أ
فقهاؤنا الأوائل قسموا العالم إلى دار حرب ودار سلام ، فدار الحرب هي بلاد غير المسلمين ، ولا يُصح للمسلم أن يعيش فيها. أما دار السلام فهي بلاد المسلمين التي يحكمها خليفة المسلمين ، ولكن واقع اليوم تحكمه الدولة القطرية ذات الحدود الجغرافية المعلومة.
والدولة القطرية لها علمها وعملتها وجيشها ومواطنوها وبهذا المعنى يتحتم على المرء حماية دولته والحفاظ على سيادتها والدفاع عن حدودها الجغرافية – وقديماً تعلمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم (حب الأوطان من الإيمان).
فكانت مكة أحب بلاد الله إلى رسول الله ولم يخرج منها إلا وهو مكرهٌ وعندما خرج منها خاطبها بقوله إنكي لأحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلكي أخرجوني منك ما خرجت – ووعده الله بفتحها وقد تحقق الوعد وفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأزال عن الكعبة المشرفة الأصنام التي وضعها المشركون...
ونحن أنصار الله نقول أن السودان الحديث من صنع أسلافنا فقد حرروه بقيادة الإمام المهدي عليه السلام وكانت مساحة السودان مليون ميل مربع فأنصار الله هم الذين حرروا السودان ووحدوا السودان وعرفوا السودان وشرعوا للسودان، وواقع اليوم يقول أن بالسودان أحزاب وكيانات وجماعات ومنظمات مجتمع مدني ينبغي التعامل مع هذا الواقع حتى نستطيع إدارة البلاد بظروف الزمان التي تحكمنا ، فمهما تقلبت جماعة أو حزب فلم يتسنى لهم إدارة البلاد إلا باشراك كل القوى فالسلاح والقبضة الأمنية لن تجدي فقد حاول عبود والنميري والإنقاذ جاءت على آثارهما ولكن تبقى كلمة الشعب هي الحاكمة والمسيطرة على الأمور مهما طالت الأزمان وبقيت الدهور.
إن الاستقرار السياسي هو أول خطوة في مشوار الإعمار والتنمية فإذا لم يحسم الصراع السياسي في البلاد فلن نستطيع أن نتحدث عن استقرار سعر الصرف أو تخفيض غلاء المعيشة ولكن إذا حسمنا أمر تداول السلطة سلمياً واخضعنا القوات المسلحة لحماية النظام السياسي المنتخب من قبل الشعب وتراضينا على دستور يكفل للجميع حقوق المواطنة فنكون بذلك قد وصلنا إلى الاستقرار السياسي الذي هو أول لبنة في بناء المجتمع الذي يحترم المواطن ومن ثم يعمل كل مواطن لحماية وطنه الذي يفخر به ويباهي به الآخرين.
وللأوطان في دم كل حـرٍ ** يدٌ سلفت ودين مستحق
وللحريـة الحمراء بـابٌ ** بكل يـدٍ مدرجة يـدق
الحرية:
هي شرط من شروط صحة الإسلام فالاسلام لا يصح من مكره لأنه اعتقاد والاعتقاد لا يكون إلا طوعاً واختياراً والآيات في هذا الصدد تفوق حد التواتر فالله عز وجل لا يريدنا أن نُقبل عليه ونحن مكرهون (لا إكراه في الدين) فالدين محبة والدين لا يؤخذ إلا بكامل العقل وتمام الرشد فالعقل هو مناط التكليف فإذا زال رفع عن الإنسان القلم ومهما ينتمي الإنسان إلى جاه أو بيت فإذا لم يكن ذا عقل ثاقب فهو على الناس هين.
قال الحكيم:
إذا لم يكن للمرء عقل فإنه وإن كان ** ذا بيـت على النـاس هين
ومن كان ذا عقـل أجـل لعقلــه ** وأفضل عقلٍ عقلُ من يتدين
نعم أفضل عقلٍ عقل من يتدين أي الذي يطيع الله ولا يعصيه والذي يحب رسول الله ويعمل بسنته التي هي دليل الخير ومفتاح الجنة إنشاء الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم – قلب سليم من الشرك سليم من النفاق وتلك هي البضاعة الرابحة بإذن الله فالدنيا كسوق قام وانفض فيه ربح من ربح وخسر من خسر أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحباب: ونحن نتحدث عن الانسان فلابد له من حقوق وكذلك عليه واجبات ومن حقوقه أن توفر له الخدمات الضرورية حتى يعيش حياة كريمة في مجتمعه وعلى رأس قائمة ضرورات الإنسان الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي فالماء هو سر بقاء حياة الانسان والحيوان والنبات واليوم إنسان العامة يشكو مر العذاب في الحصول على قطرة ماء بل بعض الأحياء يسهر مواطنوها الليالي للحصول على قطرة ماء فإذا غفل المواطن عن سهر ليلة يعاني طوال يومه من عدم الماء وهو في قلب العاصمة والكهرباء أصبحت صنو الماء فهي الأخرى أصبحت من ضرورات مواطن المدينة فالانسان يعتمد على الكهرباء في حياته اليومية في المدن بل إذا انقطع التيار الكهربائي تتعطل الحياة تماماً ونحن في شهور الصيف الحار كم يعاني المرضى وكبار السن والأطفال من إنقطاع الكهرباء وحتى الأرزاق مهددة لأن أغلب الأعمال مربوطة بالإنتاج الكهربائي مما يضطر أصحاب الأعمال من شراء مولدات تستخدم المحروقات والتي أصبحت أسعارها لا تطاق وينعكس ذلك في زيادة الأسعار والتي تضاعفت بصورة جنونية.
ومن ضرورات حياة المواطن التعليم والمدارس على الأبواب إن مصاريف الدراسة في بلادنا أصبحت من المستحيلات مما أضطر كثير من الطلاب ترك الدراسة والانخراط في الأعمال الهامشية والتي تعتبر أول عتبة في طريق الجريمة للأطفال. إن الدراسة منذ الروضة تكاليفها لا يطيقها أولياء أمور الطلاب فقد بلغت مصاريف الدراسة ملايين الجنيهات وذلك فضلاً عن المصاريف اليومية من مواصلات وإفطار للطلاب وقد رفعت الحكومة يدها تماماً عن دعم التعليم وكثير من الطلاب عجزوا حتى عن سداد استخراج شهاداتهم والتي حصلوا عليها بشق الأنفس. إن على الحكومة إعادة النظر في مجانية التعليم وليتذكر القائمون على الأمر كم صرف عليهم الشعب من مال حتى تخرجوا بل حصل بعضهم على درجات علمية عليا خارج الوطن. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ ومن ضرورات حياة المواطن العلاج لقد اصبحت المستشفيات الخاصة أكثر من البقالات في الأحياء إن تكاليف العلاج لا يطيقها المواطن مما فتح أبواب العلاج البديل والذي لا تحكمه ضوابط علمية أو شهادات تؤكد أهلية الطبيب وبذلك حدثت تجاوزات كثيرة أدت إلى ضياع أرواح أو علل مزمنة وعلى الحكومة أيضاً إعادة النظر في رفع يدها من مجانية العلاج للمواطن.
إذن كل هذه التبعات تقع على كاهل المواطن البسيط والذي يمثل أكثر من 90% من جملة سكان الوطن فقد إزدادت نسبة الفقر بصورة مذهلة وبذلك تفشت كثير من مهددات أمن المواطن حتى أصبح المواطن لا يأمن حياته وحياة أسرته لما كثر من إجرام واحتيال فكم سمعنا أو قرأنا على بعض الصحف الاجتماعية من جرائم ارتكبت كنا في الماضي نظنها لا تحدث إلا خارج حدود الوطن وكم من ممارسات جرت في مجتمعنا الذي كان لا يعرف الرذيلة – فقد تغيرت العادات والتقاليد السودانية السمحة التي كانت تميز إنسان السودان المتسامح وحتى الذين كانوا يعتبرون شُذّاذ المجتمع كانت لهم بعض الصفات السمحة التي يفخرون بها فالهنباتة وهم الذين يأكلون أموال الناس غصباً كانوا لا يسرقون أموال اليتامى والأرامل بل بعضهم إذا سرق اطعم الضعفاء وكان البعض يتصدر حماية أعراض الجيران كما قال أحدهم (أنا المأمون على بنوت فريقو).
إن الحياة تغيرت كثيراً في مجتمعنا وتعددت أنواع الجرائم والتي هي دخيلة على مجتمعنا المتميز وإن إزالة هذه السلبيات لا تكون بالوعظ والإرشاد وإنما بإزالة مسببات الجريمة والتي تتمثل في الفقر والبطالة – فالله عز وجل لم يأمر قريشاً بالعبادة إلا بعد أن أمنّ عليهم بنعمتي الإطعام والأمن (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وتلك هي مسؤولية الحاكم الذي عليه توفير الحرفة ولقمة العيش الكريم فهل استجاب حكامنا لمطالب الشعب ؟ أم عليهم ان يترجلوا وفي أمة محمد صلى الله عليه وسلم من هو خير منهم.
الحديث: قال صلى الله عليه وسلم: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه. أو كما قال.
الاقتصاد هو عصب الحياة وتعتبر الدول الأقوى اقتصاداً هي رائدة العالم وكثيراً ما نسمع عن دول الثمانية وهي الدول التي تقود العالم إقتصادياً وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة العملة الموجهة للعملات في العالم – ونحن في السودان عندما كان اقتصادنا ممثلاً في القطن والصمغ العربي والثروة الحيوانية والحبوب الزيتية وغيرها من صادرات السودان كانت القوى الشرائية لعملتنا الجنيه السوداني كانت تساوي ثلاثة دولارات وثلث الدولار ولكن مع تعاقب الحكومات العسكرية والسياسات الارتجالية تدهورت القوة الشرائية لعملتنا الجنيه السوداني حتى بلغت في عهد الإنقاذ ما يعادل الـ6 ألف جنيه وكسر من الجنيهات مقابل الدولار وذلك في السوق السوداء وفي الاسابيع المنصرمة فاجأنا السيد وزير المالية بقرار يحدد سعر صرف الجنيه مقابل الدولار وذلك بسعر 4.900 للبنوك و5.02 للصرافات ويقر السيد الوزير بذلك قطع الطريق أمام السوق السوداء – ولكن نقول للسيد الوزير إن مثل هذا الفعل كالذي يقول أنا أسابق ظلي فكلما جرى وجد ظله أمامه – ومعلوم أن محاربة السوق السوداء لا تكون بتحديد سعر الصرف ولكن بتوفير العملة الصعبة وذلك بكثرة الإنتاج وتتشجيع التصدير ليعود على البلاد بعملات صعبة والإنتاج الذي نعنيه هو تشجيع الزراعة بتسهيل مدخلاتها وتحفيز المزارعين وكذلك الثروة الحيوانية وتحسين العلاقات الدبلوماسية مع الأسرة الدولية ودول الجوار وخاصة دولة الجنوب أقرب سوق عالمي للسودان فنحن إذا صدرنا فقط سلعتين لدولة الجنوب والسلعتان هما البصل والملح نكون قد وفرناعلى البلاد كثيراً من العملة الصعبة ، إن بلادنا تحتاج إلى نهضة زراعية حقيقة لا شعارات ترفع فقد كانت بلادنا رائدة الزراعة في افريقيا وكانت المشاريع الزراعية هي عظم ظهر اقتصادنا ولكن بتدهور المشاريع الزراعية وعلى رأسها مشروع الجزيرة تدهور اقتصاد البلاد وانهارت العملة وتفشى الغلاء والسياسة الاقتصادية الراهنة ثبتت السعر الذي كان يتعامل به السوق السوداء فأصبح هو السعر الرسمي للحكومة وسيحاسب الموردون بذات السعر عليه سيرتفع سعر كل الواردات والتي يدخل فيها مدخلات بعض الصناعات مثل الخبز السلعة اليومية للمواطن وقس على ذلك كل مدخلات الإنتاج وحتى الزراعية إذن سياسة التعويم ستكون فيضاناً مهما آوى المواطن إلى جبل فلن يعصمه من الغلاء.
كان على وزير المالية أن يعالج عجز ميزانيته والذي بلغ إلى 30% بتخفيض رواتب الدستوريين والمسؤولين الكبار وكان عليه أن يحجب كل الامتيازات والحوافز التي تبلغ مئات الملايين من الدولارات شهرياً في الوزارات وعلى رأسها القصر الجمهوري ونقول له أنظر كيف فعل رئيس وزراء بريطانيا الحالي عندما تولى المسؤولية وكيف فعل الرئيس الفرنسي الذي خفض راتبه إلى اكثر من 30% وحذا حذوه زملاءه الوزراء.
إن بلادنا مقبلة على غلاء طاحن يأكل الأخضر اليابس وعلى الحكومة تدارك الموقف وذلك بالتدخل السريع لحماية المستهلك وبمراجعة هذه السياسات الارتجالية وإن السياسة الاقتصادية لم يعالجها قرار وزير أو برنامج حزب واحد وإنما يعالجها فكر الاقتصاديين المتخصصين بعيداً عن المزايدات والكسب السياسي ، ومنذ مجئ الإنقاذ جرب وزراء المالية المتعاقبون على الوزارة سياسات إرتجالية جرّت على البلاد بلاءاً وغلاءً وتدهور سعر العملة حتى وصل الجنيه مقابل الدولار إلى 6 ألف جنيه في الوقت الذي كان يتحدث فيه المسؤولون بقولهم لولا مجيئ الانقاذ لوصل سعر الدولار إلى عشرين جنيه وإذا أجرى الإنسان مقارنة لتبين له حجم الفشل والتدهور في القوة الشرائية لعملتنا. إن معيشة المواطن وأمنه لا يرهن إلى سياسات التخبط والصدفة وإنما تخضع تلك السياسات لدراسات يتولاها متخصصون مخلصون حادبون على مصلحة البلاد وليس المصلحة الذاتية.
واتقوا الله فينا يا أيها المسؤولون. واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
والموت يأتي فجأة وعندها لا يجدي (ربي ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت).
هذه خطبة التي القاها الحبيب آدم أحمد يوسف نائب الأمين العام
يوم الجمعة الموافق 1/يونيو/2012م بمسجد الهجرة بود نوباوي