تنبيه على خطأ شائع :
نسمع الكثير من المتكلمين والوعاظ يقولون : ( قال الله تعالى : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) !! وهذا خطأ واضح ؛ فالاستعاذة ليست من كلام الله ، وليست آية من القرآن بالإجماع ، وإنما أمر الله بها في قوله جل وعلا : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل:98) .
وأعجب من بعض المقرئين عندما يلقن الطالب المتعلم الاستعاذة بتركيز شديد ، ويطبق عليها أحكام تلاوة القرآن ؛ مع أنها ليست آية . فالأولى أن تقرأ الاستعاذة قبل التلاوة قراءة عادية بلا ترتيل حتى يعلم السامع – خاصة من ليس من أهل العلم – أنها ليست من القرآن . وأذكر أني كنت في حلقة إقراء عند أحد المقرئين المشهورين ، فأوقف أحد الطلاب عند الاستعاذة حتى أملّه ، وكان يطالبه بتحقيق المخارج الصحيحة لحروف كلماتها ، إظهار صفات تلك الحروف كما ينبغي ، وهكذا .. .!!
ثم وقفت على كلام قيّم للسيوطي له تعلق بما ذكرته هنا ، فأحببت أن أنقله للفائدة .
جاء في رسالة صغيرة الحجم موسومة بـ : ثلاث رسائل علمية من الحاوي للفتاوي للعلامة السيوطي رحمه الله = ما نصه :
( وقع السؤال عمّا يقع كثيراً إذا أرادوا إيراد آية قالوا : « قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » ويذكرون الآية .
هل (بعد) هذه جائزة قبل الاستعاذة أم لا ؟ وهل أصاب القارئ في ذلك أم أخطأ ؟
فأقول : [ الكلام للسيوطي ] الذي ظهر لي من حيث النقل والاستدلال أن الصواب أن يقول : قال الله تعالى ، ويذكر الآية ولا يذكر الاستعاذة ، فهذا هو الثابت في الأحاديث والآثار من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة والتابعين فمن بعدهم .
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس قال : قال أبو طلحة : « يا رسول الله! إن الله يقول : ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( زإن أحب أموالي إليّ بيرحاء ...» الحديث . ...[ ثم ذكر روايات أخرى حول هذه الآية ، وأحاديث لا تخلو من مقال ] ثم قال :
والأحاديث والآثار في ذلك أكثر من أن تحصر ، فالواجب الاقتصار على إيراد الآية من غير استعاذة اتباعاً للوارد في ذلك ، فإن الباب باب اتباع ، والاستعاذة المأمور بها في قوله تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ ) إنما هي عند قراءة القرءان للتلاوة ، أما إيراد آية منه للاحتجاج والاستدلال على حكم فلا .
وأيضاً ؛ فإن قوله : قال الله تعالى بعد أعوذ بالله ، تركيب لا معنى له ، وليس فيه متعلق للظرف ، وإن قدر تعلقه بقال ففيه الفساد الآتي !
وإن قال : قال الله : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وذكر الآية ، ففيه من الفساد جعل الاستعاذة مقولاً لله ، وليست من قوله .
وإن قدّم الاستعاذة ثم عقبها بقوله : قال الله ، وذكر الآية ، فهو أنسب من الصورتين غير أنه خلاف الوارد ،وخلاف المعهود من وصل آخر الاستعاذة بأول المقروء من غير تخلل فاصل ، ولا شك أن الفرق بين قراءة القرآن للتلتوة وبين إيراد آية منه للاحتجاج جليّ واضح . ) انتهى المراد نقله من الرسالة المذكورة ص14-19 وعنوان الرسالة : القُذاذة في تحقيق محل الاستعاذة . حققها : أبو عبدالرحمن محمود . المكتب الإسلامي – بيروت 1410 هـ .
وقفت على كلام جيد لابن عاشور له تعلق بما سبقت الإشاررة إليه أعلاه ، حيث قال رحمه الله وهو يفسر آية النحل
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) 98 :
وعلى الأقوال كلها فالاستعاذة مشروعة للشروع في القراءة أو لإرادته، وليست مشروعة عند كلّ تلفّظ بألفاظ القرآن كالنّطق بآية أو آيات من القرآن في التعليم أو الموعظة أو شبههما، خلافاً لما يفعله بعض المتحذّقين إذا ساق آية من القرآن في غير مقام القراءة أن يقول كقوله تعالى بعدَ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسوق آية. انتهى من التحرير والتنوير 7/278
(((((((((والله اعلم)))))))))