أنواع هجر القرآن
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ الفرقان: 30 .
ذكر ابن القيم في كتابه القيم " الفوائد ": وهجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
والرابع: هجر تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به ... وإن كان بعض الهجر أهون من بعض.
وجميع هذه الأنواع من هجر القرآن واقعة بيننا ومتفشية فينا الآن. ومن صور هذا الهجران ما يلي:
- عدم قراءته. فمن منا يقرأ القرآن يوميا؟! إن القرآن مقسم إلى ثلاثين جزء، ومتوسط كل جزء عشرون صفحة. فهل من الصعب قراءة عشرين صفحة يوميا؟ إنه أمر لا يستغرق منك سوى نصف ساعة. إن قراءة الصحف اليومية تستغرق من المرء أكثر من ساعة يوميا، فهل قراءة تلك الصحف أهم من قراءة القرآن؟!!
- سماع القرآن ... لقد استبدلناه بسماع الأغاني ومشاهدة الأفلام والتمثيليات ومتابعة المباريات.
- أخلاقنا الآن في وادٍ وما ينادي به القرآن من الأخلاق في وادٍ آخر. نعرف حلاله وحرامه ولا نقف عندهما، بل نتفاخر بالتملص منهما.
- التخلي عن التحاكم إليه في حياتنا اليومية وفي معاملاتنا المادية والاجتماعية.
- تركنا فهم معانيه ومن ثم تدبر آياته، وأصبح معظم ما نعرفه عنه تكهنات وفرضيات عكس المراد به.
- تركنا تعلم لغته ولجأنا إلى لغات الغرب المستعمر، وأصبح تجنب الحديث باللغة العربية والطنطة بهذه اللغات مصدر فخر وإعزاز بيننا!!
- تركنا التداوي به ولجأنا إلى الاعتماد على الأسباب المادية فقط.
إن خط الابتعاد عن كتاب الله يتسارع بشكل مخيف، وتمادت الأمة في التخلي عنه شيئا فشيئا، فعاقبها الله بأن سلبه من يدها، إلى أن أصبحت لا تعمل به. إني لأعجب من أمة تهجر كتاب ربها وتُعرض عن سنة نبيها، ثم بعد ذلك تتوقع أن ينصرها ربها؟ إن هذا مخالف لسنن الله في الأرض. إن التمكين الذي وعد به الله، والذي تحقق من قبل لهذه الأمة، كان بفضل التمسك بكتاب الله عز وجل، الدستور الرباني الذي فيه النجاة مما أصابنا الآن.
إن الذين يحلمون بنزول النصر من الله لمجرد أننا مسلمون لواهمين. ذلك أن تحقق النصر له شروط. قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي اْلأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُ! دُونَنِي َلا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55] .
فعودوا إلى كتاب ربكم واقبلوا على تلاوته وفهمه وتطبيقه في حياتكم تنالوا الخير والرفعة في الدنيا وشفاعة القرآن في الآخرة.