذه المهلكات, ومن ألمَّ بشيء منها فليبادر بالتوبة النصوح عسى سيئاته أن تبدل حسنات بتوبةٍ صادقه, يعزم فيها التائب على أن لا يعود إلى مثل ذلك الذنب الذي تاب منه, توبةً يندم فيها على ما سلف من الأعمال القبيحة, توبةً يقطعُ بها صلته بذلك الذنب الذي تاب منه توبةً تدفعه إلي رد الحقوق إلى أهلها قال الله سبحانه وتعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ وقوله تعالى }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ توبوا إلى الله فإن أحدكم لا يعرف عن أجله (4) شيئاً واذكروا قول الله تعالى }وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{ توبوا إلى الله فالموت ليس ببعيد عباد الله: اعلموا أن أفضل الإحسان إتباع صيام رمضان بصيام ستة أيام من شوال, ففي ذلك شكر النعم والحصول على مضاعفة الأجر من مواهب الإحسان, فقد صح عن سيد الأنام أنه قال (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر). ذلك لانَّ الله تعالى يجازي على الحسنة بعشر أمثالها, فيكون صيام رمضان بعشرة أشهر, وصيام الست من شوال يعدل شهرين, فتلك سنة كاملة يقع أجر صيامها لمن قام بصيام الستَّ مضافة إلى رمضان, وبذلك يحصل العبد على أجر صيام الدهر. عباد الله: إننا نعبد رباً عفواً يحب العفو. رحمته تسبق غضبه. ومغفرته أعجل من عقوبته. يحب من عباده أن يسارعوا إليه إذا أذنبوا. فالتوبة هي شعار المتقين. ودأب الصالحين. روى الإمام مسلم أنَّ رسولُ الله قال (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله (5) في اليوم مائة مرة) ولله في كل ليلة عتقاء من النار, فاجتهد عبد الله أن تكون واحداً منهم! فرمضان فرصة لمن فرط في صلاته. ليتدارك نفسه ورمضان فرصة لمن قطع رحمه أن يصلها. ولا يدخل الجنة قاطع رحم. وقد أمر الله بصلة الرحم في تسع عشرة آية. ولعن قاطع الرحم في ثلاث آيات فمن كان بينه وبين أحد من أرحامه أو أحد من المسلمين. بغضاء أو شحناء. فليسارع إلى الإصلاح. وإذا صامت بطوننا عن الغذاء. فلتصم قلوبنا عن الشحناء. الحديث: عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ». أو كما قال (6) الخطبة الثانية الحمد لله واهب العطاء والجود, أحمده سبحانه وهو الإله الحق المعبود, وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له, الملك العظيم المقصود, و أشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب المقام المحمود, والحوض المورود, اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد عباد الله: ما أجمل الطاعة تعقبها الطاعة, ما أجمل الحسنة تُجمع إليها الحسنات, أيها المسلمون! إن نبيكم (فرض عليكم صدقة الفطر, فرضها طُهرةً للصائم من اللغوِ والرَّفَث وطعمةً للمساكين) عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ) فأدوها يا عباد الله, طيبة بها نفوسكم, وهي أيضاً شكر لله على نعمته, أن وفقكم لإكمال الصيام والقيام, وهي زكاة البدن, وشكر لله أن أدار علينا رمضان الآن في سلامةٍ في ديننا وأبداننا قال الله تعالى : }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (7) * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{ فرضها المصطفى على عموم المسلمين, على العبيد والأحرار, الصغار والكبار, والذكور والإناث, والأغنياء والفقراء, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ). قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ نَحْوَ حَدِيثِ أَيُّوبَ وَزَادَ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَبِيدٌ غَيْرُ مُسْلِمِينَ لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُؤَدِّى عَنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ. فأدوها من طيّب أموالكم, فإن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ (كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ). فهذه الأصناف الخمسة هي ( التي تُخرج منها زكاة الفطر وأفضلها ما كان أنفع للفقير, فإن الأولى إخراجها من غالب قوت أهل البلد, فإن كانت عينية فمن أجوده وأحسنه يقول الله تعالى: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ{ ويقول جل وعلا: }لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ{ ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين والأكمل إخراجها قبل خروج الناس لصلاة العيد وحاولوا ما استطعتم وصولها إلى مستحقيها لتفوزوا برضوان الله فإن النبي قال: (أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم) وفقنا الله وإياكم لقبول الأعمال ورزقنا وإياكم الاستقامة على الخير والهدى وصلوا وسلموا معشر المسلمين علي سيد الأولين والآخرين فقد أمركم بذلك الجليل العظيم فإنهما وقايتان من فتن الدنيا وعذاب الجحيم قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وآل بيته (9) الطاهرين، وعن جميع أصحاب نبيك والتابعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم ألف بين قلوبهم ، اللهم أخذل اليهود ومن والاهم، اللهم فرق كلمتهم، اللهم شتت شملهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم أنزل الرعب في قلوبهم، اللهم عليك بهم يا الله، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أشفي مرضانا وأرحم موتانا اللهم أرحمنا إذا صرنا إلي ما صاروا إليه يا رب العالمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الجمعة 19 أغسطس 2011 - 7:52 | |
| كُنْ حَكيماً الحَمْدُ للهِ الذِي أَكْرَمَ بِالحِكْمَةِ عِبَادَهُ الأَصفِياءَ، وبَعَثَ بِها مَنِ اصطَفَى مِنَ الرُّسُلِ والأَنبِيَاءِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَ اللُه وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، وصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وحَبِيبُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفاً رَحِيماً، اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَيْه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وأَتبَاعِهِ الأَوفِياءِ أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: أُوصِيكُم ونَفْسِي بِتَقْوى اللهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّهَا لَكُم إِلى اللهِ خيرُ زَادٍ، وسَلاَمَةٌ فِي الدُّنيَا ونَجَاةٌ فِي المَعَادِ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ واعلَمُوا -رَحِمَكُم اللهِ- أَنَّ الحِكْمَةَ صِفَةٌ عَظِيمَةٌ، وخَصْلَةٌ جَسِيمَةٌ، شَرَّفَها اللهُ بِأَنْ جَعَلَها مِنْ صِفَاتِهِ، ووَهَبَها مَنِ اختَصَّ بِلَطِيفِ رَحَماتِهِ، وأَنزَلَها عَلَى رُسُلهِ وأَنبِيائِهِ، وأَجْرَاها عَلَى أَلسِنَةِ أَولِيَائِهِ، مَنْ ظَفَرَ بِها نَالَ الهَنَاءَ والسَّعَادَةَ، ومَنْ عَمِلَ بِها كَانَ رُقِـيُّـهُ فِي زِيَادَةٍ، وهِيَ نُورٌ مِنَ اللهِ تَنْكَشِفُ بِهَا حَقَائِقُ الأَشيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيهِ، بِحَيْثُ لاَ تَلْتَبِسُ عَلَى صَاحِبِها الأُمُورُ المُتَشَابِهَةُ بَعْضُها مَعَ بَعْضٍ، ولاَ يَغْلَطُ فِي العِلَلِ والأَسبَابِ، فَالحَكِيمُ يَنْظُرُ بِنُورِ العِلْمِ، ويُجْرِي الفِعلَ عَلَى وِفْقِ ذَلِكَ العِلْمِ، لِيَضَعَ كُلَّ شَيءٍ فِي مَوْضِعِهِ، وقَدْ وَصَفَ اللهُ نَفْسَهُ بِصِفَةِ الحِكْمَةِ مَقْرُونَةً بِصِفَاتٍ أُخْرَى مِنْ صِفَاتِهِ العُلْيَا وأَسمَائِهِ الحُسْنَى، فَقَدْ قَرَنَها سُبْحَانَهُ بِصِفَتَي العِلْمِ والخِبْرَةِ، فَقَالَ: يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، وفِي هَذَا دَلاَلَةٌ لِلنَّاسِ أَنَّ الحِكْمَةَ مَطْلَبٌ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِالعِلْمِ النَّافِعِ، والفَهْمِ الدَّقِيقِ الوَاسِعِ، فِي مُخْتَلَفِ القَضَايَا ومَجَالاتِ الحَيَاةِ، فَالحِكْمَةُ لاَ يَبْلُغُها إِلاَّ مَنْ تَزَوَّدَ مِنَ التِّجَارِبِ، واستَفَادَ مِنَ الحَوَادِثِ، خِبْرةً تُمَيِّزَهُ عَمَّنْ سِواهُ، عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الحِكْمَةَ ضَالَّةُ المُؤمِنِ يَبْحَثُ عَنْها، ويَسْعَى فِي سَبِيلِها، فَفَي الحَدِيثِ عَنِ الرَّسُولِ أَنَّهُ قَالَ: ((الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنُ أَنَّى وَجَدَها فَهُوَ أَحَقُّ بِها)) إِنَّهُ يَبْحَثُ عَنْها بِمُجَالَسَةِ أَهلِها، والشُّرْبِ مِنْ مَوارِدِها، والرُّجُوعِ إِلى مَصَادِرِها، فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ((إِنَّ لُقْمَانَ قَالَ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ عَلَيكَ بِمُجَالَسَةِ العُلَمَاءِ، واسمَعْ كَلاَمَ الحُكَمَاءِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحْيِـي القَلْبَ المَيِّتَ بِنُورِ الحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِـي الأَرْضَ المَيتَةَ بِوَابِلِ المَطَرِ))، وإِنَّ أَعْذَبَ مَوَارِدِ الحِكْمَةِ وأَصفَاهَا، وأَفَضَلَ مَصَادِرِها وأَنْقَاهَا، ذَلِكَ الوَحْيُ الإِلَهيُّ، والهَدْيُ الرَّبَّانِيُّ، الذِي أَرْسَلَ اللهُ بِهِ رُسُلَهُ، وأَنزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، فَمَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ وأُرْسِلَ بِالنُّورِ والحِكْمَةِ، والخَيْرِ والرَّحْمَةِ، قَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ رَسُولِهِ دَاودَ : وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ وعَنْ عِيسَى قَالَ تَعَالَى: وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، ويَذْكُرُ سُبْحَانَهُ امتِنَانَهُ عَلَى آلِ خَلِيلِهِ إبرَاهِيمَ بِأَنْ رَزَقَهُمُ الحِكْمَةَ، فَضْلاً مِنْهُ تعَالَى ونِعْمَةً، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً، هَذَا وإِنَّ مِنْ أَعظَمِ مَوَارِدِ الحِكْمَةِ التِي أَنزَلَها اللهُ عَلَى رُسُلِهِ، القُرآنَ الكَرِيمَ الذِي وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، وقَالَ تَعَالَى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، وقَالَ سُبْحَانَهُ: ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، فلنَسْتَلْهِمَ مِنْ هَذَا الكِتَابِ العَظِيمِ الحِكْمَةَ التِي تُصلِحُ أَنفُسَنا، وتُسْعِدُ أُسَرَنَا، وتَرقَى بِمُجتَمَعِنا، فَإِنَّ فِيهِ المَعْرِفَةَ لِكُلِّ جَاهِلٍ، والجَوابَ لِكُلِّ سَائِلٍ. عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الحِكْمَةَ مَطْلَبٌ نَبِيلٌ، وهَدَفٌ سَامٍ جَلِيلٌ، وهِيَ مَطْلُوبَةٌ فِي كَافَّةِ المَجَالاتِ، ومَرْغُوبَةٌ فِي كُلِّ التَّصَرُّفاتِ، فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ مِنَ الإِنسَانِ فِي فِكْرِهِ وتَأَمُّلاتِهِ، لِيُفَكِّرَ بِمَا لَدَيْهِ مِنْ مُعْطَياتٍ، ويَسْتَفِيدَ مِنْ تَأَمُّلِهِ مُخْتَلَفَ الدَّلالاتِ، فَالحَكِيمُ لاَ تَمُرُّ بِهِ المَوَاقِفُ والحَوادِثُ إِلاَّ ولَهُ فِيَها عِبْرَةٌ، ويَسْتَفيدَ مِنْ خِلاَلِها مَا يُصلِحُ فِكْرَهُ، وكَمَا تَكُونُ الحِكْمَةُ فِي الفِكْرِ والتَّأَمُّلِ تَكُونُ كَذَلِكَ فِي القَولِ والخِطَابِ، والنَّصِيحَةِ والعِتَابِ، وذَلِكَ باختِيارِ أَفْضَلِ الكَلِمَاتِ، واستِعْمَالِ أَلطَفِ العِبَارَاتِ، فَإِنَّ لِلكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ والعِبَارَةِ المُهَذَّبَةِ أَثَراً عَظِيماً، أَلَمْ تَرَوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى وهَارونَ عَليِهما السَّلامُ قَائلاً لَهُمَا: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى، قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى، وقَالَ تَعَالَى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً، وتَتَجَلَّى الحِكْمَةُ فِي عَمَلِ الإِنسَانِ، كَمَا تَتَجَلَّى فِي قَولِ الِّلسَانِ، فَالحِكْمَةُ فِي العَمَلِ إِتقَانُهُ، وهَذَا لاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ بِإخلاَصِ النِّيَّةِ. فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- واحرصُوا عَلَى الحِكْمَةِ فِي كُلِّ شُؤونِكُم، ومَعَ جَمِيعِ مَنْ حَولَكُم، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ صَلاَحَ أَنْفِسِكُم وأُسَرِكُم ومُجتَمَعاتِكُم. الحديث: رَوَى الإمَامُ البُخارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قالَ قَالَ النَّبِيُّ «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» .. أو كما قالَ .
الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ فِي الاتِّصَافِ بِالحِكْمَةِ إِصْلاَحاً لِلمُجتَمَعَاتِ، وحَلاًّ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْكِلاَتِ، لِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ الحَكِيمُ ضَرورياً بَيْنَ الأَفْرَادِ والجَمَاعَاتِ، فَالعَاقِلُ هُوَ مَنْ يَسِيرُ فِي مُجتَمَعِهِ بِحِكْمَةٍ ودِقَّةٍ، فِي القَولِ والعَمَلِ، والأَخْذِ والتَّركِ، والأَمْرِ والنَّهْيِ، إِنَّهُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ المَوَاقِعِ، يَعْمَلُ بِالحِكْمَةِ فِي مُخْتَلَفِ المَواضِعِ، ومَهْمَا تَنَوَّعَتِ الدَّوَافِعُ، فَالطَّبِيبُ حَكِيمٌ فِي طِبِّهِ، يَمْتَهِنُهُ بِإِخلاَصٍ وجَدَارَةٍ، والصَّانِعُ حَكَيمٌ فِي صَنْعَتِهِ، والحِكْمَةُ فِي التَّعَامُلِ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجتَمَعِ أَمْرٌ حَضَّ عَلَيهِ القُرآنُ الكَرِيمُ، ونَصَّتْ عَلَيهِ آيَاتُ الذِّكْرِ الحَكِيمِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى مُخَاطِباً نَبِيَّهُ الكَرِيمَ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، إِنَّهُ مَنْهَجُ الحِكْمَةِ، مَنْهَجٌ مَا أَحْوَجَنَا إِلى التَّمَسُّكِ بِهِ فِي مُجتَمَعَاتِنَا، والعَمَلِ عَلَى أَسَاسِهِ فِي تَعَامُلاَتِنا، إِنَّ الرِّفْقَ والحِكْمَةَ، والتَّوَاضُعَ والرَّحْمَةَ، أَخْلاَقٌ لاَ تَأْتِي عَلَى بَابٍ إِلاَّ فَتَحتْ مَغَالِيقَهُ، يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِباً أَعقَلَ الخَلْقِ وأَحْكَمَهُم فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ، واحرِصُوا عَلَى الحِكْمَةِ فِي أَقْوَالِكُم وأَفْعَالِكُم، وعُضُّوا بِالنَّوَاجِذِ عَلَى كِتَابِ رَبِّكُم، فَإِنَّهُ الحِكْمَةُ التِي لاَ تَزِيغُ، والمَنْهَجُ الذِي لاَ يَنْحَرِفُ أَو يَمِيلُ، فَفِيهِ السَّلامَةُ مِنْ كُلِّ الشُّرورِ، والحَلُّ لِمَا أَشْكَلَ مِنَ الأُمُورِ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، . اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الجمعة 19 أغسطس 2011 - 7:54 | |
| أثر التواضع في تهذيب النفوس الحمد لله الكريم الرؤوف الرحيم المجيد، والحمد لله الذي بحمده تستفتح أبواب المزيد, نحمده كما يجب لجلاله وكما ينبغي له من التحميد، ونشهد أن لا إله إلا الله العزيز الحميد، ننجو بها من الفزع الأكبر يوم الوعيد، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد عباد الله : يقول الحق جل وعلا وصفا عباده المؤمنين حق الإيمان: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً أي يمشون حلماء متواضعين، فالتواضع سمة المسلم المثالية، وصفاته العالية، إذ المسلم يتواضع من غير مذلة ولا مهانة، فهو يعلم أن ذلك خلقا أو جبه الله عليه ولا يزيده به إلا رفعة وسموا فعن أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ « مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ».. وروى البيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب أنه قال وهو على المنبر: "يا أيها الناس تواضعوا فإني سمعت رسول الله يقول: "من تواضع لله رفعه الله فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس عظيم، ومن تكبر وضعه الله، فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير حتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير". قال أبو حاتم بن حبان: "الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمد إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة، لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره". فالتواضع يكسب صاحبه ملكة يدفع بها أخس الرذائل وأحطها وهي الكبر والعجب يقول عنهما الماوردي: "وترك الكبر والإعجاب واجب لأنهما يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل، وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح ولا قبول لتأديب، فالكبر يطفئ من المحاسن ما انتشر ويسلب من الفضائل ما اشتهر، وناهيك بسيئة تحبط كل حسنة، وبمذمة تهدم كل فضيلة. مع ما يثيره من حنقويكسبه من حقد، والعجب يخفي المحاسن ويظهر المساوئ ويكسب المذام ويصد عن الفضائل" فالتواضع خلق لكسب الفضائل إذ حقيقته التذلل لله وللمؤمنين من خلقه قال سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ فالتذلل هنا تذلل رحمة وعطف وشفقة وإخبات ولذلك عداه بأداة "على" تضمينا لمعاني هذه الأفعال. فالتواضع بهذا المعنى اعتراف بحق الله وحق عباده ولذلك قال ابن القيم: "حقيقة التواضع خضوع العبد لصولة الحق وانقياده لها فلا يقابلها بصولته عليها" والتواضع أخي المسلم ينقسم إلى قسمين: أولهما: التواضع للدين: وهو انقياد المسلم لأمر الله وما جاء به رسول الله والاستسلام له والإذعان لأوامره ونواهيه والاعتراف بحق الله عليه فيخضع متذللا لأمره ونهيه، ولا ينازعه في كبريائه وعظمته فقد أخرج ابن حبان عن فضالة بن عبيد عن رسول الله قال: "ثلاثة لا يسأل عنهم:"رجل ينازع الله رداءه فإن رداءه الكبر وإزاره العز، ورجل في شك من أمر الله، والقانط من رحمة الله". القسم الثاني: التواضع للخلق بتقديرهم حقهم وعدم ازدرائهم وقد وصف الله من هذه حاله بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ فالذل هنا ذل رحمة وعطف وشفقة وإخبات فإنه لم يرد به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل وإنما هو ذل اللين والانقياد. فالتواضع اعتراف المسلم بحق الناس عليه فلا يستهين بهم ولا يحتقرهم ولا يزدريهم، ومتى احتقرهم وازدراهم دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها واستصغرهم في نفسه. وقد أشار النبي في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَالْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ».. فبطر الحق رده وجحده والدفع في صدره كدفع العائل. وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم ومتى احتقرهم وازدراهم دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها.
عباد الله : فإن من التواضع.. اتّهام النفس والاجتهاد في علاج عيوبها وكشف كروبها وزلاتها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا . ومنه مداومة استحضار الآخرة واحتقار الدنيا، والحرص على الفوز بالجنة والنجاة من النار. ومنه التواضع للمسلمين والوفاء بحقوقهم ولين الجانب لهم، واحتمال الأذى منهم والصبر عليهم {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِين}. ومنه معرفة الإنسان قدره بين أهله من إخوانه وأصحابه ووزنه إذا قُورن بهم «ما زاد الله عبداً عبفو إلا عزاً». رواه مسلم. ومنه غلبة الخوف في قلب المؤمن على الرجاء، واليقين بما سيكون يوم القيامة {وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ}. ومنه الانقياد التام لما جاء به خاتم الرسل وأن يُعبد الله وفق ما أمر، ومن التواضع ترك الشهوات المباحة، والملذّات الكمالية احتساباً لله وتواضعاً له مع القدرة عليها، والتمكن منها فقد جاء عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا».. وَمَعْنَى قَوْلِهِ «حُلَلِ الإِيمَانِ». يَعْنِى مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ. رواه أحمد والترمذي. ومنه التواضع في جنب الوالدين ببرّهما وإكرامهما وطاعتهما في غير معصية، والحنو عليهما والبِشْرُ في وجههما والتلطّف في الخطاب معهما وتوقيرهما والإكثار من الدعاء لهما وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. ومنه تفقّد ذوي الفقر والمسكنة، وتصفّح وجوه الفقراء والمحاويج وذوي التعفف والحياء في الطلب, ومواساتهم بالمال والتواضع لهم في الحَسَب، يقول بشر بن الحارث: "ما رأيت أحسن من غني جالسٍ بين يدي فقير". الحديث : روى الإمام أحمد في المسند عن أبي سعيد الخدري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي عِلِّيِّينَ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً وَضَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ »... أو كما قالَ .
الخطبة الثانية الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد عباد الله : إن التواضع أعظم نعمة أنعم الله بها على عبده يقول عز وجل لنبيه الكريم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ. ويقول سبحانه واصفا رسوله وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ. فجمع في رسوله الدين والخلق فكان أكمل الناس خلقا وأتمهم تواضعا، فإنه قام بعبودية الله المتنوعة، وبالإحسان الكامل للخلق، كان خلقه التواضع الذي روحه الإخلاص لله والحنو على عباد الله والرأفة والرحمة بالمؤمنين ووسع قلبه البشرية جمعاء مصداقا لقوله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فمن صور تواضعه "كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته". و"كان يأتي ضعفاء المسلمين، ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم ". و"كان يتخلّف في المسير فيزجى الضعيف ويردف ويدعو لهم". رواه أبو داود. و"كان يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويعقل الشاة ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير". رواه الطبراني. "كان لا يُسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت". رواه الحاكم. قال سيدنا َنَسُ بْنُ مَالِكٍ "إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِن إِمَاءِ المَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النبيِّ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيثُ شَاءَتْ". رواه البخاري. وقال « يا عائشة، لو شئت لسارت معي جبال الذهب، جاءني ملك، إن حجزته لتساوي الكعبة -أي موضع شد الإزار-، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئت نبياً عبداً، وإن شئت نبياً ملكاً، فنظرتُ إلى جبريل فأشار إلى أن ضع نفسك فقلت: نبياً عبداً ». رواه أبو يعلى. وعن أبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيدٍ قال: "انْتَهَيْتُ إِلى رسول اللَّه وهو يَخْطُبُ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، رجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عن دِينِهِ لا يَدري مَا دِينُهُ؟ فَأَقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللَّه وتَركَ خُطْبتهُ حتى انتَهَى إِليَّ، فَأُتى بِكُرسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيهِ، وجَعَلَ يُعَلِّمُني مِمَّا عَلَّمَه اللَّه، ثم أَتَى خُطْبَتَهُ، فأَتمَّ آخِرَهَا". رواه مسلم. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِىَ إِلَىَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ». رواهُ البخاري. فعلى المؤمن أن يتصف بخلقه فيخضع لأمر الله ويتواضع لعباد الله ويلين لهم جانبه ويحب لهم الخير وينصح لهم في كل حالة من أحوالهم ، وإن الخلق عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله. عباد الله أُذكركم بأمر الله فيكم بالصلاة على نبيكم فقد أمركم بذلك وبدأ بنفسِهِ فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد. اللهم بارك لنا فيما أعطيت, وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت, ووفقنا إلى عملِ الخير وخيرِ العمل وآت نفوسنا تقواها وزكِهّا أنت خيرُ من زكاها, وأغفر اللهم للمسلمين والمسلماتِ الأحياء منهم والأموات, وولِّ أمورنا خِيارَنا, ووفق ولاة أمورنا لما تُحِبه وترضاه يا كريم إنك على ما تشاءُ قدير وبالإجابةُ جدير, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا من الذين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الأحد 21 أغسطس 2011 - 9:35 | |
| فضل ليلة القدر الحمد لله الذي يعطي من يشاء بغير حساب, ويرفع درجات من يشاء ويجزل له الثواب, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, فضل الأوقات والبقاع بعضها على بعض كما فضل بين الناس والقرون والأحقاب, وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه الذي اختاره من أطهر الأنساب, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله : اتقوا الله واعملوا صالحاً تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة واعلموا أن شهر رمضان هو الشهر المبارك الذي تميز على غيره بنزول القرآن, وإذا أمعنا النظر في الأحداث الكبيرة التي تمثل الفتح الأكبر في الإسلام نجدها وقعت خلال هذا الشهر المبارك فواقعة بدر وهي فاتحة النصر, وفتح مكة وهو الفتح الأكبر وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر كل هذا وقع في (2) رمضان. ومن هنا ندرك أن لله تعالى أسراراً أخفاها في مخلوقاته كانت ميزاناً للتفضيل, وهي من عظيم مننه ووفير هباته, فلا غرو إذن إذا كانت ليلة القدر وهي ليلة واحده يزن قيامها ألف شهر, وهنا ندرك سر فضلها وجليل قدرها لأن الله اختارها ظرفاً لنزول القرآن وهو نبراس الهداية الذي يقود من سار على هديه إلي أشرف وأعظم غاية. هذه الليلة التي أخفيت في العشر الأواخر كان رسول الله يطيل التأمل والتفكر فيها ويكثر من العبادة والاعتبار والتبصر, ويدعو الله في ضراعة وخشية وتبتل وهو من علمتم قد غفر الله له ما تقدم وما تأخر. هذه الليلة التي جاءت بعد ليالِ حارب فيها المؤمن نفسه وكبح جماحها, ومن هنا يظهر لنا سر فضلها ونقائها وكثرة بركتها وصفائها, مما جعل هذا الظرف اليسير مدخراً ومستودعاً لهذا الخير الكثير, وفضلها بالنسبة للأزمان يشبه فضل القلب على سائر جسم الإنسان, (3) هذه المضغة الصغيرة الواسعة الفسيحة الرحاب التي جاء في فضلها الحديث القدسي على لسان نبينا صلوات الله وسلامه عليه قوله عن الله جل وعلا (ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن). عباد الله : سميت ليلة القدر بهذا الاسم لعظمها وقدرها وشرفها, لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً وثواباً جزيلاً, وقال بعض أهل العلم سميت بذلك لأن من قامها وصادف قيامه ليلتها ممن لا قدرَ له رفع الله قدرَهُ وأعلى شأنهُ, وقيل سميت بذلك أيضاً لأن الله تبارك اسمه أنزل فيها كتاباً ذا قدرِ على رسول ذي قدرِ لأمةِ ذات قدر, وقيل أيضاً أنها سميت بليلة القدر لأن الملآئكة ينزلون فيها إلي الأرض تضيق بهم الأرض لكثرتهم وهذا عنوان ما ينزله الله من الخير والبركة والمغفرة لعباده, وقد شهد الله لها بالبركة في قوله تعالى: }إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا (4) مُنذِرِينَ{. وقد ورد في فضلها أن الله لا يٌقدر فيها إلا السلامة والنعم, وأن الملآئكة يسلمون على أهل المساجد من مغيب الشمس إلى مطلع الفجر, وعن أنس قال: قال: رسول الله (إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كوكبةٍٍ من الملآئكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى). ومجمل القول أن المفسرين ذكروا كل هذا من فضلها و أضافوا إليه ما ورد من أن الحق عز وجل يقدر فيها ما يشاء من أمره إلي مثلها من السنة القابلة. عباد الله : إن ما ذكر من مغريات وفضائل هذه الليلة مما ادُّخِرَ للعبد الصالح الذي يخلو إلي ربه في ساعات الصفاء في رمضان بعد تنقية النفس بمحاربة الشيطان, وتقيده بقيد التقوى واتقاء حبائله في كل شأن, كل هذا استدعاء من رب كريم رحيم للعبد ليكون في حظيرة الرحمن. ولهذا كان نبينا (5) صلوات الله وسلامه عليه إذا جاء العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وسهر ليله وأيقظ أهله واجتهد في العبادة والدعاء تعليماً لأمته وإرشاداً لها لتتأسى به في كل زمان و مكان. عباد الله : تنزل فيها الملآئكة من السماء, وتكثر فيها الخيرات والمصالح والنعماء, أبهمها الله تعالى في هذه العشر الأواخر, فلم يبين عينها ليتزود الناس في جميع الليالي العشر من التهجد والقراءة والإحسان, وليتبين لذلك النشيط في طلب الخيرات من الكسلان, فإن الناس لو علموا عينها لاقتصر أكثرهم على قيام تلك الليلة دون سواها, ولما حصل كمال الامتحان في علو الهمة وأدناها, فاطلبوها رحمكم الله بجد وإخلاص, وإذا مررتم وانتم تقرأون القرآن بآية رحمة فاسألوا الله من فضله وإذا مررتم بآية عذاب فتعوذوا بالله من عذابه, وأكثروا في ركوعكم من تعظيم ذي العظمة والجلال, وأما السجود (6) فاجتهدوا فيه بعد التسبيح بالدعاء بما تحبون, فإن العبد أقربُ ما يكون من ربه وهو ساجد, ولا ينسى الإنسان أن يدعو لنفسه ولوالديه وذريته وأقاربه ومن أحب من المسلمين, وافتتحوا قيام الليل بركعتين خفيفتين لأن الشيطان يعقد على قافية العبد إذا نام ثلاث عقد, فإذا ذكر الله انحلت الأولى, ثم إذا توضأ انحلت الثانية, ثم إذا صلى انحلت الثالثة. الحديث : روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» أو كما قال . (7) الخطبة الثانية الحمد لله باسط العطا ومُربِيِ النعماء أحمده سبحانه العظيم في ملكه العلي على خلقه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الخلق لعبادته, وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله أكرم الخلق والهادي إلي عبادة ربه, اللهم صل وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله : إنما تزكو النفوس ويصقل جوهرها وتبلغ أعلى الدرجات إذا أقبلت على الله واطَّرَحَت كل ما سوى الله, واتجهت إليه بقلوب عامرة بالإيمان خالية من الشواغل والصوارف, وذلك هو معنى الإحسان الذي عناه رسول الله بقوله «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». وعلى هذا المبدأ العظيم مبدأ الإحسان والمراقبة درج أولياء الله الصالحون, فكان لهم في كل مسلك إحسان, وكان لهم في كل عمل ( مراقبة لله وحده وتوجه إليه, يتجلى ذلك بشكل واضح في مواسم العبادة والطاعة كالعشرةِ الأخيرة والمفضلة من شهرنا المبارك رمضان, حيث كانوا يشغلون نهاره بالصيام, ويعمرون ليله بالقيام الطويل والتضرع وطول البكاء وسؤال الله المغفرة والرضوان, لأنها عشر التجليات والرحمة والمغفرة والعتق من النار, وقد كان فيها رسول الله قدوة للسالكين, إذ كان يحي ليلها قائماً متهجداً ذاكراً لله, وكان يوقظ أهله للصلاة ويعتكف فيها للعبادة والانقطاع إلي الله, ويندب الناس لتحري ليلة القدر فيها والتي تعدل العبادة فيها عبادة ألف شهر, والتي قال الله عنها ليلة مباركة يكثر فيها تنزل الملآئكة بالرحمة والبركة والسلام, وقال في الترغيب في قيامها «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وحث على طلبها في أفراد العشر فقال «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ». وقالت (9) أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للنبي أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها: قال: (قولي اللهم إنك عفوٌ تُحبٌ العفوَ فاعفٌ عني). عباد الله: اغتنموا بقية هذا الشهر بالعزائم الصادقة وبذل المعروف والإحسان, وقوموا لربكم خاضعين, ولبره وخيراته راجين مؤملين, ومن عقابه وعذابه مستجيرين مستعيذين, فإنه تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين, وهو الذي يقول }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{. روى الإمام البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». عباد الله: (10) اتقوا الله فإنكم عليه تعرضون وأخلصوا الأعمال فإنكم عليها محاسبون واعلموا أن الله صلّى على نبيه في كتابه المكنون وأمركم بذلك فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فأكثروا من الصلاة عليه تكونوا من الفائزين. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وارض عن الأربعة الخُلفا وبقية العشرة الكرام و أزواج نبيك المصطفى وعن عمي نبيك وحبيبك وسبطيه ذوي الإخلاص والصفا وعن الأنصار والمهاجرين والتابعين إلى يوم الدين. اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يارب العالمين, واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وارفع اللهم مقتك وغضبك عنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين, اللهم بك نستنصر فانصرنا وإيّاك نسأل (11) فلا تخيبنا وإليك نلجأ فلا تطردنا وعليك نتوكل فاجعلنا لديك من المقربين, إلهي هذا حالنا لا يخفى عليك وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك فعاملنا بالإحسان إذ الفضل منك وإليك وأختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا من الذين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قوموا للصلاة يرحمكم اللـــه * * * |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الأحد 21 أغسطس 2011 - 9:39 | |
| خطبة عيد الفطر المبارك تكبر تسعاً ثم تقول الله أكبر ما استهلت أهلة الإقبال على من صام رمضان, الله اكبر ما انهلّت سحائب الإحسان على من قام في مقام الإحسان, الله اكبر ما حفت مناهل الرضوان من تباعد عن شوائب العصيان, الله اكبر ما حلت مواهب المنّان على من صان الصيام وفي هذا اليوم العظيم افطر* الله اكبر, الله اكبر, الله اكبر ما تخلى الصائمون عن الشهوات و أحيوا ليلة عيد الوصال, الله اكبر ما تحلى المؤمنون بحلل المسرات وكبروا الله بالغدو والآصال, الله اكبر ما تجلى عليهم بارئ النسمات بصفات الإحسان والجمال, الله اكبر ما أتحفهم عند الانصراف من الصلاة فضاعف لهم الحظ الأوفر* الله اكبر, الله اكبر, الله اكبر. (2) سبحان ذي الطول والإنعام على سائر الأنام, سبحان ذي البر والإحسان في البدء والختام, سبحان ذي العفو والغفران لمن تاب من الآثام, سبحان الله والحمد لله والله اكبر* الله اكبر, الله اكبر, الله اكبر. الحمد لله الذي أهل لدخول حضرته من اصطفاه من العِباد, ووفق لدوام خدمته من اجتباه من العُبَّاد, وكَمَّل ببهاء كرامته من انتقاه وجَمّلهُ بالإسعاد, وكرم بضيافة العيد من ارتضاه وعليه إحسانه العميم أكثر* أحمده وأشكره على ما أسبغ من النعم الوافرة, وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله ذو المواهب الباهرة, وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله ذو المناقب الفاخرة, اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ونجنا من هول المحشر* أما بعد : فيا عباد الله إن يومكم هذا يوم المسرة والإفضال, يتجلى الله فيه على العباد (3) بصفات الإحسان والجمال, ويعطي كل سائل مطلوبه ويبلغه الآمال, وتنزل الملآئكة فيه لزيارة المصلين, فهنيئاً لمن بالإخلاص تعطر* أُعيد فيه السرور والسعود فسمي العيد السعيد, وافتتحت به أشهر الحج إلي بيت الله العزيز الحميد, ورُفعت فيه أعمال الصائمين إلي ذي العرش المجيد, فكان يوم الغفران والرضوان الأتم الأكبر* فاخلعوا ثياب العصيان تُحظوا بالمسرة والقبول, والبسوا حلل الإحسان تفوزوا ببلوغ المأمول, وتوسلوا بسيد الأبرار فإنه المشفع المقبول, وتحلوا بإخراج زكاة الفطر ذلكم أزكى لكم وأطهر* اتفق الأئمة على جواز إخراجها من القمح والشعير والتمر والزبيب, وعلى وجوب الصاع إلا أبا حنيفة فجعل نصفه في القمح والزبيب هو النصيب, وجعل صاحباه الزبيب كغيره في الرأي المصيب, والصاع عنده قدحان وثلث بالكيل المصري كما هو محرر* وعند (4) مالك قدح وثلث وذلك أربعة أمداد, وعند الشافعي وأحمد نحو مدين بكيل مصر المعتاد, ولا تجزي القيمة إلا عند أبي حنيفة وتُفضل إن كان في غيرها كساد, والمخاطب بها عبده البالغ المالك نصاب الزكاة كما هو مقرر* ولم يشترط غيره ملك النصاب بل فضّل زكاة الفطر عن نفقته وعياله يوم العيد, ويخرجها الشخص عن زوجته وأصله وفرعه ومن ملك من العبيد, وخالف أبو حنيفة في الزوجة والولد الكبير إلا أن يتطوع بها رشيد, وعند غيره من القوت الغالب الأكثر* واشترطوا السلامة من السوس والغلت فلا يجزي المعيب المنقّب, واغتفر مالك غلت الثلث فليس به عنده القبول يُسلب ويجوز تعجيلها عند الشافعي وأبي حنيفة من أول الشهر لمن يرغب, وعند مالك وأحمد يجوز التعجيل قبل العيد بيومين على الأشهر* والأفضل إخراجها بعد الفجر وقبل صلاة العيد, (5) ويحرم تأخيرها عن هذا لغير ذي العذر الشديد, واتفق الثلاثة على جواز دفعها لفقير واحد من غير ترديد, وأوجب الشافعي تعميم الأصناف وخالفه بعض أصحابه إذا التعميم يتعسّر* فاتقوا الله وبادروا بإخراجها فإنها سبب لقبول الصيام, واغتنموا أجر مواساة الأخوان وإكرام الأيتام وصلة الأرحام, ومن جاء من طريق فليرجع من أخرى كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام وتجملوا بأحسن الثياب واذكروا الله يذكركم ولذكر الله أكبر الحديث : عن أبي أيوب الأنصاري رضي عنه قال: قال رسول الله ( إذا كان يوم عيد الفطر بعث الله ملائكة يقفون على أفواه السكك وينادون بصوت يسمعه جميع الخلائق إلا الإنس والجن, يا أمة محمد أخرجوا إلي رب كريم يغفر الذنب العظيم. فإذا برزوا إلي المصلى يقول الله تعالى يا ملائكتي ما جزاء (6) الأجير إذا عمل عمله فتقول الملآئكة إلهنا وسيدنا جزاؤه أن يوفى أجره فيقول الله تعالى أُشهدكم يا ملائكتي أني جعلت ثواب صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم في جمعكم هذا شياً لآخرتكم إلا أعطيتكم ولا لدنياكم إلا نظرت إليكم وعزتي وجلالي لأسترن عيوبكم فلا أواخذكم ولا أفضحكم انصرفوا مغفور لكم فقد أرضيتموني فرضيتُ عنكم ) صدق رسول الله * * * (7) الخطبة الثانية تكبر سبعاً ثم تقول الحمد لله الذي جمّل الأعياد بالسرور, وضاعف للمتقين جزيل الأجور, وقبل من الصائمين صيامهم وقيامهم في السحور, وكمّل الضيافة في يوم العيد لعموم المؤمنين. أحمده وأشكره على جميع نعمائه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلاّ الله معز أوليائه وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله سيد رسله وأنبيائه. اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين عباد الله : اجعلوا أيام عيدكم أيام ذكر وشكر، وعفو وتسامح، ومحبة وتلاحم، وشفقة وتراحم. صلوا الأرحام، وتفقدوا الأرامل والأيتام، زوروا المرضى والمساجين، وارحموا الضعفاء والفقراء والمساكين، أعفوا عمن ظلمكم، وتجاوزا عمن أساء إليكم وشتمكم وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي ( هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، و الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. اللهم أعد علينا بركات هذا العيد، وآمنا من هول يوم الوعيد، وأدخلنا الجنة دار الخلود، اللهم إن عبادك قد قصدوا إليك واجتمعوا لرجائك، وتعرضوا لنفحات جودك، اللهم فحقق آمالهم، وأصلح أحوالهم، وتقبل أعمالهم، واغفر ذنوبهم، واستر عيوبهم. عباد الله : اتقوا الله فإنكم عليه تعرضون و أخلصوا له الأعمال فإنكم عليها محاسبون واعلموا أن الله صلّى على نبيه في كتابه المكنون و أمركم بذلك فقال ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ فأكثروا من الصلاة عليه تكونوا من الفائزين. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وارض عن الأربعة (9) الخُلفا وبقية العشرة الكرام و أزواج نبيك المصطفى وعن عمي نبيك وحبيبك وسبطيه ذوي الإخلاص والصفا وعن الأنصار والمهاجرين والتابعين إلى يوم الدين. اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين, واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وارفع اللهم مقتك وغضبك عنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين, اللهم بك نستنصر فانصرنا وإيّاك نسأل فلا تخيبنا وإليك نلجأ فلا تطردنا وعليك نتوكل فاجعلنا لديك من المقربين, إلهي هذا حالنا لا يخفى عليك وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك فعاملنا بالإحسان إذ الفضل منك و إليك وأختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم (10) واجعلنا من الذين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * * * وكل عام وأنتم بخير |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الأربعاء 24 أغسطس 2011 - 7:25 | |
| الإحسان على كلِّ شيء الحمد لله ربّ العالمين،يجيب السائلين، ويحبُّ المحسنين، أحمد ربِّي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليّ المتقين، وأشهد أنَّ ونبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آلِهِ وصحبهِ وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله: إنَّ غايةَ الإسلام الكبرى وتشريعاتِه العظمى هي الإحسانُ إلى النَّفس والإحسان إلى الخلق، فبهذا الإحسان إلى النَّفس والإحسان إلى الخلق تكون منازلُ النّاس عند ربهم في الدّنيا والآخرة قُرباً وبُعداً، وبهذا الإحسان تكون منزلة الإنسان عند الخَلق قَبولاً ونُفورًا. ولكون المأمورات والفرائض والمحرمات والمنهيّات كلها ترجع إلى الإحسان؛ فقد كتبَه الله وافترضه في تشريعه، عَنْ أَبِى الأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». فقوله:"إنّ الله كتب الإحسانَ على كلّ شيء"له معنيان: المعنى الأوَّل: إنّ الله تعالى كتب الإحسانَ في كلِّ شيء من الأعمال الواجِبة، بأن يؤدِّيَها المسلم على وجه الكمال في واجباتها، ويجتهدَ في مستحبّاتها، وأن يُحسِن في ترك المحرّمات بالانتهاء عن ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى:وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ فالإحسان بأداء الفرائضِ وترك المحرَّمات إحسانٌ إلى النَّفس، والمعنى الثَّاني: إنَّ الله كتبَ الإحسانَ على كُلِّ أحدٍ إلى كُلِّ مخلوقٍ، فالإحسانُ إلى كُلِّ مخلوق بحَسَبه.وقد أمر اللهُ تعالى بالإحسان أمراً مطلقاً عامَّاً، فقال تعالى:وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وقال عزَّ وجَلَّ:إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وأمر بالإحسان مقيَّدًا مفصلاً، فأمر بالإحسان إلى الوالدين، وأمر بالإحسانِ إلى الأقرباء وإلى الجار والفقراءِ والضعفاء، وبالإحسان إلى المنكوبين بكوارثَ كونيّة أو عدوّ نازل، وبالإحسان إلى اليتامى وغيرهم. والإحسانُ إلى الخلقِ مَعَنَاهُ بذلُ الخيرِ وكفُّ الشرِّ. وأجمعُ الآياتِ في كتابِ اللهِ تعالى التي تأمرُ بالإحسانِ إلى النَّفس والإحسان إلى الخلقِ قولُهُ تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا وقوله تعالى:إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ومعنى قوله تعالى: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى: الجار المسلم القريب. وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ الكافر فهو, كما قيل: الجيران ثلاثة:جارٌ له حقّ واحد وهو أدنى الجيران حقًّاً، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق, وهو أفضل الجيران حقاً. فأمَّا الذي له حقٌّ واحدٌ فجارٌ كافر لا رحِم له, له حقّ الجوار. وأمَّا الذي له حقَّان, فجار مسلم له حقُّ الإسلام وحقّ الجوار. وأمَّا الذي له ثلاثة حقوق فجارٌ مسلم ذُو رَحِمٍ له حقُّ الإسلامِ وحقّ الجوار وحقّ الرحم. وأمَّا الصاحب بالجنب ففسَّره طائفة من أهل العلم بالزَّوجة، وفسَّره بعضُهم بالرَّفيق في السَّفر، ويدخل فيه الصَّاحب في الحضر من باب أولى. ومِن أعظم الإحسان إلى الخلق معاملةُ النَّاس بمقتضى الشرع الحنيف، بالوفاء والصِّدق والعدل والرَّحمة والتواضع والصَّبر والاحتمال والقول الحسن، وأن تعاملَهم بما تحبُّ أن يعاملوك به، قالَ اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ وقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً وقال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وفي الحديث عن النبي:"الراحمون يرحمُهم الرحمن"، وقال عزَّ وجلَّ: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وقال تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِىٍّ عَنْهُ قالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَكْرَمِ أَخْلاَقِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتُعْطِى مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ». وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ». رواه الترمذي فحُسن الخلق من الإحسان إلى النّفس ومن الإحسان إلى الخلق، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِى النَّاسَ». فأحسِنوا عبادَ الله إلى أنفسكم وإلى خلق الله تعالى، بما أمركم به من الطاعات، وبترك ما نهاكم عنه من المحرّمات،قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَالحديث: عَنْ مِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عنها أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ كُنْتُ عَلَى بَعِيرٍ صَعْبٍ فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ» أو كما قال
الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آلِهِ وصحبهِ وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله: يقول الله سبحانه وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوه . ويقول: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ويقول: إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ يقول أهل العلم الكُمَّل العارفين رحمهم الله : ما وعظ الله عباده موعظة هي أوقع في النفوس وأزجر للقلوب من أخباره سبحانه لهم أنه مطلع عليهم ، عليم خبير بهم، حفيظ رقيب عليهم، سميع بصير، فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بها حصلت له المراقبة وبلغ بها رتبة الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين، فمن راقب الله في خواطره عصمه في حركات جوارحه. لقد أخبر الله سبحانه وتعالى بأنه مطلع على جميع الخلائق يعلم أحوالهم ويشاهد أعمالهم فلا يفوته شيء ولا يعزب عن علمه منها مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر .يقول سبحانه وتعالىوَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. ويقول يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ويقول تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ومفاد هذا الإخبار بجانب ما يقرره من شمول علم الله وكماله وإطلاعه ومراقبته وعظيم قدرته ورعايته وهيمنته، هو تعليم عباده بأن يستشعروا ذلك حقيقة، يستشعروا دوماً بأن الله مطلع على حركاتهم وسكناتهم، على أقوالهم وأفعالهم وما يختلج في صدورهم وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ويتأكد استشعار ذلك كثيراً عندما يشرع المسلم في عبادة من العبادات بحيث يقوم فيها بين يدي الله مقام من استشعر أن الله تعالى يراه، وكأنه هو يرى الله، وهذا هو أرفع مراتب الدين التي بينها رسول الهدى لأمته عندما بين الإسلام والإيمان والإحسان بقوله: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". عباد الله : اتقوا الله فإنكم عليه تعرضون و أخلصوا له الأعمال فإنكم عليها محاسبون واعلموا أن الله صلّى على نبيه في كتابه المكنون و أمركم بذلك فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فأكثروا من الصلاة عليه تكونوا من الفائزين. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وارض عن الأربعة الخُلفا وبقية العشرة الكرام وأزواج نبيك المصطفى وعن عمي نبيك وحبيبك وسبطيه ذوي الإخلاص والصفا وعن الأنصار والمهاجرين والتابعين إلى يوم الدين. اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين, واجعل بفضلك هذا البلد آمناً مطمئناً ولا تؤاخذنا بما فعلنا وارفع اللهم مقتك وغضبك عنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين, اللهم بك نستنصر فانصرنا وإيّاك نسأل فلا تخيبنا وإليك نلجأ فلا تطردنا وعليك نتوكل فاجعلنا لديك من المقربين, إلهي هذا حالنا لا يخفى عليك وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك فعاملنا بالإحسان إذ الفضل منك وإليك وأختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا من الذين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله * * *
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية السبت 10 سبتمبر 2011 - 13:50 | |
| الكلمةُ وأثرُهَا الحَمْدُ للهِ الَّذي خلقَ الإنسانَ، وعلَّمَهُ الحكمةَ والبيانَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ القائلُ : ما يلفظُ منْ قولٍ إلا لديهِ رقيبٌ عتيدٌ[ وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمَّداً عبْدُ اللهِ ورسولُهُ ، وصفيُّهُ منْ خلقهِ وخليلهُ، القائلُ :« الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ » اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى سيدِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ أجمعين والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: فأوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفْسِي بتقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قالَ تعالَى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا إنَّ مِمَّا ينبغِي أنْ يعتقدَهُ المسلمُ ويوقنَ بهِ أنَّ اللهَ تعالَى مطَّلِعٌ عليهِ، ويراقبُهُ فِي سائرِ تصرفاتهِ القوليةِ والفعليةِ، وأنَّ الجوارحَ والأعضاءَ التِي أنعمَ اللهُ عزَّ وجلَّ بِهَا عليهِ هِيَ أماناتٌ سيسأَلُ عنهَا، قالَ تعالَى :إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً فإنِ استعملَهَا فِي طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ كانتِ السَّعادةُ فِي الدُّنيا والفوزُ فِي الآخرةِ، وإنِ استعمَلَهَا فِي غيرِ ذلكَ كانَ الشَّقاءُ فِي الدُّنيَا والخُسرانُ فِي الآخرةِ، ومِنْ أعظمِ هذهِ الأعضاءِ اللِّسانُ، فهوَ مِنْ أشدِّهَا تأثيراً علَى حياةِ الفردِ والمجتمعِ، لهذَا كانتِ العنايةُ بهِ عظيمةً، والمسؤوليةُ عنهُ كبيرةً، قالَ النَّبيُّ :« إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ وَتَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ فِينَا ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا». عبادَ اللهِ : إنَّ ديننَا شرعَ لنَا منهاجاً عظيماً يُرشدُنا إلَى الطَّريقِ السَّليمةِ فِي استعمالِ اللِّسانِ وتسخيرِهِ فيمَا يعودُ علينَا مِنْ خيريِ الدُّنيا والآخرةِ، وبِمَا يُؤمِّنُ لنَا السَّلامةَ والسَعادةَ والطُّمأنينةَ، لذلكَ دعَا الإسلامُ إلَى الكلمةِ الطيبةِ، واجتنابِ الكلمةِ الخبيثةِ، قالَ اللهُ تعالَى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ. فالكلمةُ الطيبةُ تجعلُ صاحبَها محبوباً بينَ الناسِ، وموفقاً منتجاً فِي سائرِ أعمالِهِ، وتنشرُ فِي المجتمعِ المحبةَ والمودةَ والأمنَ والأمانَ بينَ أفرادِهِ، ومِنْ أمثلةِ الكلمةِ الطيبةِ التِي تؤلِّفُ بينَ القلوبِ - وتوحِّدُ الصفوفَ وتنْزَعُ الحقدَ والحسدَ والضَّغينةَ والبغضاءَ والكراهيةَ مِنَ النُّفوسِ - قولُ الصِّدقِ وإفشاءُ السَّلامِ والإصلاحُ بينَ الناسِ، قَالَ النَّبِيُّ r :«دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ : الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ » أيُّها المؤمنونَ : إنَّ الغيبةَ والنَّميمةَ والبُهتانَ والشَّتمَ واللَّعنَ والسخريةَ والاستهزاءَ مِنَ الكلماتِ الخبيثةِ الَّتِي حرَّمَهَا الإسلامُ تحريماً شديداً، وشدَّدَ فِي الابتعادِ عنْهَا لِمَا تزرَعُ فِي المجتمعِ بذورَ الشِّقاقِ، وتبثُّ فيهِ روحَ الفرقةِ، وتُأَجِّجُ بينَ أفرادِهِ نارَ العداوَةِ، قالَ تعالَى : وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ وقالَ النَّبِيُّ r:« لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ » فليحذرِ المسلمُ مِنَ الكلمةِ الخبيثةِ الَّتِي توردُهُ المهالكَ فِي الدُّنيا والآخرَةِ، وُتذْهِبُ بثوابِ عملِهِ الصَّالِحِ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ : يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ :« ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ». فلنتخِذْ مِنْ رسولِ اللهِ أسوةً حسنةً؛ فقدْ كانَ لاَ يقولُ إلاَّ طيِّباً، تقولُ أمُّ المؤمنينَ عَائِشَةُ رضيَ اللهُ عنهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ : لَمْ يَكُنْ فَاحِشاً وَلاَ مُتَفَحِّشاً وَلاَ صَخَّاباً فِى الأَسْوَاقِ ، وَلاَ يَجْزِى بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. نسألُ اللهَ تعالَى أنْ يرزقَنَا خشيتَهُ فِي السِّرِّ والعلانيةِ، وأنْ يستعملَ ألسنتَنَا فِي طاعتِهِ، ويُجريَ عليهَا قولَ الحقِّ والخيرِ . الحديث : رَوَى التَرْمَذِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبى وَقَّاصٍ قالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللَّهِ وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ».... أو كما قال .
الخطبة الثانية الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ تَعَالَى:]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ ويَقُولُ الرسولُ r :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً » اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدينِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الأربعاء 28 سبتمبر 2011 - 14:27 | |
| أَحِبَّ لأخِيكَ ما تحبُّ لِنفسِكَ الْحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين، علاَّمِ الغُيُوبِ، يُؤلِّفُ برحمتِه بَيْنَ القلوب، أحمدُه سُبْحانَه وتعالى بما هو لهُ أهلٌ منَ الحَمْدِ وأُثني عليه، وأؤمنُ به وأتوكَّلُ عليه، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أرفعُ الناسِ مكانةً وأعلاهم قَدراً، وأزكاهم خُلُقاً وأسلمُهم صَدراً، صَـلَّ اللَّهُ وَسَـلَّمْ وَبَارَكْ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ الإيمانَ باللهِ تباركَ وتعالَى عقيدةٌ مكينةٌ، تَهبُ المؤمنَ الهُدوءَ والسَّكِينَةَ، يقولُ اللهُ تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وهذهِ العقيدةُ المُستَكِنَّةُ في القلوبِ لها تأثيرُها الفَعَّالُ على سلوكِ الإنسانِ؛ فلا يَصدرُ منهُ إلاَّ كُلُّ عَملٍ صالحٍ رشيد، وقولٍ زاكٍ طيِّبٍ سديدٍ، فَيَتحقَّقُ لَه سلامةُ القلبِ، وإصلاحُ العمل وغفرانُ الذَّنب، (2) يقولُ اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً إنَّ صلاحَ الأعمالِ والأقوالِ دليلٌ وبرهانٌ على حُسْنِ الإيمان، ومَنْ حَسُنَ إيمانُه زكَتْ صِفَاتُه وسَمَتْ أَخلاَقُه، ومَنْ كانَ كَذلكَ فازَ بِحُبِّ اللهِ وحُبِّ الرَّسولِ يقولُ الرسولُ ((إنَّ أحبَّكُم إليَّ أحاسِنُكم أَخْلاقاً، المُوطِّئُونَ أَكْنافاً - أي المتواضعُون- الَّذينَ يَأْلَفُون ويُؤلَفون)). إنَّ الإيمانَ باللهِ تباركَ وتعالى يَدفَعُ الإنسانَ إلى كُلِّ خُلُقٍ كريم، ويَحمِيهِ مِنْ كُلِّ فِعلٍ أو قَولٍ ذَميم، فَلا يُرَى إلاَّ إِلَى الخيراتِ سبَّاقاً، وإلى المكرُمَاتِ توَّاقاً، وأََعظَمُ خَيْرٍ يُؤتَاهُ الإنسانُ ويُعطَاه أَخْلاقٌ سامِيَةٌ، وشِيَمٌ كَرِيمةٌ عاليةٌ، فَقَدْ سُئِلَ رسولُ اللهِ ((ما خَيرُ ما أُعْطِيَ الإِنسانُ؟ قَالَ: خُلُقٌ حَسَنٌ))، وللحصولِ على هذهِ الخيراتِ حَفلتْ تعاليمُ الإسلامِ بالدعوةِ (3) إِلَى حَيَاةٍ عامرةٍ بالآدابِ والفضائلِ، والتحذيرِ منَ التَّرَدِّي في حَمأَةِ الرَّذَائلِ، يقولُ الرسولُ ((إنَّ الفُحشَ والتَّفَحُّشَ لَيسا مِنَ الإسلامِ في شَيءٍ، وإنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلاَماً أَحسَنُهُمْ خُلُقاً)). عِبَادَ اللهِ: إنَّ منْ دلائلِ الإيمانِ وبراهينِه حُبَّ الخَيْرِ للنَّاسِ كَما يُحِبُّ الإِنسانُ ذَلِكَ لِنَفْسِه، يَقُولُ الرَّسُولُ ((لاَ يُؤمِنُ أََحدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه))، ويقولُ ((أَحِبَّ للنَّاسِ ما تُحبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسلماً))، والذي يُحِبُّ الخَيْرَ لأَخِيه كَما يُحِبُّهُ لِنَفْسِه يَنجُو بِنَفِسِه منَ النَّارِ، ومَنْ زُحزِحَ عَنِ النَّارِ فَازَ ودَخَلَ الجَنَّةَ مَعَ الأَبرار، يَقُولُ الرَّسُولُ ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزحزَحَ عَنِ النَّارِ ويَدخلَ الجَنَّةَ فلْتُدركْهُ منِيَّتُهُ وهُو مُؤْمِنٌ بِاللهِ واليومِ الآخرِ ويأتي إلى الناسِ الَّذي يُحِبُّ أَنْ يُؤتَى إِلَيه)). إِنَّ الَّذِي يُحِبُّ للنَّاسِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه امرؤٌ سَلِمَ صَدرُه منَ الغِلِّ والحَسَد، ومِنْ ثَمَّ فَهُوَ لا يكْرَهُ أنْ يُساقَ (4) الخَيْرُ إِلَى أَحَدٍ؛ بلْ إِنَّهُ يَسمُو ويَرتَقِي أكثرَ فَيشعرَ بالسعادةِ إذَا سيقَ إلى أحدٍ وكأنَّ هذا الخيرَ سيقَ إليه، ووُضِعَ بينَ يدَيه، ولقدْ كانَ الرسولُ يشكرُ رَبَّهُ على كلِّ نِعمةٍ تَصِلُ إلى أَحَدٍ مِنْ خلقِه؛ فَكَانَ يُردِّدُ كُلَّ صباحٍ وبكلِّ سَعادةٍ وارتياح، وسَلامةِ صدرٍ وانشراحٍ: ((اللهمَّ ما أصبحَ بِي مِنْ نِعمَةٍ أَو بأحدٍٍ مِنْ خَلْقِكَ فمِنْكَ وَحدَكَ لا شريكَ لكَ فلكَ الحَمْدُ ولكَ الشُّكْرُ)). إنَّ قَلْبَ المُؤْمِنِ ساحةٌ واسعةٌ تَسَعُ كُلَّ الناسِ حُبّاً، فهُوَ مِنْ كُلِّ النَّاس مَحبُوبٌ ولِكُلِّ النَّاسِ مُحِبٌّ، إنَّهُ بسلامةِ الصَّدْرِ مَشهُورٌ وبالسماحةِ معروفٌ، فهو لهذا إِلْفٌ مألوفٌ، يقولُ الرسولُ ((المُؤمنُ يألَفُ ويُؤلَفُ، ولا خَيْرَ فِيمَنْ لا يألفُ ولا يُؤلَفُ، وخَيْرُ النَّاسِ أنفعُهم للنَّاسِ))، وبذلكَ تَسلَمُ نِعمتُه، وتَصفُو مَوَدَّتُه؛ فلا يكيدُهُ حاسدٌ، ولا يُؤذِيهِ حاقدٌ، وكيف يُحسَدُ ويُضارّ مَنْ سخَّرَ لِنفعِ الناسِ نَفْسَه وذاتَه، وكرَّسَ لَهُم (5) جُهدَهُ وحياتَهُ، ومدَّ يدَ العَونِ إِلَيهِم، وتواضعَ لهم ولم يتكبَّرْ عليهم؟ فبِمِثْلِ هذهِ الأعمالِ الجليلةِ، والأخلاقِ النبيلةِ تَتوثَّقُ الصلاتُ، وتُدحَرُ الخُصُوماتُ، وتَنْمَحِي العداواتُ، إنَّ المجتمعَ الذي يتَّسِمُ بالحضارةِ الأخلاقيَّةِ هو المُجتمعُ الذي يَملِكُ أفرادُه صدوراً سليمةً وقلوباً نَقِيَّةً، إذا غابَ أحدُهم تَفقَّدُوهُ، وإذا مرضَ عادوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا افتقرَ أعانوه، وإذا زلَّ وأخطأ نصحوه، إنَّ مجتمعاً كهذا صورتُه باهرةٌ، وحضارتُه زاهرةٌ، فيه تتجلَّى الآصرةُ القويَّةُ التي تربطُ الجميعَ برباطِ الحُبِّ العفيف، للوصولِ إلى الغايةِ النبيلةِ والهدفِ الشريف. عِبَادَ اللهِ: إنَّ علاقةَ الناس بعضِهم ببعض يجبُ أنْ تقومَ على عواطفِ الحُبِّ المشتركِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى والمجاملةِ الطيِّبة، والمعاملاتِ السمحة، ولنْ تكونَ العلاقاتُ بهذهِ الصورةِ إلاَّ إذا نقَّى كلُّ إنسانٍ صدرَه منَ الأنانيةِ واستعانَ على (6) تحقيقِ ذلكَ بالدُّعاءِ والتضرُّعِ إلى اللهِ تعالى ليعينَه على ذلك، يقولُ اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ. إنَّ الإنسانَ مرآةُ لأخيه الإنسان، يحبُّه دائماً مُتَّصفاً بالفضائلِ والإحسان، إنْ رأى فيهِ خَيراً أبقاه ونمَّاه، وإنْ رآه على شرٍّ طهَّرَه منْ ذلكَ الشَّرِّ ونقَّاه، وهذا منَ اليسيرِ تحقيقُه وتأكيدُه وتوثيقُه في ظلالِ الإيمانِ؛ فأنوارُ الإيمانِ كفيلةٌ بإزالةِ الحقدِ والكراهيةِ وحبِّ النَّفسِ والأنانية، وإذا ما زالَ ذلكَ وانمحَى أَحبَّ الإنسانُ الخيرَ لعبادِ اللهِ جميعاً، فعلى هُدىً مِنْ نورِ الإيمانِ لا يُبغِضُ ولا يُقاطعُ، ولا يَحسدُ ولا يُدابرُ، يُعلّمُه إيمانُه بأنَّ كُلَّ الناسِ إخوانُه، يقولُ الرسول ((لا تَقَاطعوا ولا تَدابَروا، ولا تَباغَضُوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا))، كما أنَّ أنوارَ الإيمانِ تجعلُ (7) المؤمنَ يَنظرُ إلى كلِّ النَّاسِ على اختلافِ الألوانِ والأجناسِ مِنْ مُنْطَلَقِ ما يَجمَعُه بِهِمْ مِنْ رَحِمٍ عامَّةٍ، يَنْظُرُ إليها بِكُلِّ احتِرامٍ وتَقْدِيرٍ وإِكْرامٍ، فما بينَ النَّاسِ منْ رَحِمٍ يَجِبُ أنْ تُصانَ بالحُبِّ والوَفاءِ، ويمنع أنْ تعاملَ بقطيعةٍ وجفاء، وقد أمرنا اللهُ عزَّ وجل بتَقواه وتقوى الأرحامِ بَعْدَ الإشارةِ إلى أصلِ الإنسانيَّةِ، فقالَ تباركَ وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. الحديث: أخْرَجَ الطَبرَانِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رسولُ اللهِ ((الخُلُقُ الحَسَنُ يُذِيبُ الخَطايا كَما يُذِيبُ المَاءُ الجَليدَ، والخُلُقُ السُّوءُ يُفسِدُ العَملَ كما يُفسِدُ الخَلُّ العَسل))..... أو كما قال . ( الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ سلامةَ الصدورِ مِنَ الأغلالِ نعمةٌ مِنَ اللهِ صاحبِ العظمةِ والجلالِ، ويكفي هذهِ النعمةَ شَرفاً وسُمُوَّ مَنْزِلَةٍ أنَّها مِنْ نعيمِ أهلِ الجَنَّةِ؛ لأنَّ الفشلَ لا يتناسبُ مع دارِ النعيمِ والعزِ والتكريم، يقولُ اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ، ويقولُ جلَّ شأنُه: وَنَزَعْنَا مَا (9) فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ. إنَّ المؤمنَ يحبُ الخيرَ للناسِ فيفرحُ إذا فرحوا ويحزنُ إذا ترحوا، ويسارعُ إلى ما يسرهُم ويذبُ عنهُم كلَّ ما يضرُّهم، ولقدْ بشرَ رجلاً بالجنةِ ثلاثَ مرات؛ فحرصَ الصحابيُ الجليلُ سيدنا عبدُ اللهِ بن عمرو -رضي اللهُ عنهُما- على أنْ يعرفَ عملَهُ لِيَعملَ مِثلَهُ؛ فلمْ يجدْ عَمَلَهُ يفوقُ عملَ غيرهِ فقالَ لهُ عبدُ الله (لم أركَ عملتَ كبيرَ عمل، فما الذي بلغَ بكَ هذهِ المنزلةَ؟ فقالَ له: ما هوَ إلا ما رأيتَ يا ابنَ أخي، غيرَ أنِّي لا أجدُ في نفسي لأحدٍ غِشّاً ولا أحسدُ أحداً على خيرٍ أعطاهُ اللهُ إيَّاه؛ فقال عبدُ الله: هذهِ التي بلغتْ بك)). عِبَادَ اللهِ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ المقسطَ المُعطيَ الواهبَ قسمَ الحظوظَ ووزَّعَ المواهبَ، فالمؤمنُ يعتقدُ أنَّ الأمرَ كلَّهُ مردهُ إلى قسمةٍ إلهيةٍ وقضاءٍ وقدر، فالاعتراضُ عليهِ عدمُ رضا بما قسمَ اللهُ وقدرَ وقضى، يقولُ (10) اللهُ تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً، وقد قيل: ((الحاسدُ جاحدٌ لأنَّهُ لم يرضَ بقضاءِ الواحد)). ليسَ مِنْ فضائلِ الأخلاقِ أنْ يُحِبَّ المرءُ التفوُّقَ على الغيرِ والاستئثارَ بالخيرِ اللهمَّ إلا أنْ يكونَ تنافساً شريفاً لا يُقصَدُ مِنْ ورائهِ إرادةُ العُلوِّ والحطُّ مِنْ أقدارِ الآخرين. فاتقوا اللهَ -عبادَ الله-، واعلموا أنَّ مقتضى الإيمانِ أنْ يشكرَ المرءُ ربَّه على ما أنعم بهِ عليه، ويتمنى أنْ يُشْرِكَهُ إِخْوانُهُ كُلُّهُم فيما أعطاهُ اللهُ مِنَ الخير؛ فذلكَ لا ينقصُ الخيرَ شيئاً بل يجعلُهُ ينمو ويزيد، ويُضافُ إليهِ خيرٌ جديد، وقد أخبرَ اللهُ عبادَه أنَّ أهلَ الشكرِ هُمْ أهلُ الزيادة، يقولُ اللهُ تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ . هذا وصَلَّوا وَسَلِمُوا مَعْشَرَ المُسْلمِينَ علَي سَيِّد الأَوَلِينَ وَالآخِرينَ فَقدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الجَلِيلُ العَظِيمَ فَإِنَهُمَا وِقَايِتَانِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الجَحِيمِ قَالَ تَعَالىَ إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ (11) يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَارْضِ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَاشِدِينَ، وَآلِ بِيْتِهِ الطَاهِريِنَ، وَعَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ نَبِيِّكَ وَالتَابِعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَإحْسَانِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ أّعِزَّ الإسِلاَمَ وَالمُسْلِمِينَ، وَاجْمَعْ كَلِمَةَ المُسْلِمِينَ علَى الحَقِّ، اللَّهُمَّ أَلِفَ بِينَ قِلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ أَخْذِلَ اليَهُودَ وَمَنْ وَالاَهُمْ، اللَّهُمَّ فّرِقْ كَلِمَتَهُمْ، اللَّهُمَّ شَتِتْ شَمْلَهُمْ، اللَّهُمَّ اجْعَلِ الدَائِرَةِ عَلْيهُمْ، اللَّهُمَّ أنْزِلَ الرُّعْبَ فِي قِلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ عَليكَ بِهُمْ يَا اللهُ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأصِلحَ أَئِمَتِنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا وَاجْعَلْ وِلاَيَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتْقَاكَ وَاتَّبَعْ رِضَاكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَشْفِي مَرضَانَا وَأرْحَمْ مَوتَانَا اللَّهُمَّ أرْحَمْنَا إذَا صِرْنَا إلي مَا صَارُوا إليِه يَا رَبَّ العَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِر لِلمُؤمِنَيِنَ وَالمُؤمِنَاتِ، وَالمُسْلِمِينَ (12) وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأمْوَاتِ، إنْكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَعَواتِ، رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد اللهِ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله * * * |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية السبت 19 نوفمبر 2011 - 7:43 | |
| (1) تأملات في الهجرة الحمد لله بعظيمِ منتِه وبديعَ حكمتِه, حفظ نبيه يوم هجرتِه, وأعانه على تبليغ رسالتِه, وأشهد أن لا إله إلا الله القائل في كتابِه: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله : تطالعنا في مستهل كلِ عام ذكرى خالدة ومناسبة كريمة, لما كان لها من آثار على الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعا, إنها هجرة المصطفى من مكة إلى المدينة. والهجرة أعظم حدث في تاريخ الإسلام. لقد كونت للمسلمين خَلقاً جديداً, وبعثت فيهم عزماً شديداً, حولت ضعفهم إلى قوة, وذلهم إلى عزة وقلتهم إلى كثرة, وجعلتهم أئمة وجعلتهم الوارثين بعد أن كانوا مستضعفين في الأرض, يتخطفهم الناس, فآواهم الله وأيدهم بنصرِه, وصدق الله العظيم حيث يقول: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. لقد مكث رسول الله بمكة ثلاثةَ عشر عاماً يدعو الناس إلى الهدى ودين الحقِ وينهاهم عن عبادة الأصنام, وقد شاهد رسولُ الله بمكة ظلماً بيناً واستبداداً مهلكاً, فالأكابر والأغنياء يأكلون أموال الناسِ بالباطل, ويسرقون جهود الضعفاءِ ويعتدون على الحقوقِ والحرمات وقد اتخذوا من الناس عبيداً وأرقاء يعملون في أراضيهم ويسومونهم سوءَ العذاب، فقام بينهم يدعو أهل مكة إلى إنقاذ الإنسانية المعذبة، والإعلان بأن الناس بين يدي الله سواء، لا فرق بين أسود وأبيض، ولا بين أعجمي وعربي، إلا بتقوى الله والعمل الصالح، أعلن ذلك بقوله (أيها الناس ألا إنَّ ربكم واحد، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا أحمرَ على أسْودَ، وأسْودَ على أحْمرَ إلا بالتقوى) وبذلك هدد بالقضاء على آثار الجاهلية البغيضة، وهدد بإزالة الفوارق بين الناس. ساوى بين الطبقات وأذاب طغيان المال وتلي عليهم قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ وقول الله عز وجلَّ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ فانتشرت تلك المبادئ انتشار النور في الظلمات، وطرقت آذان الناس توجد فيهم الأمل وتبعث فيهم الحياة، أما قريش التي كانت تفخر بالمال وتعتز بالرجال وتسجد للأصنام، فقد كبُرَ عليها أن تذعن لهذه الدعوة, وأن تستجيب لهذا الداعي وتعبد الله وحده، وما أجابت إلا بما سجله القرآن الكريم بقوله: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ أغراها المال وأعمتها المعصية، وعزّ عليها أن تسير في قافلة محمد الذي اتبعه الفقراء والعبيد، وعز عليها أن تسمع القرآن الذي سيطر على قلوبهم وهز وجدانهم، وما تواصوا فيما بينهم عند سماع القرآن إلا بما حكاه الله عنهم بقوله ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ إنهم يرون أنهم أشراف مكة، ولهم المجد التليد ولهم الغلبة في ميادين القتال فيرون أنهم حراس البيت الحرام يأوي الجائع إليهم فيشبعونه والمغلوب على أمره فينصرونه فكيف يجمعهم والفقراء دين واحد؟ أم كيف يضمهم والفقراء مجلس واحد؟ وبذلك يستوي السيد والعبد والغني والفقير والعزيز والذليل، هذا ما لا يكون في منصب قريش، ولا في مذهبها، فمن أجل ذلك ذهب وفدٌ من كبراء قريش يطلبون من الرسول طرد الفقراء وإبعاد العبيد، فأبى طردهم وأبى أن يفرق بين غني وفقير، وعزيز وذليل، ما دام الجميع يلتقون في آدم وفي حواء يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ ويقول جل وعلا: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾. أخذ الرسول يعظ هؤلاء الجاهلين ويذكرهم عاقبة الكبرياء والغطرسة، وقريش لا يلين قلبها ولا يستجيب منها سيد من السادات، بل جابهوه بالعداء، ونالوا منه ومن أصحابه أنواع الأذى، بل لقد اجتمع القوم على قتله ووأد دعوته، فكان يومئذ أعزل من السلاح وفي قلة من المؤمنين، ولم يكن لديه من ناصر أو معين سوى رب العالمين، وكان أصحابه فقراء إلا من الإيمان، ضعفاء إلا من الروح، وكان المشركون يتخطفونهم وينزلون بهم أشد وأقوى أنواع البلاء والعذاب، وكان الرسول يرى أصحابه وهم يعذبون، فيأمرهم بالصبر، ويعزيهم ويزودهم بالأمل والنصر القريب، ويقول لهم: (صبراً صبراً فإن موعدكم الجنة، والله لتفتحن لكم الدنيا ولتسيرن الضعينة من صنعاء إلى مكة، لا تخشى أحداً، آمنةً مطمئنة) ويتلو عليهم قول الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا و َلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ ويتلو عليهم قول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ فإذا أنتهي الرسول من القراءة قال أصحابه المعذبون (آمنا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً) لكن القوم الجبابرة أمعنوا في العذاب، واشتدوا في التنكيل بهم، ضربوهم بالسياط، ومنعوهم الطعام والشراب وعذبوهم بالنار وحر الشمس في الصحراء وحبسوهم، وقتَّلوهم تقتيلاً، ولكن أصحاب سيدنا رسول الله لم يزدادوا إلا إيماناً وتثبيتاً، وأزعج المترفين وأهل الثرى والغنى والمشركين أنَّ ركب الهداية يتقدم وصاحب الرسالة يسير في سلام واطمئنان، لم تهزه الكوارث، ولم تردعه الأذيات والعداوات فتآمروا على شخصه واجتمعوا ليلاً وأجمعوا أمرهم إما أن يحبس أو ينفي أو يقتل ولكن الله من ورائهم محيط، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾. إن رسول الله رأى أن قلوب أهل مكة لا تنفتِحُ للدعوة, وأن المقام بينهم أصبح مهيناً ذليلاً, فأذنَ الله بالهجرة إلى الحبشة أولاً ثم إلى المدينة المنورة فأمر رسولُ الله أصحابه بالخروج فهاجر معهم طلباً للعزة والكرامة. خرج لا خائفاً ولا مترقباً من عدوٍ كيداً, خرج وهو مطمئن كما قال لصاحبه في الغار وقد أحاط به العدو من كلِ جانبٍ: لا تحزن إن الله معنا, كما أخبر بذلك الله تعالى في قولِهِ جلَّ وعلا: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم﴾ ذلك لأن الله ضمِنَ له العصمةَ و الحفظَ من الناس قـال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ وصدق الله وعده ونصر عبده والله عزيز حكيم الحديث : روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ الْمُهَاجِرَ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». أو كما قال . ( الخطبة الثانية الحمد لله الذي شرع الهجرة والجهاد, لحماية الدين ودرءَ الفساد, نحمده تعالى ونسأله أن يهدينا سبيل الرشاد, و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المهاجر بدينِهِ بأمرٍ من ربهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد عباد الله: وصل الرسول المدينة فوجد بها قوماً يحبون الله ورسوله ويحبون من هاجرَ إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسِهم ولو كان بهم خصاصة , فألف بين قلوبهم بعد أن كانوا أعداء, وكونَ منهم جيش الإسلام, وأعدَّ منهم القادة وأرسل إلى ملوك الأرضِ وبعث المبعوثين, وقامت دعائم المجتمع على أساسٍ من العدالة الاجتماعية وعلى أساس من البذل والإيثار وعلى أساسٍ من المباديء الفاضلة والمثل الرفيعة, وأعلنها رسول الله حرباً على الفسادِ والطغيان والعدوان, وقام يناصر الضعفاءِ ويحارب الظلم والاستعلاء, فكانت كلمة الحق هي الرائدة والقائدة, وأقام عدالة اجتماعية بين المسلمين الأنصار والمهاجرين, يقول «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ». بهذا التوجيه الكريم انتقلت الدعوة الإسلامية من ضيق الحياة في مكة إلى سعتها في المدينة حيث استطاعت أن تتنسمَ عبير الحرية. لقد هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة من أجل دينهم ومن أجل الإيمان بالله ورسوله ومن أجل المباديء الكريمة. تركوا الديارَ والأموال وتقدم إخوانهم الأنصار في سخاوة نفسٍ و طيب قلب, يطلبون من الرسول أن يقاسمهم المهاجرون ما تحت أيديهم, بل وآثروهم على أنفسهم وإن كانوا في حاجةٍ إليه, فأخبر الله عنهم في قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾ فكان الأنصاري يأتي إلى أخيه المهاجرَ فيعرض عليه أن يقاسمه كل ما يملك, ويأبى المهاجرون أن يستغلوا هذا الصفاء, بل اتجه بعضهم إلى السوقِ والحقلِ وإلى ميادين العمل ليأكلوا من ثمرات عملهم ومن طيبات كسبهم, فهذا عبد الرحمن بن عوف يعرض عليه سعد بن الربيع الأنصاري أن يقاسمه ماله لأنه أخوه في الإسلام فتأبى نفسَه أن يعيش هذه العيشة السهلة بدون عناءٍ وعمل فيقول: يا سعد! دلني على السوق. ليعمل ويكافح ويحصل على رزقه من عرقِ جبينه متأسياً بقولِ الرسول ( ما أكل أحدٌ طعاماً خيرٌ من أن يأكلَ من عملِ يَدِهِ ) . هكذا ربى الرسول أصحابه, وشيد مجتمع العدالة والتكافل والتآخي بين المسلمين, فدانت لهم الدنيا ولم يغتروا بها. فأين نحن من ذلك؟ لا سبيل لنا اليوم لنصل إلى ذلك العز والمجد والكرامة إلا بإتباع شرع الله ودستوره الخالد القرآن وهدي نبيه الكريم, على مستوى الأفراد والجماعات. نسأل الله يقيم دولة الإسلام ويشيد أحكامها على عزائم الكتاب والسنة. وصلوا وسلموا معشر المسلمين علي سيد الأولين والآخرين فقد أمركم بذلك الجليل العظيم فإنهما وقايتان من فتن الدنيا وعذاب الجحيم قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾ اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين وآل بيته الطاهرين وعن جميع أصحاب نبيك والتابعين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واجمع كلمة المسلمين على الحق اللهم ألف بين قلوبهم اللهم أخذل اليهود ومن والاهم اللهم فرق كلمتهم اللهم شتت شملهم اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم أنزل الرعب في قلوبهم، اللهم عليك بهم يا الله اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أشفي مرضانا وأرحم موتانا اللهم أرحمنا إذا صرنا إلي ما صاروا إليه يا رب العلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله *** |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الخميس 24 نوفمبر 2011 - 20:57 | |
| عام جـــديد وخير يتجدد- الهجرة
الحمد لله مقدِّر الأزمانِ والآجال، ومبدِع الكون على غير سابق مثال، جلّ ثناؤه يعجز عن وصفِه بليغ البيان والمقال، أحمده تعالى وأشكره وهو أهلٌ للشكر على كلّ حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعَال، وأشهد أن نبينا محمدًا أزكى الخليقة محتِدًا وأكرمهم في الشمائل والخصال، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، المخصوصين بالرضا وأفضل الخلال، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حقَّ التقوى، واعلَموا أنَّ الأعمارَ سريعة الانقضاء فلا تبقَى، وتزوَّدوا من التقوى تزكو أحوالكم وفي معارج القبول ترقَى. أيّها الإخوة المسلمون:إنَّ عامَكم الجديدَ قد استهلّ، فاستصفوا له من صالحِ الأعمال ما جلّ، ورحِم الله امرًا حاسَب نفسَه0واعلموا إن العمل من أجـل غد أفضل يبدأ بالتغيير، والتغيير يبدأ من النفس، مصداقا لقول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] الرعد:11[ والغد الأفضل يبدأ من المشاعر المعتدلة، والانفعالات المتوازنة، والنظر إلى الحياة كما هي، يشاركه فيها آخرون من بني جنسه، ومن مخلوقات الله التي نعلمها والتي لا نعلمها، لئلا يظن أحد أن الحياة جميعها له، وأن الأرض ملكه وحده، وأن الأحوال فيها لا تتبدل ولا تتغير، فالقانون الأوحد هاهنا: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ] الرحمن: 26-27 [ والتغيير إلى الأفضل يقتضي التوسط بين الألم والأمل، فمن سنن الحياة أنها مزج بين المتناقضات، وجمع مدهش بين الأضداد، فالأيام الحزينة لا تبقى على حالها، والأيام السعيدة تأتي وتروح، وحين يذهب رزق من هنا يأتي رزق آخر من هناك، وعندما يموت إنسان في أرض يولد طفل آخر في غيرها، وهكذا هي الدنيا، فينبغي للمرء ألا يضيعه الرجاء والأمل، ولا يقنطه الخوف والوجل، ولا تفسده الأحزان، ولا تبطره الأفراح، وقد كانت وصية الله لعباده: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ] الحديد:23[والتغيير نحو الأفضل -عباد الله- ليس بوقوف الإنسان على عتبات الأمور المؤقتة، أو أن تقعده الظروف القاهرة، بل هو أن يتسامى عن النظر إلى الحدث إلى تأمـل حكمه، وأثره في نفسه، وأن يجعل من المحنة منحة، ومن الألم أملا، ومن البلية عطية، وقد كانت أحداث الهجرة معـلما مهما في تأكيد هذا المعنى، فقد خرج الرسول -- مهاجرا على ضعف وحزن، ولكنه لم يخنع ويذل، وحين أحس من صاحبه أبي بكر الحزن قال له: ((لا تحزن إن الله معنا)) فمن الخير أن نحرص على هذا السلوك في تعاملاتنا اليومية، ونربي أبناءنا عليه، وأن نكل الأمور إلى الله وحده، فالخير لا يأتي إلا من عنده، والشر لا يدفع إلا بقدرته، وما نراه في تقلب الحال والزمان إنما هو لحكمة يريدها سبحانه، يقول تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] فاطر:2 [ويقول جل وعلا: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] يونس:107 [ولسان المؤمن في كل حال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ] التوبة:51 [ عباد الله :تحملنا سفينة الحياة عبر بحر الزمن، وتمر بنا الأيام يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، وإذ لا مناص من السـفر ولا بديل عنه، فأخذ احتياطات السلامة وضرورات الأمان من أهم المراشد، والوصول إلى بر الأمان وشاطئ الخير منوط بمن تمسـك بها، وعمل بمقتضاها، فيتحقق ما يصبو إليه من أهداف ومقاصد، ومن أهم تلك الاحتياطات على المستوى العام أن يشعر المرء بمسؤولياته تجاه الآخرين، فلا يكون أنانيا في أفعاله، أو ينظر إلى مصلحته الذاتية فحسب، وهذا ما يرشد إليه الرسول --حين قال: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؛ فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا))، فهذا الحديث يدلنا على أن المجتمع لا يستقيم وأفراده متفرقون، ولا يقوم بنيانه وقلوب أبنائه على غير وفاق، ولو استقامت نياتهم، وحسنت مقاصدهم؛ فلا تغني النية الحسنة عن ثقب في أسفل السفينة، ولا تنفع المقاصد الجميلة في رد الهلاك إن وقعت أسبابه، فالواجب هو القيام بالمسؤوليات تجاه الآخرين، والسعي في الصالح العام، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.فاتقوا الله -عباد الله-، واستعينوا به سبحانه على مقاصدكم الحسنة، واتبعوا نهج الاعتدال والقصد في أموركم. وفقني الله وإياكم في العام الجديد إلى فعل الخيرات، والمسارعة إلى البر والصدقات، وجعل الله حاضر أيامنا خيرا من ماضيها، ومستقبلها خيرا من حاضرها. هذا، وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على خير الورى كما أمركم الباري جل وعلا فقال سبحانه، قولا كريما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صلِّ وسلِّم على النبيِّ المصطفى من بني هاشم، الحبيب المجتبى أبي القاسم، ما تجدَّدت الأعوام وتعاقبت المواسم، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء، وعن سائر الصحابة والتابعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم اجعل هذه البلاد آمنة مطمئنة رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح اللهم ولاة أمورنا ووفقهم لما تحب وترضى، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم نوّر على أهل القبور من المسلمين قبورهم، اللهم واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم. نسألك اللهم أن تصلح قلوبنا، وأن تسخّر جوارحنا في مرضاتك. اللهم وفّق حكامنا وعلماءنا وشيبنا وشبابنا. اللهم اجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم، ولا تجعلنا ممن طالت أعمارهم وساءت أعمالهم. اللهم أوزعنا شكر نعمتك، وألبسنا لباس التقوى. اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية السبت 22 سبتمبر 2012 - 10:05 | |
| أعطوا كل ذي حق حقه الْحَمْدُ لله رب العالمين، أحمدُه سبحانَه بما هو له أهلٌ من الحمدِ وأُثني عليه، وأُومنُ به وأَتوكلُ عليه، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَـلَّ اللَّهُ وَسَـلَّمْ وَبَارَكْ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ الحقوقَ في الإسلامِ مُصانَةٌ، والمؤمنُ الحقُّ هو مَن عَرَف الحقَّ والتزمَ بهِ وصانَه، فما أرسلَ اللهُ الرسلَ وأنزلَ الكتبَ إلاَّ لإحقاقِ الحقِّ وإقامَةِ العدلِ؛ فلا يُضَيَّعُ على صاحبِ حقًّ حقُه، بل يجبُ أداؤُه لَهُ بكلِّ أمانةٍ ودقَّةٍ، وبذلكَ يعمُّ الحبُّ وينتشرُ الصفاءُ، وتنعدمُ البغضاءُ وينمحي الجفاءُ يقولُ اللهُ تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ إنَّ الإنسانَ لا يستطيعُ أن يصلَ إلى ما يتطلَّعُ إليهِ من كمالٍ ماديٍّ وارتقاءٍ روحيٍّ، وتقدّمٍ ورُقيٍّ، وسموٍّ وعلوٍّ، إلا إذا توفّرَت له جميعُ عناصرِ النموِّ، ومنها الحقوقُ والوجباتُ المتبادلةُ. عِبَادَ اللهِ: في طليعةِ الحقوقِ التي ضمَنَهَا الإسلامُ للإنسانِ حقُّ الحياةِ، فهذا الحقُّ مُصَانٌ ومكفولٌ لكلِّ إنسانٍ، بِغَضِّ النظرِ عن لونٍ أو جنسٍ أو لسانٍ، فالإعتداءُ على هذا الحقِّ جرمٌ شنيعٌ، وتصرّفٌ مُرِيعٌ وسلوكٌ فظِيع، ويكفي للدلالةِ على شناعَتِه وفظاعتِه أنَّ قتلَ نفسٍ واحدةٍ هو كقتلِ الناسِ جميعاً، يقولُ اللهُ تعالى: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً لذلك حرَّمَ الإسلامُ الاعتداءَ على حقِّ حياةِ الآخرينَ، بل حَرَّمَ الاعتداءَ على الَّنفْسِ، فقاتلُ نفسِه خَسِرَ دنياهُ وأُخرَاه وذلكَ هوَ الخسرانُ المبينُ، لقدَ خَسِرَ دنياه لأنَّه حَرَمَها حقَّ الحياةِ، وخَسِرَ أُخرَاهُ لأنَّ اللهَ حرَّمَ عليهِ الجنَّةَ، وجعَلَ النارَ مثواهُ ومأواه، يقولُ ((كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَادَرَنِى عَبْدِى بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)) رَواه البَخَاريُّ ويقولُ اللهُ تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً. عِبَادَ اللهِ: إن الإنسانَ جسدٌ وروحٌ، وكما أنَّ للروحِ حقَّها فللجسدِ حقُّه كذلك، والإنسانُ إنسانٌ بكاملِ شَطْرَيْه، فالاعتناءُ بالروحِ على حسابِ الجسدِ، أو بالجسدِ على حسابِ الروحِ خطأٌ مُبينٌ، وتصرفٌ مُشينٌ. إنَّ الاعتناءَ بالاثنَينِ معاً هو التوازنُ الذّي ينشدُه الإسلامُ في كلِّ أُمورِه، واختلالُ هذا التوازنِ يضرُّ الإنسانَ ولا ينفعُه، ويهبطُ به ولا يرفعُه. إن الجسمَ النضيرَ، والبدنَ القديرَ هو خيرُ عونٍ للإنسانِ على عمارةِ دنياه وأُخراه، فالإنسانُ السويُّ القويُّ هو أكثرُ تجاوباً مع الحياةِ وأقدرُ على أداءِ مطالبِهِ الحياتيةِ، وشعائرِه الدينيةِ، ولذلكَ كانَ أحبَّ إلى اللهِ، يقولُ الرسولُ ((المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ))، والمؤمنُ الذي يملكُ بدناً سليمَ الحواسِّ وجسداً صحيحَ الأعضاءِ سيمضي في حياتِه بعزيمةٍ ومَضَاءٍ، فيُحسنُ عمَلَه ويحقّقُ أمَلَه. إن الإسلامَ أمَرَ بمحاربةِ المرضِ إنْ وَقَعَ، كما وضعَ العوائقَ والموانعَ أمامَه طلباً للعافيةِ والسلامةِ، فإذا كانَ ثَمَّةَ مرض فالتداوي واجبٌ لا يجوزُ إهمالُه، يقولُ الرسولُ ((إن اللهَّ أَنزلَ الداءَ والدواءَ وجَعَلَ لكلِّ داءٍ دواءً فتداووا))، وإن كانَ ثمَّةَ خشيةٍ من حدوثِ المرضِ ووقوعِه فالوقايةُ أمرٌ مشروعٌ، يقولُ الرسولُ ((إذا سَمِعْتُم بالطاعونِ ظَهَرَ بأرضٍ فلا تدخلُوها، وإذا وقعَ بأرضٍ وأنتمْ فيها فلا تخرجُوا منها))، ويقولُ ((لا يورِدَنَّ مُمْرِضٌ على مُصِحٍ)) -أي مَنْ كانت إبِلُهُ مريضةً فلا يجعلْها تردُ الماءَ مع الإبلِ الصحيحةِ حتى لا تنتقلُ العدوى إليها عِبَادَ اللهِ: إنَّ منَ الحقوقِ التي يجِبُ صيانتُها حقَّ العِرضِ؛ فالخوضُ في أعراضِ الناسِ جريمةٌ نكراءُ وفعلةٌ شنعاءُ، وقد أكّدَ الرسولُ هذا الحقَ ووثَّقَه، وثبَّتَه وحقَّقَهُ، ففي خطبةِ الوداعِ في حجةِ الوداعِ قال ( إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كحرمةِ يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا، ألا هل بلَّغْتُ؟)). إنَّ استطالَة المرءِ في عِرْضِ أَخيهِ إثمٌ وبهتانٌ عظيمٌ، يقول الرسولُ لأصحابِه: ((تدرون أربى الربا عند اللهِ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قالَ: فإنَّ أَربى الربا عندَ اللهِ استحلالُ عرضِ امرئٍ مُسلِمٍ))، ثم قرأَ رسولُ اللهِ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً). عِبَادَ اللهِ: ومِنَ الحقوقِ التي يجبُ صيانتُها حقُّ الجوارِ، فمِنْ حقِّ الجارِ على جارِهِ الإحسانُ إليه، وقد قَرن اللهُ عز وجل حقَّ الجارِ بحقِه سبحانه في العبادةِ، يقولُ اللهُ تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ إنَّ الجارَ أقربُ الناسِ إلى جارِه، وهو أَعلمُ وأَدرى بأسرارِه وأخبارِه، فصيانةُ حقِّ الجارِ إيمانٌ وإهمالُه خروجٌ عن الإيمانِ، يقولُ الرسولُ ((واللهِ لا يؤمنُ، واللهِ لا يؤمنُ، واللهِ لا يؤمنُ، قيل: مَنْ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه)) يعني شرَّه. فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واعلموا أنَّ التهاونَ في أداءِ الحقوقِ ظلمٌ وخيانةٌ وعقوقٌ. الحديث: رَوَى الإِمامُ مُسْلِمُ فِي الصَحِيحِ بِسَنَدِهِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ قَالَ «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».. أو كما قال . الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: منَ الذين يجبُ إعطاؤُهم حقوقَهم العمالُ وأصحابُ العملِ، فللعاملِ حَقُّه الذي يجبُ صيانتُه، وتلزمُ حمايتُه، رَوىَ ابْن مَاجَه عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضِيَ الله عَنهُما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ». وفي مقابلِ هذا الحقِّ الذي كفلَه الإسلامُ للعامل أوجبَ عليه حقًّا لصاحبِ العملِ؛ لأنَّ كلَّ حقٍّ يقابلُه واجبٌ، فمِنْ حقِّ صاحبِ العملِ على العاملِ الأمانةُ في أداءِ عملِه، وهذا يستلزمُ إتقانَ العملِ وإجادَتَه، وقد جاءَ في الأثرِ: ((إن اللهَ تعالى يُحبُّ إذا عملَ أحدُكم عملاً أن يُتْقِنَه)). ومن الذين يجبُ أن تُتَبادَل الحقوقُ بينهما الزوجُ وزوجتُه، فللزوجِ حقُّه على زوجتِه وللزوجةِ حقُّها عليه، يقولُ اللهُ تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ. إنَّ المجتمعَ الذي يأْمنُ فيه كلُّ إنسانٍ على حقِّه مجتمعٌ يعملُ الجميعُ فيه بهمَّةٍ وإخلاصٍ ونشاطٍ وحيويةٍ، وذلك ينعكسُ إيجاباً على الحياةِ الاجتماعيةِ والإقتصاديةِ والنفسيةِ، وفي ظلالِ هذهِ المعطياتِ الإيجابيةِ يترسخُ الحُبُّ والإخاءُ، وتنمحي الأثرةُ والأنانيةُ، ويزدهرُ الاقتصادُ ويعمُّ الرخاءُ، ويصبحُ الجميعُ آمنينَ، ويَمْسُونَ مُطْمَئِنينَ، وينامونَ متفائلينَ، فلا مكانَ للقلقِ، ولا سببَ يدعو إلى أَرَقٍ. إنَّ المرءَ إذا اطمأنَّ على وصولِ حقوقِه إليه انطلقَ في مناكِبِ الأرضِ يُعَمِّرُ ولا يُدَمِّرُ، ويَبني ولا يَهْدِمُ، يَقصِدُ نفعَ نفسِه ونَفْعَ غيرِه، يدفعُه التفاؤلُ والأملُ إلى قولِ الخيرِ وإصلاحِ العملِ. فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، وأدّوا إلى كلِّ ذي حَقٍّ حقَّه، تَسْعَدُوا ويَسْعَدَ غيرُكم، ويَعُمّ نفعُكم وخيرُكم. عِبَادَ اللهِ: صَلَّوا وَسَلِمُوا علَي سَيِّد الأَوَلِينَ وَالآخِرينَ فَقدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الجَلِيلُ العَظِيمَ فَإِنَهُمَا وِقَايِتَانِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الجَحِيمِ قَالَ تَعَالىَ إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَارْضِ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَاشِدِينَ، وَآلِ بِيْتِهِ الطَاهِريِنَ، وَعَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ نَبِيِّكَ وَالتَابِعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَإحْسَانِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ أّعِزَّ الإسِلاَمَ وَالمُسْلِمِينَ، وَاجْمَعْ كَلِمَةَ المُسْلِمِينَ علَى الحَقِّ، اللَّهُمَّ أَشْفِي مَرضَانَا وَأرْحَمْ مَوتَانَا اللَّهُمَّ أرْحَمْنَا إذَا صِرْنَا إلي مَا صَارُوا إليِه يَا رَبَّ العَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِر لِلمُؤمِنَيِنَ وَالمُؤمِنَاتِ، وَالمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأمْوَاتِ، إنْكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَعَواتِ، رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية السبت 22 سبتمبر 2012 - 10:06 | |
| امتلاء القلوب بالمحبات الثلاث الحمد لله حبب إلينا الإيمان وزيَّنه في قلوبنا, وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله : قال بعض العارفين: إن لله تعالى سَّرين يُسرُّهما إلى عبده على سبيل الإلهام: أحدُهما- إذا خرج من أمه يقول له: عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً واستودعتك (عمرك) وائتمنك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة؟! وانظر إلىَّ كيف تلقاني؟! والثاني- عند خروج روحه يقول له: عبدي ماذا صنعت في الأمانة عندك؟ هل حفظتها؟ حتى تلقاني على العهد فألقاك على الوفاء؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب؟! عباد الله : إن المسلمين الأوائل كانوا يسارعون في حب الله فإذا ما سمعوا قول الله تعالى ﴿ والله يحب المحسنين ﴾ [ آل عمران 134 ] ، راحوا يحسنون القول والعمل طمعاً في رضاه ، ولقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الله كتب الإحسان في كل شيء وقال لهم فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة ) ( وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) روى مسلم وأبو داود عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله غليه وسلم قال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء . فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) وإذا سمعوا قول الله تعالى : ﴿ إن الله يحب التوابين ﴾ . سارعوا بالتوبة مما عملت أيديهم طمعاً في حب الله تعالى ورضاه !! وإذا سمعوا قول الله تعالى : ﴿ ويحب المتطهرين ﴾ سارعوا إلى اكتساب الطهارة في أسمى معانيها .. طهارة الظاهر والباطن .. طهارة اليد واللسان .. طهارة القلب والضمير .. طهارة السلوك .. وعفة النفس . طمعاً في حب الله ورضاه . وإذا سمعوا قول الله تعالى ﴿ فإن الله يحب المتقين ﴾ راحوا يُحصِّنون أنفسهم بالتقوى , والبعدِ عن المحرمات , أملاً في حبِ الله ورضاه !! وإذا سمعوا قول الله تعالى ﴿ والله يحبُ الصابرين ﴾ تسلحوا بالصبر واتخذوه عُدَّة في خِضَمِّ الحياة فكان الله معهم لأنهم كانوا مع الله !! وسمعوا قول الله تعالى ﴿ واللهُ يُحبُ المقسطين ﴾ وقوله تعالى ﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ﴾ فملئوا الأرضَ عدلاً وإقساطاً , وأزالوا الحواجز فيما بينهم , واعتصموا بالله وتمسكوا جميعاً بحبلهِ , ولم يتفرقوا , فاتحدت كلمتُهم , وارتفعت رايتُهم ونصرهم الله خيرُ الناصرين لأنهم كانوا يقاتلون في سبيلهِ صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوص , يحملون أرواحهم على أكُفهم طمعاً في حُبِ الله ورضاهُ . لقد صاغهم حبُّ الله فأصبحوا بين غمضة عين وانتباهتِها : محسنين ... توابين ... متطهرين ... متقين ... صابرين ... مقسطين ... عباد الله : ينبغي لنا أن نقف مع أنفسنا وقفةً نسائلُها , لنعرف مدى حُبِّها وإخلاصِها لله .. أهو حبٌّ باللسانِ ؟ أهو حبٌّ ثابت في كل زمان ومكان ؟ هل حبنا لله أكثر من حبنا لآبائِنا وأبنائنا , وإخوتَنا وأزواجنا , وعشيرتنا وأموالنا , وتجارتنا ومساكننا ؟ هل لدى كُلٍّ منا استعدادٌ أكيد للمسارعةِ في تنفيذ ما أمر الله به , واجتنابِ ما نهى الله عنه ؟ هل كلٌّ منا حريص على أن يراه الله حيثُ أمره و ألا يراه حيثُ نهاه ؟ هل كلٌّ منا يعترفُ بنعمةِ الله عليه وينتهزُ الفرصَ المواتيةَ للتعبير عن شكرِهِ بالقول والعمل ؟ هل نُحبُّ الله كي يُنعمَ علينا حتى إذا ما مَرّت الضائقة تغيَّر الوضع , واهتز الإيمان , وأصبحنا مثل ذلك الذي قال فيه الشاعر: صلى وصام لأمرٍ كان يطلبهُ لما انقضى الأمرُ لا صلى ولا صاما هل نحنُ ممن يشرقُ حبُّ الله في قلوبِهم فيملأُ عليهم حياتَهم نُوراً و رضاً وسعادةً ؟ ومَن ذاقَ عَرفَ , ومَن بَعُد ضلَّ وانحرف!! إن نفساً لم يُشرِقُ الحبُّ فيها هي نفسٌ لم تَدرِ مَا مَعناها أنا بالحبِّ قد وصلتُ إلى نفسي وبالحبِّ قد عَرِفتُ اللـــّه روى التِّرمذيُّ عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله عز وخلَّ أمرني بحب أربعة : عليَّ وأبي ذرٍّ والمقدادِ وسلمان الفارسي . لقد كان الله أحبَّ إليهم مما سواه ) رضي الله عنهم جميعاً فازوا بحبِ الله وحبِ رسولهِ !! فأين نحنُ من ذلك الحبِ ؟ عباد الله : يقول الله تعالى ﴿ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعشيرتُكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تَخشَوْن كسادَها ومساكنُ تَرضونَها أحبَّ إليكم مِنَ اللهِ ورسولِهِ وجهادٍ في سبيلِهِ فتربصوا حتى يأتيَ اللهُ بأمرِهِ واللهُ لا يهدي القومَ الفاسقين ﴾ [ التوبة 24 ] تروي لنا كتبُ السيرة : أن سيدنا المقداد بن عمرو في أول لقاءٍ بين الحقِ والباطل , وبين الشركِ والإيمان أعطى المثل والقُدوة عند بدرٍ معرَكةِ الإسلام الأولى .. حيثُ طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحابهِ أن يُشيروا عليه بالرأي في ذلك الموقف العصيب والذي لم يكن في الحُسبان .. لقد وجد المسلمون أنفسَهم وجهاً لوَجْهٍ أمامَ قريش , وقد جاءت لحربِهم على حدود المدينة ..عندئذٍ طلب الرسول صلى الله عليه وسلم الرأيَ من أصحابِهِ أيحارب أم يعودُ بلا حربٍ؟! ويقف المقدادُ بن عمرو لِيُعلِنَ رأيهَ , وليقولَ كلمته بصوتِ المؤمن القوي : ( يا رسول الله , أمضِ لِما أمرك الله فنحنُ معك , والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيلَ لموسى عليه السلام ﴿ فاذهب أنت وربُك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ﴾ ولكن نقول ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ) فنقاتلُ عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفَكَ , فوالذي بعثك بالحقِّ لو سرت بنا إلى بَرْك الغَماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ... سُرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم وتهلّلَ وجهُه لمقالةِ المقداد ودعا له بخير , وأمره الله تعالى بحُبِهِ , وكان للمقداد الفضل علينا بحمل هذا النور إلينا , إنه سيبقى المثل الحي والنموذج الصادق للحبِّ الإلهي . ثبت في الصحيحين مِن حديثِ أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله , متى الساعة ؟ قال : ما أعددت لها ؟ قال :لاشيءَ إلا أني أحبُّ الله ورسولَه . قال:أنت مع من أحْبَبْتَ...قال أنس : فما فرِحنا بشيءٍ فرَحَنا بقولهِ صلى الله عليه وسلم ( أنت مع من أحببت ) فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأحِبَّ أبا بكرٍ وعُمرَ , وأرجوا أن أكون معهم في الجنة . ولقد قرر الحديث الذي رواه أبو هريرة ( أن الله تعالى يشملُ برعايتِه يومَ القيامةِ سبعةً مِن عبادِه فتطمئنُّ قلوبُهم وتغشاهُمُ السكينةُ ولا يأخذُهم ما يأخذَ غيرَهم من الفزع لهولِ الموقِف . مِن هؤلاءِ السبعة ( رجلان تحابَّا في الله . اجتمعا عليه وافترقا عليه ) لقد قامت صداقتهما على الحب الخالص فكان هذا الحبُّ باعِثَها وغايتَها , فإذا اجتمعا دفعهما هذا الحبُّ إلى العمل لله , وإذا افترقا فعلى هذا الحبِّ المثمرِ يفترقان !! وهذه الصداقة أسمى أنواع الصداقةِ لأنها قامت لله وفي الله , فبرئت مما يشوب الصداقاتِ مِن النفاقِ والرياءِ والأغراضِ الماديةِ فأصبحت مصدراً للخيرِ في أسمى صورِهِ عباد الله : هذه المحبات الثلاث... محبةُ الله ومحبة رسولِه ومحبةُ المسلم لأخيه المسلم , هي نماذج الحبِّ الذي يسمو بنا ويُنير طريقنا . فلتعرِفَ هذه المحبات الثلاث طريقها إلى قلوبنا , حتى نذوق حلاوة الإيمان كان الإمام أبو حامد الغزالي إذا رفع رأسه من السجدةِ الأخيرة في الصلاةِ أطال القعود صامتاً قبل التسليم ولما سُئلَ في ذلك قال: لكي يطول أُنسِي بالله !! إن علينا أن نتذكرَ جيداً قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾ وقولِهِ تعالى ﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ﴾ فإذا رأيتم الرجل يتبع في حياته الخاصة والعامة ما جاء به رسولُنا الكريم فذلك من علامات الحب الصادق ..فإن الله نورُ السماواتِ والأرضَ يهدي لنورِهِ من يشاءُ يقرِّبُ الطائعين ويُبعدُ العاصينَ ..شكا الإمام الشافعي لأستاذِه وكيع سوءَ حفظِهِ فنصحهُ وأرشدهُ لما فيهِ صلاحُه يقول الشافعي في ذلك شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حِفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلمَ نُورٌ ونُورُ اللهِ لا يُهدى لعاصي ادعوا الله أن يجعل لنا نوراً في قلوبِنا. الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان, من كان الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما , وأن يُحبَّ المرءَ لا يُحبَّه إلا لله , وأن يكره أن يعود للكفر كما يكره أن يُقذفَ في النار ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم . الخطبة الثانية الحمد لله المؤلفَ بين القلوب وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسولُه علمَ أصحابه معنى الحبِّ في الله ولله يومَ آخى بينهم فصارت تلك الأُخُوَّة وكأنها أُخُوّةُ النسب بل هي أقوى , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد عباد الله : يقول الله تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يُحبُّهم ويُحبونَه أذِلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين يُجاهدونَ في سبيلِ الله ولا يخافون لومةَ لائم ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ﴾ اعلموا عباد الله أنكم الفقراءِ إلى الله والله هو الغني الحميد وأنكم بل الدنيا بإنسها وجانِها وأرضِها وسماءِها لا تسوون عند الله جناح بعوضة لو شاءَ لذهب بكم جميعاً في لمح البصر وجاءَ بآخرين لا يكونون أمثالكم , فأنيبوا إلى الله وتوبوا إليه , وأعلموا أن بابه فاتحٌ لعباده لا تصدُ عنه المعصية مهما كانت , يحكى أن شاباً عبد الله زمناً ثُمَّ انحرف وعصى الله زمناً حتى رأى الشيب في رأسِه ولحيتِه فساءَه ذلك ..إن العُمرَ يمضي فكيف يختمه على هذه الصورة فقرر أن يتوقف عن المعصية , ويطهرَ نفسهُ ويُعلنَ تَوبتَه ..وراح يناجي ربَّه !! وهنا أحس كأنَّ هاتفاً يهتُفُ بِه قائلاً : أحببتنا فأحببناك !! وتركتنا فتركناك !! وعصيتنا فأمهلناك !! وإن رجعت إلينا قبلناك !!. ويحكي الإمام القُشَيْريّ أن رابعة العدوية كانت تناجي في ظلام الليل إلهي أتحرقُ بالنار قلباً يُحبك ؟ فسمعت هاتفٌ يهتفُ بها مرةً ( ما كنا نفعلُ ذلك فلا تظنين بنا ظنَّ السَّوء ) . وتقول إلهي أحِبُّك حبينَ: حبُّ الهوى وحُبٌّ لأنك أهلٌ لذاكا فأما الذي هو حبُّ الهوى فشُغلي بذكركَ عَمَّن سواكا وأما الذي أنت أهلٌ له فكَشفُك لي الحُجْبَ حتى أراكا فلا الحمدُ في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمدُ في ذا و ذاكا اللهم لك الحمدُ كما تُحب وترضى , اللهم أملأ قلوبنا بحبِّكَ وحُبِّ نبيك وحُبِّ أوليائك الصالحين وعبادك المخلصين , وأحسن خاتمتنا , وأحفظ علينا إيماننا حتى نلقاك يا ربنا !! و أجعلنا ممن يصلون على نبيك امتثالاً لقولِك وقولُك الحق ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾ اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، وآل بيته الطاهرين ، وعن جميع أصحاب نبيك والتابعين ، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجمع كلمة المسلمين على الحق ، اللهم ألف بين قلوبهم ، اللهم أشفي مرضانا وأرحم موتانا اللهم أرحمنا إذا صرنا إلي ما صاروا إليه يا رب العلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . عباد الله : إن الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء ، والمنكر ، والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية السبت 22 سبتمبر 2012 - 12:44 | |
| النبيُّ العظيم الحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أمة خير الأنام وأشهد أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له, تباركَ وتعالى الملك العلام, وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولَهُ, للرسل خير ختام صلى الله عليه وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً. لقد اعتاد المجرمون في الأرض أن يحاربوا الحق والهدى بوسائل شتَّى. والهجوم على سيدنا رسول الله وعلى الإسلام تاريخ طويل ابتدأ به كفار قريش، وكان آخره ما حدث في الدنمارك حين نشرت إحدى صحفها صوراً مسيئة للرسول وما تلا ذلك من أحداث كشفت حقيقة الحقد الدفين. ولكن مهما بذل المجرمون في هذا السبيل فإنه لا يُنقص من المنزلة العالية لنبينا عند الله وعند المؤمنين . وقد توعد الله المستهزئين ، وذلك بقوله سبحانه وتعالى إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ ) فقد كان نفر من قريش يستهزئون برسول الله فأهلكهم الله جميعاً ، وكذلك في الآية المذكورة أعلاه إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً ) وعيد شديد يُنْزِل الله به عليهم اللعنة في الدنيا والآخرة ويعدُّ لهم عذاباً مهيناً، وكذلك آيات أخرى في هذا الصدد . وحَسْبُ الرسول المصطفى أنْ مدحه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وأعلى ذكره في الأرض والسماء أبد الدهر ، ثناءً لم ينله أحد من خلقه . وتدافع الشعراء والمؤمنون يمدحون رسول الله مديحاً امتدَّ من حياة الرسول الكريم إلى يومنا هذا ، وما اجتمع لأحد من خلق الله أن ينال هذا المديح الممتد ولا جزءاً منه ، مديحاً أفرغ فيه المؤمنون شديد إيمانهم وعظيم حبِّهم وروائع بيانهم ، لتظلَّ أنشودة الدهر ، ولآلئ البيان . ولعلَّ أول من بدأ بمدح رسول الله من الشعراء الأعشى الكبير ميمون ابن قيس في قصيدته التي مطلعها : ألم تَغْتمِضْ عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم المسهَّدا وقصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه حين تاب واعتذر وألقى بين يدي رسول الله قصيدته الرائعة : بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ مُتيمّ إثرها لم يُفْدَ مكبول وأنا أعدُّ هذه القصيدة من روائع الأدب العالمي . واندفع بعض الصحابة الشعراء رضي الله عنهم يمدحون رسول الله يدافعون عنه أمام هجوم قريش كعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين . ولكن حسان بن ثابت كان أطولهم باعاً وأشدهم إيذاءً لقريش وشعرائها . وإنا لنجد في وصف أم معبد التي مسح رسول الله ضرع شاة خلَّفها الجهد ، فدرَّت لبناً روي منه الرسول وأبو بكر رضي الله عنه والذين معه ، نجد في وصفها لرسول الله قطعة أدبيَّة عالية ، تقول فيها : " رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق .... ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلَّم سماه وعلاه البهاء ...." هذا البيان الرائع دفعه التأثَّر الصادق العميق حين رأت وجه النبوَّة دون أن تعرفه . وتوالى الشعراء على مرِّ العصور يدفعون لآلئ قرائحهم وغنيّ بيانهم في مديح سيّد الخلق ، حتى لا يكاد يخلو عصر من أحد منهم . وقد جمع الشيخ يوسف سعيد النبهاني المتوفى سنة 1350ه كلَّ ما قيل في مدح الرسول الكريم في " المجموعة النبهانية ، في المدائح النبوية " في أربع مجلدات تضمُّ أكثر من ألف وخمسمائة صفحة . وجاء الشعراء في العصر الحديث يبدعون في هذا المديح مثل محمود سامي البارودي في قصيدته : " كشف الغمة في مدح سيد الأمة" في أربعمائة وسبعة وأربعين بيتاً ، وأحمد محرم في ديوانه مجد الإسلام ، وشوقي في قصيدتيه البائية والهمزية . وشعراء كثيرون يضيق المجال عن ذكرهم في هذه الكلمة الموجزة . ولم يقتصر مديح الرسول على المسلمين ، فإنَّ عدداً من الشعراء النصارى مدح الرسول المصطفى ، من مثل : إلياس قنصل ، والشاعر القروي رشيد سليم خوري ، ورشيد أيوب ، ورياض المعلوف ، وإلياس طعمة الذي أسلم وسمَّى نفسه الوليد . ولقد تشرَّفتُ بمديح سيد المرسلين بقصيدة بعنوان : " رسول الهدى " في سبعة وأربعين بيتاً أذكر هنا منها : أَنْتَ مَعْنَى الوَفَاءِ : ذِكْرُكَ في الأَرْضِ حـمـيـدٌ وفي السَّماءِ iiحَميدُ لا تَـكـادُ الـشُّـهُودُ تَملأ عَيْنَيْهـا فَـيُغْضِي مِنَ الجَلاَل الشُّهُودُ حَـسْبُكَ المَدْحُ أَنْ تكون عَلَى خُلْقٍ عَـظيمٍ يُتْلَى بِهِ الكِتابُ iiالمُجيدُ ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) وقد بدأت العداوة لمحمد من قريش من لحظة ابتعاثه ، وبعد ذلك من اليهود ، ثمَّ امتدَّ الحقد مع الزمن حتى تولَّى كبر ذلك : المشركون والكافرون والمنافقون والظالمون من أهل الكتاب في إيذاء بعد إيذاء عبر التاريخ ، حتى الحروب الصليبية ، وحتى ظلمهم وعدوانهم على مسلمي الأندلس ، و كلما واتت فرصة لذلك ! وجاءت الحادثة الأخيرة بنشر الصحيفة الدنماركية الصور المهينة والمؤذية لرسول الله . واعتبرت الدولة أنَّ هذا من باب حريّة الرأي ، وكأنَّها اعتبرت الناس بلا عقول حتى يصدّقوا أنَّ هذا من باب حريّة الرأي . وإن كان الأمر كذلك فعلى دولة الدنمارك أن تراجع قوانينها ، وأن تتعلَّم من الإسلام ، ومن محمد ، حدود حريّة الرأي ، وأدب الرأي ، وحقوق الإنسان . إنَّ هذا كلّه ليدلّ دلالة واضحة على أنَّ القوم يمضون على نهج وخطة وليس على عمل ارتجالي . ولا بدَّ للمسلمين أن يجابهوا ذلك بعمل منهجي مدروس يجمع جهود الأمة كلها . القضيّة قديمة ، بدأت ، كما تذكر بعض الصحف ، قبل ثلاثة أشهر ، واشتدَّ التفاعل ضدّ هذه الإهانة الكبيرة منذ أسبوع أو أسبوعين . وإن كان قد بدأت محاولات هادئة لا تتناسب مع عظم الجريمة . إنها حقاً جريمة ، وجريمة كبيرة في ميزان الإسلام . أين المسلمون ؟! وأين المليار من المسلمين ؟! أُمـة الحقِّ ! ما دهاكِ iiفأصْبحتِ شظايا تطايرتْ في النجاد كلما رُمْتِ ملتقىً كُنتِ في الساحة أوهى من حفنة من رماد لقد هان المسلمون في الأرض ، وأصبحوا غثاءً كغثاء السيل ، كما جاء في حديث رسول الله يرويه ثوبان رضي الله عنه : ( يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة على قصعتها " . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال: بل أنتم كثير . ولكنكم غثاء كغثاء السيل . ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن " فقال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟! قال : حبُّ الدنيا وكراهية الموت ) وأول سبب أجده لهوان المسلمين هو تمزّقهم أقطاراً ومصالح وأهواءً ، وشيعاً وأحزاباً ، يخالفون بذلك ما أمرهم الله به ورسوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ...........) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) وآيات كريمة أخرى تنذر المسلمين إن تفرّقوا إنذاراً شديداً . وحسبك هذا الإنذار في الآية السابقة : " وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ! وأهم سبب لهذا التمزّق والهوان ، هو عدم التزام الإسلام التزاماً أميناً ، وعدم التزام الكتاب والسنَّة التزاماً أميناً ، وبذلك عدم طاعة الله ورسوله : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) إنَّ الغرب ماضٍ في حربه ضدَّ الإسلام والمسلمين بصورة خفيّة ، وإنَّ عداءهم هذا امتدَّ حتى اليوم لم يتوقّف ، وإنَّ عمل الصحيفة الدنمركية لم يتوقف في الدنمارك ، فسرعان ما تبنته النرويج ، ثمَّ فرنسا ، ثمَّ أخذت عواطف بعض الناس في تلك الدول تتأجج ضدّ المسلمين . ولم يكن ذلك ليتمَّ لولا الدعاية السيئة التي أشاعتها أجهزة الإعلام ضدَّ المسلمين . والأمر العجيب أن الدول الغربية كلها لا تنظر في جرائم إسرائيل في فلسطين ، ولا في انتهاكها لحقوق الإنسان ، ولا في عدم التزامها بقرارات هيئة الأمم المتحدة ، ولا في ما تملكه من أسلحة نووية ، أو أسلحة دمار شامل . كلُّ ما تفعله إسرائيل من جرائم يغضون الطرف عنه ، ويغضون الطرف عما ترتكب الدول الغربية نفسها من جرائم بحق الشعوب ، في تاريخ طويل مليء بالمجازر والتدمير . إنها قصة التاريخ الممتدّ منذ أن بُعِثَ محمد ، بدأت عداوة المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يؤذيهم أو يعتدي عليهم . دعاهم إلى الله الذي لا إله إلا هو ، دعوة سلم وخير. فلم يُجْدِ السلم ولا الخير ، وإنما بادروا بالإيذاء والعدوان . وكذلك اليهود الذين عاملهم الرسول أطيب معاملة قابلوا ذلك بالغدر والحرب والفتن . ومنذ ذلك العهد حتى اليوم فإنَّ الحرب ضدّ الإسلام لم تتوقف ، ولن تتوقف . فإنها ابتلاء من الله سبحانه وتعالى , يمحص به عباده لتقوم عليهم الحجة يوم القيامة أو تقوم لهم . وإنا إذ نُحَيِّي النفوس المؤمنة التي غضبت لرسول الله ، والنفوس المؤمنة التي تداعت إلى النصرة بوسائل متعددة ، فكلنا مع نصرة الله ورسوله. لذلك فإنا ننصح بأن يراجع المسلمون أنفسهم لينظروا في واقعهم ، ويروا كم يُرضون الله بما هم عليه , وبما يفعلون . ومن أهم مسؤوليات المسلمين أن يبلِّغوا رسالة الله ودين الإسلام إلى الناس كافَّة . فهل بلَّغ أحد هذا الدين إلى رئيس وزراء الدنمارك أو غيره من رجال الدولة , أو رؤساء الدول الأخرى , حتى نعذر أنفسنا بين يدي الله يوم القيامة . مع أهمية المقاطعة لبضائعهم والمظاهرات التي عمَّت العالم الإسلامي إلا أن هذا وحده لا يكفي .فلا بدِّ من معالجة أخطائنا وتقصيرنا بحقِّ هذا الدين العظيم ونبيِّه العظيم . فإن أدرك المسلمون جوانب الخلل في واقعنا اليوم ، فليبادروا إلى إصلاح كل خلل يغضب الله ، وإلى صدق التوبة والإنابة ، عسى أن يكون الله معنا فيما نجابه من أحداث ، لن نقوى على مجابهتها دون نصر يتنزَّل من عند الله : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ....) أو كما قال . الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آلِهِ وصحبهِ وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله: إنَّ أسعد الناس بشفاعة سيدنا رسول الله من مات على الإسلام، أخرج البخاري بسنده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ» . اللهم أحينا على لا إله إلا الله، وتوفنا عليها، واجعلها آخر كلامنا من الدنيا. اللهم أدخلنا الجنة بسلام، وتفضل علينا بباب الريان، واشملنا برحمتك وعفوك وعتقك من النيران، اللهم أصلحنا قبل الموت، وارحمنا عند الموت، واغفر لنا بعد الموت. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وصلوا وسلموا على البشير النذير الشافع المشفع، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم فقال إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وآل بيته الطاهرين، وعن جميع أصحاب نبيك والتابعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم ألف بين قلوبهم، اللهم أخذل اليهود ومن والاهم، اللهم فرق كلمتهم، اللهم شتت شملهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم أنزل الرعب في قلوبهم، اللهم عليك بهم يا الله، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أشفي مرضانا وأرحم موتانا اللهم أرحمنا إذا صرنا إلي ما صاروا إليه يا رب العالمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 - 6:31 | |
| أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الحمد لله عليِّ الذات جليل القدر , عظيمَ الصفات رفيع الذكر, أحمدهُ سبحانهُ وأشكرهُ وهو كريمُ العطاءِ جزيلُ الأجر, وأشهد أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له, تباركَ وتعالى لهُ الخَلقُ والأمر, وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولَهُ, حاز مراتب الشرف ومنازل الفخر, صلى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ السادةِ الغرر, والأنجُمِ الزُهْر, وسلمَ تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله: إنَّ قلوب البشر تصدأ وتظمأ وتجف، فهي تحتاج إلى تجلية وري، يزيلان عنها الأصداء والظمأ، والمرء في هذه الحياة، محاط بالأعداء من كل جانب نفسه الأمارة بالسوء، تورده موارد الهلكة، وكذا هواه وشيطانه، فهو بحاجة ماسة، إلى ما يُحَِرزَهُ ويُؤّمِنَهُ، ويُسكِن مخاوفه، ويطمئن قلبه. وإن من أكثر ما يزيل تلك الأدواء، ويحرز من الأعداء، ذكر الله والإكثار منه؛ فهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلال. عباد الله: إنَّ العلاقة بين العبد وبين ربه ليست محصورة في ساعة مناجاة في الصباح، أو في المساء فحسب، ثم ينطلق المرء بعدها، في أرجاء الدنيا غافلا لاهيا، يفعل ما يريد دون قيد ولا حُكم؛ كلا، فالعلاقة الحقة، أن يذكر المرء ربه حيثما كان، وأن يكون هذا الذكر مقيدا مسالكه بالأوامر والنواهي، ومذكراً الإنسان بضعفه البشري، ومعينا له على اللجوء إلى خالقه في كل ما يعتريه. لقد حث الدين الحنيف، على أن يتصل المسلم بربه، ليحيا ضميره، وتزكوا نفسه، ويطهر قلبه، ويستمد منه العون والتوفيق؛ ولأجل هذا، جاء في محكم التنزيل والسنة النبوية المطهرة، ما يدعوا إلى الإكثار من ذكر الله عز وجل على كل حال؛ فقال عز وجل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا{ . وقال سبحانه وتعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا{ . وقـال جـــل شأنه: }وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ وقال تعالى: }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِي{. وقال سبحانه: }وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ{ . وقال (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) متفق عليه. وقال (من قال : سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة. عباد الله: بالذكر تُستدفع الآفات، وتستكشف الكربات، وتهون به على المصاب الملمات، زين الله به ألسنة الذاكرين كما زين بالنور أبصار الناظرين, فاللسان الغافل، كالعين العمياء، والأذن الصماء، واليد الشلاء. الذاكر الله، لا تدنيه مشاعر الرغبة والرهبة من غير الله، ولا تقلقه أعداد القلة والكثرة، وتستوي عنده الخلوة والجلوة، ولا تستخفه مآرب الحياة ودروبها. ذكر الله عز وجل، باب مفتوح بين العبد وبين ربه، ما لم يغلقه العبد بغفلته. قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق. إن الذنوب كبائرها وصغائرها لا يمكن أن يرتكبها الإنسان، إلا في حال الغفلة والنسيان لذكر الله عز وجل؛ لأن ذكر الله تعالى، سبب للحياة الكاملة التي يتعذر معها أن يرمي صاحبها بنفسه في أتون الجحيم، أو غضب وسخط الرب العظيم، وعلى الضد من ذلك، التارك للذكر، والناسي له، فهو ميت، لا يبالي الشيطان أن يلقيه في أي مزبلة شاء. قال تعالى: }وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌَ{. وقال تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىَ{. قال ابن عباس الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس. وكان رجل رديف النبي على دابة، فعثرت الدابة بهما، فقال الرجل: تعس الشيطان؛ فقال له النبي (لا تقل تعس الشيطان؛ فإنه عند ذلك يتعاظم حتى يكون مثل البيت، ولكن قل بسم الله. فإنه يصغر عند ذلك حتى يكون مثل الذباب) رواه أحمد وأبو داود. عباد الله: الإكثار من ذكر الله، براءة من النفاق، وفكاك من أسر الهوى، وجسر يصل به العبد إلى مرضاة ربه، وما أعده له من النعيم المقيم، بل هو سلاح مقدم، من أسلحة الحروب الحسية، فقد ثبت عن النبي في فتح القسطنطينية: ( فإذا جاؤها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر؛ فيسقط أحد جانبيها، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر. فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا) رواه مسلم. إنَّ ذكر الله تعالى أشرف ما يخطر بالبال، وأطهر ما يمر بالفم، وتنطق به الشفتان، وأسمى ما يتألق به العقل المسلم الواعي، والناس بعامة قد يقلقون في حياتهم أو يشعرون بالعجز أمام ضوائق أحاطت بهم من كل جانب، وهم أضعف من أن يرفعوها إذا نزلت، أو يدفعوها إذا أوشكت، ومع ذلك فإن ذكر الله عز وجل، يحيي في نفوسهم استشعار عظمة الله، وأنه على كل شيء قدير، وأن شيئا لن يفلت من قهره وقوته، وأنه يكشف ما بالمُعَنَّى إذا ألم به العناء، حينها يشعر الذاكر بالسعادة وبالطمأنينة يغمران قلبه وجوارحه }الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{. يقول جل وعلا في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه) رواه البخاري ومسلم. واشتكى علي وفاطمة رضي الله عنهما إلى رسول الله ما تواجهه من الطحن والعمل المجهد، فسألته خادما، فقال رسول الله (ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم، إذا أويتما إلى فراشكما، فسبحا الله ثلاثا وثلاثين واحمداه ثلاثا وثلاثين. وكبراه أربعا وثلاثين؛ فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان). فقال علي ما تركتها بعدما سمعتها من النبي عباد الله: إن الحضارة الحديثة، والحياة المادية الجافة، مقطوعة الصلة بالله إلا من رحم الله، والإنسان مهما قوي فهو ضعيف، ومهما علم فعلمه قاصر وحاجته إلى ربه أشد من حاجته إلى الماء والهواء، وذكر الله في النوازل عزاء للمسلم ورجاء }الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{. ولو تنبه المسلمون لهذا، والتزموا الأوراد والأذكار، لما تجرأ بعد ذلك ساحر، ولا احتار مسحور، ولا قُلبت بركة، ولا تكدر صفو، ولا تنغص هناء. يقول الله تعالى: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ{. الحديث: روى الإمام أحمد في المُسند أنَّ رسولُ الله قال: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما ذلك ما هو يا رسول الله، قال: ذكر الله عز وجل) أو كما قال .
الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آلِهِ وصحبهِ وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله: ثبت عن النبي أنه قال: (خذوا جُنَتَكُم. قلنا: يا رسول الله، من عدو قد حضر؟ قال: لا، جُنَتًكُم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فإنهن يأتين يوم القيامة منجبات ومقدمات وهن الباقيات الصالحات) رواه الحاكم. ثم ليعلم كل مسلم صادق، أن المؤثر النافع، هو الذكر باللسان على الدوام، مع حضور القلب؛ لأن اللسان ترجمان القلب، والقلب خزانة الخواطر والأسرار، ومن شأن الصدر، أن ينشرح بما فيه من ذكر ويلذ إلقاءه على اللسان، ولا يكتفي بمخاطبة نفسه به في خلواته حتى يفضي به بلسانه, مُتأملاً قول الله عز وجل: }وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ{. فأما الذكر باللسان، والقلب لاه، فهو قليل الجدوى، قال رسول الله (اعلموا أن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه) لأن القلب لا يخلو من الالتفاف إلى شهوات الدنيا، ومن المعلوم بداهة أن المتلفت لا يصل سريعا؛ ولذا فإن حضور القلب على الدوام أو في أكثر الأوقات هو المقدم على غيره بل به تُشرف سائر العبادات وهو ثمرة العبادات العملية. ولذا فإن رسول الله حذر من أن تنفض المجالس دون أن يذكر الله عز وجل فيها بقوله: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة) رواه أبو داود والحاكم. فسيدنا رسول الله يمقت مجالس الغافلين، وينهى عن كل تجمع خلا من ذكر الله، وأن المجالس التي يُنسى فيها ذكر الله، وتنفض عن لغط طويل، وهمز ولمز؛ هي مجالس نتنة، لا شيء فيها يستحق الخلود، ولذا قال (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك. إلا كفر الله له ما كان في مجلسه ذلك) عباد الله: اتقوا الله فإنكم عليه تعرضون و أخلصوا له الأعمال فإنكم عليها محاسبون واعلموا أن الله صلّى على نبيه في كتابه المكنون و أمركم بذلك فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فأكثروا من الصلاة عليه تكونوا من الفائزين. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وارض عن الأربعة الخُلفا وبقية العشرة الكرام و أزواج نبيك المصطفى وعن عمي نبيك وحبيبك وسبطيه ذوي الإخلاص والصفا وعن الأنصار والمهاجرين والتابعين إلى يوم الدين. اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين, واجعل بفضلك هذا البلد آمناً مطمئناً ولا تؤاخذنا بما فعلنا وارفع اللهم مقتك وغضبك عنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين, اللهم بك نستنصر فانصرنا وإيّاك نسأل فلا تخيبنا وإليك نلجأ فلا تطردنا وعليك نتوكل فاجعلنا لديك من المقربين, منا إنك أنت السميع العليم وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا من الذين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *
قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 - 6:33 | |
| إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً الحَمْدُ للهِ الرَّقِيبِ الحَسيبِ، يَعلمُ ما في الصُّدُورِ، وإِليهِ تَُرجَعُ الأُمُورُ، أَحمدُهُ تَعالَى بِما هُوَ لَهُ أَهلٌ منَ الحمدِ وأُثْنِي علَيه، وأومنُ بهِ وأَتوكَّلُ علَيهِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صلَّ اللَّهُ وسلَّمْ وبارَكْ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الرَّقِيبُ اسمٌ منْ أسماءِ اللهِ الحُسنَى، وصِفَةٌ منْ صِفَاتِه العُليا، فَهُوَ الرَّقِيبُ الَّذِي لا يندُّ عَنْ علمِه شيءٌ ولا يغيبُ، يقولُ اللهُ تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً، ويقولُ جلَّ شأنُه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً، فَهُوَ سُبحانَه المُحصِي لأَعمالِ النَّاسِ الحافظُ لها والمُجازِي عليها، والإنسانُ إذا عقلَ هذا الاسمَ المُقدَّسَ العظيمَ، وأدركَ وفَقِهَ مَعناه، وتعاملَ معْ إخوانِه في الإنسانيَّةِ بِمُقتضاهُ برَّ واتَّقَى، وسَما وارتَقَى، فوَصلَ إلى دَرجَةِ الإِحسانِ الَّذِي عرَّفَهُ الرَّسُولُ بقَولِه: (((أنْ تَعبُدَ اللهَ كأنَّكَ تَراه، فإنْ لمْ تكنْ تراهُ فإِنَّهُ يَراك))؛ فلا يُرَى الإنسانُ بعدَ ذلكَ إلاَّ إلى الخَيرِ مُقدِماً، وعَنْ كُلِّ سُوءٍ وشَرٍّ مُحجِماً، ومَنْ كَانَ إلى الخَيرِ سبَّاقاً، وإلى ذُرا الفَضائِلِ توَّاقاً عَمَّ خَيرُه، ونَفَعَ نفسَه وانتَفَعَ بهِ غَيرُهُ. إنَّ المُراقبَ للهِ يُحاسِبُ نفسَه قبلَ أنْ يُحاسَبَ, فَيَحسُنَ مُنقلبُه ومآبُه، يقولُ سَيِّدُنا عُمرُ ((حاسِبُوا أَنفسَكُم قبلَ أنْ تُحاسَبُوا))، إنَّ المُراقِبَ للهِ تَعالَى يَعلمُ عِلْمَ اليقينِ بِأنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ على الضَّمائِرِ، عليمٌ بِما يَجُولُ في السَّرائِرِ، رقيبٌ علَى البَواطِنِ والظَّواهِرِ، فَيُقْدِمُ على العَملِ الطَّيِّبِ والقَولِ الحَسَنِ وهو فَرِحٌ مَسرُورٌ، لأَنَّهُ بِعِلْمِه هَذَا يَذُوقُ طَعْمَ الإِيمَانِ ولَذَّتَه، فَيَرتَقِي إلى دَرَجةِ الإِحسانِ الجامعةِ لِخَشيةِ اللهِ ومَحَبَّتِه، يقولُ الرسولُ ((ذاقَ طَعمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ باللهِ ربّاً، وبِالإِسلاَمِ دِيناً، وبِمُحمّدٍ رَسولاً))، وهذا السرورُ الذي يَشعرُ بهِ مَنْ راقبَ اللهَ في عملِه يكونُ حافِزاً لَهُ علَى دوامِ طاعةِ اللهِ وبَذْلِ الجُهْدِ في مَرضَاتِه. عِبَادَ اللهِ: إنَّ صاحِبَ العقيدةِ الرَّاسِخَةِ والضَّمِيرِ الحَيِّ يَعيشُ حياتَهُ مُراقِباً للهِ في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، لإيمانِه بِأَنَّ اللهَ مَعهُ حَيثُما كانَ، لا يغيبُ عَنْ عِلْمِه شَيءٌ في زمانٍ أو مكانٍ، وأنَّهُ سُبْحانَهُ لا تَخْفَى عليهِ خافيةٌ، يقولُ اللهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، إِنَّ لِمُراقبةِ اللهِ عَزَّ وجلَ ثمراتٍ عظيمةً جَمَّةً، وفوائدَ جليلةً مُهمَّةً، فَهِيَ كابحةٌ للإنسانِ، عاصمةٌ لِجَوارحِه مِنْ كُلِّ مَعصيةٍ، حافظةٌ لَهُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ سواءً في السِّرِّ والعَلَنِ، فالمُراقبُ للهِ عزَّ وجلَّ يقرأُ قَولَ اللهِ تَعالَى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، فلا تَصدُرُ مِنْهُ خَائِنةٌ، ولا تَحدثُ منهُ شائنةٌ، وقَدْ وَرَدَ مَأثُوراً: ((ما كَرِهْتَ أنْ يَراهُ النَّاسُ مِنْكَ؛ فَلاَ تَفْعلْهُ بِنَفسِكَ إِذَا خَلَوتَ))، ومِنْ ثَمراتِ المُراقبةِ للهِ عزَّ وجلَّ الحياءُ مِنْهُ سُبْحانَهُ، ومَنِ استحيا مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ جَعلَ اللهُ بينَه وبينَ معصيتِه حواجزَ وسُدُوداً، فابتعدَ مِنْها وصَدَّ عَنْها صُدُوداً، يقولُ الرسولُ ((استحيوا مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ، قالُوا: إنَّا نَستَحِي مِنَ اللهِ والحمدُ للهِ، قالَ: ليسَ ذلكَ، إِنَّ الحياءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أنْ تَحفظَ الرَّأْسَ وما وَعَى، والبَطْنَ وما حَوَى)). عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ ثَمَراتِ المُراقَبَةِ للهِ الخَشْيَةَ مِنْهُ، ومَنْ خَشِيَ اللهَ واتَّقَاه، طَهَّرَهُ اللهُ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ ونَقَّاهُ، يقولُ اللهُ تَعالى: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ، ولَقد كانَ الرسولُ يَدْعُو رَبَّهُ فيقولُ: ((اللهم إِنِّي أَسالُكَ خَشيتَكَ في الغَيبِ والشَّهادةِ)). إنَّ المُؤمِنَ يَفعلُ ويَدَعُ، وهو يُؤمنُ إِيْماناً كَامِلاً بِأَنَّ اللهَ عليهِ رقيبٌ، فيَسمُو إلى دَرَجَةِ المُتَّقِينَ، ويَعلمُ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّ الرَّقابةَ الإِلهيَّةَ لا تَذرُّ عنها شَاردةٌ، ولا تَغيبُ عنها واردةٌ، وإِنَّ مِنْ ثَمَراتِ المُراقبةِ للهِ إِلْقَاءَ اللهِ حُبَّ مَنْ رَاقَبَهُ في قُلُوبِ النَّاسِ؛ لأنَّ حُبَّ النَّاسِ ثَمَرةُ حُبِّ اللهِ، يقولُ الرَّسولُ ((إِنَّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ عَبْداً دَعا جِبْريلَ فقالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلاَناً فَأحبَّهُ، فيُحبُّهُ جِبْريلُ ثُمَّ يُنادَى في السَّماءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً فَأَحِبُّوه، فَيُحِبُّه أهلُ السَّماء، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرْضِ))، ومَنْ رَاقَبَ اللهَ عَزَّ وجلَّ في السِّرِّ أَظْهَرَ اللهُ أَمْرَهُ، وأَلْقَى في قُلُوبِهِم مَحَبَّتَهُ، ورَفَعَ بَيْنَهُمْ دَرَجَتَهُ ومَكَانَتَهُ، يقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. فَاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنْ لا مَهْرَبَ مِنْ رَقَابَةِ اللهِ ولا مَنْفَذَ ولا مَجَالَ؛ فَعلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يُحسِنَ العَملَ؛ لِيَنَالَ مِنَ اللهِ أَعْظَمَ الجَزَاءِ، ومِنَ النَّاسِ القَبُولَ والثَّنَاءَ. الحديث: رَوَى ابْنُ مَاجَّه فِي السُنَنِ بِسَنَدِهِ عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِ أَنَّهُ قَالَ: «لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا»... أو كما قال .
الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مُراقَبَةَ اللهِ عَزَّ وجلَّ تُحيي القُلُوبَ المَوات، وتُوقِظُ الضَّمائِرَ مِنَ السُّباتِ، تُحيي وتُحَرِّكُ في الإِنسانِ دَوَاعِيَ الخَيْرِ، وتُمِيتُ فِيهِ نَوازِعَ الشر، وتَجعَلُ مِنْهُ إِنْساناً يَرَى بِنُورِ اللهِ، ويَعْمَلُ ويَقُولُ في حُدُودِ ما أَمَرَ اللهُ تَعالَى، لاَ يَخطُو خُطْوةً، ولاَ يَقُولُ قَولاً إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَسألَ نَفْسَهُ: هل هذا العَملُ أو القَولُ يُرضِي اللهَ أَمْ لا؟ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُرضِيْهِ أَقْدَمَ، وإلاَّ امتَنَعَ وأَحْجَمَ، ولو أَنَّ كُلَّ إِنْسانٍ اتَّخَذَ هذا مَسلَكاً وعادةً في جَمِيعِ الأُمُورِ لَعاشَ الجَمِيعُ في مَأْمَنٍ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، ومَنْأى عَنْ كُلِّ ما يُؤْذِي ويَسُوء، وبِهذا يَسلُكُ الجَمِيعُ طَرِيقَ النَّجاةِ، ويَتَحقَّقُ لِكُلِّ إِنْسانٍ ما ابتَغَاهُ ورَجَاه. فَاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، ورَاقِبُوا اللهَ في جَمِيعِ شُؤُونِكُمْ؛ يَهبْكُمُ اللهُ الرُّشْدَ والخَيْرَ، ويُحَصِّنْكُم مِنْ كُلِّ شَرٍّ وضَيْرٍ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْما اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله * * *
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 - 6:34 | |
| اليقينُ سَعادٌة ونجاةٌ الحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ اليَقِينَ مِنْ صِفاتِ عِبادِهِ المُؤمِنينَ، والثِّقَةَ فِيهِ مِنْ شَمائِلِ أَوليائهِ المُتَّقِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، مَنِ استَمْسَكَ بِهدْيِهِ فَقَدِ استَمْسَكَ بِالعُروَةِ الوُثْقَى، ورُزِقَ الرَّاحةَ عِنْدَ المَصابِ والبَلْوَى، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمّداً عَبْدُ اللهِ ورَسولُهُ، لَمْ تُزَعْزِعْهُ المَواقِفُ والبَلاَيا، ولاَ نَالَتْ مِنْ يِقِينِهِ المَصائِبُ والرَّزايا، وعَلَى آلهِ وصَحْبِهِ الأَطْهارِ، وعَلَى مَنْ تَبِعَهُم مِنَ المُتَّقِينَ الأَخْيارِ، صَلاَةً وَسلاَماً دَائمينِ مَا تَعاقَبَ اللَّيلُ والنَّهارُ. أَمّا بَعدُ، فَيا عِبادَ اللهِ: أَنَّ اليَقِينَ دَرجَةٌ مِنَ الإيمَانِ عَالِيةٌ، ومَنْزِلَةٌ مِنَ الإِخلاَصِ للهِ رَاقِيَةٌ، لاَ يَصِلُ إِليها إِلاَّ مَنْ وَقَرَ الإِيمانُ فِي قَلْبِهِ، وسَيْطَرَ حُبُّ اللهِ عَلَى قِشْرِهِ ولُبِّهِ، واليَقِينُ مَنْزِلَةٌ يُحِبُّها اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى، ويُرِيدُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ يَصِلوا إِلَيها، ولِهَذا يَقُولُ اللهُ عزَّ وَجَلَّ: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، فسَيِّدُنَا إِبراهيمُ كَانَ مُؤمِناً، لَكِنَّ اللهَ أَرادَ أَنْ يَزيدَهُ إِيماناً ويَجْعَلَهُ مِنَ المُوقِنينَ، فَجَعلَ اللهُ سُبْحانَهُ وَسيلَةَ ذَلِكَ أَنْ يُرِيَهُ مَلَكوتَ السَّماواتِ والأَرضِ، فَبَعْدَ أَنْ رَآهُ وَتأَمَّلَهُ، رَفَعَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى حُجَّتَهُ، والمُؤمِنُ مُوقِنٌ بِأَمْرِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالَى، لِذا فَهُوَ مُستَقِيمٌ عَلَى أَمْرِهِ سُبْحانَهُ، ويَقومُ بِأَداءِ العَمَلِ الذِي افتَرَضَهُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى عَلَيهِ، كَمَا أَنَّهُ مُوقِنٌ بِقَضاءِ اللهِ وقَدَرِهِ ومَشِيئَتِهِ، فَيُفَوِّضُ أَمْرَهُ للهِ وتَرتاحُ نَفْسَهُ لِما قَدَّرَهُ رَبُّهُ وأَمضَاهُ، قَالَ تَعالَى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وحِينَ سَعَدَ هَؤلاءِ بِبَرْدِ اليَقينِ والتِزامِهِ، شَقِيَ آخرونَ بِانعدِامِهِ، قَالَ تَعالَى فِي شَأنِهم: وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُستَيقِنِينَ، وَقَدْ وَضَعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ المِيزانَ الدَّقِيقَ لِليقِينِ فَقالَ: ((إِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ حَقِيقَةً، ومَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمانِ حَتَّى يَعلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخطِئهُ، ومَا أَخطأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصيبَهُ))، وإِذا وَصَلَ اليَقِينُ إِلَى القَلْبِ امتَلأَ القَلْبُ نُوراً وإِشراقاً وإِيماناً ومَحَبّةً للهِ، وخَوفاً مِنَ اللهِ، وثِقَةً فِي اللهِ، وشُكْراً لَهُ، ورِضاً بِقَضائِهِ وقَدَرِهِ، وتَوَكُّلاً عَلَيهِ، وإِنابَةً إِلَيهِ، واليَقِينُ مِنْ أَعظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى العَبْدِ، يَقُولُ : ((سَلوا اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحداً لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْراً مِنَ العَافِيَةِ))، وكَيفَ لاَ يَكُونُ اليَقينُ كَذَلِكَ وبِهِ اهتَدَى المُهتَدونَ، وفِيهِ تَنافَسَ المُتنافِسُونَ؟ قَالَ تَعالَى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ، إِنَّ اليَقِينَ استِحسانٌ دَائمٌ لِما حَكَمَ اللهُ بِهِ، ورِضاً مُطلَقٌ بِما قَدَّرَهُ وقَضَاهُ، قَالَ تعَالَى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ. عِبادَ اللهِ: إِنَّ المُتَتبِّعَ لِكتابِ اللهِ العَظِيمِ، والدَّارِسَ لِتارِيخِ مَنِ اختَصَّهم اللهُ بِالخَيْرِ والتَّكْرِيمِ، يَقِفُ وَقْفَةَ إِجلاَلٍ وإِكبارٍ لِصُوَرِ اليَقِينِ الذِي لاَ يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ، والثِّقَةِ فِي اللهِ الواحِدِ الأَحَدِ، نجدُ ذَلِكَ فِي سِيرَةِ سَيِّدَنَا نوحٍ الذِي قَامَ امتِثالاً لأَمْرِ رَبِّهِ لِيَصنَعَ سَفِينَةً عَلَى اليَابِسَةِ حَيْثُ لاَ بَحْرَ، قَالَ تَعالَى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ، سُبْحانَ اللهِ: يَصْنَعُ سَفِينَةً ولاَ بِحارَ ولاَ أَنهارَ ولاَ مُحيطاتِ؟ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُمتَلِئُ القَلْبِ بِاليَقِينِ لأَمْرِ رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالَى، وبَعْدَ أَنْ أَتمَّ سَيِّدُنَا نُوحٌ صُنْعَ السَّفِينَةِ، واشَتَدَّ اضطِهادُ قَومِهِ لَهُ تَضَرَّعَ لِرَبِّهِ سُبْحانَهُ، قَالَ تَعالَى فِي وَصفِهِ: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ، فَكانَتِ النَّتِيجَةُ: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ، وهَذا سَيِّدَنَا إِبراهيمُ يَضَعُ مَبْدأً عَظِيماً فِي اليَقِينِ الصَّادِقِ، تَهَُونُ عَلَى مَنْ التَزَمَهُ هُمومُ الحَياةِ، ويَتَدلَّى لِمَنْ عَمِلَ بِهِ حَبلُ السَّعادَةِ والنَّجاةِ، بِهِ تَطْمَئنُّ النُّفوسُ، وتَنْزاحُ الكُروبُ، ومَعَهُ تَهونُ المَصائِبُ والخُطُوبُ، حَكَى اللهُ عَنْهُ قَولَهُ مُخاطِباً قَوْمَهُ الذِينَ لَمْ يَعْمروا قُلوبَهم بِاليَقينِ، ولَمْ يَعتَمِدوا عَلَى اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، قَالَ تعَالَى: قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين، إِنَّها عَقِيدةُ المُوَحِّدِينَ وثِقَةُ المُوقِنينَ، رُزِقَ صَاحِبُها الولَدَ وهوَ شَيْخٌ شَيْبُهُ ظَاهِرٌ، وامرأَتُهُ عَجُوزٌ عَاقِرٌ، فَجَاءتْهُ البُشْرَى مِنْ رَبِّ الوَرى، وبِهذا اليقِينِ أَيْضاً تَرَكَ سَيِّدَنَا إبراهيمُ الخَلِيلُ زَوْجَتَهُ وولَدَهُ فِي مَكَّةَ المُكَرَّمةِ وهِيَ يَومَئِذٍ وادٍ غَيْرُ ذِي زَرْعٍ، تَركَهُم امتِثالاً لأَمْرِ اللهِ، وبَعْدَها ضَرَعَ إِليهِ ودَعاهُ، فَقَالَ: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ، ونَبِيُّ اللهِ سَيِّدَنَا موسَى عِنْدَما كَانَ فِرْعَونُ وجُنْدُهُ مِنْ خَلْفِهِ، والبَحْرُ أَمامَهُ، والمُستَضْعَفونَ مَعَ نَبِيِّ اللهِ موسَى يَخْشَونَ مِنْ فِرعَوْنَ وبَطْشِهِ، قَالَ تَعالَى: فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، فَقَالَ صَاحَبُ اليقينِ سَيِّدَنَا مُوسَى : قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ. عِبادَ اللهِ: عَلَى نَهْجِ إِبراهِيمَ الخَلِيلِ، وإِخوانِهِ مِنَ الأَنبِياءِ ذِي القَدْرِ الجَلِيلِ، رَبَّى نَبِيُّنا سَيِّدُنَا مُحَمّدٌ نَفْسَهُ وأَصحابَهُ عَلَى اليَقِينِ قَولاً وعَمَلاً، فِكْراً وسُلوكاً، عَقِيدَةً ومَنْهجاً، وعَلَى هَذا أََصحابُهُ -رُضوانُ اللهِ تَعالَى عَلَيهم-، قَدْ مَلأَ اليَقِينُ قُلوبَهم، وسَيْطَرَ عَلَى مَشَاعِرِهم، وهَذَّبَ سُلوكَهم، قَالَ عَزَّ وجَلَّ فِي وَصْفِهم: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، بَلْ كَانَ يُرَبِّي النَّاشِئةَ عَلَى اليَقِينِ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ يَوْماً فَقَالَ: ((يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احفَظِ اللَّهَ يَحفَظْكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ))، إِنَّها تَرْبِيَةٌ وإِعدادٌ لِلنُّفوسِ، كَي لاَ تَنْهارَ جَزَعاً أَمامَ الشَّدائِدِ، ولاَ تَموتَ حَسْرَةً عِنْدَ المَصائِبِ، فَتلْزَمَ التَّجَمُّلَ والتَّماسُكَ والثَّباتَ، لِيَجْعَلَ اللهُ بَعْدَ العُسْرِ يُسْراً، إِنَّهُ الرَّجاءُ فِي اللهِ والثِّقَةُ بِهِ والاعتِمادُ عَلَيهِ، ولاَ بُدَّ لَنا وقَدْ كَلَّفَنا اللهُ بِعِمَارَةِ الأَرْضِ، أَنْ نَمْلأَ قُلوبَنا يَقِيناً بِاللهِ؛ لِنَتهيَّأَ لِمَشاقِّ الحَياةِ ونَنْهَضَ بِواجِبِنا الضَّخْمِ، ونُؤَدِّيَ دَوْرَنا المَرْسومَ، فِي ثَباتٍ وثِقَةٍ وطُمأنِينَةٍ واعتِدالٍ، مَا أَحوجَنا إِلى اليَقِينِ بِاللهِ والتَّوكُّلِ عَلَيهِ؛ لِنَعْمُرَ حَياتَنا كُلَّها سَكِينةً وطُمأنِينَةً، ولْنرَ فِي أَحلَكِ الظٌُّروفِ وأَصْعَبِ الأَوقاتِ نَافِذةً رَبّانِيّةً يَشِعُّ مِنْها النُّورُ. الحديث : روى الإمام البخاري في الصحيح عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ قال «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ» . قَالَ «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِىَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»... أو كما قال .
الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الوُصُولَ إِلَى اليَقِينِ لاَ يَكونُ إِلاَّ بِتَنْقِيَةِ النَّفْسِ وتَخْلِيَتِها مِنْ كُلِّ مَا قَدْ يَعلَقُ بِها مِنْ رَواسِبِ، ومَا يَشوبُ السُّلوكَ مِنْ تَصرُّفاتٍ غَيْرِ سَوِيَّةٍ، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ نقَّى سُلوكَ أَصحَابِهِ، وصفَّى فِكْرَ أُمَّتِهِ وأَتباعِهِ، مِنْ كُلِّ فِكْرٍ أَو مُعتَقَدٍ يَقْدَحُ فِي يَقِينِهم بِاللهِ، أَو يَجْعلُهم يَحْسَبونَ أَنَّ نَفْعاً أَو ضرًّاً يَكُونُ مِنْ أَحَدٍ سِواهُ، قَالَ تَعالَى: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. فَاتَّقوا اللهَ، واحرِصوا علَى ما يُقوِّي يَقينَكُم، وتَعْظُمُ مَعَهُ بِاللهِ ثِقَتُكم؛ تَسْعَدوا فِي دُنياكُم، وتُفْلِحوا فِي آخرتِكُم.. عِبَادَ اللهِ: اتقوا الله فإنكم عليه تعرضون و أخلصوا له الأعمال فإنكم عليها محاسبون واعلموا أن الله صلّى على نبيه في كتابه المكنون و أمركم بذلك فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فأكثروا من الصلاة عليه تكونوا من الفائزين اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين , اللهم بك نستنصر فانصرنا وإيّاك نسأل فلا تخيبنا وإليك نلجأ فلا تطردنا وعليك نتوكل فاجعلنا لديك من المقربين, إلهي هذا حالنا لا يخفى عليك وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك فعاملنا بالإحسان إذ الفضل منك و إليك وأختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا من الذين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله ***
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 - 6:36 | |
| الْمَوْلِدُ النَّبَوي الحمدُ للهِ الَّذِي بعثَ سيدَنَا محمَّداً رحمةً للعالمينَ، وأخرجَ بهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلماتِ إلَى نورِ الحقِّ المبينِ، وأشهدُ أنْ لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ وأشهدُ أنَّ سيِّدَنَا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ, صلَّى اللهُ وسلَّمْ وبارَكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: فِي كلِّ عامٍ هجريٍّ تُشرقُ علينَا ذكرَى ميلادِ الرَّحمةِ المهداةِ والنِّعمةِ المسداةِ؛ ففِي عامِ الفيلِ وفِي شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ وفِي يومِ الاثنينِ وُلِدَ النبيُّ المصطفَى مبشِّراً بِميلادِ عهدٍ جديدِ، يعمُّ الخيرُ فيهِ أرجاءَ الكونِ، وتنشرُ الرَّحمةُ ظلالَهَا الوارفةَ علَى المعمورَةِ كلِّهَا، قالَ سبحانَهُ وتعالَى : قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . فهذَا النُّورُ الْمُحمديُّ كانتِ البشريةُ تنتظرُهُ منذُ دعوةِ أبِي الأنبياءِ إبراهيمَ وبشارةِ سيِّدِنَا عيسَى عليهِ وعلَى نبيِّنَا أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي آمِنَةَ الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ» وَأَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللهِ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهَا قُصُورُ الشَّامِ ، ثُمَّ تَلاَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا. عِبَادَ اللهِ: إنَّ النَّبيَّ محمَّدًا وبعثتَهُ مِنَ النِّعَمِ العظيمةِ الجليلةِ الَّتِي أكرَمَ اللهُ بِهَا الإنسانيةَ كلَّهَا؛ فكانَتْ ولادتُهُ بركَةً عامَّةً وخاصةً، فقدْ حفظَ اللهُ البيتَ العتيقَ مِمَّنْ أرادَ هدْمَهُ، وَلَمَّا نزلَ ديارَ حليمةَ السَّعديةِ مرضعتِهِ كَثُرَ الخيرُ والبركةُ فيهَا، وأَلَحَّتْ حليمةُ السعديةُ علَى أمِّ الرسولِ السيدةِ آمنةَ بنتِ وهبٍ أَنْ تُبْقِيَهُ عندَهَا فترةً أطولَ، فَلَـبَّتْ أمُّهُ طلبَ مرضعتِهِ، وهكذَا أشرقَتْ شمسُ النُّبوةِ وأنارَتْ للبشريَّةِ دربَهَا وبَثَّتْ الرُّوحَ فيهَا, فأنبتَتْ فِي رياضِ القلوبِ غراسَ الإيمانِ والمحبَّةِ والمودةِ, وأثمرَتْ فِي طريقِ الإنسانيَّةِ العزَّةَ والوحدةَ والكرامةَ والمعرفةَ، قالَ اللهُ سبحانَهُ : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ. عِبَادَ اللهِ: إنَّ الفرحَ بِمولدِهِ فرحٌ بالنِّعمةِ العظمَى، وقدْ قالَ تعالَى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ وذِكْرَى ميلادِ النَّبيِّ فُرْصَةٌ عظيمةٌ تُجَدِّدُ صِلتَنَا وارتبَاطَنَا بالسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ العَطِرَةِ الَّتِي تُمَثِّلُ سبيلَ النَّجاةِ للإنسانيةِ، فبِالنظَرِ فِي هذِهِ السيرةِ يرَى الإنسانُ صورةَ التَّوَاضُعِ المقترنِ بالمهابةِ، والحياءِ المقترنِ بالشجاعةِ، والكرمِ الصادقِ البعيدِ عَنْ حُبِّ الظُّهورِ، والأمانةِ المشهورةِ بيْنَ الناسِ، والصِّدْقِ فِي القولِ والعملِ، والزُّهْدِ فِي الدُّنيا عندَ إقبالِهَا، وعدمِ التَّطَلُّعِ إليهَا عندَ إدبارِهَا، والإخلاصِ للهِ فِي السِّرِّ والعلانيةِ، معَ فصاحةِ اللسانِ وثباتِ الجَنانِ، وقوَّةِ العقلِ وحُسْنِ الفَهْمِ، والرَّحْمَةِ للكبيرِ والصَّغِير، ولِينِ الجانِبِ، وخَفْضِ الجَناحِ، ورِِقَّةِ المشاعِرِ، وحُبِّ الصَّفْحِ، والعفْوِ عَنِ المسيءِ، والبُعْدِ عَنِ الغِلْظَةِ والجفاءِ والقَسْوَةِ، والصَّبْرِ فِي موَاطِنِ الشِّدَّةِ، والجُرْأَةِ فِي قَوْلِ الحقِّ، والتَّبَتُّلِ إلَى اللهِ تبْتيلاً، وهذِهِ معانِي الإسلامِ السمحةِ، يقولُ سبحانَهُ : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. عِبَادَ اللهِ: إنَّ ذِكْرَى ميلادِ النَّبيِّ تبعَثُ فينَا إحياءَ سنتِهِ العطرَةِ، ودعوتَهُ إلَى الرَّحمةِ بأبْهَى صورِهَا وشتَّى أنواعِهَا، وتذكِّرُنَا بأخلاقِ الإسلامِ السَّاميةِ الرفيعةِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا خاتَمُ النَّبِيينِ، قالَ «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ». وقالَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ». وقدْ نَهَى عَنِ العصبيَّةِ العُنْصُرِيَّةِ الذَّمِيمةِ، وحثَّ علَى المساواةِ فقالَ «النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ». وقدَّمَ للعالَمِ نظامَهُ المتوَازِنَ وقَانُونَهُ العَادِلَ فَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ». اللهمَّ اجعلْنَا علَى منهجِهِ وطريقتِهِ وأكرمْنَا بشفاعتِهِ إنَّك أنتَ السَّميعُ العليمُ . الحديث: رَوَى الإمَامُ أبو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنِ عَبْدَ الرَّحَمنِ الدَّارِمِيُّ- بِسَنَدِهِ عَنْ جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَحُرِّمَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَيِّبَةً مَسْجِداً وَطَهُوراً، وَيُرْعَبُ مِنَّا عَدُوُّنَا مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ». أو كما قالَ .
الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ، واعلمُوا أنَّنَا مطالبُونَ بالقيامِ بِحَقِّ النبي علينَا، ومنْ حقِّهِ علينَا أنْ نُحبَّهُ محبَّةً صادقةً تسمُو علَى كُلِّ محبَّةٍ للوالدينِ والأولادِ والأموالِ والنُّفوسِ، وعلينَا اتباعُهُ والتزامُ أوامرِهِ واجتنابِ مَا نَهَى عنْهُ قالَ اللهُ تعالَى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم ومِنْ مقتضياتِ محبَّتِهِ التَّأَسِّي بِهِ والاقتداءُ بأخلاقِهِ وأفعالِهِ وأقوالِهِ وسائِرِ أحوالِهِ . هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ تَعَالَى:إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدينِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نعلمْ، ونعوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نَعلمْ، ونَسألُكَ الجَنَّةَ ومَا قَرَّبَ إِليهَا مِنْ قَولٍ أَوْ عَملٍ، ونَعوذُ بِك مِنَ النَّار ومَا قَرَّبَ إِليها مِنْ قَولٍ أوْ عَملٍ، ونَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منه سيدُنَا مُحمدٌ ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 - 6:37 | |
| التَّـقوَى ثمَراتٌ ومجَالاتٌ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، جَعَلَ التَّقوَى مَعْدِنَ الخَيْراتِ، ومَصْدَرَ البَركاتِ، وحَثَّ عَلَيْها فِي كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ، وأََشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، القَائمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، الرَّقِيبُ عَلَى كُلِّ جَارِحَةٍ بِما اجتَرَحَتْ، الذِي لاَ يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ تَحَرَّكَتْ أَو سَكَنَتْ، يَقْبَلُ طَاعَاتِ عِبَادِهِ وإِنْ قَلَّتْ، ويَتَفَضَّلُ بِالعَفْوِ عَنْ مَعاصِيهم وإِنْ كَثُرَتْ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِمَامُ المُتَّقِينَ، وقُدْوَةُ السَّابِقينَ واللاحِقينَ، اللَهُمَّ صَلِّ وَسلِّمْ وبَارِكْ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحابِهِ والتَّابِعينَ لَهُمْ بإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى عِبادِهِ أَنْ يَتَّقوهُ حَقَّ تَقْواهُ، فَلاَ يَعْبُدونَ غَيْرَهُ ولاَ يَستَعِينونَ بِسِواهُ، ويَستَمِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ مَا دَامَ فِيهِم رَمَقٌ مِنْ حَياةٍ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، ولِتَقْوى اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَوائدُ نَافِعَةٌ، وثِمارٌ يَانِعَةٌ، وآثَارٌ يَافِعَةٌ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ عَزَّ وجَلَّ وَفَّقَهُ اللهُ لِلْقَولِ السَّدِيدِ، ولِكُلِّ عَمَلِ صَالِحٍ رَشِيدٍ، وغَفَرَ لَهُ ذُنُوبَهُ، وأَنَارَ لَهُ دُروبَهُ، وخَفَّفَ عَنْهُ هُمُومَهُ، وفَرَّجَ عَنْهُ كُروبَهُ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً، ويَقولُ سُبْحانَهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، ويَقُولُ جَلَّ فِي عُلاَهُ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، َيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، ويَقولُ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً، ويَقُولُ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً. عِبَادَ اللهِ : لَقَدْ عُنِيَ القُرآنُ الكُرِيمُ بِالتَّقْوَى عِنَايَةً فَائقَةً قُصْوَى، لِما لَهَا مِنْ أَثَرٍ طَيِّبٍ فِي عِمارَةِ الدُّنْيا والأُخْرَى، لِذَلِكَ وَعَدَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى التَّقوَى الثَّوابَ العَظِيمَ، والأَجْرَ السَّخِيَّ الكَرِيمَ، فَقالَ تَباركَ وتَعالَى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، كَما جَعَلَها اللهُ عَزَّ وَجلَّ سَبَباً لِمَغْفِرَتِهِ التَّامَّةِ، ورَحْمَتِهِ الشَّامِلَةِ العَامَّةِ، فَقالَ تَبارَكَ وتَعالَى: وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً، كَما جَعَلَها سَبَباً لِمَعِيَّتِهِ المُفْضِيَةِ إِلى الحِفْظِ والعِنايَةِ، والحِمايَةِ والرِّعايَةِ، فَقالَ جَلَّ شَأْنُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ، وقَالَ: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، كَما أَثْبَتَ اللهُ تَباركَ وتَعالَى وأَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ تَفَضُّلاً وتَكَرُّماً مَحَبَّتَهُ لِمَنِ اتَّقاهُ، ومَنْ أَحبَّهُ اللهُ رَفَعَ دَرَجَتَهُ ورَقَّاهُ، وخَلَّدَ ذِكْرَهُ وأَبقاهُ، فَقالَ جَلَّ فِي عُلاَهُ: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، والتَّقوَى وَسِيلَةُ النَّجاةِ مِنْ مَكْرِ الشَّيْطانِ وَوَسَاوِسِهِ، وحِيَلِهِ ودَسائسِهِ، ومَنْ نَجا مِنْ وَساوِسِ الشَّيْطانِ أَبْصَرَ الحَقَّ ورآه؛ فَسَعِدَ فِي دُنْياهُ وفَازَ فِي أُخْراهُ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ، وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً، ومَنِ اتَّقَى اللهَ عَزَّ وجَلَّ لاَ يَصْدُرُ عَنْهُ مَا يَضُرُّ ويَسُوءُ، ولِذَلِكَ لاَ يَمَسُّهُ ضُرٌّ ولاَ سُوءٌ، يَقُولُ اللهُ سُبْحانَهُ: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَلَنْ يَكونَ امرؤٌ للهِ وليّاً إلاَّ إِذا آمَنَ وكَانَ تَقِيّاً، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، والتَّقوَى طَرِيقٌ مُستَقِيمٌ، مُوَصِّلٌ إِلَى جَنَّاتٍ النَّعِيمِ، ومَنْ وَصَلَ إِلَى الجَنَّةِ حُظِيَ بِوِراثَتِها، وفَازَ بِنَعِيمِها وخَيْراتِها، يَقولُ اللهُ تَعالَى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً، ويَقُولُ جَلَّ شأْنُهُ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ، وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، ويَقُولُ تَعالَى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ. عِبَادَ اللهِ :بِالتَّقوَى يَحفَظُ اللهُ الإِنْسانَ ويَحْمِيهِ، وبِها يَرُدُّ كَيْدَ مَنْ يُعادِيهِ، يَقُولُ سُبْحانَهُ وتَعالَى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً، ومَنْ أَرادَ العِزَّةَ والكَرَامَةَ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ النَّاسِ؛ فَلْيَجْعَلِ التَّقوَى لَهُ خَيْرَ زَادٍ وخَيْرَ لِباسٍ، فَكُلُّ زَادٍ يَنْفَدُ إلاَّ زَادَ التَّقوَى، وَكُلُّ لِباسٍ يَبْلَى إِلاَّ لِباسَ التَّقوَى، وكُلُّ كَرِيمٍ عِنْدَ النَّاسِ قَدْ يُهانُ إلاَّ مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ فَحَلاَّهُ بِالتَّقوَى وزَانَهُ، ولِذلِكَ فَهُوَ لاَ يَتَعَرَّضُ أَبَداً لِمَذلَّةٍ أَو مَهانَةٍ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى، ويَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ، ويَقُولُ سُبْحانَهُ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، وإِذا كَانَ لِلتَّقوى هَذِهِ المَكَانَةُ الرَّاقِيَةُ، والثمَّراتُ الخَالِدَةُ البَاقِيَةُ؛ فَلاَ عَجَبَ أَنْ جَعلَها اللهُ تَباركَ وتَعالَى وَصِيَّتَهُ لِلأَوّلِينَ والآخَرِينَ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ، كَما كَانَتْ وَصِيَّةُ الأَنْبِياءِ والمُرسَلِينَ أَجْمَعِينَ، فَما مِنْ رَسُولٍ أَرسَلَهُ اللهَ إلاَّ أَوصَى قَومَهُ بِالتَّقوَى، وعَظَّمَ أَمْرَها فَأَكَّدَها وكَرَّرها، يَذْكُرُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ نُوحاً وقَومَهُ فَيقُولُ اللهُ سُبْحانَهُ: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وكَذَلِكَ الشَّأْنُ مَعَ هُودٍ وصَالِحٍ وشُعَيْبٍ كَما جَاءَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الشُّعراءِ، وكَذلِكَ الشَّأْنُ مَعَ غَيْرِهم مِنْ أَنْبياءِ اللهِ ورُسُلِهِ كَما جَاءَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ مِنْ سُورةٍ مِنَ القُرآنِ الكَرِيمِ، كَما أَوصَى بِها رَسولُ اللهِ أَصْحابَهُ، ومِنْهُم تَنتَقِلُ وَصِيَّتُهُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الأَرضَ ومَنْ عَلَيْها، فَقَدْ وَعَظَ الرَّسُولُ أَصْحابَهُ يَوماً فَقالوا لَهُ: كأَنَّها مَوعِظَةُ مُوَدِّعٍ فأَوصِنا فَقالَ: ((أُوصِيكُم بِتَقوَى اللهِ والسَّمْعِ والطَّاعَةِ))، كَما كَانَ الرَّسولُ وهُوَ إِمَامُ المُتَّقِينَ- يَسأَلُ رَبَّهُ التَّقوَى؛ لِيُعِينَهُ رَبُّهُ عَلَى الثَّباتِ عَلَيْها، فَقَدْ جَاءَ فِي دُعائهِ : ((اللهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ الهُدَى والتُّقَى والعَفافَ والغِنَى)). فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَموا أَنَّ التَّقوَى رَأْسُ كُلِّ أَمْرٍ، وجِماعُ كُلِّ خَيْرٍ؛ فَتَسلَّحوا بِها لِدُنْياكُم وأُخْراكُم. الحديث : روى الترمذي عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». أو كما قال . الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: جَاءَ رَجُلٌ إلى سَيِّدنَا عَلي بْنِ أبي طَالِبٍ فَقالَ لَهُ صِفْ لِيَ المُتَّقِينَ، فقَالَ: هُمْ أَهْلُ الفَضْلِ مَنْطِقَهُمْ الصَوابُ وَمَلبَسَهُمْ فِي اقْتِصَادٍ وَمَشْيَهُم فِي تَوَاضُعٍ غَضُّوا عَنْ الحَرَامِ أبْصَارَهُمْ, وَوَقَفُوا عَلى مَا يُسْتَفَادُ أَسْمَاعَهُمْ, نَزَلتْ أنْفُسَهُمْ مِنْهُمُ فِي البَلاَءِ, كَمَا نَزَلتْ فِي الرَّخَاءِ، عَظُمَ الخَالِقُ فِي نُفُوسِهِمْ, فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي عِيُونِهِم، قِلُوبَهُمْ مَحزُونَة، وَشِرُورَهُم مَأمُونَة، مَطَالِبَهُم فِي الدُّنْيَا خَفِيَّة, وَأنْفُسَهُمْ عَمَّا فِيَها عَفِيفَة، صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَة, فَأعَقَبَهُم رَاحَةً طَوِيلَة، يُصَفُونَ أَمامَ رَبِّهِمْ جَاثُونَ عَلىَ الرُّكَبِ, يَطْلُبونَ النَّجَاةَ مِنْ العَطْبِ، لا يَرضُونَ مِنْ الأَعْمَالِ الصَالِحَةِ بالقَلِيلِ وَلا يَسْتَكْثِرُونَ مِنْهَا الكَثِيرَ، مِنْ رَبِّهِمْ وَجِلُونَ, وَمِنْ أعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ، يَتَجَمَلُونَ فِي الفَاقَةِ وَيَصْبِرُونَ فِي الشِّدَّةِ وَيَشْكُرونَ عَلىَ النِّعْمَةِ، قَريِبٌ أَمَلَهُمْ, قَلِيلٌ زَلَلَهُمْ، الخَيرُ فِيهُمْ مَأَمُولٌ وَالشَّرُ مِنْهُمْ مَأَمُونٌ". وقال سيدنا علي كرم الله وجهه: فَعَلَيكَ تَقوى اللَهِ فَاِلزَمها تَفُز إِنَّ التَقِيَّ هُوَ البَهِيُّ الأَهيَبُ وَاِعمَل لِطاعَتِهِ تَنَل مِنهُ الرِضا إِنَّ المُطيعَ لِرَبِّه لَمُقَرَّبُ فَاِقنَع فَفي بَعضِ القَناعَةِ راحَةٌ وَاليَأسُ مِمّا فاتَ فَهوَ المَطلَبُ هَذِهِ جُمَلَةٌ مِنْ أوْصَافِ المُتَّقِينَ وَخُلاَصَتُها القِيامُ بِحِقُوقِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالقِيَامُ بِحُقُوقِ عِبَادِهِ، فَالمُتَّقُونَ مَنْ رَضُوا بِاللهِ تَعَالىَ رَبَّاً وَبِالإسْلاَمِ دِيِناً وَبِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيَّاً وَرَسُولاً, لا يَأَكُلُونَ الرِبَا ولا يَسْتَحِلُونَ الحَرَامَ, يُطْعِمُونَ الطَعَامَ ويُفُشُونَ السَّلامَ, ويُصَلُونَ بِاللَّيلِ والنَّاسُ نِيَام, ويَصِلُونَ الأَرْحَامَ, طَمَعاً فِي دُخُولِ الجَنَّةَ دَارَ السَّلامِ, يَأَمُرُونَ بِالمَعَرُوفِ فِي رِفْقٍ ويَنْهَونَ عَنِ المُنْكَرِ بِلِينٍ، ويُخْلِصُونَ النَّصِيحَةَ للمُسْلِمِينَ يُؤثِرُونَ عَلىَ أَنْفُسِهِم وَلو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ, أَذِلَةٌ عَلىَ المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٌ علَى الكَافِرِينَ لا يَسْتَهِينُونَ بِصَغِيرَةٍ مِنْ الذُنُوبِ، وَلا يَجْتَرِئُونَ علَى كَبِيرَةٍ، ولا يُصِرُونَ علَى خَطِيئَةٍ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. دُعَاؤُهُمْ الدَائِمُ: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَموا أَنَّ مِنْ أَهَمِّ مَجالاَتِ التَّقوَى حُسْنَ المُعامَلَةِ وطِيبَ الأَخْلاَقِ، ابتِغاءَ مَرْضَاةِ اللهِ العَلِيمِ الخَلاَّقِ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ،. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 - 6:38 | |
| المسلم والمجتمع الحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، بعثه بالحق بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ وسلَّم تسليماً كثيراً . أما بعدُ عباد الله : جرت سنةُ الله عز وجل في خلقه أن لا يقوم لهم معاش ولا تستقيم لهم حياة إلا بالاجتماع والتآلف قال الله تعالــى : يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـٰرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ . إن نزعةَ التعرُّف إلى الناس والاختلاط بهم نزعةٌ أصيلة في الفطرة الإنسانية . فبالعيش مع الجماعة والانتظام وحسن العلاقة تستقرُّ النفوس ، وتصحّ العلوم ، وتنتشر المعارف ، وتبلغ المدينة الفاضلة أشدَّها . وإن إيثارَ الإسلام للاجتماع يظهر في كثير من أحكامه وآدابه ، فالعبادات وهي من أشرف المطلوبات ليست انقطاعًا في دير أو تعبداً في صومعة . ولذا شُرعت الجماعة في الصلوات وشرع الدينُ كذلك إجابة الدعوات في الولائم والمناسبات ، والاجتماع في أوقات السرور والمباهج ، وفي أوقات الشدائد والمكاره ، في الأعياد والتعازي ، وعيادة المرضى ، وتشييع الجنائز ؟ إن ذلك كلَّه لا يتحقَّق على وجهه إن لم تتوثّق في الأمة العلاقات ، وتُحفَظ حقوق الأخوَّة والجماعة . وإن أهلَ الإسلام إذا كثر عددُهم واجتمع شملُهم كان أمرُهم أزكى وعملهم أتقى، جاء في الحديث : قولُهُ : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ، وكلما كثر كان أحبَّ إلى الله ) أخرجه ابن ماجه ومن ذا الذي لا يرغب في تكثير سواد المسلمين ، ورؤيتهم جموعاً متراصَّة لا فرادى متقطعين . و من أجل المحافظة على الجماعة شُرعت في الإسلام أحكامٌ وآداب ، شُرع إلقاءُ السلام وإفشاؤه ، وجُعل ردّه واجباً ، شرعت المصافحة والتبسم وطلاقة الوجه ، أُمِر بإظهار المحبة والتودّد ، نُدب المؤمنون إلى تبادل الهدايا والإحسان لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وحُرِّم عليهم أسبابُ النزاع وجالبات العداوة والبغضاء ومقتضياتُ التقاطع والتدابر من الخمر والميسر والغشّ في المعاملات والهجر في القول والخصومات الفاجرة . إنَّ معظمَ خصال الشرف ومحاسن الأخلاق لا تكون إلا لصاحب الخُلطة وحسن العشرة ، فكيف يكون السخاءُ لمن لم يمدَّ يدَه شفقةً وإحساناً ؟! وكيف يقع الإحسان موقعَه إن لم يسبق ذلك معرفةٌ بأحوال الناس ؟! وهل يَظفرُ الحِلمُ والأنَاةَ إلا حينَ يُقابِلُ به صاحبُه أصحابَ الألسُنِ الحِدادِ والقلوبِ الغِلاظ ؟! وفي الحديث أنَّ رسول الله قال : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) ويقول سيدنا عبد الله بن مسعود : (خالطِ الناس ، ودينَك لا تَكْلِمنَّه) عباد الله : أن حضورَ مجالس العلم إفادةً واستفادة هي من العبادة ، وعيادة المريض عبادة ، والقيام بحقوق الإخوان عبادة ، وإرشاد الناس عبادة ، ومدَّ يد العون والمساعدة لتقوى الشوكة ويتحقَّق المزيدُ من الألفة والقوَّة كلُّ ذلك عبادة ، ولئن كان في العزلة تخلُّصٌ من الوقوع في الأعراض والسعي في النميمة والغيبة والتنابز بالألقاب وفساد الطبع بالأخلاق الرديئة ، فإنَّ في مخالطة الصالحين ما يزجر عن هذه المعائب ، ويبصِّر بتلك المثالب والمؤمنُ يتخيّر إخواناً يصطفيهم لنفسه ، يعيش في أكنافهم من أهل الصدق والصلاح والوفاء ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعُدّة في البلاء ، وقد قيل في الحكمة : مِن أعجز الناس من قصَّر عن طلب الإخوان ، وأعجزُ منه من ظفر بذلك منهم فأضاع مودّتهم ، وإنما يُحسنُ الاختيار لغيره من أحسن الاختيار لنفسه . ويقول سيدنا علي كرمَ اللهُ وجههُ : (شَرْطُ الصحبة إقالة العثرة ، ومسامحة العِشرة ، والمواساة في العسرة ) . وعلى الإخوة في علاقاتهم الابتعاد عن التكلّف ، وتجنّب التصنّع الثقيل ، فإشاعةُ اليُسر في المسالك والبعدُ عن المواقف الحرجة والمداهنات البغيضة مما يوثِّق العرى ، ويجلب المودّة . عباد الله : إنَّ من أدب الإسلام في التعارف وحسن العشرة أن يكون التواصل في وضوح وبيِّنة ، و أن يذكرَ الأخ لأخيه ما يكنُّه له من محبّة وتقدير وفي الحديث : ( إذا أحبّ أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبُّه ) أخرجه أحمد والترمذي وعن سيدنا أنس قال : كان رجل عند النبي فمرّ رجل فقال : يا رسول الله ، إني أحبُّ هذا ، قال : ( أعلَمْتَه ؟ ) قال : لا قال : ( فأعلِمْه ) فلحقه فقال : إني أحبك في الله ، فقال : أحبَّك الذي أحببتَني له . أخرجه أحمد والحاكم . ومن سنن الصداقة التزاورُ الخالي من الأغراض عن أبي هريرة عن النبي : ( إن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ ، فأرسل الله على مدرجته ملكاً ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمة تَرِبُّها ؟! قال : لا غيرَ أني أحبّه في الله تعالى قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبَّك كما أحببتَه فيه ) أخرجه مسلم وفي حديث آخر قال رسولُ الله : ( من عاد مريضاً أو زار أخا له في الله نادى منادٍ : طِبتَ وطاب ممشاك ، وتبوّأتَ من الجنة منزلاً ) أخرجه الترمذي . فاتقوا الله رحمكم الله، وأصلحوا ذاتَ بينكم ، واحفظوا حقوقَ إخوانكم ، واحرصوا على الجماعة والألفَة ، ولا تتجشَّموا التكلّف ، وأخلصوا في الودّ ، واحفظوا العهد واحفظوا كلمةَ الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب حيثُ قال : ( لا تظنَّ بكلمةٍ خرجت من مسلمٍ شراً وأنت تجدُ لها في الخيرِ محملاً ) . إن الأخوة الحقيقية والصداقة المرضية هي التي تُبنى على تقوى الله وعلى الحب في الله ، فلم نجد اثنين تحابا في الله ويطيعان أمره ويتعاونان على فعل المعروف ودفع الأذى عن الناس إلا وقد أعزهم الله بعزته التي لا تضام ، وكتب لهم القبول بين الأنام ، وأظلهم الله بظله الظليل يوم الزحام ، لقول رسولنا الأكرم : ( سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ) وذكر منهم : ( رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) . الحديث : َقَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَيُّمَا رَجُلٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَبَلَغَ مُخْطِئاً أَوْ مُصِيباً فَلَهُ مِنَ الأَجْرِ كَرَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَأَيُّمَا رَجُلٍ شَابَ شَيْبَةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهِىَ لَهُ نُورٌ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلاً مُسْلِماً فَكُلُّ عُضْوٍ مِنَ الْمُعْتَقِ بِعُضْوٍ مِنَ الْمُعْتِقِ فِدَاءً لَهُ مِنَ النَّارِ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً فَكُلُّ عُضْوٍ مِنَ الْمُعْتَقَةِ بِعُضْوٍ مِنَ الْمُعْتِقَةِ فِدَاءً لَهَا مِنَ النَّارِ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَدَّمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صُلْبِهِ ثَلاَثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ أَوِ امْرَأَةٍ فَهُمْ لَهُ سُتْرَةٌ مِنَ النَّارِ وَأَيُّمَا رَجُلٍ قَامَ إِلَى وَضُوءٍ يُرِيدُ الصَّلاَةَ فَأَحْصَى الْوَضُوءَ إِلَى أَمَاكِنِهِ سَلِمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَوْ خَطِيئَةٍ لَهُ فَإِنْ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا دَرَجَةً وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِماً ».اوكما قال
الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ تعظيمًا لشانه ، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله ، الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعدُ عباد الله : يقول الله سبحانه وتعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً * يٰوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً . لهذه الآيات الكريمة سبب نزول ذكرته كتب التفسير والسيرة النبوية ، ومفاده أن عقبة بن أبي معيط من زعماء قريش كان جارًا للرسول وحصل أن أقام عقبة وليمة دعا إليها الرسول عليه الصلاة والسلام فعرض الرسول على عقبة الإسلام فاستجاب عقبة بالشهادتين بقوله : أشهد أن لا إله إلا اللهُ وأشهد أن محمدا رسول الله ، فعلم بذلك أبي بن خلف من زعماء المشركين ، وكان صديقًا لعقبة ، فجاء إليه وقال له : وجهي من وجهك حرام إذا لم تطأ عنق محمد وتبصق في وجهه ، فاستجاب عقبة لما أمره به صديقه الشرير وفعل فعلته النكراء تجاه حبيبنا رسول الله وارتد عن الإسلام ، فنزلت هذه الآيات الكريمة لتصف عقبة بالظالم ، وأنه سيندم على فعلته النكراء يوم القيامة ، كما سيندم على صحبته لأبي بن خلف الذي هو بمثابة الشيطان الظالم، وكان مصير عقبة في الدنيا أن وقع أسيرا في يد المسلمين في معركة بدر، وقد أمر الرسول بقتله فضربت عنقه لأنه قد قام بأعمال بشعة نكراء وشارك في معركة بدر مع المشركين ، وأما مصير صديقِهِ أبي بن خلف فقد قتله الرسول بطعنة في معركة أحد . عباد الله : إن رفقاء السوء يهدمون ولا يبنون ، إنهم يهدمون الإنسان بقيمه وأخلاقه وعرضه وكرامته ، فالذي يقع في شراك هؤلاء الرفاق السيئين فإنه يكون قد حكم على نفسه بالموت البطيء ، ورفضه المجتمع ، ويصبح عضوا مشلولا فاسدا ، فعلى الشباب أن يتعظوا بما حل بغيرهم ، والسعيد من اتعظ بغيره ، والشقي من اتعظ بنفسه . فليحذر الشباب من الاحتكاك أو الاقتراب من رفاق السوء ، أولئك الذين يتسكعون في الشوارع العامة ويؤذون الناس بتصرفاتهم وتعليقاتهم . والله سبحانه وتعالى يقول : وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَاب . ويقول رسولنا الأكرم : ( والذي نفسي بيده ، لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) ويقول في حديث آخر : ( إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه أوشكوا أن يعمهم الله بعقاب من عنده ) . أخي الكريم : إن أخَا الصدق الذي يقدم النصح ويرشدك إلى الخير ويحذرك من مواطئ السوء ، هو الذي يساعدك ويرفع عنك الأذى ، هو الذي يحافظ على الود والوفاء في الشدة واللين ، في الفقر والغنى ، في المرض والصحة ، هو الذي تجده بجانبك في الملمات ، وهو يشاركك في أفراحك ، ويواسيك في أحزانك ، وهو الذي يحفظ غيبتك ، وهو الذي يَذكُرَكَ في ظهر الغيب ويدافع عنك ولا يطعنك من الخلف فكن على بينة وحذارِ من الأشرار ، حتى لا تصاحبهم ولا تخالطهم ، فهم أعداء لك لقوله سبحانه وتعالى : ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ . ويقول رسولنا الأكرم : ( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ) وإن جليس السوء يؤذي الآخرين بسلوكه وبأخلاقه وبطباعه ، وإنه يمثل الأزمة في المجتمع ، أما الجليس الصالح فيفيد الآخرين ، وينشر المحبة والإصلاح فيما بين الناس ، وإنه يمثل البناء في المجتمع ، فمثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك ، إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير ، إن لم يصبك من شرره أصابك من دخانه . ومن هنا كان التوجيه الإلهي للحبيب المصطفى بأن يجالس الصحابة المؤمنين ولو كانوا ضعافا أو فقراء ، أمثال خباب بن الأرت وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وبلال بن رباح وصهيب الرومي وسلمان الفارسي ، وأن لا ينشغل عنهم بمجالسة زعماء قريش المشركين الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، أمثال عتبة بن ربيعة وأمية بن خلف ، فيقول الله عز وجــل : وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَىْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ . ويقول سبحانه وتعالى : وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا فإننا ننشد شبابًا يتآخون في الله ، ويهتدون بسيرة رسولِهِ نريد شبابًا تتعلق قلوبهم بالمساجد ، شبابًا متمسكين بدينهم واعِينَ مدركين لإسلامهم مهيمنين على قلوبهم وجوارحهم ، غير آبهين للصعاب والعقبات التي تصادفهم وذلك ليخرج جيل صالح قادر على اختيار الطريق المستقيم . ولذا رغب الله ورسوله في نفع المسلمين ما تيسر لذلك سبيل ووعد من نفّس عن مُسلم كربة من كرب الدنيا أن يُنَفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة ، كما جاء في الصحيح قوله : ( أحب العباد إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، وأعظم الأعمال عند الله تعالى سرور تدخله على قلب مسلم أو تفرج عنه كَربًا أو تَقضِي عنه دينًا ) وفي المقابل يقول : ( من خذل مؤمنًا في موقف يحتاج نصرته خذله الله في موقف يحتاج فيه نصرته ) . اللهم أجعلنا إخوة متحابينَ فيك متعاونين على مايرضيك رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . وأُذكركم إخواني بأمر الله فيكم بالصلاة على نبيكم فقد أمركم بذلك وبدأ بنفسِهِ فقال : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد . اللهم بارك لنا فيما أعطيت , وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت , ووفقنا إلى عملِ الخير وخيرِ العمل وآت نفوسنا تقواها وزكِهّا أنت خيرُ من زكاها , ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم و تُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا من الذين تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم و تحيتهم فيها سلام و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالميـن
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 - 6:39 | |
| بر الوالدين الحمدُ للهِ الَّذِي قرَنَ الإحسانَ بالوالدينِ بطاعتِهِ, وجعلَهُ سبيلاً مُوَصِّلاً إلَى رضوانِهِ وجنَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ صلَّى اللهُ وسلَّمْ وبارَكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يقولُ اللهُ تعالَى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً إنَّ المتدبِّرَ لهذِهِ الآياتِ يعلمُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جمعَ بيْنَ عبادتِهِ وحدَهُ وبيْن الأمرِ بالإحسانِ إلَى الوالدينِ، وفِي هذَا دلالةٌ واضحةٌ علَى عظيمِ حقَّ الوالدينِ وفضلِ بِرِّهِمَا وخفضِ جناحِ الذُّلِّ لهمَا، ويأمرُ اللهُ الأبناءَ ببذلِ المزيدِ مِنَ العنايةِ والرِّعايةِ للوالدينِ عندَ الكبرِ والضعفِ والعجزِ، قالَ رسولُ اللهِ «رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ». إنَّ الحقَّ سبحانَهُ وتعالَى ذكرَ لنَا فِي كتابِهِ الكريمِ نماذجَ بشريةً كانَتْ قِمماً عاليةً شماءَ فِي البرِّ للوالدينِ، ليكونُوا لنَا أُسوةً حسنةً تحرِّكُ فِي نفوسِنَا جوانبَ الخيرِ، وتستنهِضُ هممَنَا، وتدفَعُنَا إلَى الإحسانِ والبرِّ بآبائِنَا وأمَّهاتِنَا؛ فهذَا سَيِّدُنا نوحٌ يذكُرهُ اللهُ نموذجاً فِي الدُّعاءِ والاستغفارِ لوالديهِ قالَ :رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وهذَا أبُو الأنبياءِ وخليلُ الرَّحمنِ سَيِّدُنا إبراهيمُ يخاطبُ أباهُ بلطفٍ شفافٍ، وإشفاقٍ بالغٍ، وأدبٍ جمٍّ، رغبةً فِي هدايتهِ ونجاتِهِ، كمَا أخبَرَ اللهُ عنهُ بقولِهِ تعالَى: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِياًّ وقدْ أكرمَ اللهُ إبراهيمَ جَزَاءَ برِّهِ بوالدَيْهِ بابنهِ إسماعيلَ البارِّ بوالدَيْهِ، والَّذِي ضرَبَ أروعَ أمثلةِ البرِّ فِي تاريخِ البشريةِ عندَمَا أخبرَهُ أبُوهُ بِمَا أمرَهُ اللهُ تعالَى فِي حقِّ ابنِهِ قالَ تعالَى:فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ عِبَادَ اللهِ: إنَّ حقَّ الوالدينِ علَى الأبناءِ لَمِنْ أشدِّ الحقوقِ، وإنَّ القيامَ بهِ علَى وجهِهِ كمَا شرعَهُ اللهُ تعالَى وبيَّنَهُ رسولُ اللهِ يتطلبُ منَّا إيماناً قويًّا وجهداً كبيراً وصبراً عظيماً، ومهمَا قدَّمْنَا لهمَا فلنْ نوفيَهُمَا حقَّهُمَا، يَقُولُ :« لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ » وممَّا يعينُنَا علَى تحقيقِ ذلكَ أنْ نتذكَّرَ الثَّوابَ العظيمَ والفضلَ الكبيرَ والجزاءَ الحسنَ والثَّمراتِ الجليلةَ فِي برِّ الوالدينِ، ويكفِي البارَّ بوالدَيْهِ أنَّ اللهَ تعالَى يرضَى عنْهُ ويوفِّقُهُ ويبارِكُ لهُ فِي رزقِهِ وعمرِهِ وأهلِ بيتِهِ ويدخلُهُ الجنَّةَ، قالَ »مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ في عُمْرهِ ِ، وَيُزادَ لَهُ في رِزْقِهِ فَلْيَبَرَّ وَالدَيْه ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ « وَيقُولُ رَسُولُ اللَّهِ «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَحَافِظْ عَلَى وَالِدَيْكَ أَوِ اتْرُكْ» وممَّا يعينُ علَى البرِّ النَّظرُ فِي عواقبِ العقوقِ، ومَا يجلبُهُ مِنْ همٍّ وغمِّ، وحسرةٍ وندامةٍ، وآثارٍ وخيمةٍ علَى الفردِ والمجتمعِ، قالَ رَسُولُ اللهِ «كُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَمَاتِ» عِبَادَ اللهِ: مِنْ واجباتِكُمْ الَّتِي ستجْنُونَ ثمارَهَا فِي الدنيَا والآخرةِ حُسْنُ تربيةِ الأبناءِ علَى الأخلاقِ الفاضلةِ وبرِّ الوالدينِ، لأنَّ ذلكَ ينفعُهُمْ وينفعُ آباءَهُمْ وأمهاتِهِمْ ومجتمعَهُمْ، ويُنَشِّئُ جيلاً بارًّا رحيمًا، وعلَى الأبناءِ أنْ يراعُوا حقوقَ الوالدينِ فيهتمُوا بِهِمْ ولاَ يعاملُوهُمْ بجفاءٍ وتَجاهُلٍ أوْ يُهملُوهُمْ أوْ يَدَعُوهُمْ ولاَ يتواصلُوا معَهُمْ ولاَ يزُورُوهُمْ، فهُمْ أحوجُ لرعايةِ أبنائِهِمْ مِنْ غيرِهِمْ ، فكَمْ قدَّمُوا لَهُمْ فِي الصغرِ وبذلُوا مِنْ أجلِهم كُلَّ نفيسٍ واللهُ يقولُ : هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ فَكُونُوا عِبَادَ اللهِ مِنَ البَارِّينَ بآبائِكُمْ وأُمَّهَاتِكُمْ تَبَرَّكُمْ أبناؤُكُمْ وبناتُكُمْ وتَفُوزُوا وتَغْنَمُوا فِي الدنيَا والآخرةِ . اللهمَّ اجعَلْنَا مِنْ أهلِ البرِّ والإحسانِ، ووفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أَمَرْْتَنَا بطاعتِهِ. الحديث: رَوَى َالترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضيَّ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِىِّ قَالَ «رِضَا الرَّبِّ فِى رِضَا الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِى سَخَطِ الْوَالِدِ».. أو كما قالَ .
الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوَى، واعلمُوا أنَّ حقَّ الأُمِّ عظيمٌ ولَهَا مِنَ البرَّ الكثيرَ، وقدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأحدِ أصحابِهِ يوصيهِ بأمِّهِ:«الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا». وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ : لِلأُمِّ ثُلُثَا الْبِرِّ، وَلِلأََبِ الثُّلُثُ. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُمَا: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَامِلاً أُمَّهُ، وَهُوَ يَقُولُ لَهَا: أتَرِينِي جَزَيْتُكِ يَا أُمَّهْ ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لاَ وَاللَّهِ وَلاَ طَلْقَةً وَاحِدَةً. عِبَادَ اللهِ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ويَقُولُ الرسولُ «مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نعلمْ، ونعوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نَعلمْ، ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ،
مِنْ وَحيِ الهِجْرة الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، سَهَّل لِهجْرةِ رَسولِهِ المَسالِكَ، وجَعلَها نوراً أَضاءَ الأَمصارَ والمَمالِكَ، أَحمَدُهُ تَعالَى بِما هوَ لهُ أَهلٌ مِنَ الحَمدِ وأُثنِي عَليهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوكَّلُ عَليهِ، وأشهدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وأشهَدُ أَنَّ سيِّدَنا مُحمّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ، خَيْرُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى رَبِّهِ وامتَثل، ودَعا إِلَى هَجْرِ المَعاصِي والآثامِ مَا ظَهَرَ مِنها ومَا بَطَنَ، صلى اللهُ عليهِ وعَلَى آلهِ وصًحبِهِ وسلَّم. أَمّا بَعدُ، فَيا عِبادَ اللهِ: إِنَّ التّارِيخَ جُزءٌ مِنْ حَياةِ الأُمَمِ، وضَوءٌ يَستَرشِدُ بِهِ الإِنسَانُ فِي مَسيرَةِ حَاضِرِهِ واستِشرافِ مُستقْبلِهِ، فَقِراءةُ أَحداثِ المَاضِي مَا هِيَ إِلاَّ استِكشافٌ لِعَوامِلِ السُّموِّ والارتِقاءِ أَو التَّدهورِ والانحِدارِ، فَاكتِشافُ السُّنَنِ التَّارِيخيَّةِ وقَوانِينِ مُداوَلَةِ الأَيّامِ وأَحوَالِ الأُمَمِ تَجعَلُ الإِنسَانَ علَى وَعيٍ بِالمسَارِ الذِي يَتّجِهُ إِليهِ والغَدِ الذِي يَنتَظِرُهُ، لِذلِكَ حَفِلَ القُرآنُ بِآياتٍ مُطَوّلَةٍ تَتَحدَّثُ عَنْ أَخبَارِ السَّابِقينَ مِنْ أَنبِياءَ وأَقوامٍ، ومَا لَهُم مِنْ مَواقِفَ، ومَا آلتْ إِلَيهِ حَياتُهُم مِنْ رُقِيِّ ونَصْرٍ أَو انحِدارٍ وهَزِيمَةٍ. لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. إِنَّ المَحَطَّاتِ المُهِمَّةِ فِي التّارِيخِ مَنَاراتٌ تُؤَرَّخ بِها الأَحدَاثُ، ويُحسَبُ مِنْ خِلالِها الزَّمانُ، وإِنْ كَانَ لِلمُسلِمينَ مِنْ وَقفَةٍ مَعَ التّارٍيخٍ فَأَوَّلًُ مَا يَنبَغِي أَنْ يَقفِوا عِندَهُ هوَ تَارِيخُ نَبِيِّهم وسَيرتُهُ تِلكَ السِّيرَةُ التِي تُجَسِّدُ وَعيَ الرَّسولِ بِعَناصِرِ الزَّمَنِ، وَعيَهُ بِالماضِي الذِي حَدّثَهُ القُرآنُ عنهُ، ووعيَهُ بِحَالِ قَومِهِ ومَا هُم علَيهِ، وكَذَلِكَ رؤيتَهُ الثّاقِبَةَ لِلمُستَقبَلِ والتِي تَستَنِدُ إِلى استِحضَارِ سُنَنِ التّارِيخِ ومَا فِيها مِنْ عِبَرٍ. وحَرِيٌّ بِنا أَيُّها المُؤمِنونَ ونَحنُ نَمُرُّ بِذِكرَى الهِجرَةِ النَّبويَّةِ أَنْ نَتَوقّفَ قَلِيلاً لِنقْرأَ دُروساً مِنْ تِلكَ المَرحَلَةِ فِي ضَوءِ واقِعنا المُعاصِر، فَحَدثُ الهِجرَةِ لَمْ يَكُنْ حَدثاً عَاديّاً أَو عَابِراً، بَلْ لَهُ أَثَرُهُ العَمِيقُ فِي مَسارِ التّارِيخِ، بِما حَمَلَهُ مِنْ مَعانٍ جَلِيلَةٍ، ودُروسٍ وعِبَرٍ عَظِيمَةٍ، لاَ تَنقَطِعُ دِلالَتُها، ولاَ يَجِفُّ يَنْبوعُها، فَهوَ حَدَثٌ يَتَجدّدُ ذِكْرُهُ فِي مَطْلَعِ كُلِّ عَامٍ، ليُجَدِّدَ المُسلِمُ مَعَهُ حَياتَهُ، فَيسعَى لِصَلاَحِ حَالِهِ، ويَجعَلَ يَومَهُ خَيراً مِنْ أَمسِهِ، وغَدَهُ خَيراً مِنْ يَومِهِ، وعَامَهُ الجَدِيدَ أَفضَلَ مِنْ عَامِهِ المَاضِي، فَيسعَى إِلى رِضَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ والتَّوبَةِ مِنَ الهَفواتِ والزَّلاَّتِ، وزِيادَةِ الهِمَّةِ والنَّشاطِ لفِعلِ الخَيراتِ، وتَحقِيقِ الأَهدَافِ والارتِقاءِ نَحْوَ حَياةٍ أَفضَلَ وسلوكٍ أَمثَلَ. عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَا قَبْلَ الهِجرَةِ لَيسَ مَرحلَةً انتَهتْ مِنْ تَفكِيرِ المُسلِمينَ، ولَمْ يَكُنْ سُلوكُ الرَّسولِ فِيها سُلوكاً انتَهَتِ الأُسوَةُ فِيهِ أَو نُسِخَ العَمَلُ بِهِ، إِنَّما هوَ دَرْسٌ مِنَ الدُّروسِ ومَنهَجٌ مِنْ مَناهِجِ البِّناءِ، فَالرَّسولُ أَسوَةٌ وقُدوَةٌ فِي جَمِيعِ مَراحِلِ رِسالَتِهِ، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً. فَالوعْدُ الإِلهيُّ لِنبِيِّهِ بِالنَّصرِ لَمْ يَكُنْ مَصدَرَ غُرورٍ لِلمُسلِمينَ، والثِّقَةُ بِما عِندَّهُم مِنَ الحَقِّ لَمْ يَكُنْ مَصدَرَ استِكبارٍ، والضَّعفُ الذِي كَانوا علَيهِ لَمْ يَكُنْ دَافِعَ عُنْفٍ، فَالحِكمَةُ كَانَت سَيِّدَةَ المَوقِفِ، والأَمَلُ والحِرصُ علَى شُيوعِ الخَيرِ هُوَ المُوجِّهُ لِلمؤمِنينَ، كَما أَنَّ مِنْ شَأنِ المُؤمِنِ أَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ اليَأسَ والتَراجُعَ، وأَنّهُ إِنْ حَقّقَ بَعْضَ مُرادِهِ لاَ يَعْرِفُ الغُرورَ، فَهوَ دائماً يَطْمَعُ لِما هوَ أَفضَلُ، ويُوقِنُ أَنَّ بِمقدُورِهِ أَنْ يُقَدِّمَ خَيراً مِمّا قَدَّمَ وأَنْ يُنْجِزَ أَكثَرَ، وهَذا شَأْنُ المُسلِمِ دائماً، فَرِسالتُهُ أُفقٌ لاَ حُدودَ لَهُ، وعَطاءٌ لاَ يَنتَهِي، ولَوْ كَانَ هُناكَ مَا لاَ يَرْضَىِ عَنهُ فَهوَ مُكَلَّفٌ بِالعَمَلِ والإِصلاَحِ، وإِنْ قُمتَ -أَخِي المُسلِمَ- بِما يُثلِجُ صَدرَكَ ويُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلنّاسِ، فَلتَعلَمْ أَنّكَ قَادِرٌ علَى أَداءِ الأَفضَلِ، فمَا دامَ فِي الإِنسَانِ رَمَقٌ مِنْ حَياةٍ فَلَديهِ أَمَلٌ فِيما هوَ أَفضَلُ، ولَئنْ كَانَ القُرآنُ يَدْعو لِلتي هِيَ أَقوَمُ، فَإِنَّ الأَقومَ لاَ حَدَّ لأَعلاَهُ، أَمّا الواجِبُ فَحَدُّهُ الاستِطاعَةُ والقُدْرَةُ وبَذْلُ الوسْعِ. لَكِن الذِي قَدْ يَنْقُصُ البَعْضَ هوَ الصّبرُ والأَناةُ والحِكمَةُ، يَنقُصُه مَنهَجُ رَسولُ اللهِ قَبْلَ الهِجْرَةِ ومَنهَجُهُ بَعْدَها، وهُما مَنهَجانِ مُتكامِلانِ، عُنوانُهُما الحِكمَةُ والمَوعِظَةُ الحَسَنةُ والجَدَلُ والدَّفعُ بالتِي هِيَ أَحسَنُ. لِيَبحَثَ كُلٌّ مِنّا فِي سُلوكِهِ ويُحاسِبَ نَفسَهُ، عِندَها يُدْرِكُ المُسلِمُ مَاذا تَعنِي الهِجرَةَ؟ وكَيفَ يَتَمسَّكُ بِالحَقِّ ويَصْبِرُ علَيهِ ويُوصِي بِهِ، فَاستَلهِموا إخْوَانِي مِنَ الهِجْرَةِ مَبادِئَ تَستَنيرونَ بِها فِي حَياتِكُم، ومَنهَجاً تَبنونَ بِهِ مُستَقبَلَكُم. الحديث : في صحيح الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا». أو كما قال . الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ سَرْدَ أَحْداثِ الهِجْرَةِ أَمرٌ لاَ يَتَّسِعُ لَهُ المَقامُ، ويَنبَغِي علَى كُلِّ مُسلِم فَهْمُ سُنَنَ التَّارِيخِ وأَخْذُ الدُّروسِ والعِبَرِ مِنهُ، والاستِفادَةُ مِنْ جَوهَرِ الأَحداثِ وخَلْفِيّاتِها، وتَوظِيفُها فِي تَقْويِمِ سُلوكِنا وحَوادِثنا واستِثمارُ إِمكانَاتِنا. إِنَّ الهِجْرَةَ مَحَطَّةٌ لِلتَّفَكُّرِ لاَ لِلتَّذَكُّرِ فَحَسبْ، ولِلتّأسٍي لاً للتَّسلِّي، إِنَّها مَحَطَّةٌ لِتَقويمِ السُّلوكِ والأَخلاَقِ، فَإِنَّ رَسولَ اللهِ وعلَى الرَّغمِ مِمّا لاَقاهُ مِنْ أَعدَائهِ لَمْ يُؤثِرْ ذَلِكَ علَى خُلُقِهِ الرَّفِيعِ مَعَهُم وسُلوكِهِ القَويمِ فِي مُعامَلَتِهم، فَكلَّفَ قَبْلَ هِجْرَتِهِ أَقرَبَ النّاسِ إِليهِ ابنَ عَمِّهِ علَيَّ بنَ أَبِي طَالبٍ -كَرَّمَ اللهُ وَجهَهُ- بِأداءِ الأَماناتِ التِي كَانَتْ مَعَهُ عَمَلاً بِقولِهِ تَعالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، عِبَادَ اللهِ: المُسْلِمُونَ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإنْ تَبَاعَدَتْ دِيارَهُم وَتَبَايَنَتْ أَلوَانَهُم وَاخْتَلَفتْ أَلسِنَتَهُم، يَجْمَعُهُم القُرآنُ، وَيوحِّدَ أهْدَافَهُمُ الإِسْلاَمُ، شِعَارَهُمُ الأُخُوَةُ الصَادِقَةَ والمَوَدَةُ الخَالِصَةَ. يُسَرّونَ إذا أصَابَ إخْوانَهُم فِي أَيِّ مَكَانٍ مِنَ الدُّنْيَا خَيرٌ، ويَحزَنُونَ إذَا أصَابَهُم شَرٌّ، وسُرُورَهُم وَحُزنَهُم لَمْ يَكُنْ كَلامًا ولا بُكاءً، وَإنَّما كَانَ عَمَلاً وَإغَاثَةً وَتَلبِيَّةً لِلنِدَاءِ، فإذَا سَمِعْ المُسْلِمُ أنْ إخْوانِهِ المُؤمِنِينَ تَسُومَهُم دَولَةٌ ظَالِمَةٌ سُوءَ العَذَابِ تُقَتِلَ رِجَالَهُم وتَسْتَبِيحَ أَعْرَاضَهُم سَارَعَ إلى نَجْدَتِهِم، وَعَمَلَ عَلى نَصْرَهِم وإهلاك عدوّهم، هَذهِ هِيَ أُخُوةُ الإسْلاَمِ، ومَنْ لَمْ يَهتَمَّ بِأمْرِ المُسْلِمِينَ فَلَيسَ مِنْهُم. وَإنَا لَنِسألُ اللهَ العَلِيَّ القَدِيرَ أنْ يُفَرجَ عَنْ إخْوانِنَا كَربَّهُم وَمآسِيَّهُم، وأنْ يَرفَعَ عَنْهُم ضِيقَهُم وَهَمَهُم، وأنْ يَبَدِلَ حُزْنَهُم فَرَحاً.. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ - قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الخميس 20 ديسمبر 2012 - 12:19 | |
| التربية الإسلامية- الحقوق- حق المسلم على المسلم -الدرس 6-8: رد السلام.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون, لا زلنا في الحقوق، ولا زلنا في حقوق المسلم على المسلم، وقد كان موضوع الدرس الماضي التداوي، والموضوع الذي قبل الماضي إجابة الدعوة، وعيادة المريض، والنصح لكل مسلم، واليوم ننتقل إلى حقٍ آخر من حقوق المسلم على المسلم ألا وهو: رد السلام. قد يبدو لكم بادئ ذي بدء: أن موضوع السلام، إلقاء السلام، رد السلام شيءٌ جزئيٌ في الإسلام، ولكن الأحاديث الصحيحة تنبئ بأهمية البدء بالسلام ورد السلام، وسوف ترون بعد قليل, كيف أن موضوع السلام في الإسلام شيءٌ يشغل حيزاً كبيراً, وقبل الدخول في هذا الموضوع لا بدّ من مقـدمة.
الإنسان -أيها الإخوة- له حياةٌ فردية، له حياةٌ عضوية، له حياةٌ نفسية، له حياةٌ عقلية؛ يعيش مع عقله، يفكر, يدرس، يبحث، يطلب الأسباب، يطلب البراهين, يقتنع لا يقتنع، يقبل يرفض، هذه حياة عقلية متعلِّقة بالفكر والحقائق، والدراسة والتأمل، والقبول والرد والرفض، والبرهان وعدم البرهان، والصحة والفساد والبُطلان، هذه حياة عقلية، لكل واحد منا حياته العقلية ولعقله مستوى. والإنسان له حياة نفسية؛ يغضب، يحزن، يتفاءل، يتشاءم، ينشأ في نفسه صراع، له طموحات، يُحِس بالانقباض، يُحس بالانشراح، يشعر بالسعادة، يشعر بالضيق، هذه حياة نفسية له حياة عقلية, وله حياة نفسية، وله حياة عضوية؛ يأكل، ويشرب، ويهضم الطعام، وله جهاز دوران، وجهاز هضم، وجهاز إفراز، وجهاز عضلي، وجهاز عظمي، له غدد صماء، وله أجهزة، وله عضلات، ويعتريه عطب، وكما يعتريه مرض، ويتمتع بصحة, هذه حياة عضوية, وله حياة نفسيةٌ، وله حياةٌ اجتماعية؛ الإنسان اجتماعي، الله سبحانه وتعالى فطره فطرةً اجتماعية، يُعبر عنها الناس بكلمات، من هذه الكلمات: الجنة بلا ناس لا تداس.
الإنسان يأنس بأخيه الإنسان، فلو نام إنسان في بيتٍ وحده يشعر بالوحشة، لو سافر وحده يشعر بالوحشة، الإنسان مفطور على الاجتماع، رُكبت الطبيعة الاجتماعية في فطرته. ويبدو أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ذا طبعٍ اجتماعي لأهدافٍ كثيرة، منها: أن إعداده للآخرة لا يكون إلا عن طريق الحياة الاجتماعية، كيف يرقى الإنسان لو كان يعيش وحده؟ إذا عاش مع الناس يظهر كرمه، يظهر بخله، يظهر صدقه، يظهر كذبه، يظهر حرصه، يظهر إهماله، تظهر شجاعته، يظهر وفاؤه، يظهر إخلاصه, وكل الفضائل التي يمكن أن تسعدك في الجنة وإلى الأبد، لا تكون إلا وسط المجتمع، كل الفضائل التي يمكن أن تسْعَد بها إلى أبد الآبدين, لن تنمو ولن تظهر إلا في جوٍ من الحياة الاجتماعية.
لذلك: نظام الأسرة اجتماع, هكذا رتب الله الحياة؛ لك زوجة ولك أولاد الزوجة بحاجة إليك وأنت بحاجةٍ إليها، والأولاد بحاجةٍ إليكما وأنتما بحاجةٍ إلى أولادكما، وأنت بحاجة إلى جارك، فلو عددت الحاجات التي أنت بحاجة إليها, تحتاج إلى الطعام، إلى الخبز، إلى اللحم، إلى الفواكه، إلى الخضراوات, وإلى اللباس، لو أنك عددت الحاجات التفصيلية تجدك محتاجاً لمليون مليون حاجة؛ تحتاج لزر، تحتاج إلى خيط، تحتاج إلى إبرة، تحتاج إلى حذاء، إلى نظارة، إلى ساعة، إلى فراش، إلى لحاف، إلى وسادة، إلى بناء، أنت تتقن عملاً واحداً، وتحتاج إلى مليون نشاط بشري، مليون مليون نشاط بشري. لو دخلت إلى بيتك, تجد أن الزجاج أصل في محتوياته, وتوجد معامل للزجاج، يوجد نوافذ، يوجد بلاط، يوجد دهان، يوجد ثريات، يوجد سجاد، يوجد براد، يوجد غسالة، يوجد سرير، يوجد كتاب، يوجد طباعة، يوجد صف حروف، فكل شيء في بيتك عالم قائم بذاته؛ خبراء، علوم، جهود، أموال مبذولة، فأنت تتقن نوعاً مثلاً، بينما أنت بحاجة إلى مليون نوع وبحاجة إلى مليون نوع.
إذاً: حينما خلّق الله الإنسان خلقه بجبلة اجتماعية، هذا التعايش مع الناس، هذا النظام الاجتماعي يحتاج إلى ضوابط، فخالق الكون الذي أبدع وأتقن حينما خلق الإنسان, شرع له هذه الضوابط، فأنت في حياتك الاجتماعية إما أن تكون أسعد الناس بها، وإما أن تكون أشقى الناس بها، أي أن المجتمع إما أن يكون مصدر سعادةٍ لك, كأن يكون تفاهم زوجي مثلاً، تفاهم بين الأب وأولاده، ومع التفاهم محبة، مع المحبة تضحية، مع التضحية مؤاثرة، فتغدو هذه الأسرة قطعةً من الجنة, وقد تغدو هذه الأسرة قطعةً من النار، بالتباغض، والشحناء، والبغضاء، والكيد، زوجة مشاحنة، والزوج يريد أن يغيظ زوجته, فيبحث عن الطريقة التي يؤلمها به، وتبحث هي عن الطريقة التي تؤلمه بها، والأولاد في واد، والأب في واد، فبينما يجب أن تكون الأسرة مصدر سعادةٍ لأفرادها، إذاً: الأمر ينعكس فتغدو هذه الأسرة مصدر شقاءٍ لأفرادها، فالحياة الاجتماعية ليس فيها حل وسط؛ إما أن تكون سعيداً بها، وإما أن تكون شقياً.
علاقتك مع شريكك إذاً مبنية على الإنصاف، وعلى التساوي والعدالة، تجد الحياة في الشركة رائعة جداً، أما إذا كان لك شريك له نوايا عدوانية، فتتولّد نوايا خبيثة عند كل شريك, وتصبح هذه الشركة مصدر إزعاجٍ وشقاءٍ للشريكين. علاقتك بعملك بالوظيفة، أنت في مجتمع صغير، في دائرة، معك زملاء موظفون، ولديهم مستخدم، ويرأسكم رئيس أعلى منك، كما أن هناك من هو أدنى منك، إذاً هناك حياة اجتماعية. إذا ركبت مركبة عامة, فأنت عندئذٍ ذو علاقات اجتماعية، فالحياة الاجتماعية حياة بالفطرة، الإنسان كائن اجتماعي بالأساس، فلأن الإنسان كائنٌ اجتماعي, لا بدَّ من أن يشرع الله له تشريعاً يضمن سعادته في ظل المجتمع، لذلك حقوق المسلم على المسلم تشريعات شرعها الخالق.
سيدنا سعد حينما قال: ثلاثة أنا فيهن رجل, وفيما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس، ما سمعت حديثاً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا علمت أنه حقٌ من الله تعالى. أي أن هذا الكلام للنبي الكريم يشير إلى العلاقات الاجتماعية، وحقوق المسلم على المسلم تعني بحال أو بآخر: أن هذا من عند الله عزَّ وجل، هذا بإلهام الله عزَّ وجل، بوحيٍ من عند الله، فأنت حينما تقرأ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتعلِّق بالحياة الاجتماعية, فأنت تقرأ تعليمات الخالق فيما يتعلق بعلاقتك بمجتمعك هكذا.
وبعد: فمن تعليمات الخالق الصانع التي جاءتنا عن طريق النبي -عليه الصلاة والسلام- هذان الحديثان الشريفان اللذان هما أصلان من أصول العلاقات الاجتماعية أو من أصول حقوق المسلم على المسلم: فعن أبي هريرة, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ؛ رَدُّ السَّلامِ, وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ, وَاتِّبَاعُ الجنازة, وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ, وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
وروى مسلمٌ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ, قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ, وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ, وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ, وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ, وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ, وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعه)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعه؛ أي شيِّعه.
الآن: ربما استغرق موضوع السلام وقتاً طويلاً، وسوف ترون معي بعد قليل كيف أن هذا الموضوع خطير جداً؟ فربما كان إلقاء السلام سبباً من أسباب التفاهم الاجتماعي، ربما كان إلقاء السلام والردّ بالسلام سبباً في شيوع السلام بين الناس، ربما كان تبادل السلام سبباً لهذه المودة والمحبة التي يجب أن تكون بين الناس، الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً﴾ الآية: 86] [سورة النساء الحكم الفقهي: أن إلقاء السلام سنة ورد السلام واجب بل هو فرض, لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ الآية: 86] [سورة النساء فحيوا هذا أمر، والأمر في القرآن يقتضي الوجوب بأحسن منها, قال لك: السلام عليكم، تقول له: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قال لك: أسعد الله صباحك، تقول له: أسعد الله جميع أوقاتك؛ أي: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً﴾
الآية: 86] [سورة النساء
بل إن رد السلام على أهل الذمة أو على أهل الكتاب واجب، كالرد على المسلمين تمسكاً بعموم الآية، وهذا قول ابن عباس والشعبي وقتادة, سواء من الإنسان المسلم أو غير المسلم، أي إنسان قال لك: السلام عليكم, تقول له: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وإن الله عزّ وجل حينما حدثنا عن سيدنا إبراهيم قال: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [سورة هود الآية: 69] قالوا: سلاماً؛ أي سلَّموا سلاماً، قال: سلامٌ. قال العلماء: إن كلمة سلام أبلغ من سلاماً، لأن سلاماً مفعول مطلق لفعلٍ محذوف، أُسلمُ سلاماً، والمفعول المطلق مع الفعل المحذوف يؤلف جملة فعلية، والجملة الفعلية ليست مستمرة, أي أنها وقعت وانتهت، أما سلام جملة اسمية فيها معنى الاستمرار، فسيدنا إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- كانت تحيته أحسن من التي طرحت عليه.
عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: ((أنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ, وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ)) [أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والنسائي في سننه]
أي أن إطعام الطعام سنةٌ نبويةٌ طاهرة، وتقرأ السلام: قراءة السلام شيء ورده شيءٌ آخر؛ أي أن تطرح السلام، أن تبدأ بالسلام على من عرفت ومن لم تعرف. وعن أبي أُمامة, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلامِ)) . أي أن هذا الذي يسلم على الناس ويبدؤهم بالسلام، أولى الناس وأقربهم إلى الله عزّ وجل.
وعن عمار بن ياسر قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ؛ الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ, وَبَذْلُ السَّلامِ لِلْعَالَمِ, وَالإِنْفَاقُ في الإِقْتَارِ)) . أنا أقف عند هذه الكلمة: الإنصاف من نفسك: أحياناً الإنسان يكون في مركز قوي فإذا أخطأ سكت، ومن حوله يتحرقون على أن يعترف بخطئه، فإذا وقع الذين هم دونه بهفوةٍ أقام عليهم النكير، هذا إنسان ليس منصفاً، أنت زوج لك الحق أن تتحدث عن أم زوجتك بما يحلو لك؛ من استهزاءٍ, من تعليقاتٍ لاذعة, من نقدٍ جارح، أما إذا تكلمت زوجتك عن أمك كلمةً طلقتها، أنت لست منصفاً، كما هي أمك وأنت تغار على مكانتها كذلك هي أمها. أحياناً أنت تكون في محل وعندك صانع وفي المحل ابنك، الصانع قد تحمله ما لا يطيق، قد تكلفه بأعمال مرهقة، قد تحاسبه حساباً عسيراً، قد تضيق عليه، قد تحاسبه على أي خطأٍ ارتكبه، أما ابنك تخاف على ظهره أن يحمل فوق طاقة, أنت لست منصفاً. فالإسلام ليس بالصلاة والصيام ولا بالحج والزكاة فقط، ولكن الإسلام بالإنصاف أيضاً، هل أنصفت زوجتك من نفسك؟ هل أنصفت أولادك من نفسك؟ هل أنصفت جيرانك؟ تعتدي عليهم, فإذا أرادوا أن يسألوك, أو إذا أرادوا أن ينبهوك, أقمت القيامة عليهم، أنت لست منصفاً. أمٌ لها بنت إذا أكرمها زوجها, تدعو له دعاءً حاراً بالتوفيق، فإذا أكرم ابنها زوجته تقيم عليه النكير، ليست منصفة، وليس عندها من صفة الإنصاف شيء. يا أخوان, ليس في الحياة أروع من الإنصاف، الإنصاف من نفسك، يجب أن تعرف لكل إنسان قدره وحقه وحدوده وما له وما عليك، يجب أن تنصف في إعطاء الأجر، يجب أن تنصف في المودة التي تملكها، أنت قاضٍ وأمامك خصمان, واحد تبشُّ له وتهشّ له, وتسأله بأدب, والثاني تقول له: ما اسمك؟ بنبرة غضب وعبوس, لماذا هكذا؟.
يروون: أن سيدنا عمر كان في مجلسه مع أبي الحسن -سيدنا علي رضي الله عنهما-, فدخل يهودي له عند أبي الحسن مشكلة, قال عمر: قم يا أبا الحسن فقف إلى جانب الرجل, وحكم بينهما وكان الحق مع أبي الحسن، فلما انفض هذا المجلس رأى سيدنا عمر أن سيدنا علياً قد وجم, قال: ما لك يا أبا الحسن أوجدت عليّ؟ فقال: نعم, لماذا قلت لي: يا أبا الحسن؟ فقد ميزتني عليه عندما دعوته باسمه ودعوتني بكنيتي. فإذا كنت قاضياً فعليك أن تنصف، وإذا كنت مدرساً فعليك أن تنصف، هذا طالب بينك وبينه مودة لم يكتب وظيفته فتتساهل معه, وتقول له: لا تُعدها مرةٌ ثانية، وطالب ثانٍ تقول له: أحضر والدك، إذاً أنت لست منصفاً، لماذا شددت على هذا الطالب وذاك تساهلت معه؟ إذاً أنت غير منصف، لا شيء يسحق الإنسان كالظلم، لذلك العدل أساس الملك.
فعن عمار بن ياسر, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ؛ الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ, وَبَذْلُ السَّلامِ لِلْعَالَمِ, وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ)) . فكر في بيتك زوجتك, أي إذا أخطأت خطأ تجدك عنيفاً في توبيخك، أما أنت تكسر الشيء والكل يسكت وتظل أنت ساكت، فأنت عندما كسرت الشيء سكتّ, إذاً فعليك أن تقبل عذر المعتذر, هذا بالأواني, أما بالمواعيد فإذا تأخرت دقيقتين تقيم القيامة عليها، أما أنت فتتأخر خمس ساعات تظل وهي ساكتة. فهذا الحديث دقيق جداً, يدور في بيتك, مع أولادك, مع زوجتك, مع أخوانك, مع أصحابك, مع زملائك في العمل, مع شركائك, أنت مرتاح وشريكك تعبان، فعليك الإنصاف من نفسك، إن الدين حينما يصبح صوماً وصلاةً، حينما يصبح شعائر، حينما يصبح طقوساً وتلغى المعاملة, انتهى الدين كله.
سيدنا جعفر قال للنجاشي: كنا قوماً أهل جاهلية, نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله فينا رجلاً, نعرف أمانته وصدقه, وعفافه ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده, ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم. هذا هو الإسلام، لذلك فالإنسان حينما يشعر بقوته, ويستخدم قوته في الباطل, فهو ليس منصفاً، البطولة وأنت في أعلى درجة من القوة، وأنت في أعلى درجة من المكانة، وأنت في أعلى درجة من الغنى, وأن تكون منضبطاً بالشرع. قال رجل لسيدنا عمر: أتحبني؟ فقال: لا والله لا أحبك, قال: هل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال: لا والله. الإنصاف من نفسك، إذاً الإسلام يتميز بمبدأ الإنصاف.
أحياناً: تأكل أنت ما لذَّ وطاب, والذين هم في البيت ليسوا كذلك في طعامهم، إذاً أنت لست منصفاً، من لهم غيرك؟ الإنسان عليه أن يطعم أهله مما يأكل, وأن يلبسهم مما يلبس. يا أخوان على الإنسان أن يراقب نفسه، فهذا الحديث قلما ينجو منه أحد، على الإنسان أن يراقب نفسه في أحكامه، وفي مواقفه، في انتقاداته للناس، في ملاحظاته في تضييقه عليهم, يراقب نفسه في كل أحواله، فإذا كان منصفاً كان على خصلة كبيرة من الخير . فسيدنا رسول الله كان منصفاً، رأى صهره أسيراً عقب معركة بدر, جاء ليحاربه, وجاء ليقتله, وجاء ليبطش بالمسلمين, لكنه صهر ممتاز، فقال عليه الصلاة والسلام: ((والله ما ذممناه صهراً)). كونه جاء ليحارب, جاء ليقاتل, جاء مع المشركين شيء، هذا عمل, أما أنه صهر ممتاز, قال: والله ما ذممناه صهراً.
ابن أبي بلتعة أحد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -إنسان اجتهد اجتهاداً وأخطأ- فقد أرسل كتاباً إلى أهل مكة, يذكر لهم أن النبي سوف يفتح بلادهم -أي أنه اجتهد اجتهاد خطأ- فالنبي جاءه الوحي, وأطلعه على ما فعل ابن أبي بلتعة, فأرسل عليه الصلاة والسلام من يضبط هذا الكتاب مع امرأةٍ في الطريق، فقال سيدنا عمر للنبي الكريم: يا رسول الله, دعني أضرب عنقه, فقد خان الله ورسوله, قال: يا عمر, إنه شهد بدراً, ولعل الله سبحانه وتعالى اطلع على أهل بدرٍ فغفر لهم. أي لا ينسى فضله، بل نلتمس له العذر, هذا هو الإنصاف. وعن عمار بن ياسر, قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ؛ الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ, وَبَذْلُ السَّلامِ لِلْعَالَمِ, وَالإِنْفَاقُ في الإِقْتَارِ)). الإنصاف من نفسك له ضابط، أما هذا الضابط لو طبقه المسلمون لأغلقت المحاكم أبوابها, ولأُلغيت وزارة العدل كلها، ما هذا الضابط؟. قال عليه الصلاة والسلام: ((عامل الناس كما تحب منهم أن يعاملوك)). هذا الحديث طبقه النبي عملياً.
رجل أعرابي بلغه الإسلام فأعجبه, إلا أنه مدمن على الزنا، وهذا الأعرابي كان صريحاً, فجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: ((يا رسول الله, أنا أشهد أنه لا إله إلا الله وأنك رسول الله, ولكن ائذن لي بالزنا -هذه اسمح لي فيها, فلا أقدر أن أتركها- والصحابة عندها أرادوا أن يقتلوه -ما هذه الوقاحة؟-. فالنبي قال: دعوه, ثم قال له: اقترب يا عبد الله, اقترب مني, فاقترب -انظروا إلى المنطق- قال: يا عبد الله أتحبه لابنتك؟ -يتصور أن ابنته تزني- فقال: لا، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟ قال: لا، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، أتحبه لزوجتك؟ أتحبه لأمك؟ والأعرابي يردد: لا، فقال هذا الأعرابي بعد ذلك: والله دخلت على رسول الله وليس شيءٌ في الأرض أحب إلي من الزنا، وخرجت من عنده وليس شيءٌ أبغض إلي من الزنا)). انظروا للمنطق السليم، أتحبه لأختك؟ أنت تغش بهذه البيعة، فلو فرضنا أنك تبيع أقمشة وتغش الناس، فلو اشتريت حاجة لك من بائع وغشك ألا تنزعج؟ ألا تحس نفسك أنك تتمزق منه؟ لماذا غششتني؟ أوهمته أن هذه البضاعة أجنبية, وظهر بعد ذلك أنها ليست أجنبية ، أوهمته أن هذه رأس مالها مرتفع وغالٍ ولم تربح شيئاً, ثم تبيّن أنك ربحت بها مائة بالمائة ، فأنت في البيع والشراء أنصف الناس من نفسك، أتحب أن يقال لك كذا وكذا؟ أنت تسخر من إنسان, أتحب أن يُسخر أحد منك؟: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾
[سورة الحجرات الآية: 12] ولا الناس يحبون أن تفعل معهم كذلك، هذا الحديث يا أخوان: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك. هذا الحديث يحثك أن تقدر الإنسان الذي أمامك، وتقدر الضعيف، وتقدر المسكين، قدر الذي هو وضعه أضعف منك.
يا أيها الأخوة الأكارم, أنصفوا الناس من أنفسكم. إن الإمام النووي -رضي الله عنه- قال: الإنصاف يقتضي أن تؤدي إلى الله جميع حقوقه وما أمر به، وأن تجتنب جميع ما نُهيت عنه, وأن تؤدي إلى الناس حقوقهم. الإنسان يكون ابناً وأبوه موجود، يا ترى: هل تحب أن أباك بعد ما تقدمت به السن يحتاج إلى ابنه والابن يزور عنه؟ . تصور أنك أب وابنك أغنى منك, وأنت بحاجة لمال ابنك وابنك يتبرأ منك، أليس هذا موقفاً صعباً؟ وهذه نصيحة دائماً: ضع نفسك محل الآخرين باستمرار، عندك زوجة وعندك أم، فأن تقف موقفاً منحازاً مع زوجتك, وتدع أمك التي ربتك, هذا موقف لا أخلاقي، تصور أنك أم وأنك ربيت هذا الابن ثلاثين عاماً, ثم تنكَّر لك, والتفت إلى زوجته على حساب حقوقك عليه، ليس هذا هو الإنصاف، لذلك الإنصاف كما فسَّره الإمام النووي -رحمه الله تعالى- قال: الإنصاف يقتضي أن تؤدي إلى الله جميع حقوقه وما أمر به, وأن تجتنب جميع ما نهيت عنه، وأن تؤدي إلى الناس حقوقهم, وألا تطلب منهم ما ليس لك. أحياناً الأب مع ابنه لا ينصفه، أي أن هذا الابن يشتغل عند أبيه, فيقول له: ألا تأكل وتشرب؟ ولكن الابن يريد أن يتزوج، ضع نفسك مكان ابنك, فهو يريد أن يشتري بيتاً, وأن يؤثثه، وأن يتزوج، يبذل جهده ثماني ساعاتٍ في عمل شاق معك أيها الأب على أكل وشرب فقط، وتقول له: هكذا أنا ترتيبي, هذا الترتيب خلاف الشرع، نحن نريد الشرع، فهل من المعقول: أن أحد أبنائك يشتغل معك عشر ساعات ليل نهار، والابن الآخر في البيت عاطل بلا عمل ويتساويان في النصيب؟ هذان لا يتساويان، لم تنصف ابنك، وأحياناً الابن لا ينصف أباه ، فموضوع الإنصاف يا أخوان من الدين, إني أذكركم بالحديث الشريف: ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-: الدين النصيحة؟ . ألم يقل: رأس الدين الورع؟ . فأكاد أقول: إن الدين إنصاف، وغير المنصف ليس فيه إيمان إطلاقاً، فيجب أن تنصف زوجتك وأولادك وجيرانك وأقرباءك ووالديك وزبائنك, فإنصافهم حق لهم وواجب عليك.
ذكر لي أخ, يحتاج لإجراء عملية, فقال له الطبيب: تكلفك خمسة وسبعين ألفاً, فلو أن هذا المريض باع نفسه وأولاده, فإنه لا يحصل على عشرين ألفاً، والعملية ضرورية, قال له ذاك الطبيب: هذا الحاضر، طبيب آخر قال له: خمسة آلاف. هذا غير معقول سبعين ألف زائدة، انصفه، فلعلك تضعك الأيام في مثل موقفه، فعندما ينظر الإنسان إلى ربحه فقط, هذا هو الجهل الأساسي، ربحك في إنسانيتك، ربحك في عملك الصالح، ربحك في اعتدال سعرك، ربحك برحمة المسلمين: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. كذلك أخٌ ثانٍ قال لي, وهي قضية معلقة بالطب، أول طبيب قال لي: العملية تكلف خمسةً وأربعين ألفاً، والثاني قال: تكلف خمسة وخمسين ألفاً، والثالث قال له: يا أخي الغلاء يسود الوجه, هذه العملية غالية, أنا خائف أن أقول لك فتنزعج, فقال له: ستة آلاف، من خمسة وخمسين ألفاً إلى ستة آلاف, هذا إجرام، فهل تريد منه أن يبيع بيته؟ يبيع سريره؟ يبيع براده؟ لكي تأخذ هذا كله أنت, ثم تقوم برحلة إلى أوروبا في الصيف؟ هذا ليس إنصافاً، لذلك الإنصاف، الإنصاف ويقيم أواصِر المحبة، الإنصاف يجعل المجتمع متكاتفاً، يجعل المجتمع كما قال عليه الصلاة والسلام: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ, مَثَلُ الْجَسَدِ: إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))
[أخرجه أحمد في مسنده]
تقول لمن يريد أن يعمل عندك: يا أخي نعطيك فقط ألفي ليرة, موظف عندك لا يكفيه ألفي ليرة، لا تريد يوجد غيرك، طبعاً الموظف مضطر لأنه عاطل عن العمل، وأنت تربح مئات، بل مئات المئات, أعطه أربعة آلاف فهذا إنسان، أخي أنا أجد من يعمل بألفين بل بألف هناك من يرضى، ليس الأمر متوقفاً على من يرضى, بل متوقف على ما يستحق هذا العامل، هناك فرق بين العرض والطلب، إنسان ربط مصيره معك, عنده زوجة وأولاد. قال لي أخ: إنه في اليوم يصرف مبلغ كذا ألف, أما أنا كعامل يعطيني بالشهر ألف وخمسمائة، فهذه مشكلة، فعليك أن تنصف الناس من نفسك خاصة من هم دونك، وكذلك من هم فوقك، وكن منصفاً مع أولادك، مع زوجتك، مع جيرانك، الإسلام إنصاف, أن تقف عند حدك: رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده. أن تعرف ما لك وما عليك، ما ينبغي وما لا ينبغي، ما يجوز وما لا يجوز، ما يصح وما لا يصح، ما هو حق وما هو باطل، ما هو خير وما هو شر، ما هو عدل وما هو ظلم.
أحياناً تجد شريكين، فيذهب أحدهما إلى أوروبا, ويقضي فيها شهرين، فنادق, أجنحة, سهرات حمراء, سهرات خضراء, وهل هناك صفراء كذلك؟ لا أعرف، ثم يرجع فيسجل مصروفه على المعمل, على حساب باب الاطلاع, فقد رفع مستوى اطلاعه. أنت ذهبت لكي تعمل سياحة, فحملت الشركاء ما لا يطيقون، السياحة شيء, والاطلاع شيء, والدراسة شيء, والاستيراد شيء، فهذا يحدث. أنا أريد أن أشتري مرابحة منك، المرابحة ربح ثابت ويكشف رأس ماله، فمثلاً: ذهب إلى أوروبا لخمس أو ست مهام, فاعتبر هذه الرحلة مهمة واحدة, فوضع نفقات كل هذه الرحلة على هذه البضاعة، أخي مصاريف سفر, ورأس مال كذا, والربح بالمائة عشرة، فأنت قد أخذت بهذه الطريقة الربح مائة بالمائة, أحياناً يرفع المصروف فيضاعف ربحه، لا يوجد إنصاف بالبيع بالشراء، أهذا هو الإسلام؟ لا, إن الإسلام إنصاف بكل حركاتك وسكناتك. قال له: هل تعرفه؟ قال: نعم أعرفه, فقد رأيته بالمسجد، قال: هل سافرت معه؟ قال له: لا, قال: هل عاملته بالدرهم والدينار؟ قال له: لا, قال له: هل جاورته؟ قال له: لا، قال: إذاً أنت لا تعرفه.
في نفسي على الإنصاف أشياء كثيرة وملاحظات عدّة؛ الإنصاف في كل شيء حتى في أحكامك، لم تلتقِ فلاناً ثم نسمعك تقول عنه: إنه إنسان سيء، هل التقيت معه؟ لا, هل استمعت إلى كلامه؟ لا, فأنت لم تنصفه، كيف يفعل مسلم هذا مع شخص لم يلتق معه، أو تقول: إنه يا أخي لا يفهم شيء؟ فهل سألته سؤالاً واحداً فقال: أنا لا أفهم؟ أو سألته سؤالاً, وأجاب إجابة خطأ؟ هل قرأت مؤلفاته؟ قرأت كتبه؟ حضرت دروسه؟ لا, بل تقول: أخي إنه غير فهمان، فأنت لست منصفاً، أهكذا يكون المؤمن غير منصف؟: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ [سورة الإسراء الآية: 36] فأنت مسؤول عن كلامك.
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-: ((أفشوا السلام تعلوا)) . أي يرفع الله من شأنكم، ويرفع لكم مقامكم في الدنيا، أفشوا السلام تعلوا. وفي حديثٍ آخر: عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: ((أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أَفْشُوا السَّلامَ تَسْلَمُوا وَالأَشَرَةُ شر)) [أخرجه أحمد في مسنده] يعني: إذا كنت ليس لك أصحاب ضمن حيك فإنك لا تسلم على أحد، يزورك الناس؟ لا، لأنك لا تزور أحداً، فهم إذاً يبحثون لك عن عيب، عن غلطة، ينقضون عليك، ليشفوا غليلهم منك، أما إذا كنت متواضعاً, وسلَّمت عليهم، وزرت جيرانك، وعاونتهم في حياتهم، أصبح هذا البناء التي تساكن جيرانك به أسرة واحدة، إذا سافرت سافرت وأنت مطمئن، كلهم كأنهم أنت، إذا فقدت هذه المودة، وفقدت التحية, وهذا السلام، تعيش في جفاء. فإذا دخل أحد من أخوة زوجتك إلى بيتك في غيابك، يقولون: دخل بيته شخص غريب, علماً بأن الداخل أخو زوجتك، يتكلمون بموضوعات ثانية، بينما إذا أنت سلَّمت عليهم, وعرفوا أخلاقك العالية، وتواضعت وخدمتهم, أصبح هذا الحي أسرة واحدة، إني أحب التكاتف والتعاون، فالإسلام جماله في هذه الحياة الاجتماعية السليمة، لأن التباعد والتدابر والتجافي والمشاحنة والبغضاء تفتت المجتمع، قال الله عزَّ وجل: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [سورة الأنفال الآية: 46] بالمنازعة والمشاحنة ضعف، يضعف هذا المجتمع الذي تنتمي إليه، لذلك تجد مجتمعات مفتتة, بفعل الخصومات والغيبة والنميمة والحسد والبغضاء والتدابر والتطاحن والتنافس تجد المجتمع المنهار، أما بتطبيق تعاليم الإسلام, تجد الجتمع كالبنيان المرصوص, يشد بعضه بعضاً، إذاً: أفشوا السلام تعلوا، أفشوا السلام تسلموا.
وعن ابن الزبير -رضي الله عنهما-, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لا حَالِقَةُ الشَّعَرِ, وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ)) . اقرأ عن الصحابة, تحس أن هؤلاء الصحابة كأنهم يد واحدة، كأنهم جسم واحد, يحب بعضهم بعضاً، يدافعون عن بعضهم بعضاً، يعرفون قدر بعضهم بعضاً. وقف سيدنا عمر على المنبر, قبل أن يخطب نزل درجة -ماذا حدث!! ألغى الخطبة؟ الخطبة أساس في الإسلام- فلما استقر على الدرجة التي دون الأخيرة, قال: ما كان الله ليراني أضع نفسي في مقام أبي بكر, فنزل درجة اعترافاً بمنزلة أبي بكر، وسيدنا عثمان نزل درجة كذلك. بعد عشرات السنين, سأل أحد خلفاء بني أمية أو بني العباس, فقال: لماذا لم ينزل فلان الخليفة درجة؟ فقال له صديقه: لو فعلها لكنت أنت في قعر بئر. لو ينزل كل خليفة درجة فأين مكانك أنت اليوم؟. المهم أن تعلم أن عمر تواضع في نفسه، فالزم أنت التواضع، سيدنا عمر كان منصفاً، فبعد أن توفي سيدنا الصديق -رضي الله عنه- صار سيدنا عمر -رضي الله عنه- كذلك هو الرجل الأول، ورغم ذلك يرى أفضلية الصديق! أحدهم أحب أن يتقرب منه, فقال له: والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله -كلام لطيف، فليس أحسن منك بعد النبي, فكاد أن يبطش بمن في المجلس جميعهم- نظر إليهم نظرةً حادة، خافوا إلى أن قال أحدهم: لا والله لقد رأينا من هو خيرٌ منك، قال له: من هو؟ قال : أبو بكر، فقال: كذبتم جميعاً أيها الساكتون وصدقت أنت، كنت أضلَّ من بعيري، وكان أبو بكرٍ أطيب من ريح المسك -من الذي يقدر أن ينافق لسيدنا عمر؟ انتهى النفاق كلّه, فلا يوجد نفاق، أنصف سيدنا الصديق، فهو قد مات وليس من يدافع عنه، سيدنا الصديق الآن ليس موجوداً، فإذا كان أحب أن يحتل الساحة كلها الآن, فلا يوجد من يحاسبه، لكنه أنصفه قائلاً-: والله كنت أضلَّ من بعيري، وكان أبو بكرٍ أطيب من ريح المسك، قال: ما أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر. عمر كله حسنة من حسناته، أنصفه من نفسه.
النبي -عليه الصلاة والسلام- أنصف أصحابه واحداً واحداً، هذا قال له: ((والله إني أحبك يا معاذ)). أنصفه. وسعد قال له: ((ارم سعد فداك أبي وأمي)). وفي سعد قال أيضاً: ((أروني خالاً مثل خالي)). أنصفه. وعن سيدنا عمر قال: ((لو كان نبيٌ بعدي لكان عمر)). أنصفه. وسيدنا عثمان قال عنه: ((ذو النورين، ألا أستحي من عثمان؟)) . أنصفه. وأبو عبيدة قال عنه: ((أمين هذه الأمة)). وابن الزبير قال عنه: ((حواري هذه الأمة)). وسيدنا خالد قال عنه: ((سيف الله في الأرض)). لا يوجد صحابي من أصحاب النبي إلا النبي أنصفه في تقييم صحيح، هكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام. فعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رَضِي اللَّهم عَنْهم جميعاً- قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ, وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لا حَالِقَةُ الشَّعَرِ, وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ)) . هذا الحديث بإسنادٍ جيد.
والنبي يقول, وهو: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ الآية: 3-4] [سورة النجم ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ)) . ولمَ يقسم النبي فلماذا يقسم؟ معنى ذلك: أن هناك أمراً خطيراً. أنت إذا كنت تحب أخوانك فأخوانك يحبونك، لا أحبهم يا أخي، بالزور المحبة، أي يجب أن تعاملوا بعضكم معاملة يكون من ثمارها المحبة, المحبة ليست عملاً إرادياً، بل عملاً عفوياً: ((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم, فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها, وبغض من أساء إليها)) . هذه النفس مثل الماء في المنحدر، صب الماء على منحدر, وقل له: اصعد إلى فوق ، يرجى الصعود نحو الأعلى، لا يصعد، رجاءً، لا يرد عليك، قل له: انزل، فكل هذا كلام فارغ, لأنه ينزل تلقائياً, فالنزول والهبوط إحدى خصائص الماء: ((يا داود ذكر عبادي بإنعامي إليهم, فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها, وبغض من أساء إليها)). أحسن إلى الرجل تكن أميره. بالبر يستعبد الحر.
يقولون: إن شخصاً مخموراً، سكيراً، عربيداً، خميراً، كان ماشياً في الطريق, ورائحة الخمر تفوح منه، مر الإمام مالك بن دينار, ويبدو أنه أشفق عليه, فأخذه إلى البيت, ونظفه وغسله وأطعمه وصرفه، بهذه المعاملة الطيبة تاقت نفس هذا العاصي إلى الله، فاغتسل وصلى ثم حضر صلاة الفجر في المسجد، فصار يبكي ويناجي ربه، يقولون: إن الإمام مالك بن دينار رأى في المنام: أن يا مالك طهرت فمه من أجلنا فطهرنا قلبه من أجلك, فلما ذهب إلى المسجد صباحاً, وجده في المسجد يصلي، قال له: من الذي هداك إلي؟ فقال له: إن الذي هداني أخبرك بحالي. أخيرك عني, يقولون لك: أخي هذا شارب، هذا عاصٍ، من الممكن إذا تاب أن يسبقك, لا تعرف, فكن أديباً مع الخلق، الآن هو عاصٍ، لكنه إذا تاب فلعله يسبقك إلى الله. سيدنا خالد في بدر حارب رسول الله، وفي أحد حاربه، متى أسلم؟ أسلم عام الفتح، ألم يسبق معظم الصحابة؟ أليس كذلك؟ أصبح من كبار الصحابة. لا تعرف أنت طوالع المستقبل فإنه غيب, فكن أديباً مع الناس، رأيت عاصياً انصحه، فهّمه, بين له, اخدمه.
أنا أحب أن يكون كلّ أخ شعاره: كن عوناً لأخيك على الشيطان، ولا تكن عوناً للشيطان على أخيك, عاونه على الشيطان, فتواضع له, واخدمه، ولا تنفره من الدين، ولا تكن عوناً للشيطان على أخيك. الحديث الشريف القدسي: ((أنا مع المنكسرة قلوبهم الحزانى في كنف الله, إن الله يحب كل قلبٍ حزين)). الحزانى معرضون للرحمة، الإنسان قيمته بأخلاقه، النبي بماذا مدحه الله عزَّ وجل؟ بيته فخم, مترامي الأطراف مثلاً؟ لا, بماذا مدحه الله عزَّ وجل؟ . أحياناً أنت تقيم الإنسان بسيارته، ببيته، بمكتبه، بمرتبته، برصيده، بأسرته، بحسبه، بنسبه، أخي فلان يده طايلة، بماذا مدح الله نبيه الكريم؟ قال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة القلم الآية: 4]
إذا كنت تحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاقتف أثره في التواضع، في الإنصاف. كان إذا دخل بيته لف ثوبه لئلا يوقظ أهله, كان إذا دخل إلى بيته قال: ((أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم)) . كان يقول عن النساء: ((إنهن المؤنسات الغاليات)) . كان حليماً صلّى الله عليه وسلَّم، بلغه حديث الإفك, وما أدراكم ما حديث الإفك؟ ومع ذلك كان حليماً, وكان صابراً، لأنه هو الأسوة لنا.
لذلك: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا, وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَفَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُم)) . تريد أن تحب أخاك وأخوك يحبك, المحبة ليست بالإكراه إذاً كيف؟ يجب أن تعامله معاملة يذوب محبة فيك، ويعاملك معاملة تذوب محبة فيه، فإذا أحببته وأحبك صار المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. ماذا قال الله عزَّ وجل عن أصحاب رسول؟ قال الله عزَّ وجل: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [سورة الفتح الآية: 29] الإنسان لا بدَّ من أن يرحم أخاه: ((إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي)). إذا وقع إنسان أو عثر فارحمه.
أحياناً: يضطر أحد الزبائن لبضاعة ما، فيقول له البائع: بثلاثمائة وخمسين، فيقول الزبون: هي بمائتين بالخارج, فيقول: ااتركها لا تشتريها، عرفته مضطراً, وليست هذه البضاعة موجودة عند غيرك، أو يكون مضطراً أن يبيع هذا السرير, لأنه سيجري عملية لزوجته، فيقول له: بمائة ليرة! ثمنه ثلاثة آلاف, فيقول له: إنه لا يلزمني ولكن لا يرحمه، بالشراء والبيع لا رحمة، إنه مجتمع الغاب، فأين أنتم من الإسلام؟.
أنا كنت أضرب مثلاً خلاصته: رجل يريد أن يشتري غرفة نوم، قال له البائع: هي ذات سرير واحد، قال له: أريدها ذات سريرين، قال البائع: إذاً عشرة آلاف زيادة، الخشب أسعاره مرتفعة، قال الزبون: إذاً أنا أريدها بسرير واحد، يقول له: أحسم لك ألفين، لماذا لما أراد شراء سريرين يطلب منه عشرة آلاف زيادة، وعندما اكتفى بسرير واحد أصبح السرير ثمنه ألفان؟ لأنه لا يوجد إنصاف، وحول موضوع الإنصاف، هذا إذا كنت تريد أن تبيع الحاجة فالثمن المدفوع لك زهيد جداً، وإذا كنت تريد أن تشتريها فهي قطعة نادرة وثمنها باهظ، هذا مجتمع القنص، مجتمع الذبح، مجتمع الاستغلال، هذا ليس مجتمعاً إنسانياً بل هو مجتمع الذئاب، لذلك نهى النبي عن بيع المضطر، إذا كان رجل مضطراً ليبيع سلعة, يجب ألا تأخذها بثمن بخس، لأنك عندئذٍ كأنك سرقتها منه، وعلى هذا فقس. فما دام تعاملنا قائم على جور, وعلى ظلم وعدوان، بين بعضنا البعض؛ الجار مع جاره، والأخ مع أخيه، المعلم مع صانعه، الصانع مع معلمه, فالمجتمع إلى انهيار، لذلك: فالله عزَّ وجل لا ينظر إلى هذه الأمة بالرحمة إذا لم يتراحموا، أما إذا تراحموا يرحمهم الله عزَّ وجل.
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الخميس 20 ديسمبر 2012 - 12:22 | |
| العبادات الشعائرية - الصلاة - الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون، الحديث اليوم عن سنن الصلاة، ومن أحسن أحكام السنة أن تركها ولو عمداً لا يفسد الصلاة، ولا يوجب سجود السهو، غير أنه يكون مسيئاً إذا تركها عمداً، والإساءة أقل من الكراهة، ويثاب على فعلها ويلام على تركها، هذا حكم الشرع في السنة. فلو أن إنساناً سها عن إحدى سنن الصلاة لا يوجب هذا السهو سجود السهو، أما إذا سها عن بعض واجباتها، أو عن واجب من واجباتها، فهذا يوجب سجود السهو، أما إذا سها عن أحد أركانها فصلاته باطلة، فالفرض إذا ترك تبطل الصلاة، والواجب إذا ترك يوجب سجود السهو، وأما السنة فيثاب من فعلها ويلام من تركها. رفع اليدين للتحريمة حذاء الأذنين هذا من السنة، أما المرأة فحذاء المنكبين، فهم النبي عليه الصلاة والسلام رفيع المستوى لو رفعت المرأة يديها هكذا ربما ظهر ذراعها فيكتفي من المرأة برفع اليدين إلى حذاء المنكبين، و على هذا تنسحب أحكام عدة: فمثلاً المرأة ليس عليها أن تهرول بين الصفا والمروة، و بين الميلين الأخضرين، فإذا هرولت ربما اهتز صدرها فأثارت الفتنة، وكذلك المرأة إذا ماتت هناك كفن خاص لصدرها، لئلا يثير منظرها الرجال إذا حملوها، وهناك أشياء كثيرة حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا وجه امرأة من قريباته إلى التستر ذكر كلمات لا تثير أي شعور، لا تلبسي هذه الثوب فإنه يصف حجم عظامك، كلمة عظام لا تثير الشهوة إطلاقاً، و أي كلمة أخرى ربما أثارت، وهذا تعليم النبي عليه الصلاة والسلام، فلماذا هذه الكتب التي ألفت في العصور المتأخرة مفعمة بألفاظ العورات والأفعال كما هي وهذا مما يثير الحرج والخجل؟ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [ سورة المؤمنون: 5-7 ] ﴿ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ﴾ [ سورة النساء: 43] فمن ابتغى وراء ذلك، دخل في هذه الآية كل أنواع الانحراف لكن بشكل لا يخدش حياء المستمع، قال تعالى: ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [ سورة المؤمنون: 7]
يوجد كلمات قرآنية كنايات رفيعة المستوى، والإنسان المفروض به أن يتأدب بأدب القرآن، لا يذكر بموضوع الفقه العورات بأسمائها والأفعال بصفاتها، هذا مما يوجب الحرج، ويسبب الخجل والحياء من المستمع. فرفع اليدين للتحريمة حذاء الأذنين، وحذاء المنكبين للمرأة لئلا يظهر ذراعها، ونشر الأصابع، النشر حالة بين الضم وبين الانفراج، ومقابلة إحرام المقتدي لإحرام إمامه، لا ينبغي أن يتأخر المقتدي عن الإمام ولابد من التلازم والمتابعة، ومتابعة المقتدي لإمامه شيء أساسي في الصلاة، ووضع الرجل يده اليمنى على اليسرى تحت سرته، صفة الوضع أن يجعل باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى محلقاً بالخنصر والإبهام على الرسغ، ووضع المرأة يديها على صدرها من غير تحليق، أي تحت صدرها تماماً لئلا يظهر صدرها أيضاً وهذا هو الأدب، والثناء أي دعاء الثناء: "سبحانك اللهم وبحمدك، و تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"، والتعوذ أي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لكن أكثر العلماء على أن التعوذ يكون سراً، والتسمية أول كل ركعة بسم الله الرحمن الرحيم، بعضهم يقرؤها سراً وبعضهم يقرؤها جهراً.
والتأمين، كلمة التأمين أي يا رب استجب لنا هذا الدعاء، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين هذا دعاء، فكلمة آمين أي استجب يا رب، لكن رفع الصوت بها ليس من أدب الصلاة، وأحياناً في صلاة الجماعة يرتفع الصوت حتى يصبح ضخماً إلى درجة غير مقبولة، لا إنكم لا تخاطبون أصماً، والذي تخاطبه يعلم سرك ونجواك، الذي تخاطبه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، و يعلم السر وأخفى، أي ما يخفى عنك فلا داعي لرفع الصوت بكلمة آمين، قال عليه الصلاة والسلام: [[إِذَا قَالَ الإِمَامُ [ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ] فَقُولُوا: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ]] [مسلم، الترمذي، النسائي، أبي داود، ابن ماجة، أحمد، مالك، الدرامي عن أبي هريرة] لقنني جبريل عليه السلام عند فراغي من الفاتحة آمين وقال: إنها كالختم على الكتاب، وهي ليست من القرآن ولكن في أثناء التلقين قال: آمين أي استجب يا رب، التأمين أيضاً من سنن الصلاة، لكن التأمين لمن؟ للإمام والمأموم معاً، الإمام يجب أن يقول: آمين بلسانه بصوت منخفض ومنفرد، حتى إن بعضهم قال: وقارئ الفاتحة خارج الصلاة عليه أن يقول آمين.
والتحميد، التحميد أن يقول المصلي بعد أن يرفع من الركوع: ربنا لك الحمد والشكر حمداً طيباً كثيراً مباركاً عدد خلقك، ويسن هذا للإمام والمأموم معاً وقيل الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، وبعدها يقول المأموم والإمام: ربنا لك الحمد والشكر، هذا هو التحميد والإقرار بها يعني التحميد ليس جهراً ولكن سراً، يسن التحميد والإقرار بكلمة التحميد ربنا ولك الحمد.
ويسن الاعتدال عند التحريمة، أي عند تكبيرة الإحرام يجب أن يكون مستوياً قائماً معتدلاً، فلو كان أقرب إلى الركوع فقد خالف واجباً من واجبات الصلاة، ويسن أن يكون معتدلاً تماماً، فانحناء خفيف مقبول.
ويسن جهر الإمام بالتكبير والتسميع، أي إذا كان لا يوجد أجهزة صوت فيجب أن يكبر الإمام وأن يسمع من يصلي خلفه، و لو لم يسمع من يصلي خلفه لركع أو سجد والذين خلفه واقفون، يسن الجهر بالتكبير والتسميع، وتفريج القدمين بالقيام قدر أربعة أصابع، أي بين القدمين يوجد أربعة أصابع، وإبعاد القدمين عن بعضهما مخالف للسنة ولصقهما ببعضهما مخالف للسنة، فإبعاد القدمين عن بعضهما مقدار أربعة أصابع.
وإطالة القراءة في الركعة الأولى عن الركعة الثانية بمقدار ثلثين إلى ثلث، يسن إطالة القراءة في صلاة الفجر والظهر، وأن تكون الصلاة معتدلةً في صلاة العصر والعشاء، وقصيرةً في صلاة المغرب، فالإمام جزاه الله عنا كل خير قرأ سورتين قصيرتين وهذا من السنة، أما في حال الضرورة فاقرأ أي سورة شئت، وإن كنت مسافراً فاقرأ الإخلاص في صلاة الظهر لا مانع، وتكبيرة الركوع والتسبيح ثلاثاً وأخذ الركبتين باليدين وتفريج الأصابع، والمرأة لا تفرج أصابعها تبقيها هكذا، ونصب الساقين، وبسط الظهر، وتسويته مع الرأس والعجز على استقامة واحدة، والرأس والظهر والعجز على استقامة واحدة، والساقان مشدودان، والرفع من الركوع والقيام بعده مطمئناً، وهناك من يرفع ويتابع، والرفع من الركوع والاعتدال بعده ثم العودة إلى السجود، أما في السجود فوضع الركبتين أولاً ثم اليدين ثانياً ثم الوجه ثالثاً، وفي النهوض ترفع عكس هذا الترتيب.
ومجافاة الرجل بطنه عن فخذيه و مرفقيه عن جنبيه و ذراعيه عن الأرض، ترفع الذراعين عن الأرض و تباعد العضدين عن الجانبين، و تباعد البطن عن الفخذين هذا للرجل، أما المرأة فعكس ذلك تتطامن، و الرجل يفرش رجله اليسرى و ينصب اليمنى هكذا.
و الإشارة بالمسبحة هذه الإصبع اسمها المسبحة و اسمها السبابة عند الشهادة برفعها أشهد أن لا إله إلا الله ووضعها عند الإثبات، و قراءة الفاتحة فيما بعد الركعتين الأوليين، و الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير، و الدعاء بما يشبه ألفاظ القرآن و السنة لا بما يشبه كلام الناس أي إذا قلت في نهاية الصلاة: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ ﴾ [ سورة البقرة: 201] مقبول أو: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [ سورة إبراهيم: 41] مقبول، كما قال سيدنا الصديق: إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت مقبول، أما إذا دعوت بكلام الناس فإن الصلاة تصبح مكروهة، يا ربي زوجني فلانة بنت فلان أي شيء من كلام الناس لا يصح دعاؤه في الصلاة، والالتفات يميناً في التسليمتين ثم يساراً، هذه سنن الصلاة ولا ينبغي للمسلم أن يتركها إلا سهواً فإذا سها فليس عليه لتركها سجود السهو والله أعلم. * * *
والآن إلى فصل مختار من إحياء علوم الدين، هذا الفصل هو التخلي عن موانع الفهم، من آداب قراءة القرآن الباطنة، تحدثنا قبل درسين عن آداب تلاوة القرآن الظاهرة وها نحن أولاء نتابع آداب قراءة القرآن الباطنة، فمن آداب قراءة القرآن الباطنة التخلي عن موانع الفهم، وهناك موانع تقف بين الإنسان وبين فهمه لكتاب الله، وهذا أهم آداب تلاوة القرآن أن تفهم كلام الله، فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان على قلوبهم، فعميت عليهم عجائب القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: ((هَذِهِ الشَّيَاطِينُ يَحُومُونَ عَلَى أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ أَنْ لا يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَوْلا ذَلِكَ لَرَأَوُا الْعَجَائِبَ )) [ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ] وفهم معاني كتاب الله نوع من معرفة الملكوت، أول هذه الحجب أن يكون الهم- الآن الإمام الغزالي لا ينتقد الذين يتقنون قراءة القرآن هؤلاء على العين والرأس، وهؤلاء ينفذون أمر الله سبحانه وتعالى، يتلونه حق تلاوته، ورتله ترتيلاً، ولكن الموضوع دقيق جداً- أن يكون الهم كله منصرفاً إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل، ولا يوجد عنده همّ إطلاقاً إلا أن يتابع وينتقد القراء الذين أمامه، الباء لم يقلقلها، الجيم لم تكن معطشة، الضاد لم تكن بالصفة الفلانية، وهذا الذي لا يعرف من كتاب الله إطلاقاً إلا إتقان مخارج الحروف وأماكن الوقوف صار علم التجويد الذي هو مستحب وعلم علينا أن نأخذ به، وفرع من فروع العلوم الدينية صار هذا العلم حجاباً بينه وبين فهم القرآن، ولذلك نعوذ بالله أن يحجبنا علم فرعي عن أصول الدين، ويوجد عندنا أصول وعندنا فروع، أن يحجب الإنسان بالفرع عن الأصل هذا شيء كبير.
قال: ما يزال الشيطان يحملهم على ترديد الحرف ويخيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه فهذا يكون تأمله مقصوراً على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني، وأعظم ضحكة يضحكها الشيطان على قارئ القرآن أن يصرفه عن معاني كتاب الله، وأن يعلقه بمخارج الحروف فقط من غير أن يفهم، من هذا أننا لسنا مطالبين بتعلم علم التجويد وإتقان مخارج الحروف ومعرفة أماكن الوقوف؟ هذا من تلاوة كتاب الله، لكن الفكرة أن يقتصر على هذا، حتى إذا أتقن التجويد إتقاناً جيداً نشأ في نفسه نوع من الكبر يحول بينه وبين فهم كتاب الله، فكلما استمع إلى إنسان يقرأ كتاب الله صب عليه جام غضبه، وانتقده نقداً لاذعاً مهيناً، وقال له: أخطأت، وقد يكون الذي ينتقد قارئ القرآن هو الغافل، والذي يقرأ بخطأ هو الصاحي، طبعاً لا ندعو إلى إهمال علم التجويد إطلاقاً، ولكن نحذر من أن يكتفي الإنسان بعلم التجويد من علوم الآخرة التي هي أصل سعادة الإنسان، سيدنا موسى، قال تعالى: ﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [سورة طه : 27-28] لو أن الأمر بالفصاحة، والطلاقة، والبلاغة، لكان النبي هارون، ولكن سيدنا موسى هو النبي المرسل، فالقضية بالقلب، وقد يكون الإنسان فصيحاً، متكلماً، طليقاً، خطيباً متفوقاً، وله صوت مجلجل، له صوت يصم الآذان، ونبرة نحاسية عالية المستوى، وقلبه غافل، وقد يكون هذا العيُ المتلعثم، الذي لا يحسن النطق ذا قلب حي، وكما قلنا لكم سابقاً العبرة: إن الله ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، طهرت منظر الخلق سنين أفلا طهرت منظري ساعة؟ ما منظر الرب سبحانه وتعالى؟ هو القلب.
والآن المانع الثاني من موانع الفهم أن يكون مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه، وثبت في نفسه، وتعصب له، لمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة فهذا الشخص قيده معتقده عن أن يجاوزه فلا يمكنه أن يخطر في باله غير معتقده، فهذا شيء خطر جداً. قالوا له: إن هذه الآية معناها مثلاً الآية الكريمة التي تقول: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ سورة البقرة: 148 ] سمع تفسير الآية أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يولي هذه الوجهة، معنى هذا أن الإنسان غير مخير بل مسير، أسمعوه مرة أن: الله خلقكم وما تعملون، عمل الإنسان من خلق الله، فهذا الزاني قدر الله عليه الزنا، وهذا السارق قدر الله عليه السرقة ولا صلة له بها، ولا مشيئة، ولا اختيار، هكذا سمع، فإذا قلد إنسان مذهباً واعتقد به، وتعصب له من غير فهم، ولا تبصر، ومن غير مرونة، و تأمل، ومن غير تحقيق، و تدقيق، هكذا سمع، هذا الذي سمعه وجمد عليه وتعصب له وعمي عما سواه هذا المذهب الذي يقلده مانع كبير من موانع الفهم.
و يوجد كثير من الآيات بحسب الظاهر، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [ سورة السجدة : 13] الله لا يريد أن يهدي الناس كلهم، هكذا قال المفسرون، لا، لها توجيه آخر، القرآن حمال أوجه، و القرآن ذو وجوه، وهذا المعنى لا يليق بالله عز وجل، الله خلقنا ليسعدنا، وخلقنا لنهتدي إليه، أما أن يمنع عنا الهدى فهذا شيء مستحيل، يقول لك: هكذا قال السادة المفسرون، فمن أنت؟ الاعتقاد بشيء منقول، والتعصب له، والجمود عليه، وعدم التدقيق به، وعدم تمحيصه، وعدم التأمل فيه، والإصرار عليه، هذا أكبر مانع من موانع الفهم، فصار نظره موقوفاً على مسموعه، فإن لمع برق عن بعد، وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه - أي تخالفه - حمل عليه شيطان التقليد، فعندنا شيطان القراء، وشيطان التقليد، حمل عليه شيطان التقليد حملةً وقال: كيف يخطر هذا في بالك وهو خلاف معتقد آبائك؟ فيرى أن هذا غرور من الشيطان فيتباعد منه ويحترز عن مثله، ولمثل هذا قالت الصوفية: إن العلم حجاب، العلم أحياناً يكون حجاباً، أي من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ [ سورة الحج: 15 ] فإذا الإنسان ضاقت به الحياة، وضاقت به السبل، والطرق كلها مسدودة، ضيق بذات اليد، ومرض في البدن، وأمور معسرة، وعمل لا يوجد، ومطالب كبيرة، فإذا حصل للإنسان هذا قال بعض المفسرين: يشنق نفسه هذا الحاضر، أخي هكذا جاء في الجلالين فهل أنت أفهم منه؟ لا ليس أفهم منه ابق على هذا المعتقد واذهب واشنق نفسك. هكذا جاء في بعض التفاسير، يوجد تفسير أرقى من هذا فليمدد بسبب إلى السماء، أي يعمل عملاً صالحاً بنية التفريج عنه، وليقطع كل منكر، ويستقيم استقامة تامة، ولينظر بعد ذلك كيف يذهب غيظ قلبه، ويفرج الله عنه، ويرفع عنه هذا الضيق، وهذا الكابوس، وهذا التعسير، فهذا معنى يتناسب مع عظمة الإله، ومع كرمه، و حنانه، و عطفه، و كماله، و رحمته، وحلمه، أما اذهب واشنق نفسك وهذا هو الحاضر، هذا لا يتناسب مع المعنى، فإذا قرأ إنسان الآية وقرأ تفسيرها وانتهى، أخي هكذا التفسير، أنا عندي الجلالين في البيت، أخي هذه ليست معقولة.
يوجد أخ أعارني كتاباً قصصياً عن قصص القرآن الكريم، وطلب مني أن أقرأ فيه، فقرأت بعض القصص فيه، فيه شيء عجيب، سيدنا داود هذا النبي العظيم، ما معنى نبي أساساً؟ أي مصطفى، اصطفاه الله على علم على العالمين، وهو من خيرة الخلق، وسفراء وحي الله عز وجل، قال: هو جالس في غرفته فوجد طيراً من ذهب وأجنحته من فضة، وعليها أحجار كريمة، فظنه جماداً، فاقترب منه يريد أن يمسكه فطار، تبعه إلى أن وصل إلى مكان مطل على بيت فيه امرأة تستحم، وصف جمالها وصفاً يأخذ بالألباب، فهام بها حباً، فلما علمت أنه ينظر إليها نثرت شعرها عليها فزاد حبه لها، سأل عنها فإذا هي زوجة أحد قواده الكبار، ومن العادات العسكرية وقتها أن هناك تابوت في أثناء المعركة فإذا تقدم أحد أمام التابوت وجب أن ينتصر أو يموت، فأعطى أمراً أن يقدموا هذا القائد أمام التابوت فلعله يموت ويأخذ زوجته هذه، ويكتب هذا عن نبي؟ فقدموه فانتصر و لم يمت، فوقع هذا النصر في قلبه مؤلماً لماذا انتصر؟ لماذا لم يمت؟ فقال: قدموه مرةً ثانية فقتل، وعندئذٍ تزوج هذه المرأة. وصلت إلى قصة يوسف عند قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ سورة يوسف: 24 ] وجدت أنه همّ بها، أي شارف على الزنا بآخر مراحله، أول مرة، والثانية، والثالثة، والرابعة، وكل مرة يخرج له والده ويقول له: إياك ويتغافل ويبدأ، إذا كان سيدنا يوسف هذا النبي العظيم وصل إلى معنى هم بها أي كأنه أقدم على هذا الفعل الذي يخالف أمر الله عز وجل، فماذا بقي على من ليس نبياً؟ هذا الشخص يقول لك: هكذا ورد، هذه كلها إسرائيليات، وهذه كلها افتراءات على كلام الله عز وجل. قرأت عن سيدنا سليمان أيضاً أشياء، منها ضاع الخاتم منه ففقد نبوته، وما أحد عرفه، لكن الله عز وجل حفظ نساءه من أن يقترن بهن الشيطان، لأن الشيطان هو الذي أخذ الخاتم وصار مكانه نبياً، كأن هذه النبوة كلها بهذا الخاتم، وبعد هذا فالشيطان رمى الخاتم في البحر، وسمكة من السمكات حملته وهو صار إنساناً عادياً جداً يبحث عن قوت يومه، ويهيم على وجهه في البراري، ووصل إلى شاطئ البحر فاشترى سمكة ففتحها فوجد الخاتم فوضعه فرجع سيدنا سليمان نبياً. فإذا أراد إنسان أن يقرأ هذه القصص يجد أن هؤلاء الأنبياء، نخبة البشر، بل عباد مكرمون، قال تعالى: ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [ سورة الأنبياء : 27] فإن العلم حجاب، فإذا قرأ إنسان هذه التفاسير وجمد عليها وقال: هكذا الأنبياء، فقد بصيرته.
والآن مانع ثالث من موانع الفهم: أن يكون مصراً على ذنب أو متصف بكبر، لأن الإنسان قد ينسى بعض العلم بالمعصية، لا تعصه بالنهار يوقظك بالليل. شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأنبأني بأن العلم نــــور ونور الله لا يهدى لعاصــي *** ألقينا على كرسيه جسداً أي على علمه، الإنسان عندما يرتكب مخالفة يقع بالحجاب، فإنسان مصر على معصية، ومقيم عليها، فهذا لا يمكن أن يسمح الله له بفهم كتابه، فمحبة الدنيا سبب ظلمة القلب، وهو كالخبث على المرآة، إذا مرآة عليها طبقة غبار كثيفة، فهذه لا تعكس الصور عكساً صحيحاً، فإذا صقلتها عكست لك ما هو أمامها، وكلما كانت الشهوات أشد تراكماً كانت معاني الكلام أشد احتجاباً، وكلما خف عن القلب أثقال الدنيا قرب تجلي المعنى فيه، فالقلب مثل المرآة، والشهوات مثل الصدأ، ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى أمام المرآة، أنت مرآة والشهوات صدأ، والمعاني الشيء الذي أمام المرآة، فإذا جلوت الصدأ أصبحت المرآة صقيلةً لامعة فعكست ما أمامها، وإذا تراكم عليها الصدأ والخبث حجبت ما أمامها، وهذا هو الشأن في القرآن قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا عظمت أمتي الدينار والدرهم نزع منها هيبة الإسلام وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرموا بركة الوحي )) [ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف معضلا من حديث الفضيل بن عياض] ما هي بركة الوحي؟ فهم معاني كلام الله، قال الفضيل: "أي حرموا فهم القرآن"، والقرآن يجوز أن تسمعه بالسيارة فلا أحد يفهم شيئاً لأن لهم معاص، ولهم خواطر ثانية، وقد شرط الله سبحانه وتعالى الإنابة في الفهم والتذكير، قال تعالى: ﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾ [ سورة ق : 8] ﴿ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ [ سورة غافر: 13 ]
الآن المانع الرابع من موانع الفهم: أن يكون قد قرأ تفسيراً ظاهراً واعتقد أنه لا معنى لكلمات القرآن إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، فإذا قرأ تفسيراً ظاهراً وقرأ أن هذه الآية هكذا قال عنها ابن عباس رضي الله عنه، أو قال عنها مجاهد، هكذا وانتهى الأمر، وليس عنده إمكان أن يفهم شيئاً آخر، ولا يتوسع، القرآن ذو وجوه، القرآن حمال أوجه، قال تعالى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [ سورة الكهف: 109 ] هذه الآية لها معنى دقيق، فلو أن البحر كله مداد، أي حبر لكلمات الله، أي لتفسير كلمات الله، لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً، أي لو أن البحر مداد لشرح كلمات الله لنفذ البحر قبل أن ينفذ الشرح، هذا هو المعنى. وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي، وأن من فسر القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار، وهذا الحديث صحيح لكن لا يقصد النبي عليه الصلاة والسلام أنه من توسع في فهم كلام الله، من جر الآية جراً لتغطية شهواته، و هذا هو التفسير بالرأي.
أحياناً تقرأ كتاباً علمياً يقول لك: الموضوع الفلاني العلمي يوجد آية تؤيده، ترى التأييد غير طبيعي؟ مفتعل؟ كأنك تجر الآية جراً حتى تغطي هذه النظرية العلمية الحديثة، قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [ سورة الأنبياء : 30] فهذه النظرية الحديثة إن الأرض مع الشمس كانت كتلة واحدة ثم انفصلوا، لا يا أخي، هذه الآية غير مرئية، وهذه سابقاً يريد أن يجر الآية جراً إلى هذه النظرية الحديثة أن الأرض والشمس والكواكب كانت كتلة واحدة وانفصلت بحكم القوة النابذة، لا هذا جر، وأحياناً الإنسان يجر آية لتغطية شهواته، مثلاً قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ سورة آل عمران : 130] يقول الجاهل: يا أخي الله ما نهانا عن الربا، بل نهانا عن النسب العالية في الربا: وهذه الآية قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [ سورة البقرة: 279 ] معنى هذا أن كل شيء فوق رأس المال حرام، هذه الآية تكمل الآية، أحياناً الإنسان يجر الآية جراً حتى يغطي شهواته، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [ سورة الحج : 41] ما تمكنا إذاً لا نصلي، هذا افتعال للتفسير، قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [ سورة الحجر : 99] فإذا أتاك اليقين انتهت العبادة!! وهذا شيء باطل، هذا هو التفسير بالرأي، من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار، لأنه يجر الآيات إلى شهواته، لكن من توسع في فهم كلام الله فهذا هو التدبر. وهو من الحجب العظيمة، و سيدنا علي رضي الله عنه يقول: "إلا أن يؤتي الله عبداً فهماً في القرآن". هذه أربعة موانع تمنع صاحبها عن فهم كتاب الله، التعلق فقط، وقصر الهمة كلها على مخارج الحروف، والاستعلاء على الناس بهذا، وهناك شيطان موكل بالقراء، وأن يكون له مذهب معين، مذهب الجبر مثلاً، مذهب معتزلي، أي الإنسان خالق أفعاله، يأتي بآيات قرآنية تؤيد مذهبه، هذا من الصعب أن يفهم كلام الله، مادام مذهبه على خلاف أهل السنة والجماعة، ومعنى هذا أنه يفتعل الآيات افتعالاً ويجرها جراً حتى يؤيد مذهبه فيها وهذا مانع ثان. المانع الثالث أن يكون له ذنب مصر عليه. المانع الرابع أن يكون قد قرأ تفسيراً ولا يوجد عنده استعداد أن يجازوه إلى معنى آخر، أو معنى أوسع، أو معنى أحدث. * * *
والآن إلى قصة من القصص التي نحاول أن نستنبط منها موعظة، هذه القصة على صفة رفيعة في الإنسان، وهي الوفاء، كنت قد قرأتها لكم في أحد أيام الأعياد، وكان الحاضرون قلة، و أردت أن أعيدها الآن لما فيها من الفائدة. قال صاحب شرطة المأمون: دخلت يوماً مجلس أمير المؤمنين ببغداد، وبين يديه رجل مكبل بالحديد، فلما رآني قال لي: يا عباس، قلت: لبيك أمير المؤمنين، قال: خذه إليك واحتفظ به، وبكر به إلي في الغد، فدعوت جماعةً فحملوه - ويبدو أنه لا يقوى على السير ولم يقدر أن يتحرك - فقلت في نفسي مع هذه الوصية التي أوصاني بها أمير المؤمنين من الاحتفاظ به يجب أن يكون معي في بيتي احتياط، فأمرتهم فتركوه في مجلس لي في داري، قلت لهم: انصرفوا، ثم أخذت أسأله عن قضيته وعن حاله ومن أين هو؟ فقال: أنا من دمشق، فقلت: جزى الله دمشق وأهلها خيراً- العباس صاحب شرطة المأمون- فمن أنت من أهلها؟ قال: وعمن تسأل أنت؟ قلت: أتعرف فلاناً؟ قال: ومن أين تعرف ذلك الرجل أنت؟ قلت: وقعت لي معه قضية، فقال: والله ما كنت بالذي أعرف خبره حتى تعرفني قضيتك معه. قال العباس: كنت مع بعض الولاة بدمشق فبغى أهلها، وخرجوا علينا، وهربت أنا وأصحابي وهربت في جملة القوم، فبينما أنا هارب في بعض الدروب إذ بجماعة يعدون خلفي فما زلت أعدو أمامهم حتى فتهم، فمررت بهذا الرجل الذي ذكرته لك، وهو جالس على باب داره فقلت: أغثني أغاثك الله، قال هذا الرجل: لا بأس عليك ادخل الدار، فدخلت وأدخلني مقصورةً في صدر البيت، ووقف الرجل على باب الدار، وما شعرت إلا وقد دخل والرجال معه يقولون: هو والله عندك، فقال: بينكم الدار ففتشوها، ففتشوها حتى لم يبقَ سوى تلك المقصورة، فقال: هاهنا امرأتي فتراجع القوم، وانصرفوا، وخرج الرجل، وجلس على باب داره ساعةً، وأنا قائم أرجف خوفاً ما تحملني رجلاي من شدة الخوف، فقال لي بعد ساعة: اجلس لا بأس عليك، فجلست، فقال لي مرةً ثانية: لقد صرف الله عنك هؤلاء وصرت إلى الأمن والدعة اجلس، فقلت: جزاك الله خيراً ثم مازال يكرمني ويعاشرني أحسن معاشرة وأجملها، وأفرد لي مكاناً في داره، ولم يفتر عن تفقد أحوالي، فأقمت عنده أربعة أشهر في أرغد عيش، وأهنئه، إلى أن سكنت الفتنة، وهدأت وزال أثرها، فقلت له: أتأذن لي في الخروج حتى أتفقد حال غلماني فلعلي أقف منهم على خبر؟ فأخذ علي المواثيق بالرجوع إليه، فخرجت فطلبت غلماني فلم أرَ لهم أثراً فرجعت إليه، وأعلمته الخبر، وهو مع هذا كله لا يعرفني، ولا يسألني، ولا يعرف اسمي، ولا يخاطبني إلا بالكنية، لا من أنت، و لا ما عملك، ولا من هذا القبيل. ثم قال: علامَ تعزم؟ فقلت: عزمت على التوجه إلى بغداد، فقال: القافلة بعد ثلاثة أيام، وها أنا ذا قد أعلمتك، فقلت له: إنك تفضلت علي هذه المدة، ولك علي عهد ألا أنسى لك هذا الفضل، ولأكافئنك ما استطعت، ثم دعا غلاماً له، وقال له: أسرج الفرس ثم جهز آلة السفر، فقلت في نفسي: ما أظن إلا أنه يريد أن يخرج إلى ضيعة، أو ناحيةً من النواحي فأقاموا يومهم ذلك في كد وتعب - أي يهيئون آلة السفر والعدة والطعام والفراش والرواحل - ولما حان يوم خروج القافلة جاءني السحر، وقال لي: قم فإن القافلة تخرج الساعة، وأكره أن تنفرد عنها، فقلت في نفسي: كيف أصنع وليس معي ما أتزود به ولا ما أشتري به مركوباً؟ ثم قمت فإذا هو يحمل أفخر الملابس، وخفين جديدين، وآلة السفر، ثم جاءني بسيف ومنطقة فشدهما في وسطي، ثم قدم لي بغلاً حمل عليه صندوقين وفوقهما فرش، وقدم لي فرساً، وقال لي: اركب وهذا الغلام يخدمك طوال الطريق، ويسوس مركبك، غلام، وفرس، وطعام، وزاد، وفراش، وكل شيء. وأقبل يعتذر إلي من التقصير في أمري- و أيضاً اعتذر منه إذا قصر معه في هذه المدة - وركب معي يشيعني، وانصرفت إلى بغداد، وأنا أتوقع خبره لأفي بعهدي له في مجازاته، ومكافأته، واشتغلت مع أمير المؤمنين فلم أتفرغ أن أرسل إليه من يكشف خبره، فلذلك أسأل عنه هل تعرفه؟ هذا من الشام؟ قال: فلما سمع الرجل الحديث، قال: قد أمكنك الله من الوفاء له، ومكافأته على فعله، ومجازاته على صنيعه بلا كلفة عليك، ولا مؤونة تلزمك، قال: وكيف ذلك؟ أين هو؟ فقال: أنا ذلك الرجل وإنما الضر الذي أصابني غير عليك حالي، وما كنت تعرفني فيه، أنا الذي استقبلتك في البيت، وأكرمتك، وفعلت ما فعلت، فقال العباس: فما تمالكت أن قمت وقبلت رأسه ثم قلت له: فما الذي أصابك حتى أصبحت على ما أرى؟ قال: هاجت بدمشق فتنةٌ ثانية، وكنت بريئاً منها، ثم ألصقت بي هذه التهمة، فبعث أمير المؤمنين بجيوش، وأصلحوا البلد، وأخذت أنا وضربت إلى أن أشرفت على الموت، وقيدت وبعث بي إلى أمير المؤمنين، وأمري عنده عظيم، وخطبي لديه جسيم، وهو قاتلي لا محالة، وقد أخرجت من عند أهلي بلا وصية، وقد تبعني من غلماني من ينصرف إلى أهلي بخبري، وهو نازل عند فلان، فإن رأيت أن تجعل من مكافئتك لي أن ترسل من يحضره حتى أوصيه بما أريد، فإن أنت فعلت هذا فقد جاوزت حد المكافأة، وقمت لي بوفاء عهدك، قلت: يصنع الله خيراً، قال: ثم أحضر العباس حداداً في الليل فك قيوده، وأزال ما كان فيه من الأنكال، وأدخله حمام داره، وألبسه من الثياب ما احتاج إليه، ثم سير من أحضر إليه غلامه، فلما رآه جعل يبكي ويوصيه، فاستدعى العباس نائبه وقال: علي بالأفراس والهدايا ثم أمره أن يشيعه إلى حد الأنبار، قال له: اذهب إلى الشام، أعطاه أفراساً وهدايا وبضاعة وطعاماً وشراباً وقال له، رافقه إلى آخر مشارف بغداد. فقال له: إن ذنبي عظيم، وخطبي جسيم، وإن أنت احتججت بأني هربت بعث في طلبي حتى أرد إليه وأقتل، فقال العباس: انجُ بنفسك ودعني أدبر أمري، فقال: والله لا أبرح بغداد حتى أعلم ما يكون من خبرك، فإن احتجت إلى حضوري حضرت، فقال العباس: إن كان الأمر على ما تقول فلتكن في موضع كذا، فإن أنا سلمت في غداة غدٍ أعلمتك، وإن أنا قتلت فقد وقيتك بنفسي كما وقيتني. ثم تفرغ العباس لنفسه وتحنط وجهز له كفناً، فلما فرغ من صلاة الصبح جاءت رسل المأمون إليه وهم يقولون: هات الرجل معك وقم، فتوجهت إلى دار أمير المؤمنين، فإذا هو جالس ينتظر فقال: أين الرجل؟ فسكت، قال: ويحك أين الرجل؟ قلت: يا أمير المؤمنين اسمع مني، قال: لله علي عهد لأن ذكرت أنه هرب لأضربن عنقك مكانه، فقلت: لا والله ما هرب، ولكن اسمع حديثي وحديثه ثم شأنك وما تريد أن تفعله في أمري، قال: قل، قال: يا أمير المؤمنين كان من حديثي معه كيت وكيت، وقصصت عليه القصة جميعها، وعرفته أني أريد أن أفي له، و أكافئه على فعله معي، وقلت: أنا سيدي ومولاي أمير المؤمنين بين أمرين، إما أن يصفح عني فأكون قد وفيت وكافأت، وإما فيقتلني فأقيه بنفسي، وقد تحنطت، وهاهو ذا كفني معي يا أمير المؤمنين. قال: فلما سمع المأمون الحديث قال: ويلك لا جزاك الله عن نفسك خيراً، إنه فعل بك ما فعل من غير معرفةٍ وتكافئه بعد المعرفة بهذا، فهلا عرفتني خبره، فكنا نحن نكافئه عنك، ولا نقصر في وفائه لك، اعتبر المأمون هذه المكافأة دون الحد المطلوب، قال له: إنه ها هنا في بغداد وقد حلف أنه لن يبرح حتى يعرف سلامتي، فإن احتجت إليه حضر، فقال المأمون: فهذه منة أعظم من الأولى، اذهب إليه الآن فطيب نفسه، وسكن روعه، وائتني به حتى أتولى أنا مكافأته. قال: فأتيت إليه وقلت له: ليزل خوفك إن أمير المؤمنين قال كذا وكذا، فقال: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ثم قام وركب، فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين أقبل عليه وأدناه من مجلسه، وحدثه حتى حضر الغداء، فأكل معه، وخلع عليه، وعرض عليه ولاية دمشق، فاستعفف، فأمر له بصلة، وكتب إلى عامله بدمشق يوصيه به.
الحياة كلها وفاء، الذي عنده وفاء لزوجته، ووفاء لأخيه، و لشريكه، ولأهل بلده، و لأمته، و لوطنه، و للإنسانية و لنبيه الكريم صلى الله عليه، فالوفاء هو كل شيء، فهذا الرجل عمل معروفاً لوجه الله تعالى، وما درى أنه وقع عند الذي فعل معه هذا المعروف، وهذا الذي فعل معه المعروف بذل نفسه رخيصةً من أجل الوفاء بعهده، هو طلب منه أن يطلب غلامه حتى يلقنه وصيته فقط، وتكون جاوزت المكافأة، فلم يرضَ إلا أن يضع روحه دونه. و هكذا الأمة العربية كانت سابقاً، وهكذا السلف الصالح كان، و الإنسان كان، و الإيمان كله قيم أخلاقية، و مكارم أخلاق، وأحدهم يأخذ امرأة كاملة مكملة تمرض فيريد أن يطلقها أهكذا الوفاء؟ أخذتها شابة. قالت: يا رسول الله تزوجني شابة ذات أهل ومال وجمال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي، قال: أنتِ علي كظهر أمي، فالآن بعدما كبرت، وذهب أهلي، ومات والدي، و سافر أخوتي، وكان معي مال أخذه مني، قال لي: أنت علي كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فبكى النبي عليه الصلاة والسلام. فالذي ليس عنده وفاء لا إيمان له، والذي لا وفاء له للذي أحسن إليه لا إيمان له. ومن أسلم على يديه رجل وجبت له الجنة، ومن أسلم على يده رجل فله ولاؤه طوال حياته، وهذا معروف بسيط أكرمه شهرين أو ثلاثة، فوجد المناسب أن يضحي بحياته من أجله، فكيف بالذي هداك إلى الله عز وجل؟ فإذا كان لك أخ هداك إلى الله، فدعاك إلى مجلس علم، واعتنى بك، وأكرمك، أتنسى فضله؟ فهذا هو الوفاء. والنبي عليه الصلاة والسلام سيد الأوفياء حينما فتح مكة و دعي إلى بيوت أصحابه قال: انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة، هذه التي آمنت به يوم كذبه الناس، وأنفقت عليه مالها، هذه أحق إنسانة ينام إلى جانب قبرها. * * *
قال عليه الصلاة والسلام: ((الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَفْدُ اللَّهِ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ)) [ ابن ماجة عَنِ ابْنِ عُمَرَ ] الحاج إنسان رفيع الشأن وفد الله. والحجاج والعمار وفد الله تعالى يعطيهم ما سألوا، ويستجيب لهم ما دعوا، ويخلف عليهم ما أنفقوا، ومهما ارتفعت التكاليف يخلف عليهم ما أنفقوا، الدرهم ألف ألف. الحج سبيل الله، أي الطريق إلى الحج طريق إلى الله عز وجل، هذه سياحة روحية، وهذا ذهاب إلى الله تعالى، والله سبحانه وتعالى جعل الكعبة البيت الحرام بيته فمن زارها فكأنما زاره، والحج المبرور: ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ )) [ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم ] المبرور لا لغو، و لا رفث، ولا فسوق، ولا جدال، بل نية خالصة، و مال حلال، وتوبة صادقة، هذا هو الحج المبرور يرجع المرء منه كيوم ولدته أمه. (( الحج عرفة )) [ الترمذي و أبو داود عن النعمان بن بشير] هذا حديث من الأحاديث ذات البلاغة العالية، الحج عرفة بمعنى أن الإنسان إن لم يقف بعرفة فلا حج له، في وقت محدد إن لم يكن في هذا المكان في عرفة فلا حج له، والمعنى الأوسع أن الحج معرفة الله سبحانه وتعالى، أنت ذاهب إلى الله من أجل أن تعرفه، فإذا عدت من الحج وقد عرفته، وقد أقلعت عن كل الذنوب لأنك عرفته، وقد عزمت عزماً صادقاً أكيداً على متابعة طاعته حتى الموت، وقد انقطعت أمامك الحقائق، وظهرت الحقائق، و صغرت الدنيا في عينيك، وعظمت الآخرة، ورأيت الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، ولا شيء سواه، ولا شيء قبله، ولا شيء بعده، هو الظاهر والباطن، فإذا رأيت هذه الرؤية فقد حججت، أما إذا عدت كما أتيت، وأنت كما أنت مقيم على بعض المخالفات ومتساهل في بعض الطاعات فهذا الحج لا يقدم ولا يؤخر. ((الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ )) [ أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ] فالسفر فيه مشقة، وفيه ازدحام، و مشقة بالعودة، و بالحجز، وبالحر، و بتأمين الحاجات، وبالسكن، فهذا جهاد الضعيف.
ويقول عليه الصلاة والسلام: ((الحجر يمين الله فمن مسح يده على الحجر فقد بايع الله )) [الديلمي عن أنس] إذا دخلت إلى الحرم المكي يجب أن تشعر أن هذا الحرم ليس له علاقة بالبلاد المحيطة به، هذا بيت الله، وهذه الكعبة كعبته، وهذا الحجر يمينه في الأرض، فمن فاوض الحجر فكأنما فاوض كف الرحمن، وإنك إذا تعلقت بأستار الكعبة فهذا قرب من الله شديد وإنك إذا قبّلت الحجر فقد قبلت يمين الله في أرضه. هذه المناسك يجب أن يرافقها حالات نفسية، وإلا لا قيمة لها، و تصبح طقوساً، وما الفرق بين الطقس والعبادة؟ الطقس حركات لا معنى لها، لكن العبادة يرافقها مشاعر سامية جداً: ((الحجر يمين الله فمن مسح يده على الحجر فقد بايع الله )) وإذا صافح إنسان الحجر الأسود، أو استلمه، أو قبله، أو مسحه بيمينه، أو قبله بشفتيه، وعاد إلى بلده يجب كلما حدثته نفسه بمخالفة أن يذكر تلك البيعة، لقد بايع الله عز وجل على الطاعة، لقد عاهده على الطاعة حينما قبل يمينه في الأرض، والحجر يمين الله في الأرض يصافح به عباده. ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَم )) [ النسائي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ] الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة وإنما سودته خطايا البشر، يبعث يوم القيامة مثل أحد يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا. هذا حديث صحيح، نرجو الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا عبادتنا، وأن يتقبل منا حجنا لمن حج، وأن يرزقنا حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً. و الحمد لله رب العالمين
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الخميس 20 ديسمبر 2012 - 12:23 | |
| - أثر الإيمان في حياة الفرد ، الخــطــبـة الأولــى: الحمد لله رب العالمين، يا ربّ أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون، وأشهد أنّ سيّدنا محمّداً صلى الله عليه وسلّم عبده ورسوله بلّغ الرّسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وكشف الغمّة، وجاهد في الله حقّ الجهاد، وهدى العباد إلى سبيل الرشاد، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، وأحثّكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير. بعض حقائق الإيمان: أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام، إنّ قضيّة الإيمان قضيّة مصيريّة بالنسبة للإنسان، إنّها سعادة الأبد أو شقْوَة الأبد، إنّها الجنّة أبداً أو النار أبداً. أيها الأخوة، الإيمان ليس مجرّد إعلان المرء بلِسانه أنّه مؤمن، وليس مجرّد قيام الإنسان بأعمال وشعائر اعْتاد أن يقوم بها المؤمنون، وليس مجرّد معرفة ذهنيّة بِحقائق الإيمان، وبكلمةٍ مختصرة ليس الإيمان مجرّد عملٍ لِساني، ولا عملٍ بدني، ولا عملٍ ذهني، إنّما هو عملٌ نفسي يبلغُ أغوار النفس ويحيطُ بِجَوانبها كلّها ؛ من إدراك، وإرادةٍ، ووجْدان. أيها الأخوة، لا بد من إدراكٍ ذهنيّ تنكشفُ به حقائق الوُجود على ما هي عليه، وهذا الانكشاف لا يتمّ إلا عن طريق الوحي الإلهي المعصوم حصْراً، ولا بد من أن يبلغ هذا الإدراك العقلي حدّ اليقين الذي لا يُزَلْزلهُ شكّ ولا ارْتِياب، ولا بد من أن يصْحبَ هذه المعرفة الجازمة إذعانٌ قلبي، وانقيادٌ إراديّ، يتمثَّلُ في الخضوع والطاعة، ولا بد من أن يتْبعَ تلك المعرفة حرارةٌ وجدانيّة مُسعدة، مضمون هذا الإيمان هو وُجود الله تعالى ووحْدانيّته وكمالهُ، والإيمان بالنبوّة والرسالة، وبِوَحدة الدّين عند الله، والإيمان بِمُثُلٍ عليا إنسانيّة واقعيّة، وقُدواتٍ بشريّة ممتازة، اسْتطاعَتْ أن تجعل من مكارم الأخلاق وصالح الأعمال وتضاؤل النفوس حقائق واقعة وشُخوصاً مرئيّة للناس، لا مجرّد أفكارٍ في بعض الرؤوس، أو أماني في بعض النفوس، أو نظريات في الكتب والقراطيس. أيها الأخوة الكرام، كيف يقبلُ العقل الحرّ أو ترضى الفطرة السليمة أن تنتهي الحياة وقد طغى فيها من طغى ؟ وبغى فيها من بغى ؟ وقتلَ فيها من قتَل ؟ وقُتِلَ فيها من قُتِل؟ وتجبَّر فيها من تجبَّر ؟ ولم يأخذ أحدٌ من هؤلاء عقابه ؟ بل تستّر واختفى، أخلف ونجا، وفي الجانب الآخر، كم استقام من استقام ؟ وأحسن من أحسن ؟ وضحّى من ضحّى ؟ وجاهدَ مَن جاهد ؟ وقدّم مَن قدّم ؟ ولمْ يَنَلْ جزاء ما قدَّم، ألا يحِقّ للعقل أن يؤمن إيماناً جازماً أنّه لا بد من أن توجدَ دارٌ أخرى تُسوَّى فيها الحسابات، ويُجزى فيها المحسِنُ بإحسانه، والمُسيء بإساءته. آثار الإيمان في نفس الإنسان: أيها الأخوة الكرام، هذه بعضُ حقائق الإيمان، فما هي آثار الإيمان في نفس الإنسان ؟ الله جلّ جلاله يقول: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ ( سورة الإسراء ) إنّ الإنسان أيّها الأخوة الأحباب مخلوقٌ كريمٌ عند الله تعالى، خلقهُ في أحسن تقويم، وكرَّمه أعظم تكريم، وصوّرهُ فأحسنَ صورته، خلقهُ بيده، ونفخَ فيه من روحه، وأسْجَدَ له ملائكته، وميّزه بالعلم والإرادة، وجعله خليفته في الأرض، وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، وأسبغ عليه نعمهُ ظاهرةً وباطنة، فكلّ ما في الكون له ولخِدْمته، أما هو فجعله تعالى لنفسه، لذلك يشعر المؤمن بذاته، ويُغالي بقيمة نفسه، لأنّه يعْتزّ بانتسابه إلى الله تعالى، وارْتباطه بكلّ ما في الوُجود، ويحيى عزيز النفس، عاليَ الرأس، أبيّاً للضّيْم، عصِيّاً على الذلّ، بعيداً عن الشّعور بالتفاهة والضّياع والصّغار والفراغ، لله درّ القائل مخاطباً الإنسان: دواؤُك فيك وما تبصـره وداؤُك منك وما تشعـرهُ * * * وتحسبُ أنّك جِرْمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر * * * أمَّا الإنسان أيّها الأخوة في نظر الماديّين لا يزيد ثمنه على مئة من العملات الرخيصة، لأنّ فيه من الدّهن ما يكفي لصُنع سبع قطعٍ من الصابون، وفيه من الفحم ما يكفي لصُنع سبعة أقلام من الرصاص، وفيه من الفوسفور ما يكفي لِصُنع مئة وعشرين عود ثقاب، وفيه من ملح المَغنيزيوم ما يصلحُ جرعةً واحدة لأحد المسهّلات، وفيه من الحديد ما يساوي مسماراً متوسّط الحجم، وفيه من الكلس ما يكفي لطلاء بيت دجاج، وفيه من الكبريت ما يكفي لتطهير جلد كلبٍ واحد، وفيه من الماء ما يزيد عن ثلاثين لتراً ؛ وهذا هو الإنسان في نظر الماديّين. الفرق بين السعادة واللذة: أيها الأخوة الأكارم، السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكلّ إنسان كائناً من كان، وفي كلّ زمانٍ ومكان، من الفيلسوف في قمّة تفكيره إلى العاميّ في قاع سذاجته، ومن الملِكِ في قصره المشيد إلى الصعلوك في كوخه الحقير، ومن المتْرف في ملذّاته إلى الفقير في ويْلاتِهِ، ولكنّ السؤال الذي حيَّر الإنسان عبْر العصور والأجيال أين السعادة ؟ ولماذا الشقاء ؟ والجواب: لقد طلبَها أكثر الناسِ في غير موْضِعها، فعادوا كما يعود طالب اللّؤلؤ في الصّحراء، صفْر اليدين، مجهود البدَن، كثير النّفْس، خائبَ الرّجاء، لقد توهّموها في ألوانٍ من المُتَعِ الماديّة، وفي أصنافٍ من الشّهوات الحسيّة، فما وجدوها تحقّق السعادة أبداً، وربّما زادتْهم مع كلّ جديد منها همّاً جديداً، خُذْ من الدّنيا ما شئْت وخُذْ بقدرها همّاً، ومن أخذ من الدّنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفهِ وهو لا يشعر، ولا بد من التفريق بين السعادة واللّذّة، فاللّذة أيها الأخوة طبيعتها حِسِيَّة، مرتبطة بالجسد الفاني، تأتي من خارج الإنسان، فهو يلهثُ وراءها، متعبةٌ في تحصيلها، متناقصةٌ في تأثيرها، تتْبعها كآبةٌ مدمِّرة، تنقطع بالموت، فإن كانتْ مبنيّة على الظنّ والعدوان اسْتحقّ صاحبها جهنّم إلى أبد الآبدين، بينما السعادة طبيعتها نفسيّة مرتبطةٌ بذات الإنسان الخالدة، تنبعُ من داخل الإنسان، سهلةٌ في تحصيلها، متناميَةٌ في تأثيرها، يشفى الإنسان بِفَقْدها ولو ملكَ كلّ شيء، ويسْعد بها ولو فقدَ كلّ شيء، تقفز إلى ملايين الأضعاف بعد الموت، ويستحقّ صاحبها جنّة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، وفيها نظرٌ إلى وجه الله الكريم، ورضوانٌ من الله أكبر. أيها الأخوة، واللّذّة تحتاجُ إلى عناصر ثلاثة ؛ وقتٌ وصحّةٌ ومال، والإنسان يفتقد أحد هذه العناصر في كلّ طورٍ من أطوار حياته، ففي الطّور الأوّل من حياته يتوافر له الوقت والصحّة ويفتقد المال، وفي الطور الثاني من حياته يتوافر المال والصحّة ويفتقد الوقت، وفي الطور الثالث من حياته يتوافر الوقت والمال ويفتقد الصحّة، بينما السعادة تحتاج إلى عناصر ثلاثة ؛ إيمان بالله إيماناً حقيقيّاً، واستقامةُ على أمره، وعملٌ صالح تجاه خلقه، وهذه متوافرةٌ في كلّ زمان ومكان، وفي كلّ طورٍ من حياة الإنسان. غاضبَ زوجٌ زوجته، فقال لها متوعِّداً: لأُشْقِيَنَّكِ ! فقالتْ الزوجة في هدوء: لا تستطيع أن تُشقيَني، ولا تملك أن تُسعدني، فقال الزوج في حمق: وكيف لا أستطيع ؟ فقالتْ الزوجة في ثقة: لو كانتْ السعادة في مال وكنت تملكهُ لقطعْتهُ عنّي، ولو كانت السعادة في الحليّ لحرمْتني منها، ولكنّها في شيءٍ لا تملكهُ أنت، ولا الناس جميعاً، فقال الزوج في دهشة: وما هو ؟ فقالت الزوجة في يقين: إنّي أجدُ سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحدٍ عليه غير ربّي. للجانب الماديّ مكان محدود في تحقيق السعادة: أيها الأخوة الكرام، هذه هي السعادة الحقيقية التي لا يملك بشرٌ أن يُعطِيَها، ولا يملكُ أحدٌ أن ينتزعها ممّن أوتِيَها، ولكن بِنَظْرةٍ واقعيّة لا ننْكرُ أنّ للجانب الماديّ مكاناً محدوداً في تحقيق السعادة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح.)) [أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص] ولكن ليس لهذا الجانب المكان الأوّل، ولا المكان الفسيح، والمدار فيه على الكَيْف لا على الكمّ، فحسْبُ الإنسان أن يسْلم من المنغِّصات الماديّة التي يضيقُ بها الصّدْر من مثل المرأة السوء، والمسكن السوء، والجار السوء، والمركب السوء، وأن يُمنحَ الأمْن والعافيَة، وأن يتيسّر له القوت من غير حرجٍ ولا إعنات، وما أرْوَع وأصدق الحديث النبوي الشريف: (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) [ أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن ] أيها السادة المستمعون، أيتها السيّدات المستمعات، يقول عليه الصلاة والسلام: (( وَإِنَّ اللهَ بِحِكْمَتِهِ وَجَلاَلِهِ جَعَلَ الرُّوحَ وَالْفَرَحَ فِي الرِّضَا وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّكِّ والسُّخْطِ )) [رواه البيهقي عن أبي سعيد] يكشف هذا الحديث الشريف عن حقيقة نفسيّة باهرة، فكما أنّ سنّة الله قد ربطَتْ الشِّبَع والريّ بالطعام والشراب في عالم المادّة، فإنّ سنّته تعالى في عالم النفْس قد ربطَتْ الفرحَ والرَّوْح أي السرور وراحة النفس بالرضا واليقين، فبرِضا الإنسان عن نفسه وعن ربّه يطمئنّ إلى يومه وحاضره، وبيقينه بالله تعالى وبالجزاء في اليوم الآخر يطمئنّ إلى غدِهِ ومستقبله، فما ربَطَتْ سنّة الله الغمَّ والحزنَ بالسّخط والشكّ، فالساخطون والشاكون لا يذوقون للسرور طعماً، إنّ حياتهم كلّها سوادٌ ممتَدّ، وظلامٌ متّصل، وليلٌ حالك، لا يعقبهُ نهار، أما حزن المؤمن فلغيره أكثر من حزنه لنفسه، وإذا حزِنَ لنفسه فلآخرته قبل دنياه، وإذا حزن لدُنياه فهو حزنٌ عارضٌ موقوف كغمام الصّيف، سرعان ما ينقشع إذا هبَّتْ عليه رياح الإيمان. قصة عن القناعة عند المؤمن: أيها الأخوة الكرام، إليكم هذه القصّة، قدمَ على النبي صلى الله عليه وسلّم وفد من اليمن وهم ثلاثة عشر رجلاً، ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم، فسُرَّ النبي عليه الصلاة والسلام بهم، وأكرم منزلهم، وقالوا: يا رسول الله سُقنا إليك حقّ الله في أموالنا، فقال عليه الصلاة والسلام: رُدّوها على فقرائكم، فقالوا: يا رسول الله، ما قدمنا عليك إلا بما فضَل عن فقرائنا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، ما وفدَ من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من اليمن، فقال عليه الصلاة والسلام: إنّ الهدى بيد الله عز وجل فمن أراد به خيراً شرح صدره للإيمان، وسألوا النبي عليه الصلاة والسلام أشياء فكتبَ لهم بها، فجعلوا يسألونه عن القرآن والسّنن، فازداد النبي عليه الصلاة والسلام بهم رغبةً، وأمر بلالاً أن يُحسن ضيافتهم، فأقاموا أيّاماً ولم يُطيلوا المكث، فقيل لهم: ما يُعجّلكم ؟ فقالوا: نرجع إلى من وراءنا فنُخبرهم برُؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكلامنا إيّاه، وما ردّ علينا، ثمّ جاؤوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام يودِّعونه، فأرسل إليهم بلالاً، فأجازهم بأرفع ما كان يُجيز به الوُفود، قال: هل بقي منكم أحد ؟ فقالوا: نعم، غلامٌ خلَّفْناه على رِحالنا، هو أحدثُنا سِنّاً، فقال عليه الصلاة والسلام: أرسلوه إليّ، فلمّا رجعوا إلى رحالهم، قالوا إلى الغلام: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فاقْضِ حاجتك منه، فإنّا قد قضيْنا حوائجنا منه وودَّعْناه، فأقبلَ الغلام حتى أتى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله، إنِّي امرؤٌ من بني أبذى، يقول: من الرّهط الذين أتَوْك آنفاً، فقد قضَيْتَ حوائجهم، فاقْض حاجتي يا رسول الله ؟ فقال: وما حاجتك ؟ قال: إنّ حاجتي ليْسَت كحاجة أصحابي، وإن كانوا قد قدموا راغبين في الإسلام وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم، وإنّي والله يا رسول الله ما أقدمني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني، وأن يجعل غِنَايَ في قلبي، فقال عليه الصلاة والسلام وقد أقبل على الغلام: اللهمّ اغفر له وارحمهُ، واجعل غِناه في قلبه، ثمّ أمرَ له بمثل ما أمر لرجلٍ من أصحابه، فانطلقوا راجعين إلى أهلهم، ثمّ وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الموسم بمِنى سنة عشرٍ، فقالوا: نحن بنو أبذى يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما فعل الغلام الذي أتاني معكم ؟ قالوا: ما رأينا مثلهُ قطّ، ولا سمعنا بأقْنَعَ منه بما رزقه الله تعالى، لو أنّ الناس اقْتسَموا الدنيا ما نظر نحوها، وما التفت إليها، فقال عليه الصلاة والسلام: إنِّي لأرجو أن يموت جميعاً، فقال أحدهم: يا رسول الله، أوَ لَيس يموت الرجل جميعاً ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تتشعّب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا، فلعلّ أجلهُ يدركه في بعض تلك الأودية فلا يُبالي الله عز وجل في أيّ أوديتها هلكَ، قالوا: فعاش ذلك الغلام فينا على أفضل حال، وأزهده في الدنيا، وأقنعه بما رُزق، فلمّا توفّي النبي عليه الصلاة والسلام ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام، قام في قومه فذكّرهم بالله وبالإسلام فلم يرجع منهم أحد، وجعل أبو بكر رضي الله عنه يذكرهُ ويسأل عنه حتى بلغهُ حاله، وما قام به، فكتب إلى زياد بن لبيب يوصيه به خيراً. المؤمن سدّ أبواب الخوف كلّها فلا يخاف إلا من الله وحده: هذه هي القناعة عند المؤمن، فالناس أيّها يموتون على ما عاشوا عليه، فمن عاش جميعاً مات جميعاً، ومن عاش أوزاعاً شتّى وأجزاءً متنافرة مات كما عاش، وقليلٌ من الناس، بل أقلّ من القليل، ذلك الذي يعيشُ لغايةٍ واحدة، ويجمع همومه في همّ واحد، يحيى له، ويموت له، ذلك المؤمن البصير الذي غايته الفرار إلى الله، وسبيله اتّباع ما شرع الله تعالى، كلّ شيءٍ في حياته لله وبالله، وحالهُ تنطق به هذه الآية: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ( سورة الأنعام ) أيها الأخوة الأحباب حُضوراً ومستمعين، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ ( سورة الأنعام ) إن الناس يخافون من أشياء كثيرة، وأمورٍ شتّى، ولكنّ المؤمن سدّ أبواب الخوف كلّها، فلا يخاف إلا من الله وحده، يخاف أن يكون فرَّط في حقّه أو اعتدى على خلقه، أما الناس فلا يخافهم لأنّهم لا يملكون له ضرّاً، ولا نفعاً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً، والمؤمن آمنٌ على رزقه أن يفوته، لأنّ الأرزاق في ضمان الله تعالى، الذي لا يخلف وعده، ولا يضيّع عبده، وهو الذي يُطعم الطّير في وكناتها، والسّباع في الفلوات، والأسماك في البحار، والدّيدان في الصّخور، وهو الذي يسمع دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، لقد كان المؤمن يذهب إلى ميدان الجهاد حاملاً رأسه على كفّه، متَمَنِّياً الموت في سبيل عقيدته، ومن خلفه ذريّة ضعاف، وأفراخٌ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر، ولكنّه يوقن أنّه يتْركهم في رعاية ربٍّ كريم هو أبرّ بهم، وأحمى عليهم، وتقول الزوجة عن زوجها وهو ذاهبٌ في سبيل الله تعالى: إنِّي عرفتهُ أكالاً وما عرفته رزّاقاً، ولئن ذهب الأكّال لقد بقي الرزاق، هو آمنٌ على أجله، فإنّ الله قدّر له ميقاتاً مسمّى، أيّاماً معدودة، وأنفاساً محدودة، ولا تملكُ قوّة في الأرض أنْ تنقص من هذا المقدار أو تزيد فيه، هدَّد الحجاج سعيدَ بنَ جبير التابعيَّ الجليلَ بالقتل، فقال له سعيد بن جبير: لو علمْتُ أنّ الموتَ والحياة في يدك ما عبدتُ غيرك. الإيمان والأمَل متلازمان: أيها الأخوة الكرام حضوراً ومستمعين، إنّ الإيمان والأمَل متلازمان، فالمؤمن أوْسع الناس أملاً، وأكثرهم تفاؤُلاً واستفساراً، وأبعدهم عن التشاؤم والتبرّم والضّجر، الإيمان معناه الاعتقاد بقُوّة عليا تدبّر هذا الكون لا يخفى عليها شيءٌ، ولا تعجزُ عن شيءٍ، وبيدها كلّ شيء، المؤمن يعتصم بهذا الإله العظيم، البرّ الرحيم، العزيز الكريم، الغفور الودود، ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد، يُجيب المضطرّ إذا دعاه، ويكشف السوء، ويقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيّئات، أرحم بعباده من الأم بولدها، وأبرّ بالخلق من أنفسهم، المؤمن إذا حاربَ كان واثقاً بالنّصر لأنّه مع الله تعالى فالله معه، ولأنّه لله فالله له، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ(172)وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ(173)﴾ ( سورة الصافات) هذا درسٌ بليغ لنا في معركتنا مع أعدائنا، والمؤمن إذا مرض لم ينقطع أمله من العافية، وإذا مرضتُ فهو يشفين، والمؤمن إذا اقترف ذنباً لم ييْأس من المغفرة قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾ ( سورة الزمر الآية: 53 ) المؤمنون هم أصبر الناس على البلاء وأثبتهم في الشدائد وأرضاهم نفساً في المُلِمّات: المؤمن إذا أعسر لم يزل يؤمّل اليُسْر، قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً(5)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً(6)﴾ ( سورة الشرح ) إذا انتابتهُ كارثةٌ من الكوارث كان على رجاءٍ من الله أن يأجرهُ في مصيبته، وأن يخلفه خيراً منها، وإذا رأى الباطل يقوم في غفلة الحق يصول ويجول، أيقن أنّ الباطل إلى زوال، وأنّ الحق إلى ظهور وانتصار، وإذا أدركتهُ الشيخوخة واشتعل رأسهُ شيباً لا ينفكّ يرجو حياةً أخرى، شبابٌ بلا هرم، وحياة بلا موت، وسعادةٌ بلا شقاء. أيها الأخوة الكرام في دنيا العروبة والإسلام، المؤمنون هم أصبر الناس على البلاء، وأثبتهم في الشدائد، وأرضاهم نفساً في المُلِمّات، عرفوا أنّ هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، وأنّ من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وعطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليُعطي، ويبتلي ليجزي، وعرفوا أنّ ما ينزل من مصائب ليس ضربات عجماء، ولا خبط عشواء، ولكنّه وفْق قدرٍ معلوم، وقضاء مرسوم، وحكمة إلهيّة، فآمنوا بأنّ ما أصابهم لمْ يكن ليُخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليُصيبهم، وعرفوا أنّ الله يقدّر ويلْطف، ويبتلي ويخفّف، ومن ظنّ انفكاك نفسه عن قدره فذلك لقُصور نظره، وعرفوا أنّ لكلّ شِدّة شَدَّة، وأنّ وراء كلّ محْنةٍ مِنْحةً منه. أيها الأخوة المؤمنون، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين. *** الخــطــبـة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أنّ سيّدنا محمَّداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. الإعجاز في القرآن: أخوتي المؤمنين، أعزائي المستمعين ؛ إلى الموضوع العلمي: يوقن الباحث في العلم، ويشعر المتأمّل في الكون، حينما يقرأ آيات القرآن المتعلّقة بخلْق الأكوان والإنسان، يوقن ويشعر بكلّ خليّة في جسمه، وبكلّ قطرةٍ في دمه، أنّ هذا القرآن كلام الله، المنزّل على نبيّه محمّد رسول الله، وأنّه مستحيلٌ وألف ألف مستحيل أن يأتيَ به بشرٌ فرادى أو مجتمعين، فمن خلال المؤتمرات العالميّة التي عُقِدَت في عواصم متعدّدة في أنحاء العالم حول الإعجاز العلمي في الكتاب والسنّة، يتَّضِحُ أنّ أبحاثاً علميّة جادّة ورصينة، قام بها علماء ليسوا مسلمين، ولا تعنيهم آيات القرآن الكريم، استغرقَتْ عشر سنوات، وكلَّفتْ ملايين الدولارات، تأتي نتائجُ بحوثهم مطابِقة مطابَقةً عفوِيَّة وتامّة من دون تكلّف ولا تعنّت، ومن دون تأويلٍ بعيد عن الآية أو تعديلٍ مفتعلٍ لحقيقة، تأتي نتائج بحوثهم تلك مطابقة لآية أو لكلمة في آية، بل لحرفٍ واحدٍ في آية، وهذا مصداق قوله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) ﴾ ( سورة فصلت ) في الواحد والثلاثين من تشرين الأوّل من عام ألفٍ وتسعمئة وتسعين عرضَت إحدى أقوى وكالات الفضاء في العالم من خلال مرصَدٍ عملاق عبر موقعها المعلوماتي صورةً لا يشكّ الناظر إليها لحظةً أنّها وردة جوريّة، ذات أوراق حمراء قانية، مُحاطةٌ بِوُرَيقاتٍ خضراء زاهية، وفي الوسط كأس أزرق اللّون، أما حقيقة هذه الصورة، فهي صورة لانفجار نجمٍ عملاق اسمه عين القِطّ، يبعدُ عنّا ثلاثة آلاف سنة ضوئيّة، وفي هذا الموقع المعلوماتي آلاف الصّوَر الملوّنة التي رصدتها المراصد العملاقة لِعَجائب الفضاء، ولكن ما علاقة هذه الصورة بإعجاز القرآن ؟!! بعض ألوان الإعجاز: في القرآن الكريم أيّها الأخوة آيةٌ في سورة الرحمن، وهي قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) ﴾ ( سورة الرحمن) لو تتبَّعْت أيها المستمع الكريم تفسير هذه الآية في معظم التفاسير قبل نشْر الصورة، تجدُ فيها ما يُشفي غليلك، ذلك لأنّ في القرآن آياتٌ لمّا تفسَّر بعدُ، كما قال الإمام عليّ كرّم وجهه، إنّ انشقاق هذا النّجم يُشبه ورْدةً متألّقة، بل إنّ صورة هذا النجم عند انفجاره هو تفسير هذه الآية، بشكلٍ أو بآخر، هذا لونٌ من ألوان الإعجاز، ولونٌ آخر ؛ بعض النجوم تبعد عنّا عشرين مليار من السنوات الضوئيّة أي أنّ ضوءها بقيَ يسير في الفضاء الكوني عشرين مليار سنةٍ حتى وصل إلينا، علماً أنّ الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، فكم يقطع في السّنة ؟ وكم يقطعه في عشرين مليار سنة ؟! فهذا النّجم الذي وصل إلينا ضوءه بعد عشرين مليار سنة أين هو الآن ؟ إنّه يسير بسُرعةٍ تقتربُ من سرعة الضّوء لذلك جاءتْ الآية الكريم: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ﴾ (سورة الواقعة )
إنّ كلمة مواقع في هذه الآية هي سرّ إعجازها، فالموقع لا يعني أنّ صاحب الموقع موجود فيه، فالله جلّ جلاله لم يقسم بالمسافات التي بين النجوم، ولكنّه أقْسَم بالمسافات التي بين مواقع النجوم، ذلك لأنّ النجوم متحرّكة وليْسَت ثابتة، ولو قرأ عالم الفلك هذه الآية لخرَّ ساجداً لله عز وجل، فقد قال الله عز وجل: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ ، أي أنّ العلماء وحدهم يقدّرون عظمة هذه الآية، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) ﴾ ( سورة فاطر: الآية 28) والحمد لله رب العالمين
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الخميس 20 ديسمبر 2012 - 12:26 | |
| - الغلو في الدين ، الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين... نحمده حق حمده، ونسأله المزيد من فضله، فهو يعلم السرَّ وأخفى، والجهرَ والنجوى، خلق فسوى، وقدر فهدى، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أساءوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يَذكر من يذكره، ويشكر من يشكره، وهو نعم المولى، ونعم النصير . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خيرته من خلقه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وترك أمته على بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوات الله عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيرا ً. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير. الأولاد غراس الحياة، وقطوف الأمل، وقرّة العين، وهم البُشرى، وهم زينة الحياة الدنيا، وهم المودة والرحمة، بل هم زهور الأمة، وبراعم الإنسانية . ورعاية الأولاد واجبة، وحبهم قربى إلى خالقهم، في رسالات السماء، وفي شرائع الأرض، بل هو واجب وطني، وقومي، وديني. وأبناؤنا الذين تشكّلهم فطرتهم السليمة، وتغرس فيهم بيئتهم المنضبطة مكارم الأخلاق، ويتلقون من مجتمعهم المعارف والقيمُ والمفاهيمُ الإنسانيَّةُ والحضاريةُ، عندئذ يكون عليهم المعوّل في الحفاظ على مكاسب الأمة، واستعادة ماضيها المجيد، وخوض معاركها الضارية والمصيرية ضد أعدائها . ويجب أن نحمي أولادنا من كل ما يفسد فطرتهم السليمة التي فطروا عليها بسبب الجهل والفقر، والقهر، في بعض البيئات التي يترعرعون فيها حيث لاحيلة لهم في اختيارها، ولا في إصلاحها. ورعاية الأولاد عن طريق تربيتهم تربية إيمانية، وأخلاقية، وعلمية، ونفسية واجتماعية، وجسمية، وجنسية، ووطنية، وتهيئة الظروف المناسبة لنموهم النمو السليم المتوازن ؛ لهو هدف كبير لايعلو عليه هدف آخر . والأمة في أمس الحاجة إلى جيل يكون ناهضاً بمستقبلها، تتمثل فيه صحة الجسد، وطُهرُ النفس، ورجاحة العقل، وقد بني بناء متوازناً وفق فيه بين المادة والروح، وبين الحاجات والقيم، ويسعى إلى إصلاح الدنيا والآخرة.. بني بناءً يجعله إنساناً متميزاً يرى ما لا يراه الآخرون، ويشعر بما لا يشعرون، يتمتع بوعي عميق، وإدراك دقيق، له قلبٌ كبير، وعزم متين، وإرادة صلبة، هدفه أكبر من حاجاته، ورسالته أسمى من رغباته، يملك نفسه ولا تملكه، يقود هواه ولا ينقاد له، تحكمه القيم ويحتكم إليها، من دون أن يسخرها أو يسخر منها، يحسن فهم هذا الدين القويم، ويحسن تطبيقه، ويحسن عرضه على الطرف الآخر، ومثل هذا الجيل يحتاج في بنائه إلى داعية واع لخطورة رسالته، مخلص في أدائها، متسلح بالعلم والقيم، حتى يبرزخصائص وسطية الإسلام... فلا إفراط، ولا تفريط، ولا غلو، ولا تقصير، ولا طغيان، ولا إخسار، فالإسلام وسط بين المادية المقيتة، والروحية الحالمة، بين الواقعية المرة، والمثالية التخيلية، بين الفردية الطاغية، والجماعية الساحقة، بين الثبات الرتيب، والتغير المضطرب، بين الحاجات الملحة، والقيم البعيدة، بين العقلانية الباردة، والعاطفية المتقدة، بين نوازع الجسد، ومتطلبات الروح . وحينما نرعى أبناءنا إنما نقدِّم للحياة عنصراً نظيفاً، وللمجتمع لَبِنَةً صالحةً، وهذا ما تهدِفُ إليه التربيةُ في أعظم أهدافها، حتّى يَسعدَ المجتمعُ بأبنائه، ويسعَدوا هم به . عندها نستطيع أن نقابل القنبلة الذَّرية، بقنبلة الذُرية، أي بتربية جيل واع، ملتزم، ينهض بأمته، ويعيد لها دورها القيادي بين الأمم. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)) في هذا الحديث ملمح خطير، وهو أن الأب من خلال نص الحديث يطعم ابنه، ويكسوه، ويؤويه، ولكن: يضيعه أولاً حينما يهمل تربيته، وينشغل بدنياه... وعندئذ تتقاذفه، قنوات المجاري الفضائية، ومواقع القمامة الإباحية، وقد قام عدد من الباحثين الاجتماعيين بدراسة ظواهرالسرقة والاغتصاب والقتل المفرد والقتل الجماعي، وأعمال العنف فوجدوا أن للمواد الإباحية تأثيرا مباشرا وملحوظا في جميع هذه الجرائم والأعمال، فضلاً عن أن في العالم اليوم أربعين مليوناً من المصابين بمرض الإيدز، وقد مات في العقدين الماضيين إثنان وعشرون مليوناً بهذا المرض . ويضيعه ثانياً حينما لا ينشئه على المبادئ الإسلامية الصحيحة، ولا يغرس فيه القيم الأخلاقية الرفيعة، ولا يدله على عالم رباني، يقدم لابنه الإسلام الوسطي المتوازن الذي كان عليه النبي وأصحابه والذي تزدهر به الحياة في الدنيا، والحياة في الآخرة . ويضيعه ثالثاً حينما لا يتابع تفاصيل حركته في الحياة، فلا يعلم الأب مع من يتصل ابنه، أيتصل ابنه مع الغلاة المتطرفين الذين انحرفت عقيدتهم، وساء عملهم، ويتلقى منهم التوجيه الخاطئ، الذي يجر له الانحراف والهلاك لهم، ولمن حولهم ممن اقتدى بهم،وسار معهم فشقوا وأشقوا من معهم في الدنيا والآخرة . فأبناؤنا إن لم نحسن تربيتهم كانوا بين الانغماس في الفساد، والغلو في الدين . الغلو في الدين " الغلو " مصطلح ورد في القرآن الكريم في موضعين: وورد في السنة المطهرة في حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والغلوَّ في الدين ! فإنه أهلك من كان قبلكم، الغلوُّ في الدين)) ومعنى الغلو: مجاوزة الحد، والحد هو النصُّ الشرعي، كلام الله عزَّ وجلَّ، وما صح من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن يُفهم هذا النص وفق قواعد علم الأصول، وقد قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا ُّبِينًا﴾ ﴿ يَا ّأَيُهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ وإذا بحث الفقيه في مسألة من مسائل الدين، فهو يجمع النصوص القرآنية والنبويّة فيها، ويؤلف بينها على وجه لا يغلب بعضها على بعض، ولا يأخذ نصاً ويهمل غيره، ولا يأخذ فقرة من نصٍّ ويُهمل بقية الفقرات. أما الغلاة المتهورون فيضربون بعض النصوص ببعض، أو يأخذون نصاً يُلائم غلوَّهم يُسلِّطون عليه الأضواء، ويُعَتِّمون على نصٍّ آحر، ينقض غلوهم، فالآيات التي يمكن أن تغطي غلوَّهم، يشدُّونها عن طريق التأويل المتكلف إلى ما يوافق أهواءهم، والآيات التي تناقض غلوهم يغفلون ذكرها، وإذا ذُكَّروا بها صرفوها إلى غير المعنى الذي أراده الله. أمّا فيما يتعلق بالأحاديث الشريفة، فهم يقبلون الضعيف، بل الموضوع، إذا غطّى غلوهم ويُعرضون عن الحسن، بل الصحيح إذا فضح انحرافهم. ثم إنهم ـ فيما سوى القرآن والسنة ـ يقبلون كل قولٍ يدعم غلوهم متجاوزين القاعدة المنهجية: " إن كنت ناقلاً فالصحة، وإذا كنت مدَّعياً فالدليل " ويرفضون كل قول ليس في جانبهم ولو دعمه أقوى دليل. إنهم يتخيَّرون من النصوص مّا يعجبهم، فهم ـ وهذا حالهم ـ من أهل الرأي، الذين تحَكَّموا بالنصّ ولم يحتَكِموا إليه، واعتقدوا ثم استدلوا، وهذا انحراف خطير، والصواب أن يستدلوا ثم يعتقدوا . أنواع الغلو والغلوُّ نوعان: اعتقادي.. وهو أن الغلاة يعتقدون فيمّا هو جزء من الدين أنه الدين كلّه . وغلاة كلّ فرع من فروع الدين، يُحلُّون هذا الفرع محلَّ الأصل، وينظرون إلى من عُني ببقية فروع الدين نظرة ازدراءٍ وإشفاق، وقد أشار إلى هذين النوعين من الغلّو الإمام الشاطبي في " موافقاته ". ولا يخفى أن من كليات الدين الجانب الاعتقادي، والجانب السلوكي، والجانب النفسي، وحينما تحلُّ كلية من هذه الكليات محلَّ الدين كلّه، فهذا غلو وأي غلو ... هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن تضخيم الفرع في الدين ليحلَّ محلَّ الأصل غلوٌّ في الدين أيضاً .. وأي غلو والنوع الثاني من الغلو: الغلو العملي.. فحينما يقع الإنسان فريسة وساوسه المتسلطة، فيظن أنه بمفرده يستطيع أن يرفع المعاناة عن الأمة كلها بعمل غير مشروع في منهج الله . وحينما يتجاوز في عبادته الحد الذي شرَّعه الله فيهمل عمله ويهمل أسرته، وبهذا يختل توازنه، ولا يحقق الهدف الأمثل من تدينه... ولا شك أن الغلو الاعتقادي هو الأخطر، لأن صاحبه لايرجع عنه، إذ يعتقد أنه على صواب فهو لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، وإن اعتماد القوة وحدها، والحلول الأمنية وحدها، في معالجة هذا النوع من الغلو لا يحقق الهدف، ما لم يكن مصحوباً بدرجة عالية من الاستماع الجيد إلى المغالي، وتفهم دقيق لرأيه، ومراعاة لدوافعه وجراحاته، وإقناعه بدل قمعه، فالقوة لاتصنع الحق، ولكن الحق يصنع القوة، والقوة من دون حكمة تدمر صاحبها . ولأن هذا النوع من الغلو افترقت منه الفِرق، وبزغت عنده الأهواء، واختلفت فيه العقول، وتباعدت من أجله القلوب، وسالت من تداعياته الدماء، قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ أسباب الغلو : وأسباب الغلو كثيرة، ومن أبرزها الجهل، وهو: عدم معرفة حكم الله جلّ وعلا، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فقد يكون المغالي معظماً للحرمات، غيوراً على دين الله، فإذا رأى إنساناً متلبساً بمعصية، لم يطق، أو لم يتصور أن هذا الشخص مسلم، أو أن ذنبه يمكن أن يُغفر، لذلك يتهمه بالكفر والخروج من الدين. وقد تكون له محبة لرجل صالح، وأصل هذه المحبة مشروع في الدين، لكن هذه المحبة زادت وطغت بسبب الجهل حتى وصلت إلى درجة الغلو الذي رفع هذا الإنسان فوق منزلته ؛ واتهم كل من لم يقره على هذا الغلو بالكفر والفسق. وقد يكون الجهل جهلاً بالدليل لعدم معرفته أو لعدم الاطلاع عليه، وقد يكون جهلاً بالاستنباط، أو جهلاً بقواعد اللغة العربية. والجهل أسهلُ أسبابِ الغلو معالجةً، ولا سيما إذا كان المغالي بريئاً من الهوى، والنزعات الشريرة، فالجهل يزول بالعلم.. ففي عهد عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد ناظر الخوارج وحاورهم، فرجع منهم ما يزيد عن ألفي إنسان في مجلس واحد. ومن أسباب الغلو: الهوى.. الذي يجر صاحبه إلى التعسف في التأويل، وردّ النصوص الصحيحة، وقد يكون الهوى لغرض دنيوي من طلب الرئاسة أو الشهرة أو نحوهما، وقد يكون المغالي بعيداً عن هذه المطالب، ولكن الانحراف سبق إلى عقله وقلبه واستقر فيهما، وتعمَّق جذوره، وترسخ أصوله، وكما قيل: أتاني هواها قبل أن أعرفَ الهوى... فصادف قلباً فارغاً فتمكَّنا وحينئذ يَعِزُّ على المغالي أن يتخلى من غلوه، وأن يقرَّ على نفسه أنه كان متحمساً للباطل، مناوئاً للحق، فيتشبث بباطله ويلتمس له الأدلة الضعيفة الواهية من هنا وهناك. لذلك قيل: تعلَّموا قبل أن ترأسوا، فإن ترأستم فلن تعلموا. وقد يكون الهوى بسبب نفسية مريضة معتلَّة منحرفة، تميل إلى الحدة والعنف، والعسف في آرائها ومواقفها، وتنظر دائماً إلى الجانب السلبي والمظلم للآخرين.. وقد يتصف صاحبها بالعلو والفوقية، من دون أن يشعر بذلك، فضلاً عن أن يعترف به. فإذا التقى الأشخاص أو قرأ كتبهم، فليبحث عن نقاط ضعفهم، مغفلاً النواحي الإيجابية التي يتمتعون بها، وعندها تتبخَّر ثقته بالعلماء العاملين، والدعاة المخلصين، و يبتعد عنهم ويستقل بنفسه ورأيه، فينتج عن هذا الشذوذ في الآراء والمواقف والتصورات، ثم في السلوك. ومن أسباب الغلو في الدين: غلو الطرف الآخر.. فالذين يجرُّون المجتمعات الإسلامية إلى الفساد، والإباحية، و إلى الانحلال الخلقي، وينتهكون الحرمات، ويستخفون بالثوابت، ويدنسون المقدسات هم في الحقيقة من المتسببين في حدوث الغلو، وإن أعلنوا الحرب عليه.. فمظاهر الاباحية والانحلال في المدرسة والجامعة والشارع والشاطئ والمتجر والحديقة وفي وسائل الإعلام ؛ إذا أقرَّها المجتمع وسكت عنها، أو شجعها ودعمها وحماها، فإن هذا المجتمع عليه أن يستعد للتعامل مع أنماط كثيرة من الغلو. وقبل أن نبحث عن الحلول الفعَّالة للقضاء على الغلو.. يجب أن نفرِّق بين غلو حقيقي وهو مجاوزة للحدِّ الشرعي، وانحراف عن سواء السبيل، وبين غلو موهوم في رأس أعداء الدين.. فهم يصفون المؤمنين الملتزمين بالأصولية والتقوقع تارة، وبالتطرف والتزمت تارة أخرى.. وهم في الحقيقة يدعون بإخلاص إلى الله تعالى، وإلى دينه، وإلى تحكيم شريعته، والعمل بكتابه وسنة نبيه. معالجة الغلو ولا سبيل إلى القضاء على الغلو الحقيقي في الدين.. إلا بتمكين العلماء الربانيين العاملين المخلصين من القيام بواجبهم في الدعوة إلى الله، وَفقَ أُسس صحيحة متوازنة، ومن خلال رؤية صافية لحقيقة الدين الحنيف، وباساليب نابعة من الكتاب والسنّة . وأما الجهاد فهو أصل في الدين، وكما أن في التعليم تعليماً أساسياً لا يصح ولا يسمح للطالب أن ينتقل إلى التعليم الثانوي قبل أن ينجح في التعليم الأساسي، كذلك في الجهاد ؛ هناك جهاد أساسي وهو جهاد النفس والهوى، دليله في قوله تعالى: ﴿ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ أي بالقرآن، وفي قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ فالجهاد الأساسي الأول جهاد النفس والهوى وهذا الجهاد عند ابن القيم في زاد المعاد أربعُ مراتب استقاها من سورة العصر: إحداها: أَنْ يُجاهِدَ نفسه على تعلُّم العلم من العلماء الربانيين، المحققين الورعين فلا فلاح للنفس، ولا سعادة فى معاشها، ومعادها إلا به، ومتى فاتها هذا العلم، شقيت فى الدَّارين. إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر ! دينك دينك... إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا . الثانية: أن يُجاهد نفسه على العمل به، وإلا فمجرَّدُ العلم من دون عمل لاقيمة له فهو إن لم يَضُرَّها لا ينفعْها. الثالثة: أن يُجاهد نفسه على الدعوة إليه، وتعليمِهِ مَنْ لا يعلمهُ، وإلا كان مِن الذين يكتُمون ما أنزل الله مِن الهُدى والبينات، ولا ينفعُهُ علمُهُ، ولا يُنجِيه يوم القيامة. الرابعة: أن يُجاهِد َنفسه على الصبر على مشاقِّ طلب العلم، والعمل به، والدعوة إليه . فإذا استكمل المسلم هذه المراتب الأربع، صار من الربَّانِيينَ، ومن المجمع عليه على أن العَالِمَ لا يَستحِقُّ أن يُسمى ربَّانياً حتى يعرِفَ الحقَّ، ويعملَ به، ويُعَلِّمَه، ويصبر على طلبه، والعمل به، والدعوة إليه .
والجهاد الأساسي الثاني هو الجهاد البنائي ودليله في قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، هؤلاء الأعداء الأقارب والأباعد، حققوا شروطاً صعبة جداً، بنوا بها قوتهم، خلال مئات من السنين، فأملوا بسبب قوتهم إرادتهم، وثقافتهم، وإباحيتهم على بقية الشعوب، فأفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة . ونحن ـ المسلمين ـ ينبغي علينا من خلال الأمر القرآني لنا أن نعد لهم ما نستطيع من قوة ؛ بمفهوم القوة الواسع، فالآباء ينبغي أن يعرفوا أن الأبوة رسالة ومسؤولية، وأن تربية أولادهم أعظم كسبهم، والأمهات ينبغي لهن أن يتفرغن لتربية أولادهن والعناية بهم، كي تتماسك الأسر، ويكون الأولاد لبنات في بناء المجتمع، ومعلمنا ينبغي له أن يحمل رسالة سامية يسعى إلى تحقيقها، وطالبنا ينبغي أن يتفوق، وعاملنا ينبغي أن يتقن عمله، وفلاحنا ينبغي أن يرتبط بأرضه ليزرعها، وموظفنا ينبغي أن نعطيه حقه، وينبغي له أن يتفانى في خدمة المواطنين، وقاضينا ينبغي أن يعدل، والأستاذ الجامعي ينبغي أن يؤثر خدمة أمته، على حظوظه من دنيا الآخرين، وداعيتنا ينبغي أن ينصح لا أن يمدح، وضابطنا ينبغي له أن يوقن أن المعركة مع العدو قادمة لا محالة، وأن حديث العدو عن السلام مراوغة، وكذب، وكسب للوقت ليس غير، وثرواتنا ينبغي أن تستخرج، ومصانعنا ينبغي أن تطور، وأرضنا ينبغـي أن تستصلح، ومياهنا ينبغي أن يرشد استهلاكها، وهذا لا يكون إلا بإيمان بالله، يحملنا على طاعته، وإيمان باليوم الآخر يمنعنا أن يظلم بعضنا بعضاً، وأن نطلب جزاء جهدنا وجهادنا في الجنة، وهذا نوع من الجهاد لا تقطف ثماره عاجلاً بل آجلاً. وحين تقول للطالب ـ مثلاً ـ: واصل دراستك وكن متفوقاً، وخطط لسنوات قادمة لتكون شيئاً مذكوراً في حياة الأمة، ومستقبلها لاستثقل هذا، وآثر سماع الأخبار، وأن يكون منفعلاً لا فاعلاً، إن بعض الاندفاع قد يضاعف المعاناة بدلاً من حلها، فكما أننا نصغر أمام شاب يموت في سبيل الله، وفق منهج الله، كذلك نحن في أمس الحاجة إلى شاب يعيش في سبيل الله ويقدم لأمته كل خير . والغفلة عن المستقبل ستجعلنا مشغولين أبداً بإطفاء الحرائق هنا وهناك عن العمل الجاد الذي يخفف المعاناة عن أجيالنا اللاحقة. وأن علاج الجرح المفتوح على أهميته يجب ألا ينسينا التفكير في مستقبل أجيالنا التي سوف تتساءل: هل تركنا لها شيئاً آخر غير الجراح ؟! ينبغي أن يفكر الفرد الواحد في الموقع الذي يفرغ فيه طاقته، ويؤدي من خلاله دوره ورسالته . وبتحديد هدفه والمسير إليه، بخطى ثابتة، وبعد أن يقطع مراحل منه، فيكون قد رسم الهدف وحدد الطريق وبدأ السعي.. وهذا يوصل وفق السنة الربانية إلى الهدف، ثم تتزايد الأعداد الإيجابية التي تمارس دورها بشكل صحيح، بدلاً من أن تكون هذه الأعداد تتساءل فقط ماذا نعمل ؟ ثم لا تعمل شيئا ً. أما المسلم المخلص فيكفي أن يبذل جهده وطاقته ولا يدخر منها شيئاً في موقع معين، ثم لا يضيره أن تتحقق النتائج على يد غيره بعد وضع الأساس وبدء البناء. إن رَفْع المعاناة عن الأمة يتطلب عدداً كبيراً من المؤمنين الواعين المخلصين المضحين في جميع الميادين، وهذا ما يجب السَّعْي إليه، ولأن ينجح أحدنا في إعداد مجموعة من المواطنين إعدادًا إيمانياً، وعلمياً، وعقلياً، وخلقياً، ونفسياً، واجتماعياً، وجسدياً... أحب، وأنفع من أن يلقي بنفسه في أُتون نار تقول: هل من مزيد، إن النجاح يكمن في أن يستخدم المرء عقله قبل يده، كما يفعل أعداؤنا. يقول الإمام علي رضي الله عنه: " الناس ثلاث، عالم رباني، و متعلم على سبيل النجاة، و همج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم، و لم يلجئوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا بني أن تكون منهم ". الحذر الشديد من الوقوع في فخاخ تنصب لأبناء أمتنا العربية والإسلامية، قد يوقعهم فيها ذهول الصدمة، أو ثورة الحماس. إن أكثر ما نحتاج إليه في أمور كثيرة من حياتنا هو التوازن، والانطلاق من الثوابت الراسخة، من غير أن يفقدنا التأثر بالأفعال وردود الأفعال الرؤية الصحيحة، ولا نحتاج إلى كبير عناء لنكتشف أن كثيراً من خطايانا وأخطائنا كانت نتيجة جنوح في النظرة بعيداً عن التوازن والاعتدال المطلوب. إن للمشاعر حقها في أن تغلي وتفور، أما الأفعال فلابد أن تكون مضبوطة بهدي المنهج الرباني، ومقاصد الشرع، وضوابط المصلحة، ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى العلماء الربانيين الورعين، الذين لا يجاملون مصالح الخاصة، ولا يتملقون عواطف العامة، وقد كان العلماء على تعاقب العصور صمام أمان عندما تطيش الآراء وتضطرب الأمور، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ ولذا فإن من أعظم ما يوصى به في مثل هذه الأحداث العامة كبح جماح الانفعالات، بحيث لا تنتج اجتهادات خاصة ربما جنى بعضها أول ما يجني على المسلمين ومصالحهم، وأن يكون عند المسلمين بخاصة برغم حرارة الانفعال وشدة التأثر تبصر في معالجة الأمور، فينبغي ألا يخرجنا التأثر إلى التهور، ولا الحماس إلى الطيش، وإن الحماس طاقة فاعلة منتجة إذا وجهت في الطريق الرشيد، وإن العبرة ليست بتنفيس المشاعر، وتفريغ العواطف، ولكن العبرة بتحقيق المصالح، ودرء المفاسد . فإذا نجحنا في الجهاد النفسي والبنائي، فينتظر أن ننجح في الجهاد القتالي أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني . والحمد لله رب العالمين *** الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، واشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. ليس هناك مِن مرحلةٍ في تاريخِ أمِّتنا نحنُ في أَمَسِّ الحاجةِ فيها إلى التعاونِ والتكاتفِ والتناصرِ والتضامنِ كهذه المرحلة الدقيقة التي تمرُّ بها أمّتُنا العربيةُ والإسلاميةُ، ولاسيما في ظلِّ النظامِ العالميِّ الجديدِ، وفي ظلّ غيابِ التوازن الدوليِّ، وتحَكُّمِ القُطبِ الواحد، وازدواجيةِ المعايير، وسيطرةِ الاحتكاراتِ الكبرى، والتطوراتِ الهائلةِ في وسائل الاتصالاتِ والمعلوماتيةِ، وازديادِ الهُوِّةِ بين الدول الغنية المتقدِّمة والدول الفقيرة النامية، وانفجارِ الحروبِ الإقليميةِ والمحليةِ، والصراعاتِ القبليةِ والدينيةِ والعِرْقيةِ في مناطق متعددة من العالم... إضافة إلى نهجِ العَولمة الثقافيةِ والاقتصاديةِ. إنّ عالَمَ اليومِ يكاد يتحوّلُ إلى غابةٍ تتحكّم فيها مراكز القوّةِ، وتغيبُ عنها ضوابطُ المبادئِ والقيم، ومع ذلك فإن قُوى الهيمنة تتحدّث عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي يجري فيه انتهاكٌ لحقوق الإنسان، قال السيد الرئيس في أحد خطاباته ( العالَمُ الإسلاميُ اليومَ يواجه تحدياتٍ كبيرةً تستهدفُ الإسلامَ وما يمثِّلُه من قيمٍ نبيلةٍ، وما يدعو إليه من أخوّةٍ وعدالةٍ ومساواةٍ وحرية، وإذا كان من واجبنا أن ندافعَ عن ديننِا ؛ فإنّ لنا فيه يَنبوعَ قوةٍ، ومصدرَ إلهام في مواجهةِ كلِّ ما يقابلُنا من أخطارٍ وتحدياتٍ ) . والحمد لله رب العالمين
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الخميس 20 ديسمبر 2012 - 12:27 | |
| الإسلام والعلم .
بسم الله الرحمن الرحيم الخطبة الأولى: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. يا رب علمنا من علمك المخزون، واحفظنا بسر اسمك المصون، وحققنا بحقائق أهل القرب، واسلك بنا مسالك أهل الحب، وأغننا بتدبيرك عن تدبيرنا، وأخرجنا من ذل معصيتك إلى عز طاعتك، وطهرنا من الشك والشرك، اللهم بك نستنصر فانصرنا، وعليك نتوكل فلا تكلنا، وإياك نسأل فلا تخيبنا، ومن فضلك نرغب فلا تحرمنا، ولجنابك ننتسب فلا تبعدنا، وببابك نقف فلا تطردنا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فحاشا يا رب أن نفتقر في غناك، و أن نضل في هداك، و أن نذل في عزك، و أن نضام في سلطانك . وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، خير نبيٍ اجتباه، وللعالمين أرسله، أدى الأمانة و بلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق الجهاد، وهدى العباد إلى سبيل الرشاد . اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . موضوع الخطبة اليوم الإسلام والعلم، فبالعلم يكرم المرء، وبالجهل يهان . فالنبي صلى الله عليه وسلم حدد الغاية الأولى من بعثته، والمنهج الأمثل لدعوته، فقال فيما رواه الإمام مالك: (( إنما بُعثتُ معلماً، إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)) فالهدف الأول لدعوته، هو إرساء البناء الأخلاقي للفرد، والمجتمع، لأنه ثمن سعادة الدنيا والآخرة، والوسيلة هي التعليم لا التعنيف، قال صلى الله عليه وسلم: (( علموا ولا تُعنِّفوا، فإن المعلم خير من المُعنِّف ))
والله جل جلاله بدأ أول سورة أنزلت من القرآن الكريم بكلمة " اقرأ " التي نزلت أول ما نزلت من القرآن الكريم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ ( سورة العلق ) وقد أشار الله جل جلاله إلى العلم بمفتاحه وهو فعل اقرأ، وفي اللغة إن الفعل إذا حذف مفعوله أطلق معناه، فلنقرأ في كتاب الله، أو في بيان المعصوم صلى الله عليه وسلم، أو في كتاب الكون ؛ فالكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي، لكن الله جل جلاله قال: " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " فالأصل في القراءة الأولى أن تكون قراءة بحث وإيمان، تنتهي يقيناً إلى معرفة الله موجوداً وواحداً وكاملاً، وخالقاً ومربياً ومسيرا، وهذه القراءة مقدور عليها بدليل أنها تنطلق من أقرب شيء إلى الإنسان من نفسه التي بين جنبيه، قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ ولكن القراءة الثانية هي قراءة الشكر والعرفان، أساسها شكر المنعم على نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد . ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ قراءة شكر وعرفان، بعد قراءة البحث والإيمان، لقد سخر الله الكون لهذا الإنسان تسخير تعريف وتكريم، أما تسخير التعريف فكل ما السماوات وما في الأرض ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، ويشف عن أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ( سورة الجاثية ) أما تسخير التكريم ففي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ ( سورة الإسراء ) واجب الإنسان تجاه تسخير التعريف أن يؤمن، وواجب الإنسان تجاه تسخير التكريم أن يشكر، فالإنسان إذا آمن وشكر فقد حقق الغاية من وجوده، لذلك يتوقف التأديب والمعالجة، يقول الله عز وجل: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ ( سورة النساء ) ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الذي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ فالتعليم بالقلم هو اللغة التي امتن الله جل جلاله على الإنسان بها حينما قال: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ البيان الشفهي يعبر به الإنسان عن أفكاره وعن مشاعره، ويتعرف إلى أفكار الآخرين ومشاعرهم، فيتعلم بالبيان ويعلم، والبيان الكتابي تنتقل المعارف من إنسان لآخر من دون اتصال، ومن جيل إلى جيل من دون مجاورة، ومن أمة إلى أمة من دون معاصرة، ثم تنتقل المعارف وتتراكم إلى خزائن العلم للإنسانية كلها، هذا بفضل ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ أما القراءة الثالثة فهي قراءة الوحي والإذعان، فمعرفة طرف من حقيقة الذات الإلهية، وكمالها المطلق، ومعرفة الماضي السحيق، والمستقبل البعيد ومعرفة حقيقة الحياة الدنيا، ومعرفة حقيقة الحياة الآخرة، ومعرفة حقيقة الإنسان وسر وجوده، وغاية وجوده، ومعرفة حقيقة النبوات، و الرسالات، ومعرفة حقيقة المنهج ودقائقه ومفردات التكاليف، وتفاصيلها، هذا كله يؤخذ من الوحيين الكتاب والسنة، وهذا مما يستنبط من قوله تعال: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ ولكن لا يعني هذا الكلام أن المسلمين اليوم يقرؤون هذه القراءات الثلاث ولو قرؤوها لما استطاع أحد أن ينال منهم، ولكن هذا من قبيل ما ينبغي أن يكون لا ما هو كائن . أما القراءة الرابعة فهي القراءة النفعية ليس غير، وهذه القراءة لاتتناقض مع القراءات الثلاث، ولكن... حينما نكتفي بها، ونسخرها لنهب الثروات وسحق الشعوب... تكون قراءة طغيان وعدوان، قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ ( سورة العلق ) وهذا طغيان العلم الذي يقود الإنسان الذي قرأ هذه القراءة النفعية، بعيداً عن الإيمان والعرفان والإذعان، يقوده هذا العلم إلى القوة فيبني مجده على أنقاض الآخرين، ويبني غناه على فقرهم، ويبني قوته على ضعفهم، ويبني أمنه على خوفهم، ويبني عزه على ذلهم، ويبني حياته على موتهم، وبهذا يكون قد طغى بالعلم، واستخدم العلم لغير ما أريد منه، وقد ضرب الله لنا مثلاً في القرآن الكريم قوم عاد نموذجاً متكرراً لهذا الإنسان الذي قرأ قراءة نفعية فطغى وبغى ونسي المبتدا والمنتهى، ونسي الجبار الأعلى .
فعاد ـ مثلاً ـ تفوقت في شتى الميادين قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ ( سورة الفجر ) وعاد تفوقت بالبناء والعمران والحصون والمنشئات، والصناعات، قال تعالى: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ ( سورة الشعراء ) وعاد تفوقت بالقوة العسكرية قال تعالى: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ ( سورة الشعراء ) وعاد تفوقت بالناحية العلمية قال تعالى: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ ( سورة العنكبوت ) ولم يكن فوق عاد إلا الله، بدليل أن الله ماأهلك قوماً إلا وذكرهم أنه أهلك من أشد منه قوةً، إلا عاداً حين أهلكها قال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ ( سورة فصلت ) وعاد بسبب تفوقها وبعدها عن الله وقراءتها لما في الكون قراءة نفعية تكبرت بغير حق، واستعلت وتغطرست وتجبرت وبغت،لا في بلدها فحسب بل في كل البلاد، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ ( سورة فصلت ) فماذا كانت محصلة هذا التفوق المادي، لقد طغوا في البلاد، والطغيان مجاوزة الحد بالعدوان، ولم يقل طغوا في بلدهم، بل قال : ﴿طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾ في البلاد كلها، ليصف طغيانهم بالشمول، وأنهم أكثروا فيها الفساد، ولم يقل فسدوا، ليبن أن إفسادهم عم الأرض. والحديث عن مصير عاد في القرآن لا يخص عاداً الأولى بل يتجه إلى كل قوم سلكوا مسلك عاد، فقوم عاد نموذج متكرر بدليل أن الله تعالى يقول: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى﴾ ( سورة الأعلى ) وهذا يعني فيما يعني أن هناك عاداً ثانية، أو انتظروا عاداً ثانية، لقد كان تأديبهم بالأعاصير التي تدمر كل شيء أتت عليه. ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ ( سورة الحاقة ) فماذا كانت النتيجة ؟ ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ ( سورة الفجر ) أي بالمرصاد لكل من يكون على شاكلة عاد من أمم الأرض . إذن هناك قراءات أربع: قراءة بحث وإيمان، وقراءة شكر وعرفان، وقراءة وحي وإذعان، وقراءة طغيان وعدوان، الثلاث الأولى تسمو بالإنسان وتسعده، والرابعة تسقطه وتشقيه، ونحن إذ نكرم المعلم في عيده نتمنى عليه أن يجعلها منهجاً له تعليمه وتوجيهه . إن طلب العلم وقراءة ما في الكون والكتاب، قراءات ثلاث فريضة محكمة من فرائض الدين، لا تقل أهمية عن فرائضه الأخرى، بل هي أخطر فرائضه، وفي الحديث الصحيح: (( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) [حديث حسن بطرقه كما قال الحافظ المزي، رواه الإمام أحمد في العلل، وابن ماجة في السنن رقم 224 ] حتى إن طلب العلم يفضُلُ في ثمراته نوافل العبادات.. ففيما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة، وطلب العلم يوماً خير من صيام ثلاثة أشهر... )) [روي في مسند الفردوس، عن أبن عباس ] والإسلام من خلال القرآن والسنة، يرفض أشد الرفض أن تكون القوة، أو المال، أو النسب، أو المظهر أساساً للمفاضلة بين الناس، لكنه اعتمد العلم قيمة وحيدة مرجِحة بين بني البشر.. قال تعالى: ﴿ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [سورة الزمر 9] روى الديلمي وابن عبد البر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( تعملوا العلم ؛ فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمـــه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنة، والأنيس في الوحشة، والصاحــب في الوحدة، والمحدِّث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح عند الأعداء، والزين عند الأخلاء، والقرب عند الغرباء، ويرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الجنة قادة... )) [رواه ابن عبد البر في العلم وقال حديث حسن ] والعلم ؛ علم بالله، وعلم بأمره، وعلم بخلقه، أو علم بالحقيقة، وعلم بالشريعة، وعلم بالخليقة، والعلم بالله أصل الدين، والعلم بأمره أصل العبادة، والعلم بخلقه أصل في صلاح الدنيا. لقد دعا الإسلام إلى العلم بالله، من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض، حيث تتابع الأمر به في سور القرآن، وعُدَّ الأساس الأول لبناء دعائم العقيدة والإيمان.. قال تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة يونس] والتفكر في خلق السماوات والأرض نوع من العبادات بل هو من أرقى العبادات، ففي صحيح ابن حبان عن عطاء أن عائشة رضي الله عنها قالت: " أتاني النبي صلى الله عليه وسلم في ليلتي وقال: ذريني أتعبد لربي عز وجل فقام إلى القُربة، فتوضأ، ثم قام يصلي، فبكى حتى بلَّ لحيته، ثم سجد حتى بلَّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه، حتى أتي بلالٌ يؤذنه بصلاة الصبح، فقال يا رسول الله ما يبكيك ؟ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله تعالى عليَّ في هذه الليلة": ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [سورة آل عمران] ثم قال عليه الصلاة والسلام: (( ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها )) وورد عنه أنه قال: (( أمرت أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً )) وقال الحسن البصري، رحمه الله: " من لم يكن كلامه حكمةً فهو لغو، ومن لم يكن سكوته تفكراً فهو سهو، ومن لم يكن نظره عبرةً فهو لهو.. ". انظر إلى الشمس وسل من رفعها ناراً، ومن نصبها مناراً، ومن ضربها ديناراً، ومن علقها في الجو ساعة، يدب عقرباها إلى قيام الساعة، ومن الذي آتاها معراجها، وهداها أدراجها، وأحلها أبراجها، ونقَّل في سماء الدنيا سراجها، الزمان هي سبب حصوله، ومنشعب فروعه وأصوله، وكتابه بأجزائه وفصوله، لولاها ما اتسقت أيامه، ولا انتظمت شهوره وأعوامه، ولا اختلف نوره وظلامه، ذهب الأصيل من مناجمها، والشفق يسيل من محاجمها، تحطمت القرون على قرنها، ولم يمح التقادم لمحة حسنها. وهي تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة حجماً، وتبعد عن الأرض مئة وخمسين مليون كيلو متر مسافة، وهناك نجم في برج العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، وتصل الحرارة في مركزها إلى عشرين مليون درجة، فلو ألقيت الأرض في جوف الشمس لتبخرت في زمن قصير، ويزيد طول ألسنة اللهب المنطلقة من سطحها عن نصف مليون كيلو متر، لقد صدق الله العظيم إذ يقول: ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ؛ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سورة فصلت] وانظر إلى القلـــب في فعله وأثره، وغرضه ووطره، وقــــدْرِه وقَدَره، وحيطانه، وجدره ومنافذه وحُجره، وأبوابه وستره، وكهوفه وحفره، وجداوله وغدره، وصفائه وكدره، ودأبه وسهره، وصبره وحذره، وعظيم خطره، لا يغفل ولا يغفو ولا ينسى ولا يسهو، ولا يعثر ولا يكبو، ولا يخمد ولا يخبو، ولا يمل ولا يشكو، وهو دائب صبور بأمر الذي أحسن خلقته، وأعدَّ له عدته، وأوقد فيه جذوته، وقدّر له أجله ومدته، يعمل من دون راحةٍ ولا مراجعةٍ ولا توجيه. يضخ في اليوم الواحد ثمانية أمتار مكعبة من الدم، تجري في مئة وخمسين كيلو متراً من الأوعية، ويضخ القلب في عمر متوسط ما يملأ حجماً يساوي واحدةً من أكبر ناطحات السحاب في العالم.. لقد صدق الله العظيم إذ يقول: ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ ؛ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سورة فصلت] وانظر لتلك الشجـــرة ذات الغصون النضرة كيف نمت من حبـــة وكيف صارت شجـرة فابحث وقل من ذا الـذي يُخرج منهــا الثمرة وانظر إلى الشمس التـي جذوتهــا مستعـرة من ذا الذي أوجدهــا في الجو مثل الشـررة وانظر إلى الليل فمــن أوجد فيـه قمــره وزانه بأنجــــــم كالــدرر المنتثـرة وانظر إلى الغيم فمــن أنـزل فيه مطــره فصـير الأرض بــه بعد اصفرار خضـره ذاك هـــــو الله الذي أنعمه منهمــرة ذو حكمة بالغــــة وقـــدرة مقتــدرة *** هذا عن العلم بالله، علم الحقيقة، فماذا عن العلم بأمر الله علم الشريعة ؟ إن الإنسان إذا تفكر في خلق السماوات والأرض، فعرف الله خالقاً ومربياً ومسيراً، وعرف طرفاً من أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، يشعر بدافع قوي إلى التقرب إليه من خلال امتثال أمره، واجتناب نهيه، عندها يأتي علم الشريعة ليبيّن أمر الله ونهيه في العبادات والمعاملات والأخلاق. والشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى القسوة، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الحكمة إلى خلافها، فليست من الشريعة وإن أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل. قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري في صحيحه: (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم )) وفي الحديث الشريف الصحيح: (( قليل الفقه خير من كثير العمل )) بل إن التفقه في أحكام الشريعة والعمل بها يُعدُّ أفضل أنواع العبادات قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الدار قطني: (( ما عُبدَ الله بشيءٍ أفضل من فقه في دين، ولفقيه واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد، ولكل شيءٍ عماد، وعماد الدين الفقه )) بقي علم الخليقة، لقد دعا الإسلام إلى العلم بطبائع الأشياء وخصائصها، والقوانين التي تحكم العلاقة بينها، كي نستفيد منها تحقيقاً لتسخير الله جلّ وعلا للأشياء.. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ وتعلُّم العلوم المادية يحقق عمارَة الأرض عن طريق استخراج ثرواتها، واستثمار طاقاتها، وتذليل الصعوبات، وتوفير الحاجات تحقيقاً لقوله تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [سورة هود]
وتعلم العلوم المادية، والتفوق فيها قوة، يجب أن تكون في أيدي المسلمين، ليجابهوا أعداءهم، أعداء الحق والخير والسلام، تحقيقاً لقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [سورة الأنفال 60] لأن القوة في هذا العصر هي قوة العلم، بل إن الحرب الحديثة ليست حرباً بين ساعدين، بل هي حرب بين عقلين. ولحكمة بالغة لم يشأ الله جل وعلا أن يكون الانتفاع بخيرات الأرض وثرواتها وطاقاتها انتفاعاً بشكل مباشر، يلغي دور الإنسان، وإنما جعل هذا الانتفاع متوقفاً على جهد بشري: علم وعمل، فقد أودع الله في البذرة قوة إنبات، ولكن لابد للإنسان من أن يزرعها ويرعاها، وأن يحصدها، ليجني ثمارها، وأودع الله في الأرض خامات المعادن، ولكن لابد للإنسان من أن يبحث عنها ويكتشفها، وأن يستخرجها، كل هذا ترسيخاً لقيم العلم والعمل، وابتلاءً لإنسانية الإنسان، فهل يرفعه العلم والعمل إلى أعلى عليين، أم يسقطانه إلى أسفل سافلين ؟. وبالتحرر من الجهل والوهم، واعتماد النظرة العلمية، واتباع الطريقة الموضوعية، نستطيع أن نسقط كل الدعاوى الباطلة المزيفة التي يطرحها أعداؤنا أعداء الدين للنيل من إمكاناتنا وطموحاتنا، فباعتماد النظرة العلمية تصح رؤيتنا، وبإيماننا بالله واستقامتنا على أمره نستمد قوتنا، قال تعالى: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [سورة آل عمران] إن التعلم والتعليم قوام هذا الدين، ولا بقاء لجوهره، ولا ازدهار لمستقبله إلا بهما. والناس أحد رجلين: متعلم يطلب النجاة، وعالم يطلب المزيد.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس )) [ انظر إرواء الغليل للألباني 2/141 ط المكتب الإسلامي] وقد قيل: تعلموا العلم ؛ فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقةً عشتم . لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً. ولا بد من أن تكون عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً، ولا تكن الخامسة فتهلك وإن هذا العلم دين، فانظر عمَّن تأخذ دينك.. خذه عن الذين استقاموا، ولا تأخذه عن الذين مالوا. العلم الذي نرتزق منه وكفى.. ليس إلا حرفة من الحرف. والعلم الذي لا يصل تأثيره إلى نفوسنا، ومن ثم إلى سلوكنا، ما هو إلا حذلقة لا طائل منها. العلم الذي يجعلنا نتيه به على غيرنا، ما هو إلا نوع من الكبر. والعلم الذي يعطل فينا المحاكمة السليمة والتفكر السديد نوع من التقليد. والعلم الذي يوهمنا أننا علماء كبار، هو نوع من الغرور.. والعلم الذي يسعى لتدمير الإنسان، والفتك به، ويسعى لصناعة المرض نوع من الجريمة . والعلم الذي نستخدمـه للإيقاع بين الناس، والعدوان على أموالهم وأعراضهم، نوع من الجنوح والانحراف. والعلم الذي لا يتصل بما ينفعنا في ديننا، ودنيانا، نوع من الترف المذموم.. وفي الدعاء النبوي الشريف: (( اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن أذن لا تسمع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع )) وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( تركت فيكم واعظين، ناطقاً وصامتاً، فالناطق هو القرآن، والصامت هو الموت، ويهما كفاية لكل متعظ )) وقد أخبر الواعظ الناطق عن الواعظ الصامت، حيت قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ* ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ يانفس لو أن طبيباً منعك من أكلة تحيبينها، لاشك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله تعالى، إذن فما أكفرك، ثم أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله، إذن فما أجهلك، والحمد لله رب العالمين. *** الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صل، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين . إليكم هذه القصة كنموذج من العلماء العاملين: كان أيوب ملك مصر وكان جباراً شديد الهيبة، حتى إنه ما كان أحد يستطيع أن يتكلم بحضرته، ولا أن يشفع لأحد عنده، ولا يتكلم أحد أمامه إلا جواباً لسؤال، وإذا سجن إنساناً نسيه، ولا يستطيع أحد أن يكلمه فيه، أو يذكره به، وكان له هيبة وعظمة، في نفوس الناس سواء الخاصة منهم والعامة، فماذا كان موقف العالم الجليل العز بن عبد السلام من هذا الملك الجبار ؟ في يوم العيد خرج موكب السلطان يجوب شوارع القاهرة، والناس مصطفون على جوانب الطريق، والسيوف مسلطة، والأمراء يقبلون الأرض بين يدي السلطان هيبةً وأبهةً، وهنا وقف العز بن عبد السلام، وقال: يا أيوب، هكذا باسمه مجرداً بلا ألقاب، فالتفت أيوب الجبار القوي ليرى من الذي يخاطبه باسمه الصريح، وبلا مقدمات، وبلا ألقاب، ثم قال له العز بن عبد السلام: ما حجتك عند الله عز وجل غداً إذا قال لك: ألم أبوئك ملك مصر، فأبحت الخمور ؟ فقال: أو يحدث هذا في مصر ؟ قال: نعم، في مكان كذا وكذا حانة يباع فيها الخمر، وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، فقال: يا سيدي أنا ما فعلت هذا، إنما هو من عهد أبي، فهز العز بن عبد السلام رأسه، وقال: إذاً أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة، قال: لا أعوذ بالله، وأصدر أمراً بإبطالها فوراً ومنع بيع الخمور في مصر. وسأله طالب من طلابه: يا سيدي: كيف واجهت السلطان ولم تخف من بطشه ؟ قال: يا بني استحضرت عظمة الله عز وجل وهيبته فلم أرَ أمامي أحداً. ومرة طرق باب العز بن عبد السلام نائب السلطنة، ومعه مجموعة من الأمراء، وكانت سيوفهم مسلطةً يريدون أن يقتلوه، فخرج ولد العز بن عبد السلام، واسمه عبد اللطيف، فرأى موقفاً مهيباً مخيفاً، فرجع إلى والده، وقال يا والدي انج بنفسك، الموت الموت، قال: ما الخبر ؟ قال: كيت وكيت، فقال العز بن عبد السلام لولده: يا ولدي والله إن أباك لأحقر، وأقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم خرج مسرعاً إلى نائب السلطنة، فلما رآه نائب السلطنة يبست أطرافه، وتجمد، وأصابته حالة من الذعر والرعب، وأصبح يضطرب، وسقط السيف من يده، واصفر وجهه، وسكت قليلاً، ثم بكى . من هاب الله هابه كل شيء، ومن لم يهب الله أهابه الله من كل شيء. والحمد لله رب العالمين
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية السبت 16 فبراير 2013 - 9:53 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، في مبدأ كل أمر ومنتهاه ، ورضي الله عن أشياخنا في الله إلى سيدنا رسول الله وعن كل داعية بصدق إلى الله .. أما بعـــد :
فقد أكثر بعض الأخوة وتزيدوا في الكلام حول المولد ، وكنت أرجو أن يشغلوا أنفسهم وغيرهم بما هو أهم ، في ذلك الوقت العصيب الذي تمر به الأمة ، وأرجو بنشر هذه الدراسة أن يعلم الأخوة أن الأمر له وجهه الشرعي عند من يقولون به ، حتى لا يسرفوا ويتزيدوا في رمي المسلمين بالفسوق والبدعة والشرك جزافاً ، فإذا كانوا اختاروا لأنفسهم ما هم فيه ، فليكن كذلك ولكن لا يفرضوا رأيهم على الآخرين ، ولا يحتكروا الصواب الموضوع الأصلى من هنا: ملتقى حضرموت للحوار العربي http://www.hdrmut.net/vb/showthread.php?t=6789
هل نحتفل؟!! نعم نحتفل في كل سنة وفي كل شهر وفي كل أسبوع وفي كل ساعة وفي كل لحظة
هذا هو عنوان النشرة التي أصدرتها ( إدارة الإفتاء والبحوث بدائرة الأوقاف والشئون الإسلامية بدبي ) ، وقد صدرت هذه النشرة رداً على كتاب طبعه بعضهم وراح يوزعه بعنوان ( هل نحتفل ) حشي بمغالطات وأباطيل ، وإليك يا أخي نص نشرة ( إدارة الإفتاء والبحوث بدائرة الأوقاف والشئون الإسلامية بدبي ) المسماة : ( هل نحتفل؟!! ، نعم نحتفل في كل سنة ، وفي كل شهر وفي كل أسبوع ، وفي كل ساعة وفي كل لحظة) :
- - - - - - - - - - هل نحتفل؟!! نعم نحتفل في كل سنة وفي كل شهر وفي كل أسبوع وفي كل ساعة وفي كل لحظة - - - - - - - - - -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على خير خلقه الذين اصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى.
يقول المولى عز وجل : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا )) ويقول المصطفى صلى الله عليه وعلىآله وسلم: (( من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )). أما بعد:
فإن الواجب على كل مسلم أن يبين الحقائق للناس حتى يسيروا على بصيرة وهدى, وليس على عمى وتضليل, فالحق أبلج كالشمس في رابعة النهار, وهذا أوان الشروع في الموضوع: فإننا نسمع ونرى في هذه الأيام تلك الوريقات والتي شحنت بالأكاذيب والأباطيل و التدليس على البسطاء وقليلي الفهم والعلم من عامة الناس, حول ما يختص بالمولد النبوي الشريف, فوجب على من لديه القدرة على التبيين أن يبين حتى لا يدخل في الوعيد الوارد في طلبة العلم. جهل وقلة علم ! :
يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) ، ويقول: (( إياكم ومحدثات الأمور, فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)). قال (( المعارض )) : إن لفظة (كل) الواردة في الحديث من ألفاظ العموم , تشمل جميع أنواع البدع بدون استثناء فهي ضلالة. وبقولهم وتجرئهم هذا هم يرمون علماء الأمة بالابتداع, وعلى رأسهم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه, فإن قلتم إننا لم نقصد صحابة رسول الله, قلنا لكم : بل قصدتم, وذلك بقولكم ((جميع أنواع البدع دون استثناء)), فإن قلتم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقره على ذلك نقول لكم سوف نأتيكم بأفعال أخرى فعلها الصحابة و التابعون بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم, فهل تتهمونهم بالبدعة و الضلال أم ماذا ؟! فإليكم أفعالهم رضي الله عنهم : (1) جمع القرآن : حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (( قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن القرآن جمع في شئ)). نقول : عمر هو الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن في مصحف حين كثر القتل بين الصحابة في واقعة اليمامة، فتوقف أبو بكر وقال : كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال عمر: هو والله خير( انظر إلى قوله: هو والله خير)، فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدره له، وبعث إلى زيد بن ثابت فكلفه بتتبع القرآن وجمعه، فال زيد: فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما كلفني به من جمع القرآن ، ثم قال: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ، قال : هو خير . فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري. والقصة مبسوطة في صحيح البخاري.
(2) تأخير مقام إبراهيم عليه السلام عن البيت: أخرج البيهقي بسند قوي عن عائشة رضي الله عنه قالت: إن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقا بالبيت، ثم أخره عمر . ( أي لما رأى الناس قد كثروا فأراد أن يوسع عليهم ) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ولم تنكر الصحابة فعل عمر، ولا من جاء بعده فصار إجماعا، وكذاك هو أول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن.
(3) زيادة الأذان الأول يوم الجمعة: ففي صحيح البخاري عن السائب بن زيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم . فلما كان عثمان زاد الأذان الثالث. باعتبار إضافته إلى الأذان الأول و الإقامة، ويقال له أول باعتبار سبقه في الزمان على أذان الجمعة، ويقال له ثاني بإسقاط اعتبار الإقامة.
(4) الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي أنشأها سيدنا علي رضي الله عنه وكان يعلمها للناس : ذكرها سعيد بن منصور ، وابن جرير في تهذيب الآثار ، وابن أبي عاصم ، ويعقوب بن شيبة في أخبار علي، والطبراني وغيرهم عن سلامة الكندي.
(5) ما زاده ابن مسعود في التشهد بعد(ورحمة الله وبركاته) : كان يقول : السلام علينا من ربنا. رواه الطبراني في الكبير ، ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد.
(6) زيادة عبد الله بن عمر البسملة في أول التشهد: وكذا ما زاده في التلبية بقوله: (( لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، والرغباء إليك والعمل..)) ، وهو مبسوط في صحيح البخاري، ومسلم . ... إلخ من زيادة الصحابة وعلماء وفضلاء الأمة . فكل هؤلاء ابتدعوا أشياء رأوها حسنة لم تكن في عهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي في العبادات، فما قولكم فيهم؟ وهل هم من أهل الضلال والبدع المنكرة أم ماذا؟ (( نبئوني بعلم إن كنتم صادقين)) . أما ادعاؤكم الباطل بأنه لا يوجد هناك في الدين شيئا يسمى بدعة حسنة فإليكم أقوال جهابذة علماء الأمة ، والذين يعول على كلامهم، فضلا عن حثالة ليس لها غرض إلا التفريق بين المسلمين وإشعال نار الفتن بينهم، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة إلى جمع شتاتهم.
1 - قال العلامة وحيد عصره وحجة وقته، وشارح صحيح مسلم الإمام الحافظ النووي رضي الله عنه في صحيح مسلم (6-2) ما نصه: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( كل بدعة )) هذا عام مخصوص ، والمراد غالب البدع ، وقال أهل اللغة: هي كل شيء عمل على غير مثال سابق، وهي منقسمة إلى خمسة أقسام. وقال كذلك في (تهذيب الأسماء واللغات) : البدعة - بكسر الباء - في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة. وقال أيضا: والمحدثات - بفتح الدال - جمع محدثة، والمراد بها : ما أحدث وليس له أصل في الشرع.. ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما . اهـ
2 - قال أمير المؤمنين في الحديث الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني ، شارح البخاري ، المجمع على جلالة قدره ما نصه : وكل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم يسمى بدعة، لكن (منها) ما يكون حسن و(منها) ما يكون خلاف ذلك . اهـ
3 - وروى أبو نعيم عن إبراهيم الجنيد قال: سمعت الشافعي يقول: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم . وروى الإمام البيهقي في مناقب الشافعي رضي الله عنه ، قال : المحدثات من الأمور ضربان : ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه بدعة الضلال ، وما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من العلماء ، وهذه محدثة غير مذمومة ، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : نعمت البدعة أنها محدثة لم تكن ، وإذا كانت ليس فيها رد لما مضى . هذا آخر كلام الشافعي رضي الله عنه من تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي (ص 21 ، ج3) في البدع من هذا . اهـ وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رضي الله عنه في آخر كتابه (القواعد) ما نصه : البدعة منقسمة إلى واجبة ، ومحرمة ، ومندوبة ، ومكروهة ، ومباحة . قال : والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فواجبة ، وإن دخلت في قواعد التحريم فمحرمة ، أو الندب فمندوبة ، أو المكروه فمكروهة ، أو المباح فمباحة . اهـ فهؤلاء ممن ذكرنا قد قسموا البدعة إلى أقسامها المذكورة . فانظر بالله عليك أخي المسلم : أين قولهم أن لفظة (كل) من ألفاظ العموم تشمل كل أنواع البدع دون استثناء ! . من قول هؤلاء الأئمة وعلى رأسهم الإمام الحافظ النووي حيث قال: إن لفظ (كل) هو عام مخصوص. وأين قولهم: إنه ليس ثم شيء في الدين يسمى بدعة حسنة وقول أئمة المسلمين كما رأيت وعلى رأسهم الإمام الجليل صاحب المذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ، بل وقد تقرر عند العوام فضلا عن العلماء. من قوله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم : (( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء )) ... الحديث. والمعنى : إنه يسن للمسلم أن يأتي بسنة حسنة وإن لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أجل زيادة الخير والأجر. ومعنى سن سنة : أي أنشأها باجتهاد واستنباط من قواعد الشرع أو عموم نصوصه. وما ذكرناه من أفعال الصحابة والتابعين هو أكبر دليل على ذلك . نشأة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم :
مهد المغرضون لنشر باطلهم ولو بالتدليس كعادتهم على عامة المسلمين وقليلي الفهم منهم ، حيث قالوا بالحرف الواحد : (( إن الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11 ـ 172) قال : إن الدولة الفاطمية العبيدية المنتسبة إلى عبيد الله بن ميمون القداح اليهودي ، والتي حكمت مصر من سنة (357 ـ 567 هـ) أحدثوا احتفالات بأيام كثيرة ، ومنها الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم . اهـ هذا ما نقلوه عن الحافظ ابن كثير . وحسب المرجع الذي أشاروا إليه نقول لكم : كذبتم والله!! فإننا وجدنا ما ادعيتموه على الحافظ وما نقلتموه عنه إنما هو عين الكذب والافتراء والتدليس والخيانة في النقول عن علماء الأمة. وإن كنتم مصرين على ذلك فنقول لكم: أخرجوه لنا إن كنتم صادقين. وأين أنتم من ادعائكم بأنكم ستناقشون هذه القضية بعدل وإنصاف وتجرد عن كل هوى بل إنه عين التعصب المخزي والهوى الممقوت. فكيف نأمن بعد ذلك - يا أخي المسلم - لمثل هؤلاء في نقولهم عن علماء الأمة. وإليك - أخي المسلم - الرأي الحقيقي للحافظ ابن كثير في عمل المولد ونشأته، والذي أخفاه من يدعي مناقشة الموضوع بعدل وإنصاف. قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) 13-136 طبعة دار المعارف، ما نصه : لملك المظفر أبو سعيد كوكبري ، أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد ، له آثار حسنة ( انظر إلى قوله : آثار حسنة ) وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ، ويحتفل به احتفالاً هائلاً ، وكان مع ذلك شهماً شجاعاً فاتكاً عاقلاً عالماً عادلاً ، رحمه الله وأحسن مثواه ... إلى أن قال : وكان يصرف في المولد ثلاثمائة ألف دينار .اهـ فانظر رحمك الله إلى هذا المدح والثناء عليه من ابن كثير إذ أنه وصفه بأنه عالم، عادل، شهم، شجاع، إلى قوله: رحمه الله وأحسن مثواه، ولم يقل: زنديق، [censored] فاسق، مرتكب للفواحش والموبقات كما هي دعوى المعارض فيمن يقول بعمل المولد الشريف!! وأحيل القارىء إلى نفس المرجع فهناك كلام أعظم مما ذكرت في حق الإمام الجليل لم أنقله خوف الإطالة. وانظر الى قول الإمام الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (22-336) عند ترجمة الملك المظفر ما نصه : كان متواضعاً، خيراً ، سنياً، يحب الفقهاء والمحدثين . اهـ أقوال أئمة الهدى في الاحتفال بالمولد :
(1) الإمام الحجة الحافظ السيوطي :
عقد الإمام الحافظ السيوطي في كتابه (الحاوي للفتاوى) باباً أسماه (حسن المقصد في عمل المولد) ص189، قال في أوله : وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ، ما حكمه من حيث الشرع ؟ وهل هو محمود أم مذموم ؟ وهل يثاب فاعله أم لا ؟ والجواب عندي : إن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في بداية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما وقع في مولده من الآيات ، ثم يمد لهم سماط يأكلونه ، وينصرفون من غير زيادة على ذلك - هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار الفرح بمولده الشريف.
(2) الشيخ ابن تيمية :
قال في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم ) طبعة دار الحديث ص 266 السطر الخامس من الأسفل ، ما نصه : وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيماً له، والله قد يثيبهم على هذا الاجتهاد .. قال : فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضى له ، وعدم المانع منه . اهـ فهذا قول من ترك التعصب جانبا وتكلم بما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . أما نحن فلا نفعل المولد إلا كما قال الشيخ ابن تيمية : (محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيما له ) نسأل الله أن يثيبنا على هذه المحبة و الاجتهاد . ولله در القائل : دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظم فإن فضل رسول الله ليس له حــد فيعرب عنـه نـاطـق بـفـم
(3) شيخ الإسلام وإمام الشراح الحافظ ابن حجر العسقلاني :
قال الحافظ السيوطي في نفس المرجع السابق ما نصه : وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه : أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة ، ولكنها مع ذلك اشتملـت على محاسن وضدها ، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة ، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت ، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجى موسى ، فنحن نصومه شكرا لله ، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة ، أو دفع نقمة ... إلى أن قال : وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، نبي الرحمة في ذلك اليوم ، فهذا ما يتعلق بأصل عمله ، وأما ما يعمل فيه : فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب .. إلى فعل الخير والعمل للآخرة . انتهى كلامه رحمه الله . فهذه الاستنباطات هي التي قال عنها المعارض إنها استدلال باطل وقياس فاسد ، وأنكرها ، فليت شعري من الناكر ومن المنكور عليه!!
(4) الإمام الحافظ محمد بن أبي بكر عبد الله القيسي الدمشقي : حيث ألف كتباً في المولد الشريف وأسماها : (جامع الآثار في مولد النبي المختار) و (اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق) ، وكذلك (مورد الصادي في مولد الهادي) صلوات الله وسلامه عليه.
(5) الإمام الحافظ العراقي : وقد سمى كتابه في المولد النبوي (المورد الهني في المولد السني).
(6) الحافظ ملا علي قاري : فقد ألف كتابا في المولد النبوي العطر أسماه: ( المورد الروي في المولد النبوي).
(7) الإمام العالم ابن دحية : وسمى كتابه (التنوير في مولد البشير والنذير) صلى الله عليه وآله وسلم.
( الإمام شمس الدين بن ناصر الدمشقي: وهو صاحب كتاب (مورد الصادي في مولد الهادي) صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو القائل في أبي لهب: إذا كان هذا [censored] جاء ذمه وتبت يداه في الجحيم مخلدا الموضوع الأصلى من هنا: ملتقى حضرموت للحوار العربي http://www.hdrmut.net/vb/showthread.php?t=6789 أتى أنه في يوم الاثنين دائما يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي طول عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا
(9) الإمام الحافظ شمس الدين ابن الجزري : إمام القراء ، وصاحب التصانيف التي منها(النشر في القراءات العشر)، وسمى كتابه : (عرف التعريف بالمولد الشريف).
(10) الإمام الحافظ ابن الجوزي : حيث قال في المولد الشريف : إنه أمان في ذلك العام ، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام .
(11) الإمام أبو شامة (شيخ الحافظ النووي) : قال في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث ـ ص23) ما نصه : ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات ، والمعروف ، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك ، وشكرا لله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين .اهـ
(12) الإمام الشهاب أحمد القسطلاني (شارح البخاري) : حيث قال في كتابه ( المواهب اللدنية ـ 1/148 ـ طبعة المكتب الإسلامي) ما نصه : فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء . اهـ وكذلك ممن ألف وتكلم في المولد: الإمام الحافظ السخاوي ، والإمام الحافظ وجيه الدين بن علي بن الديبع الشيباني الزبيدي .. وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لاستقصائهم . فبالله عليك أخي المسلم ..
- هل كل هذا الكم من علماء الأمة وفضلائها والذين يقولون بعمل المولد ، وألفوا الكتب والمؤلفات في هذا الباب زنادقة أحفاد عبد الله بن سبأ اليهودي ؟! وهل هؤلاء العلماء والذين يدين لهم العالم بأجمعه ، على ما صنفوه من الكتب النافعة في الحديث والفقه والشروحات وغيرها من العلوم .. وهل هم من الفجار مرتكبي الفواحش والموبقات؟! .. وهل هم - كما يزعم المعارض - يشابهون النصارى في احتفالهم بميلاد عيسى عليه السلام ؟! وهل هم يقولون بأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به ؟! إننا نترك لك - أخي المسلم - الإجابة على هذه الأسئلة !!
ادعاء باطل :
قال المعارض : لو كان الاحتفال بالمولد من الدين لبينه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأمة أو فعله في حياته أو فعله أصحابه رضي الله عنهم ، ولا يقول قائل أن الرسول صلى الله عليه وآله نسلم لم يفعله تواضعاً منه فإن هذا طعن فيه عليه الصلاة والسلام . انتهى كلام المعارض .
والجواب : إن كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الصحابة من بعده لا يعتبر تركهم له تحريماً ، والدليل على ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : ((من سن في الإسلام سنة حسنة ...)) الحديث ، وفيه أكبر دليل على الترغيب في إحداث كل ما له أصل من الشرع وإن لم يفعله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضوان الله عليهم .
قال الشافعي رضي الله عنه : كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف ، لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت ، أو لما هو أفضل منه ، أو لعله لم يبلغ جميعهم علم به . اهـ
فمن زعم تحريم شيء بدعوى أن النبي صلى الله عليه وآله نسلم لم يفعله فقد ادعى ما ليس له دليل ، وكانت دعواه مردودة .
ونحن نقول لكم : بناء على القاعدة التي أصلتموها. وهي أن من أحدث ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو صحابته فقد ابتدع في الدين . يفهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكمل الدين لهذه الأمة ، , وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به .. ولا يقول أو يعتقد ذلك إلا زنديق مارق عن دين الله . ونقول : من فمك ندينك .
فقد أحدثتم في أصل العبادات مسائل كثيرة لم يفعلها صلى الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة ولا التابعون ولا حتى تابعي التابعين ..
فعلى سبيل المثال لا الحصر: 1 - جمع الناس على إمام واحد لأداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح في الحرمين الشريفين وغيرهما من المساجد . 2 - قراءة دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح ، وكذلك في صلاة التهجد . 3 - تخصيص ليلة (27) لختم القرآن في الحرمين وأكثر مساجد العالم الإسلامي . 4 - قول المنادي بعد صلاة التراويح ( صلاة القيام أثابكم الله ) . 5 - قول : إن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام : توحيد ألوهية ، وتوحيد ربوبية ، وتوحيد أسماء وصفات . فهل هذا حديث شريف ، أو قول أحد من الصحابة أو أحد من الأئمة الأربعة؟!
.. إلى غير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره من تخصيص هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجامعات إسلامية ، وجمعيات لتحفيظ القران ، ومكاتب دعوة وإرشاد ، وأسابيع احتفال المشايخ ، ومع ذلك فنحن لا ننكر هذه الأشياء إلا أن الكثير منها هو من البدع الحسنة التي ينكر هؤلاء القوم على من يفعل أمثالها ثم يفعلونها . ففعلكم لهذه المبتدعات التشريعية التي لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه تعارض واضح مع قاعدتكم التي تقول : إن العبادات توقيفية ، وإن كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه رضوان الله عليهم فهو بدعة (سيئة) فلربما تكونوا ممن أذن لكم بالتشريع من دون الناس!! ..
ادعى المعارض أن أكثر من يحيي هذه الموالد من الفسقة والفجار ، وهذا كلام ساقط إن دل فإنما يدل على معدن قائله ، وهو غيض من فيض ، وليس لنا من جواب عليه إلا قول المولى عز وجل: ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) . وهل كل من ذكرناهم من الأئمة الأعلام في نظر المعارض من الفسقة والفجار؟! . لا أستبعد أن يقول بذلك!! سبحانك هذا بهتان عظيم . نقول كما قال القائل : وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
إشكالات عند المعارض :
استشكل المعارض - هداه الله - بعض الألفاظ وادعى أنها شركيات ، ومنها قول العارف بالله الإمام البوصيري : يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم ولا ندري كيف حصل لديه هذا الإشكال ، وكيف لم يتمعن في قول الإمام البوصيري (عند حلول الحادث العمم) ، وبدورنا نحن نسأل القارىء ما هو الحادث العمم ؟! (العمم) أي الذي يعم الكون بأسره من أنس وجن .. بل وجميع الخلائق ، فلن يخطر ببال أي إنسان إلا أن يكون هذا الحادث هو يوم القيامة . وبعد إيضاح هذا الإشكال لدى المعارض يكون المراد من قول الإمام البوصيري : هو طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة وذلك لأنه ليس لنا أحد نلوذ به ونتوسل به ونستشفع به إلى الله سوى خير البرية عليه الصلاة والسلام في ذلك المقام الذي يقول فيه الرسل والأنبياء : نفسي نفسي ، ويقول هو عليه الصلاة والسلام : أنا لها أنا لها . وبهذا يظهر أن ما استشكله المعارض مردود عليه ودال على جهله وذلك بسبب عمى البصر والبصيرة نسأل الله العافية .
ومثال آخر لمثل هذا القول المشكل عند العامة من الناس ، ما نقله الإمام الجليل الكمال بن الهمام الحنفي - صاحب فتح القدير في مناسك القاري ، وشرح المختار ، من السادة الأحناف - لما زار الإمام أبو حنيفة المدينة وقف أما القبر الشريف وقال : يا أكرم الثقلين يا كنز الورى جد لي بجودك وارضني برضاك أنا طامع في الجود منك ولم يكن لأبي حنيفة في الأنام سواك
نوايا خبيثة :
يقول المعارض : إنه يحصل في المولد اختلاط الرجال بالنساء ، واستعمال الأغاني والمعازف وشرب المسكرات ... ، وقد كذب والله ، حضرنا مئات الموالد فلم نر اختلاطا ، ولم نسمع معازف ، أما شرب المسكرات ، فنعم رأينا سكراً ولكن ليس كسكر أهل الدنيا ، وجدنا سكر المحبة لرسول الله صلى اله عليه وآله وسلم ، ذلك السكر الذي يغلب حتى على سكرات الموت ، كما حصل لسيدنا بلال رضي الله عنه عندما حضرته المنية حين امتزجت حلاوة المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع سكرات الموت حتى غلبت عليها سكرات المحبة ، فكان يقول وهو في تلك السكرات : غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه
جهل فاضح :
يقول المعارض : إن يوم ولادته صلى الله عليه وآله وسلم هو نفس يوم وفاته ، فالفرح فيه ليس بأولى من الحزن ، ولو كان الدين بالرأي لكان اتخاذ هذا اليوم مأتماً ويوم حزن أولى .
ونقول : ما شاء الله على هذه الفصاحة العرجاء !! ، والتي سيجيبكم عليها العلامة جلال الدين السيوطي كما في (الحاوي للفتاوي ص193) طبعة دار الكتب العلمية) حيث قال ما نصه : إن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم أعظم النعم ، ووفاته أعظم المصائب لنا ، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم ، والصبر والسكون عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة ، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ، ولم يأمر عند الموت بذبح (عقيقة) ولا بغيره ، بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع ، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وآله وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته ، وقد قال ابن رحب في كتابه (اللطائف) في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل مقال الحسين رضي الله عنه ، ولم يأمر الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف ممن هو دونهم ؟! . اهـ
وفي الختام نختم قولنا هذا بحديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه أبو يعلى عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( إن مما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رؤيت بهجته عليه وكان رداءه الإسلام انسلخ منه ونبذه وراء ظهره ، وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك . قال : قلت : يا نبي الله ! أيهما أولى بالشرك المرمى أو الرامي ؟ ، قال : بل الرامي )) ، قال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد . تم بحمد الله ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية السبت 16 فبراير 2013 - 9:56 | |
| متى تقشعِرُّ مِنَّا الجلودُ والقلوب الحمد لله الذي قالَ لنبيه }وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ{ وأشهد أن لا إله إلا الله يسرَ القرآن للذكر فهل مِن مُدَّكر , وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبيينا وحبيبنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ نزل عليه جبريلُ بقولِ الله الجليل } وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ { صلى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ الذين اهتدوا بهديهِ , ورضيَ الله عنِ السابقينَ وتابعيهم بإحسان إلى يومِ الدين أما بعد عباد الله : فإنَّ أعظم النعمَ شأناً نعمةُ تعليمَ القرآن ! ولهذا نجِدُ الخالقَ سبحانهُ عندما يُحدِّثُ عبادَه عن نِعَمِهِ الظاهرةِ والباطنةِ , ويُعدِّدُها يبدأُ بتعليم القرآن , ما ذاكَ إلا لأنهُ أعظمُ النِعَمِ شأناً .. ففي سورةِ الرحمن عروسِ القرآن يقول ربُّنا في أولها : } الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ { لقد جعلَ تعليمَ القرآن في بدايةِ تَعدادِ النِّعَم التي أنعم الله بها على عبادهِ من الأنسِ والجان , لأنهُ أعظمُ النِّعَم شأناً وأرفعُها قدراً وعليهِ مدارُ السعادةِ الدنيويَّةِ والأُخروية ! وليس أدلَ على ذلكَ مِمَا رواهُ أبو هريرةَ مرفوعاً ( إنَّ اللهَ لو أغفلَ شيئاً , لأغفلَ الذرةَ والخردلةَ والبعوضةَ ) ويقولُ ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ( أنزلَ الله في هذا القرآن علمَ كُلِّ شيء , وبيَّنَ لنا فيهِ كُلَّ شيء , ولكن عِلمَنا يقصرُ عما بيَّنَ لنا في القرآن ) وقال المرسى أبو العباس رضيَ اللهُ عنهُ : ( جمعَ القُرآن علومَ الأولينَ والآخرينَ , بحيثُ لم يُحط بهِ علماً على حقيقتِهِ إلا المُتكلمُ بِهِ سبحانَهِ وتعالى , ثُمَّ رسولَ اللهِ ثُمَّ ورِثَ عنه مُعظَمَ ذلكَ ساداتُ الصحابةِ وأعلامُهم كالخلفاءِ الأربعة , ثُمَّ ورِثَ عنهُمُ التابعينَ لهم بإحسان , ثُمَّ تقاصرتِ الهممُ , وفترتِ العزائمُ , وتضاءلَ أهلُ العلمِ , وضعُفوا عن حملِ ما حملُهُ الصحابة والتابعونَ من علومِهِ وسائرَ فنونِهِ , فلا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العلي العظيم . عباد الله : إنَّ القرآنَ كما قرر الباحثونَ هو وحده { وثيقة السماءِ الوحيدة في هذه الأرض التي لم يطرأ عليها تعديلٌ أو تحريف , والتي ترسُمُ للإنسانيةِ معالِمَ الطريق }. وليس هناك من منقذٍ للبشرية غيرُ الإسلام !! فواجبنا أيها الأخوة أن نفتحَ قلوبَنا للقُرآن حتى تضيءَ بنورِهِ وتُشرقَ بضوئهِ ويتصلَ بها تيارُهُ فلا يحلَّ بها ظلامٌ ولا يعتريها يأسٌ من رحمةِ الله . يقــــول الله سبحانهُ وتعالــى عن القرآن : } اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ { ولقد كان الإيمانَ يشتدَّ ويتضاعف , فكانَ يمِسُ القلوبَ ما يبعثُ فيها الإحساسَ الكاملَ والشعورَ الحي !! يروى أنَّ سيدُنا عُمَرَ بن الخطابَ رضي الله عنه كانَ يمشي إلى جوارِ حائطٍ , فإذا رجلٌ يقومَ الليلَ يقرأ قول اللهِ عزَّ وجلَّ } وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ { وعندما سمعَ عُمَرَ رضي الله عنه هذه الآياتِ خرَّ مغشياً عليهِ , لأنَّ التيارَ القُرآنيَ لامسَ قلبهُ , ويحملهُ الناس إلى البيتِ فيظلُّ شهراً مريضاً يعودَهُ الناس . وكانَ هذا المسُّ يشتدَّ تيارُه , فيصلُ إلى حدِّ الموت , فقد رويَ عن أبي أوفى رضيَ اللهُ عنهُ أنَّه كانَ يقرأ قوله تعالــــى : } يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ { حتى وصلَ إلى قولِ الله تعالـــى : } فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ { فخرَّ مغشيَّاً عليهِ , وإذا روحَهُ قد صَعِدت إلى بارئها مع الرفيقِ الأعلى مِنَ الأنبياءِ والشهداءِ والصالحينَ وحسُنَ أولئكَ رفيقا . عباد الله : لقد كانَ المسلمونَ الأولونَ يقفونَ عندَ كُلِّ آيةٍ يأخذونَ منها العظةَ والعبرة , وكانت لهم تأملاتٌ نافعة , ووقفاتٌ مع الآياتِ رائعة , يقولُ أحدَ الصالحينَ : أعط العلمَ كُلَّك يُعطِكَ بعضَهُ , وأعطهِ بعضكَ لا يُعطيكَ شيئاً أما القُرآن الكريمَ فمن أرادَ أن يستخرجَ كنوزهُ فعليهِ أن يُحسِنَ الاستماعَ والإنصاتَ والتَّدبُّرَ . } وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { } أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا { ورويَ في صحيحِ البخاري عن ابن مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قال : ( إنَّ أحسنَ الحديثَ كتابُ اللهِ وأحسنَ الهَدي هديُ محمد وشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها وإنَّ ما توعدونَ لآتٍ وما أنتم بمعجزينَ ) . وإذا كانَ القُرآنَ وحيٌ من اللهِ يهَدي للتي هيَ أقومَ في العقيدةِ والتشريع والأخلاق فإنَّ السنةَ بيانُ ذلكَ وهي وحيٌ كذلك لأنهُ لا ينطقُ عن الهوى , ولا يمكنُ فهمُ القرآنِ وتطبيقهُ في حياةِ الفردِ والجماعة , دونَ الرجوعِ إلى إليها فقد حددَ الله سبحانهُ حينَ أنزلَ كتابهُ مهمةَ النبي في أمرين : تبليغُ ما أنزلَ الله كما أُنزل , وبيانُ ما أنزل اللهُ ببيانٍ مِنَ الله عزَّ وجلَّ . أخواني الكرام : إنَّ حياتنا المعاصرة محيطٌ تتماوجُ فيهِ تياراتُ الإلحاد , والانحراف , والتحلل , وتتضاعفُ أسباب القلق النفسي , ومِن هُنا تعظُم الحاجةَ إلى سفينةٍ للنجاةِ ترسو بنا في مَرفأ الاستقرارِ والأمانِ وليس هُناكَ مِن مُعتصمٍ إلا الكتابَ والسنة . الحديث : روى البخاري عن سيدُنا عثمان بن عفان رضي اللهُ عنهُ قال : قال رسولُ اللهِ ( خيرُكم من تعلمَ القُرآنَ وعلمهُ ) أو كما قالَ الخطبة الثانية الحمدُ للهِ عزَّ وجلَّ خلقَ الأنام , وقدَّرَ الأيام , يُقلبُ الله الليلَ والنَّهار إنَّ في ذلكَ لعبرةٌ لأُلي الأبصار , أحمُدّهُ سبحانهُ أمرَ بالاستعدادِ للقائهِ مع التمتُع بنعمائهِ فقال : } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ { وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهَ بيدِهِ ملكوت السماواتِ والأرض , وهو الذي ذرأكم في الأرضِ وإليهِ تُحشرونَ , وهو الذي يحي ويُميت وله اختلاف الليلِ والنَّهار , وأشهدُ أنَّ سيدنا محمداَ عبدُ اللهِ ورسولُه أنفقَ عُمرهُ في خيرِ ما ينفقُ فيهِ الأعمار , فأخلصَ لله عملهُ بالليلِ والنَّهار , صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ المصطفين الأخيار , وسلَّمَ تسليماً كثيراً . أما بعدُ عبادَ الله : يقــول الله تعالـــى في محكمِ تنزيلِهِ } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ { لقد حدد اللهُ للإنسانِ في هذه الدنيا عُمراً وأجلا } فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ { وهذا العُمرُ قصير مهما طالَ لأنهُ يتناقصَ يوماً بعد يوم , والزمنُ سائرٌ في طريقِهِ لا يلوي على شيءٍ , وما مضى مِن الزمنِ لا يرجع , وهذا الزمنُ فرصة إن لم ينتهزها الإنسانُ قبلَ رحيلِهِ انقلبت حسرة , ومن هُنا قالوا في الحكمةِ ( الوقتُ كالسيفِ إن لم تقطعهُ قطعك ) وعندَ العارفينَ باللهِ فواتُ الوقتِ أشقَ عليهم مِن فواتِ الروحِ , وقال رسول هذه الأمة ( نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ مِنَ النَّاسِ : الصحةُ والفراغ ) فكثيرٌ من الناَّسِ يظلمونَ أنفُسَهم ويهضمونَ حقوقَهُم بسببِ عدمِ الانتفاعِ بصحتِهِم وأوقاتِ فراغِهم , والإسلام الحنيفَ يُعلمنا التنبُهِ للوقتِ والتذكرِ لمكانةِ الزمن , والحذر من ضياعِهِ في لهوٍ أو باطل . وأُذكركم بأمر الله فيكم بالصلاة على نبيكم فقد أمركم بذلك وبدأ بنفسِهِ فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد اللهم بارك لنا فيما أعطيت , وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت , ووفقنا إلى عملِ الخير وخيرِ العمل وآت نفوسنا تقواها وزكِهّا أنت خيرُ من زكاها , وأغفر اللهم للمسلمين والمسلماتِ الأحياء منهم والأموات , وولِّ أمورنا خِيارَنا , ووفق ولاة أمورنا لما تُحِبه وترضاه يا كريم إنك على ما تشاءُ قدير وبالإجابةُ جدير , , ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم و تُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا من الذين تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم و تحيتهم فيها سلام و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالميـــــن |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| | | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الأحد 17 فبراير 2013 - 19:14 | |
| وتلك الأيام نداولها بين الناس
*******
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد : فإن جمهرة الناس ينظرون إلى قوى البغي والعدوان الممثلة اليوم في أمريكا وحلفائها على أنها قوى شريرة تمتلك المال والعتاد لإهلاك الحرث والنسل ، وأن لا أحد على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول قادر على أن يوقف إرهاب تلك القوة التي تمتلك إمكانات لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية . وينقسم الناس إزاء ذلك إلى فئات متعددة ؛ فمنهم الذي يبادر ويسارع في استرضاء أمريكا بتنفيذ سياساتها وإعطائها ما تريد ؛ على أمل أن تتفادى الانتقام الأمريكي أو الضربة القاتلة ، { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } ( المائدة : 52 ) ، ويجلس فريق آخر يائساً بائساً حزيناً كئيباً لا يرى في الخلاص من هذا المأزق أملاً ، فيجلس ينتظر متى يحين دوره كما تبقى الشياه تنتظر سكين الجزار ، ويبقى فريق ثالث يؤمنون بالله واليوم الآخر إيماناً حقيقياً وصادقاً ، يؤمنون بما وعد الله ورسوله ، ويعلمون السنن التي يجريها الله تعالى في خلقه ، فهم يعملون بها ويتصرفون من خلالها ، ويغالبون قدراً بقدر حتى يأتي نصر الله الذي وعد عباده المتقين : { فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } ( المائدة : 52 ) . إن علو أمريكا وحلفائها من قوى الشر والطغيان ؛ إنما هو دورة من دورات الزمن ، وإن الزمن لن يقف عند هذا الحد ، وإن التاريخ لن ينتهي بهذا المشهد بل ستمر دورات ودورات تحقيقاً لقول الله تعالى : { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس } ( آل عمران : 140 ) . من كان يظن عندما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى توحيد الله العلي الكبير ، ونبذ الشرك وعبادة ما سوى الله تعالى ؛ بين ظهراني مشركي مكة وساداتها ، واشتداد أذى صناديد كفار قريش لمن آمن من المسلمين ؟! من كان يظن أن بلال بن رباح ذلك العبد الأسود الحبشي الذي لا قيمة له في نظر المشركين ، والذي كان يُعذَّب في وقت الظهيرة في بطحاء مكة الملتهبة ، من كان يظن أنه سيرقى يوماً ما على ظهر الكعبة في وجود أشراف قريش وسادتها وهم ينظرون إليه ولا يملكون إلا النظر ، وهو يردد بصوته الجهوري الندي وهو آمن ما يكون : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ... ؟! هذه صورة وقعت في الماضي وغيرها كثير لم يكن أحد يتخيل حدوثها في ظل موازين القوى المختلفة بين الفريقين ، ففريق قوي مسيطر يملك كل شيء ، وفريق آخر ضعيف مستعبد لا يملك شيئاً ، ومع ذلك فقد حدث الذي حدث ، وسيحدث من مثله ما شاء الله أن يكون ، يدرك ذلك المتقون المؤمنون ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مكة قبل الفتح ، عندما قال له بعضهم من شدة ما يلاقي من الأذى ولا يجد ما يكف به ذلك : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو الله لنا ؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : « والله ! ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله ، أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون » [1] . فهذا الصحابي لما رأى من شدة التباين في موازين القوى بين معسكر الإيمان الضعيف مادياً في ذلك الزمان ، وبين معسكر الكفر القوي مادياً ، ورأى من خلال المقاييس والحسابات المادية والتصورات العقلية أنه ليس بإمكان المسلمين النصر على العدو ، ورأى أن ذلك لا يمكن حدوثه إلا من خلال عقوبة إلهية ؛ طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء والاستنصار ، وكان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا التصور الذي قد يدفع بعض الناس إلى الإحباط وفقدان الأمل ؛ يتمثل في أمرين : الأول : التبشير بالنصر والتمكين ؛ وبغلبة الحق وأهله ، واندحار الباطل وجنده : « والله ليتمن هذا الأمر » . الثاني : دعوته لهم بعدم الاستعجال ، حيث ينبغي عليهم الصبر والتحمل والعمل والجد والاجتهاد والجهاد : « ولكنكم تستعجلون » . وهذا ما ينبغي علينا فعله اليوم إزاء تكبر الأعداء وطغيانهم ؛ أن نبشر قومنا بأن النصر حليفهم وإن طال الزمان ، وأن على الباغي تدور الدوائر ، وأن ندعوهم إلى الإيمان الصادق والعمل الصالح ، والجد والاجتهاد والجهاد ، { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة } ( الأنفال : 60 ) ، والرسول صلى الله عليه وسلم في موقفه هذا ينطلق من السنّة القدرية المكنونة في قوله تعالى : { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس } ( آل عمران : 140 ) ؛ أي أن النصر والغلبة في الحروب تكون تارة للمؤمنين على الكافرين ، وتارة للكافرين على المؤمنين ، وكل ذلك يجري بأسبابه التي قدّرها الله تعالى في إطار المشيئة الربانية التي تحوي حِكَماً عديدة من وراء علو الكافرين أحياناً وتسلطهم على المسلمين .
* أسباب إدالة الكافرين على المسلمين : تجتمع أسباب إدالة الكافرين على المسلمين - أي غلبة الكافرين للمسلمين - في كلمة واحدة ؛ وهي : ( معصية المسلمين ربهم ) ، فمتى عصى المسلمون ربهم ، وانتشرت بينهم المعاصي بغير نكير منهم ، أو بنكير ليس فيه تغيير ؛ عاقب الله المسلمين بذلك ، وأظهر عليهم الكافرين جزاء ما فعلوا ، وقد تبين من النصوص الشرعية أن المؤمنين منصورون غالبون قاهرون لعدوهم مهما كانت قوة العدو وعدده وعدته ، ومهما اختلت موازين القوى لصالح الكفار ؛ إذا كان المؤمنون صادقين عاملين بما يجب عليهم ، تاركين لما نُهوا عنه ، قد أخذوا من أسباب القوة ما كان في طاقاتهم ووسعهم ، ولم يقصّروا في امتلاك القوة التي يمكنهم امتلاكها ، وقد قال الله تعالى مبيناً ذلك : { كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } ( المجادلة : 21 ) ، وقال سبحانه : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ } ( الصافات : 173 ) ، وقال تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ } ( غافر : 51 ) ، والآيات في ذلك كثيرة . وكان عمر - رضي الله عنه - يحذر جيوشه المنطلقة للقتال في سبيل الله من الوقوع في المعاصي ، ويقول لهم : « إن أهم أمركم عندي الصلاة » [2] ، ويبين ابن رواحة - رضي الله عنه - أن المسلمين لا ينتصرون على عدوهم بعدد أو عدة ، وإنما ينتصرون بطاعة المسلمين لله ، ومعصية الكافرين لله ، ويقول عندما استشاره زيد في لقاء الروم بعد أن جمعوا جموعاً كثيرة : « لسنا نقاتلهم بعدد ولا عدة ، والرأيُ المسير إليهم » [3] . وقد كانت الجيوش الإسلامية التي يبلغ تعدادها ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف تقاتل الجيوش الكافرة التي تربو على مائتين وخمسين ألفاً ، ثم يكون النصر حليف المسلمين ، { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ } ( البقرة : 249 ) ، ثم يعقب الله على ذلك بقوله : { وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } ، والصبر هنا ، وفي مثله من المواضع ، ليس هو الصبر الذي يفهمه كثير من الناس اليوم بمعنى الإذعان للواقع والاستكانة للظلمة المتجبرين ، فإن من كان هذا حاله فإن الله لا يكون معه ، وإنما الصبر المراد هنا هو حبس النفس عن الجزع عند ملاقاة العدو ، والثبات على الحق ، وعدم التخلي عنه أو التحايل عليه ، وتحمل المشاق في الدعوة إلى الله والعمل الصالح رجاء ما عند الله من المثوبة [4] ، وقد بيَّن أهل العلم أن النصر والظفر قرين الطاعة . قال الزجاج : « ومعنى نداولها : أي نجعل الدولة في وقت للكفار على المؤمنين إذا عصى المؤمنون ، فأما إذا أطاعوا فهم منصورون » [5] . وقال القرطبي : « { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس } ( آل عمران : 140 ) ؛ قيل هذا في الحرب تكون مرة للمؤمنين لينصر الله دينه ، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ؛ ليبتليهم وليمحص ذنوبهم ، فأما إذا لم يعصوا فإن حزب الله هم الغالبون » [6] . ومن هنا يتبين أن الجيش المقاتل في سبيل الله عليه أن يحرص على الطاعات والبعد عن الوقوع في المعاصي ؛ مثل أو أكثر مما يحرص على امتلاك السلاح المتقدم ، فإن السلاح المتقدم بيد العاصي الخوار الجبان أقل غنى من السلاح العادي بيد الطائع القانت لربه ، { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً } ( الأنفال : 17 ) .
* الحكمة من إدالة الكافرين على المسلمين : ولله سبحانه وتعالى في ذلك حكم عظيمة ، ظهر أكثرها فيما ورد من الآيات التي عالجت غزوة أحد ، والتي ظهر فيها الكفار على المسلمين بسبب معصيتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا بسبب ضعفهم أو قلّتهم ، قال الله تعالى : { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ } ( آل عمران : 165 ) ، وقال سبحانه : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ } ( آل عمران : 152 ) ، فبين أن ما لحق بهم كان لمعصيتهم بعد ما لاحت بشائر النصر ، وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - ما فهمه من الحكم المتعلقة بمداولة الأيام بين الناس في كتابه ( زاد المعاد ) ، نذكرها مختصرة مع زيادات قليلة تناسب المقام ، فمن الحكم والغايات المحمودة في ذلك : تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع ، وأن هذا أشد عليهم من أسلحة أعدائهم . ومنها : أن النصر لو كان للمسلمين في كل مرة دخل معهم الصادقون وغيرهم ولم يتميز المؤمن حقاً من غيره . ومنها : أنه لو انتُصر عليهم دائماً وكانوا على مر الزمان مقهورين لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ، وهو إظهار الحق وإقامة الحجة على الناس . ومنها : فضح المنافقين وإظهارهم للناس حتى يحذروهم ، وحتى يستقيم الصف بخلوّه منهم ، وذلك أن المنافقين عند هزيمة المسلمين يظهرون ما كانوا يكتمون ويصرحون بما كانوا يلوحون ، ومن هنا يدرك المسلمون أن لهم عدواً من أنفسهم يعيش معهم وبين ظهرانيهم لا يفارقهم ، فيستعدون لهم ويحذرون منهم ، وهذا من سنة الله تعالى أنه لا يترك المؤمنين مختلطين بالمنافقين من غير أن يُقدِّر امتحاناً أو بلاء تتميز به الصفوف ، قال الله تعالى : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } ( آل عمران : 179 ) . ومنها : استخراج عبودية أوليائه وحزبه في الضراء كما هي في السراء ، وفيما يكرهون كما فيما يحبون ، فإن المسلم إذا ثبت على الطاعة والعبودية في السراء والضراء وفيما يحب وفيما يكره ؛ كانت عبوديته حقة ، وليس كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية . ومنها : أن الله لو نصر المؤمنين في كل موقف وكل موقعة فلربما طغت نفوس أكثر الناس ، وبغوا في الأرض ، ووقع في نفوسهم أن النصر من عندهم وليس من عند الله . ومنها : أنه إذا امتحنهم بالهزيمة ذلوا وانكسروا وخضعوا وابتهلوا إلى الله وتضرعوا ، فيستوجبون بذلك من الله النصر والعز . ومنها : أن بلوغ الدرجات العالية في الجنة لا تنال إلا بالأعمال العظيمة ، ومن الناس من لا تبلغ أعمالهم تلك المنازل فيقيض الله لهم من أسباب الابتلاء والامتحان ما يرفع به درجاتهم . ومنها : أن الله يبلغ بعضاً من عباده درجة الشهادة التي هي من أعلى مراتب الأولياء ، ولا تنال هذه الشهادة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها . ومنها : أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم ؛ قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها الهلاك والمحق ، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم ومبالغتهم في أذى أوليائه ، ومحاربتهم وقتالهم والتسلط عليهم ، فيكون ذلك سبباً في تعجيل العذاب في الدنيا للكفار وهلاكهم ، كما قال تعالى في بيان الحكمة من غلبة الكفار : { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ } ( آل عمران : 141 ) ، قال ابن كثير - رحمه الله - : « وقوله { وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ } ؛ أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا ، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم » [7] . ومنها : تنقية المؤمنين وتخليصهم من الذنوب وآفات النفوس التي قلّما ينفك منها الناس ، كما قال تعالى : { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } .. إلى غير ذلك من الحكم والغايات المحمودة [8] .
* وسائل دفع غلبة الكافرين : من أول هذه الوسائل : الإيمان الصادق والاعتقاد السليم ، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ؛ إيماناً لا تخالطه شائبة ، إيماناً مبرءاً من البدع والقصور ، إيماناً يبعث على العمل الذي تتحق به المنجزات . ومنها : الحرص على الطاعة والبعد عن المعصية ، فإن هذا أولى ما تُوجه إليه الهمم بعد الإيمان ؛ بحيث يكون الغالب على جماعة المسلمين الطاعة ، وتكون المعصية منغمرة في جنب ذلك ليس لها ظهور ولا فشو ، فقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم : « أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ! إذا كَثُر الخبث » [9] ، ولذلك فإن من أهم ما يستحق العناية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقوم بذلك الأفراد والهيئات والدول ، فإن طاعة الله تعالى من أهم ما يجلب للمؤمنين نصره ، وللكافرين الهزيمة والخذلان ؛ ومنها : إعداد العدة المستطاعة لمنازلة العدو ؛ إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، والإسلام لم يطلب منا أن نعد العدة الكاملة القادرة على مواجهة الكفار ، ولكن طلب منا أن نبذل جهدنا واستطاعتنا ، فقال تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة } ( الأنفال : 60 ) ، وذلك أن النصر من عند الله وليس من عند أنفسنا وليس من سلاحنا . ومنها : ترك الوهن والضعف والتخاذل الذي يقضي على كل همّة ، ويجلب الذل والهزيمة في ميادين الجهاد ، وترك الحزن الذي يستحكم في النفوس فيحيلها إلى نفوس هامدة قابعة ليس لها قدرة على المواجهة ، قال تعالى بعد هزمية المسلمين في أُحد مسلياً لهم ومحرضاً لهم على الثبات : { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ( آل عمران : 139 ) . ومنها : اليقين بأن تسلط الكفار على المسلمين لن يدوم ، وإنما هذا ابتلاء من الله ، وأن الأيام يداولها الله بين الناس ، وأن على المسلمين أن يأخذوا بأسباب التغيير التي تغير الأوضاع التي بها تمكن الكفار منهم ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } ( الرعد : 11 ) . ومنها : اليقين بما وعد الله عباده المؤمنين ، ومن ثم العمل على تحقيق الوعد ، قال الله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً } ( النور : 55 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها » [10] . وقال : « ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر ، إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام ، وذلاً يذل الله به الكفر » [11] . نسأل الله من فضله أن يجعل ذلك قريباً ، وأن يوفقنا للعمل بالأسباب التي تجعل الدولة للمسلمين على الكافرين . الكاتب : محمد بن شاكر الشريف |
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الإثنين 9 ديسمبر 2013 - 15:29 | |
| البيت المسلم أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، وأشكره على آلائه ونعمه ، وأشهد أن لا إله إلا هو ، شهادة أرجو بها الفوز والفلاح يوم لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ .وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه ، وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون : لقد أنعم الله ، على عباده ، بنعم لا تعد ولا تحصى، كما قال سبحانه : وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ . من هذه النعم ـ أيها الأخوة ـ نعمة السكن ، هذه البيوت ، التي نأوي إليها ، ونسكن بها ، وتسترنا عن أنظار الناس ، نحرز بها أموالنا ، ونحفظ بها عوراتنا ، ونتحصن بها عن أعدائنا ، وتقوم بمصالحنا الكثيرة ، هي نعمة ، أمتن الله بها فقال : واللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ . فالسكن في البيوت نعمة عظيمة ، ولكي ندرك ونتصور مقدار هذه النعمة ؛ نتأمل حال من فقدها ، كيف تكون حال من لم يجد مسكنا يؤويه ؟ أين يكون سكنه ؟ أين يجد راحته ؟ فالسكن ـ أيها الأخوة ـ في هذه البيوت ، نعمة عظيمة ، والمتأمل لحالنا في بيوتنا ، يجد أنها نعمة قد حوت نعما كثيرة ، فلم تعد بيوتنا كالبيوت السابقة ، إنما توفرت لنا بها وسائل الراحة ، وسبل المتعة ، وأسباب الرفاهية ، ولذلك وغيره ، وجب الشكر للمنعم سبحانه ، وكما قال : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ . أيها الأخوة المؤمنون : فمن أوجب الواجبات ؛ شكر الله على هذه النعمة ، ومن شكرها : جعلها كما يريد ويحب سبحانه ، وكما يحب ويريد رسوله ، وأن تستعمل وفق تعاليم الشرع وتوجيهات الدين ، فبيت المسلم يجب أن يكون متميزا عن غيره من البيوت ، يجب أن يتميز شكلا
ومضمونا . ومن الأمور التى هى فى غاية الخطور، ما يفعله بعضهم ، حيث يقلد أعدائه في تصميم بيته ، ويفتخر في ذلك ، ودخلت ثقافات غربية غريبة من دون استئذان و من المخالفات ما لا تحصى ، بل مجرد محاكاة الأعداء في أمر من الأمور حرام في الإسلام ، وقد صدق : (( ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل)) فالتقليد حاصل ولكنه لا يجوز . فبيتك ـ أخي المسلم ـ يجب أن تراعي فيه القيم الدينية ، والآداب الإسلامية ، لا تتشبه من خلاله بمن حذرك ربك ونبيك من التشبه بهم . لأنه (( من تشبه بقوم فهو منهم )) كما قال . أيها الأخوة المؤمنون : النبي ، بين لأمته ، أمورا ينبغي أن توجد في كل بيت مسلم ، لأن فيها سعادة ساكنيه ، واستقرار أهله ، منها ـ أيها الأخوة ـ ذكر الله ، وتلاوة القرآن الكريم ، وصلاة النافلة ، وخلوه من المحرمات ، ففي الحديث عن أبي موسى قال : (( مثل البيت الذي يذكر الله فيه ، والبيت الذي لا يذكر الله فيه ، مثل الحي والميت )) وفي الحديث عن أبي هريرة ، أنه قال : (( لاتجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة )) . وقال : (( عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )) . أيها الأخوة المؤمنون : ففي هذه الأحاديث ، دليل على مشروعية أعمار البيوت بذكر
لله والإكثار من صلاة النافلة ، لأنها في البيت أفضل من المسجد ، فإذا وجدت هذه الأمور في البيت : ذكر الله ، والصلاة ، وتلاوة القرآن ، صارت مدارس للخير ، يتربى بها من يسكنها من النساء والأبناء على محبة الله والرغبة في طاعته ، والحذر من مخالفة أمره ، بل تصير مزارا للملائكة ، ومنزلا للسكينة ، وتبتعد عنها الشياطين . أما إذا خلت البيوت من هذه القربات وتلك الطاعات ، صارت والعياذ بالله قبورا موحشة ، وأطلالا خربة ، وأصبح سكانيها موتى قلوب ، حتى ولو تحركوا مع الأحياء ، وصاروا والعياذ بالله خدما وعبيدا للشيطان ، يأكل معهم إذا أكلوا ، ويشرب معهم إذا شربوا ويشاركهم في الأموال والأولاد . ومما يزيد الطين بلة ، إذا وجد في هذه البيوت ـ الخالية من الطاعات ـ بعض وسائل الشر والفساد والانحراف قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ))في هذا الحديث ملمح خطير، وهو أن الأب من خلال نص الحديث يطعم ابنه، ويكسوه، ويؤويه،ولكن يضيعه أولاً حينما يهمل تربيته، وينشغل بدنياه... وعندئذ تتقاذفه، قنوات المجاري الفضائية، ومواقع القمامة الإباحية، وقد قام عدد من الباحثين الاجتماعيين بدراسة ظواهرالسرقة والاغتصاب والقتل المفرد والقتل الجماعي، وأعمال العنف فوجدوا أن للمواد الإباحية تأثيرا مباشرا وملحوظا في جميع هذه الجرائم والأعمال، فضلاً عن أن في العالم اليوم أربعين مليوناً من المصابين بمرض الإيدز، وقد مات في العقدين
الماضيين إثنان وعشرون مليوناً بهذا المرض . أيها الأخوة المؤمنون : إن هؤلاء الذين جعلوا بيوتهم ، خالية من ذكر الله ، مشغولة بما يصد عن طاعة الله ، مأوى لمن عصى الله ، إنهم لم يشكروا الله على ما أنعم به عليهم ، بل بدلوا نعمة الله كفرا ، وإنهم لحريون بعقوبة من الله عاجلة أو آجلة ، أو تستبدل هذه البيوت بسبب معاصيهم بالسجون أو المصحات النفسية ، والله على كل شيء قدير . لأن النعم إذا شكرت قرت وإذا كفرت فرت ، والمعاصي تزيل النعم ، فاتقوا الله عباد الله ، واشكروا الله على نعمه ، اعمروا بيوتكم بذكر الله ، وبما يحب رسوله . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا . أيها الأخوة - ومما يجب أن يكون عليه البيت المسلم ، أن يكون محترما لا يدخله أجنبي إلا بإذن صاحبه ، يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ .
أيها الأخوة : ويجب أن نحمي بيوتنا وأولادنا من كل ما يفسد فطرتهم السليمة التي فطروا عليها بسبب الجهل والفقر، والقهر، في بعض البيئات التي يترعرعون فيها حيث لاحيلة لهم في اختيارها، ورعاية الأولاد عن طريق تربيتهم تربية إيمانية، وأخلاقية، وعلمية، ونفسية واجتماعية، وجسمية، وجنسية، ووطنية، وتهيئة الظروف المناسبة لنموهم النمو السليم المتوازن ؛ لهو هدف كبير لايعلو عليه هدف آخر . والأمة في أمس الحاجة إلى جيل يكون ناهضاً بمستقبلها، تتمثل فيه صحة الجسد، وطُهرُ النفس، ورجاحة العقل أيها الأخوة المؤمنون : وأخيرا من الأشياء المهمة ، التي يجب على المسلم أن يحذرها في بيته ، الاختلاط المحرم ، والخلوات المؤدية لارتكاب الفواحش والمنكرات . فلنتق الله يا عباد الله ، ولنحذر شرور هذه الفتن ، ولا تحملنا المدنية الزائفة ، والتقليد الأعمى على هذه المغامرات الخطيرة فنخرب بيوتنا بأيدينا وأيدي أعدائنا ونحن لا نشعر . اسأل الله لي ولكم الفقه في الدين ، والتمسك بالكتاب المبين ، والإقتداء بخاتم الأنبياء والمرسلين ، والسير على نهج أسلافنا الصالحين . اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام وتعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا
في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين . . اللهم ربنا تقبل توباتنا ، واغسل حوباتنا ، واجب دعواتنا ، واهد قلوبنا ، وسدد ألسنتنا ، وثبت حجتنا ، واسلل سخيمة قلوبنا . اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . عباد الله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|
| | | مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: رد: الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية الثلاثاء 22 يوليو 2014 - 11:06 | |
| (1) آخر رمضان الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام, ووفقنا لإكمال شهر الصيام, فله الحمد على أن هدانا لهذا, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى وسارعوا إلي ما يحبه ويرضاه, واعلموا أن ضيفكم الكريم وموسمكم العظيم قد تصرمت أيامه, وتقلص ظله, قد قُوِّضَت خيامه, وأخذ في الرحيل, ولم يبقى منه إلا القليل, فغداً سيرحل روضة المتقين وفرصة العاملين, ويكون أثراً بعد عين, وسيرحل حامداً لمن أكرمه بتجنب الحرام, وحافظ فيه على الصيام والقيام, وأحسن فيه القيام, محتفظاً بما اُودع فيه, وسيأتي شاهداً لك ومحامياً عنك, ومحاجاً إن كنت أكرمته وحفظت له حقه, إنه سيرحل ولعلك لا تلقاه بعدٌ فودِّعه بسلام, وأختمه بخير فإن العمل بالختام, عباد الله: حاسبوا أنفسكم, وانظروا ماذا سجلتم في صحائفكم قبل فوات الأوان, فمن أحسن (2) فليزدد من الإحسان وليسأل الله الثبات, فإنه لا يدري بماذا يُختم له, وليكثر من قول (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك). وليهتم بقبول عمله اهتمام عباد الله الذين وصفهم الله بقوله }وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{. عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله عن هذه الآية, هم الذين يشربون الخمر, ويسرقون مالاً؟ قال لا يا بنت الصديق, ولكنهم يصومون ويصلون وهم يخافون أن لا يُقبل منهم, أولئك الذين يسارعون في الخيرات! وعن علي بن أبي طالب قال (كونوا لقبول العمل أشدّ اهتماماً منه بالعمل, ألم تسمعوا قول الله تعالى: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ{ فمن فرط فليبادر بالتوبة النصوح قبل أن يُغلق الباب ويسدل الحجاب. صعد رسول الله يوماً المنبر فقال: (آمين, فسُئل عن ذلك, فقال: إن جبريل أتاني فقال من أدرك رمضان ولم يغفر له فيه فأبعده الله قُل آمين فقُلت آمين). فيأيها المصر على الكبيرة, كالسرقة, وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين, وغش المسلمين, وقذف الغافلين, وسب المؤمنين, وتناول المحرمات كشرب الخمر (3) وما أشبه ذلك مما حرمه الله. أيها المصر! أترجو تكفير ذنوبك في هذا الشهر العظيم وأنت باقٍ على شيء من هذه الموبقات, هذه الأمراض الفتاكة التي قد يُلقَى المسلم بسببها في النار على وجهه. اعلموا عباد الله أن التكفير مشروط باجتناب الكبائر اسمعوا قول الله عز وجل: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا{ وقول الرسول (الصلاة إلى الصلاة ورمضان إلى رمضان كفارةٌ لما بينهُنَّ إذا اجتُنبت الكبائرُ) فاحذروا رحمكم الله أن تقعوا في هذه المهلكات, ومن ألمَّ بشيء منها فليبادر بالتوبة النصوح عسى سيئاته أن تبدل حسنات بتوبةٍ صادقه, يعزم فيها التائب على أن لا يعود إلى مثل ذلك الذنب الذي تاب منه, توبةً يندم فيها على ما سلف من الأعمال القبيحة, توبةً يقطعُ بها صلته بذلك الذنب الذي تاب منه توبةً تدفعه إلي رد الحقوق إلى أهلها قال الله سبحانه وتعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ وقوله تعالى }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ توبوا إلى الله فإن أحدكم لا يعرف عن أجله (4) شيئاً واذكروا قول الله تعالى }وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{ توبوا إلى الله فالموت ليس ببعيد عباد الله: اعلموا أن أفضل الإحسان إتباع صيام رمضان بصيام ستة أيام من شوال, ففي ذلك شكر النعم والحصول على مضاعفة الأجر من مواهب الإحسان, فقد صح عن سيد الأنام أنه قال (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر). ذلك لانَّ الله تعالى يجازي على الحسنة بعشر أمثالها, فيكون صيام رمضان بعشرة أشهر, وصيام الست من شوال يعدل شهرين, فتلك سنة كاملة يقع أجر صيامها لمن قام بصيام الستَّ مضافة إلى رمضان, وبذلك يحصل العبد على أجر صيام الدهر. عباد الله: إننا نعبد رباً عفواً يحب العفو. رحمته تسبق غضبه. ومغفرته أعجل من عقوبته. يحب من عباده أن يسارعوا إليه إذا أذنبوا. فالتوبة هي شعار المتقين. ودأب الصالحين. روى الإمام مسلم أنَّ رسولُ الله قال (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله (5) في اليوم مائة مرة) ولله في كل ليلة عتقاء من النار, فاجتهد عبد الله أن تكون واحداً منهم! فرمضان فرصة لمن فرط في صلاته. ليتدارك نفسه ورمضان فرصة لمن قطع رحمه أن يصلها. ولا يدخل الجنة قاطع رحم. وقد أمر الله بصلة الرحم في تسع عشرة آية. ولعن قاطع الرحم في ثلاث آيات فمن كان بينه وبين أحد من أرحامه أو أحد من المسلمين. بغضاء أو شحناء. فليسارع إلى الإصلاح. وإذا صامت بطوننا عن الغذاء. فلتصم قلوبنا عن الشحناء. الحديث: عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ». أو كما قال (6) الخطبة الثانية الحمد لله واهب العطاء والجود, أحمده سبحانه وهو الإله الحق المعبود, وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له, الملك العظيم المقصود, و أشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب المقام المحمود, والحوض المورود, اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد عباد الله: ما أجمل الطاعة تعقبها الطاعة, ما أجمل الحسنة تُجمع إليها الحسنات, أيها المسلمون! إن نبيكم (فرض عليكم صدقة الفطر, فرضها طُهرةً للصائم من اللغوِ والرَّفَث وطعمةً للمساكين) عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ) فأدوها يا عباد الله, طيبة بها نفوسكم, وهي أيضاً شكر لله على نعمته, أن وفقكم لإكمال الصيام والقيام, وهي زكاة البدن, وشكر لله أن أدار علينا رمضان الآن في سلامةٍ في ديننا وأبداننا قال الله تعالى : }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (7) * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{ فرضها المصطفى على عموم المسلمين, على العبيد والأحرار, الصغار والكبار, والذكور والإناث, والأغنياء والفقراء, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ). قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ نَحْوَ حَدِيثِ أَيُّوبَ وَزَادَ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَبِيدٌ غَيْرُ مُسْلِمِينَ لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُؤَدِّى عَنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ. فأدوها من طيّب أموالكم, فإن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ (كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ). فهذه الأصناف الخمسة هي ( التي تُخرج منها زكاة الفطر وأفضلها ما كان أنفع للفقير, فإن الأولى إخراجها من غالب قوت أهل البلد, فإن كانت عينية فمن أجوده وأحسنه يقول الله تعالى: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ{ ويقول جل وعلا: }لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ{ ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين والأكمل إخراجها قبل خروج الناس لصلاة العيد وحاولوا ما استطعتم وصولها إلى مستحقيها لتفوزوا برضوان الله فإن النبي قال: (أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم) وفقنا الله وإياكم لقبول الأعمال ورزقنا وإياكم الاستقامة على الخير والهدى وصلوا وسلموا معشر المسلمين علي سيد الأولين والآخرين فقد أمركم بذلك الجليل العظيم فإنهما وقايتان من فتن الدنيا وعذاب الجحيم قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وآل بيته (9) الطاهرين، وعن جميع أصحاب نبيك والتابعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم ألف بين قلوبهم ، اللهم أخذل اليهود ومن والاهم، اللهم فرق كلمتهم، اللهم شتت شملهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم أنزل الرعب في قلوبهم، اللهم عليك بهم يا الله، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أشفي مرضانا وأرحم موتانا اللهم أرحمنا إذا صرنا إلي ما صاروا إليه يا رب العالمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله |
| | | | الخطب المنبرية فى المناسبات العصرية | |
|
صفحة 1 من اصل 1 | |
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|