مناحة من النواح والنواح في اللغة هو البكاء الشديد على الموتى وعادة ما يكون النواح مصحوب بكلام يعدد ماثر الفقيد او يرثى حال من يبكيه بعده ولعله مشهور جداً عندنا في السودان وله مسميات شعبية كثيرة ومعروفة مثل ( العويل والسكليب وغيرها ) ..
والسودانيون معروفين بالوفاء للاموات وتعديد ماثرهم وبكاءهم بحرقة شديدة تنم عن حب لهولاء الموتى فتجد اكثر النساء السودانيات يسكبن بكاءهن شعراً وهن يرثين عزيز لديهن مثلاً ( حليلك يا فلان وحليل كذا وكذا )
تطور هذا الامر الى ان اصبح ادب يسمى ادب المناحة في الشعر وله اهله والعارفين به ، وشعر المناحات كان السودان عمود فقري مرادف لشعر الحقيبة والمديح وضرب النحاس ولدينا التاريخ الكبير والارث الضخم الذي يؤكد تصدر شعر المناحة لفنون كثيرة .. سنحاول خلال هذه المساحة سرد بعض القصص الحقيقة التي كتبت فيها مناحات اصبحت اغنيات في مكتبة الغناء السوداني ونتناولها في قالب قصصي جميل ...
البداية مع مناحة :
الوٍليد الضيف غرقتنو كيف ؟؟
هي قصة حقيقية حدثت في ثمانينات القرن الماضي وتعود تفاصيلها الى علاقة صداقة وزمالة في العمل نشاْت بين شابين الاول من ابناء منطقة الجريف شرق بمحافظة شرق النيل بالخرطوم ويدعى ( م ) والآخر ويدعى ( أ) من ابناء قرية صغيرة بالقرب من منطقة حوش بانقا محافظة شندي ، كان الاثنان يعملان في مصنع بالخرطوم ونشاءت بينهما علاقة صداقة حميمة امتدت الى ان اصبحت علاقة متينة تجمع اسرتيهما وبداوا يتبادلون الزيارات واصبحا اكثر من اخوين ، وتمضي بهم الحياة وهم في رباط اسري وحميمية جميلة ان ان جاء يوم قرر فيه ( م ) ابن الجريف شرق انه نوى تكملة نصف دينه ويريد الزواج من ابنة عمه ( ف) بالجريف واخبر صديقه (أ) الذي فرح له فرحاً شديداً واخذ يجهز معه لتكملة مراسم الزواج وبعد اشهر قليلة وزعت رٍقاع الدعوة للاهل والاصدقاء لحضور مراسم الزواج والذي تبقت له فقط ثلاثة ايام قرر فيها (أ) ان يعزم على صديقه (م) باقامة حفل حناء بقريتهم بمنطقة شندي حسب طلب الاسرة ليحتفلوا به هناك على طريقتهم ويظهروا له مدى حبهم له وتقديره بمشاركته افراحه ، قبل (م) الدعوة بفرح وسرور شديد ،وسافر الصديقان الى شندي في نفس اليوم المقرر فيه اجراء مراسم الحنة وصلوا ظهراً تناولوا وجبة الغداء وحضرت نساء القرية اقارب (أ) ومعهن كل لوازم طقوس الحنة وكانت العادة في تللك المنطقة وعندما تبداء مراسم الحنة لاي عريس ان ياخذوه الى نهر النيل ليغتسل فيه قبل وضع الحنة في احد الطقوس السودانية لاهالي المناطق قرب النيل وتسمى هذه الطقوس بـ(القيدومة )وبالفعل خرج الاهل جميعهم ومعهم العريس الضيف واصدقاءه الى شاطئ النيل ونزل العريس ليغتسل ويلهو مع الاصدقاء ، ولكن المفاجاءة انه غطس ولم يخرج مرة اخرى وسط ذهول الحاضرين الذين سارعوا لانقاذه ولكن دون جدوى ليغيب جسده الطاهر بين اماج البحر الهادر تسبقه دموع النساء والرجال وصديقه (أ) يلقي بنفسه خلفه محاولاً الانتحار لولا ان انقذه بعض الحاضرين مشهد رهيب ومهيب الحزن غطى الضفاف وانتشر الخبر ليعُم ارجاء المكان ويصل الى والدة صديقه (أ) والتي لم تحضر معهم الى البحر لانها مريضة تعاني من الرطوبة والام المفاصل وحينما سمعت الخبر بان الوليد الضيف (م) صاحب ابنها غرق في البحر اصبحت تنوح بكلمات اضحت واحدة من اعمق المناحات السودانية في العصر الحديث تغنى بها فنان شندي المرهف مصطفى مضوي فكانت مناحة ( الوليد الضيف غرقتنو كيف ) تلوم فيها الام شقيقاتها ونساء القرية وتصفهن بانهن من اغرقن الضيف في البحر وذلك لانهن من اخذنه الى البحر فانشدت تقول :
الوليد الضيف غرقتنو كيف
جيبو لي هدوم الراقدة فوق القيف
خلني النمنح بالقرع والسيف
واا سواد امو الاهلو في الجريف
حليلك يا زمن هناي
حليلك يا زمن غناي
وقت بقول انت لي براي
وقع القدر خلى لي بُكاي
حليلك يا هدية
وحليلك ياالرضية
ابكن يا بنات وقولن اوب واحيا
وا سواد امو الحنتو العشية
جن بنات خلاتك من صغار وكبار
حزنانات عليك مليانات غبار
طول الليل ينوحن لمن جاء النهار
ناس الحلة جوا
والديوان ملوا
مشوا للبحر قالوا ما لقوا
واا سواد أمو الليلة وين ودوا ..