الانتماء الوطني لا يمكن أن يكون في كثرة الصراخ والعويل، لأن كثيرا من أصحاب الأصوات العالية، في ظل الاصطياد في الماء العكر، من المبرمجين على خط جهاز القمع، وكثيرا من هؤلاء من المفسدين في الأرض في المهمات التي تحملوا مسؤوليتها في الجانبين الفساد الإداري والمالي، وهؤلاء موجودون في كل مؤسسة وفي كل زمان ومكان، ولعدم تعرضهم للمساءلة يدفع بهم إلى التمادي في ممارساتهم، مما ينعكس سلبا على الوطن وحقوق المواطنين وعلى النظام السياسي، الذي يدعون أنهم حماته والدفاع عنه، وهم يحاربون من اجل مصالحهم وجيوبهم.
ينبري كتاب القطعة من كتبة المارينز وكتبة الخط المفتوح على الجهاز القمعي، إلى التصدي لهذا الموقف او ذاك في عملية ابتزاز رخيصة ومكشوفة، عندما يزاود هؤلاء على الآخرين في الوطنية والانتماء الوطني، فالناس يملكون حقوقا متساوية في الأوطان، التي تحتكم إلى لغة القانون، ولا بد أن يكون هناك معايير واضحة ومحددة ترتبط بمصلحة الوطن، حتى تتم مساءلة من يشذ عن هذه المعايير، وفي هذا لجم لكل أصحاب الأقلام المشبوهة، التي تشتم هذا وتنتقص من ذاك.
ان حالة التسيب التي تسمح لكتاب الزوايا المدفوعة الأجر سراً، الذين يحاكمون الناس على صدق انتمائهم، هي حالة التمادي والتعدي على الوطن، ولا تمثل حالة انتماء وطني عند هذا النوع من الكتبة، لأن هؤلاء يعبرون عن فساد أخلاقي، والدولة التي ترتبط بجيش من هؤلاء الفاسدين، لا يمكن لها أن تكسب ولاء أو انتماء من المواطنين الذين تجثم على صدورهم.
إن غياب العدالة في حقوق المواطنين للتمتع بحقوقهم الوطنية لا تشكل خدشا في وجه الوطن، بل تحفر أخدودا في الوحدة الوطنية، وشرخا في الانتماء إلى الوطن، لا يمكن أن تكون إلا في صف أعداء الوطن، وفي هذه الحالة فان الحديث عن الولاء والانتماء للوطن سفسطة كلامية، لا تقنع حتى المتاجرين بها، ولا تحمي وطنا عندما يتعرض لموجات عدائية، لأن أكثر الهاربين عندما تحين ساعة الدفاع عن الوطن هم كتبة النفاق السياسي.
الانتماء الوطني لن يكون إلا عندما يشعر المواطن انه ينتمي لوطن، لا يتم التجاوز على حقوقه المشروعة، فالوطن هوية المواطن وشخصيته، وعندما لا تعد هذه الهوية صالحة، يلقي بها المواطن على قارعة الطريق، ليلتقطها من يريد المتاجرة بها، وعلى العكس عندما يشعر المواطنون أنهم شركاء متساوون، ولا فضل لأحد على آخر إلا بما يقدم من اجل الوطن أفضل من الآخرين، أما هؤلاء النهاشين من خيرات الوطن والمواطنين، لا انتماء لهم ولا هم مواطنون، حتى يستأصل الفساد من نفوسهم، ويعيدون للوطن ما نهشوه.
الولاء والانتماء يكتسبان ولا يفرضان فرضا، والانتماء والولاء يغرسان في نفس المواطن، ويعزز غرسهما في ممارسة المواطن لحقوقه المشروعة، بدون نقص أو تجاوز عليها، وإلا فأن الحديث عن الانتماء والولاء كصرخة في واد، لا تستجيب لها نفس ولا تسمعها أذن.
لا يجوز تفسير مواقف كتاب المارينز من كتبة القطعة أو كتبة الريموت كنترول الذين تحركهم التوجيهات، على أنها إشارة ولاء وانتماء،وهي تعني مدى ما يتمتع به النظام من جماهيرية، لأن كتابات هؤلاء مشبوهة، لا تخدم وطنا ولا نظاما سياسيا، فهي لا تخدم إلا أصحابها، الذين على استعداد أن يلحسوا كل ما كتبوه وقت الضيق والشدة، وأنهم ليسوا على استعداد في الدفاع عن هذه المواقف، التي سيتنصلون منها في إي وقت يشعرون أنها عبئ عليهم أو طوقا في رقابهم، وكثير منهم ممن يتمتع بتجارب أكدت صدق ما نقوله فيهم. كثيرة هي الشعارات المرفوعة، وبعض من كتاب المارينز من يدعي انه طرحها قبل أن يطرحها النظام السياسي، إي ان هؤلاء قد تجاوزوا على النظام السياسي، الذي يدعون الحرص عليه والدفاع عنه، فلماذا يسأل المواطن عن تقاعسه في الدفاع عن هذا الشعار أو ذاك؟، إذا كانت أبوة هذا الشعار تعود لأناس مشبوهين يلعبون في ساحة أسيادهم من الأمريكان والصهاينة مقابل ما يدفع لهم.
إن الدولة التي تنشد الولاء وتطالب بالانتماء الوطني، وهو حق مشروع لها وللمواطن، عليها أن تعي أن المواطن الذي تغتصب حقوقه وتنتهك كرامته ويحارب في رزقه وقوت أطفاله، لا يمكن أن يقدم الطاعة، لأناس يغتصبون سيادته ويعاملونه كعبد او تابع ذليل، وفي أحسن الأحوال مخبر صغير كما هم كتبة المناسبات المسمومة. على دولة الجهاز القمعي أن تتخلى عن النظر إلى المواطنين، أنهم قطيع من المخبرين، الذين لا بد وان تمتهن كرامتهم بالتبعية الذليلة، وأن الأجهزة الأمنية هي لحماية الوطن والمواطنين والنظام السياسي، وليس لقمع الناس وتحويلهم لأتباع مأجورين بأبخس الأثمان. إن المواطنين الذين تمتهن كرامتهم، لن يكون لولائهم أية قيمة، ولن يكون لانتمائهم إي صدى، لان فاقد الشيئ لا يعطيه، ومن كانت كرامته مهدورة بالرضا أو بالضغط، فان ولاءه مهدور، لا يسمن ولا يغني من جوع وهو ولاء خادع كاذب.
إن الانتماء الوطني مهمة يجب تصحيحها، والنظر إليها بقدسية واحترام في نفسية المواطن، وفي ممارسة النظام السياسي وأجهزته، من خلال شعور هذا المواطن بأنه جزء من الوطن، وأن لا يترك إي مواطن عرضة لاختطافه بالاتجاه الآخر للانتماء الوطني، وإلا فأن الوطن والمواطنين في سوق النخاسة لمن يدفع، وفي خطورة هذا الوضع يتطلب اختيار الأشخاص وبناء المؤسسات، التي تسعى إلى تعميق الحوار بين المواطنين لا إلى تعميق حالة التشنج، من اجل المصالح والمكاسب، فالشخص المناسب في المكان المناسب، يدفع بالناس نحو الرقي والتسامي عن التلاعب بمقدرات الوطن وحقوق المواطنين، وكذلك هي المؤسسات التي تبنى على قاعدة القانون والعدل، تسهم في تشييد الجدران العالية للوطن، بدلا من القامات القميئة، التي تتطاول على الوطن والمواطنين، وتسيء إلى النظام السياسي. إن حالة الكبت السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، من جراء سياسات رعناء ارتكبت موجة التعالي على الوطن والمواطنين، أفقدتهم روح الانتماء والولاء لوطنهم، وحبهم لمقدرات شعبهم ومصلحة أبناء بلدهم.
قافلة
كم هو جميل أن يتخلى النظام السياسي عن كتبة القطعة وكتاب المارينز وكتبة الريموت كنترول، لأن روائحهم الكريهة تزكم أنوف المواطنين، وتلوث رائحة الوطن الجميل، وتعيق تواصل النظام مع مواطنيه بدون واسطة، وكم هو أجمل عندما تعي الأجهزة القمعية أن أسلوب القمع والإذلال الذي يولد قطيعا من المستسلمين، إلا أنه لا يغرس ولاء ولا يزرع انتماء، وما أجمل الشاعر عندما يقول: وطني ليس حقيبة / وأنا لست مسافر.