تقديم الأستاذ: عبدالمحمود أبّو / رئيس منتدى الوسطية – فرع السودان
الاعتقاد الديني والانتماء الثقافي من حقوق الإنسان، والنيل منهم...
ا تلطيخ وتشويه ليس من الحرية في شيء. الحرية توجب احترام حقوق الآخرين، وإلا صارت فوضى ينتصر فيها كلٌّ لحقه بيده. هذا هو ما أكدته مؤسسات حقوق الإنسان القومية الأوربية اليونانية والآيرلندية والدنماركية والفرنسية، التي اجتمعت في كوبنهاجن في 2006م، فقد أعلنت أن كل حقوق الإنسان يجب أن تمارس بشكل لا ينتهك حقوق الآخرين، وأن التاريخ الأوروبي يزخر بالدروس حول النتائج الخطيرة للغاية لتراكم الأحداث التي تؤدي للفصل بين الأغلبية والأقليات الإثنية والدينية. هذا الفصل يزرع الكراهية والعنف المدمرين لأي مجتمع، وأن نشر الرسومات ورد الفعل الناتج عنها، يجب أن ينظر له من خلفية جدل فيه ما فيه من التوتر والاستقطاب.
الإسلام اليوم هو الدين الثاني في الغرب بعد المسيحية، وهو الديانة الأسرع انتشارا فيه، حتى بلغ عدد المسلمين بين المواطنين الأصليين والمهاجرين، الذين اكتسبوا حق المواطنة، عشرات الملايين في الولايات المتحدة وأوربا.
دوافع الاساءة للنبي صلى الله عليه وسلم:
هنالك عناصر كثيرة في الغرب غير راضية عن هذا التمدد الإسلامي، في ظروف التعايش بين الأديان والحريات العامة. بعض هؤلاء ينطلقون من أسباب دينية وثقافية ظهرت بوضوح في أسباب معارضتهم لضم تركيا للاتحاد الأوروبي. ولكن آخرين ينطلقون من أسباب استراتيجية لاتخاذ الإسلام عدوا بديلا للاتحاد السوفيتي المباد. هؤلاء يقولون بوجود أسباب بنيوية لحتمية العداء بين الإسلام والغرب، مروجين لنظرتهم هذه بما يخدم طائفة من الأغراض:
* ترسيخ الهوية الغربية في وجه عدو مشترك، وتبرير أعلى درجات الاستعداد العسكري الذي تتطلبه الآلة الصناعية العسكرية الغربية.
* تبرير السيطرة على منطقة تمكن السيطرة عليها من وضع اليد على حقول البترول بصورة مباشرة أو غير مباشرة. سيطرة مطلوبة للهيمنة على العالم.
* تبرير استمرار التماهي بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتواصل الأخيرة دورها المعهود أثناء الحرب الباردة، ولتبرير تطلعات المسيحية الصهيونية التي تدعي التمهيد لعودة المسيح عليه السلام.
في المقابل هنالك من يدعون إلى مواجهة الألمان شعبا وحكومة، ومعهم كافة البلدان الغربية، واعتبار الأمر مواجهة بين الإسلام وحرية التعبير، أو بين الإسلام والصليبية، أو بين الإسلام والغرب، وغيرها من الرؤى التي تخرج من حدود الواقع إلى آفاق الايديولوجية. أمامنا نحن الأغلبية المسلمة والغربية الانسياق وراء أجندة الصدام هذه حتى آخر غاياتها الظلامية، أو أن نواجه الموقف بصورة مختلفة تضع الحادث في حجمه، وتعاقب الجناة، وتمنع تكرار الجناية، وتضع أساسا عادلا للتعامل.
تعداد المسلمين في أوروبا الغربية:
إحصاءات عن أعداد المسلمين والعرب في أوروبا
ليس هناك إحصاءات دقيقة ومفصلة ولأسباب عديدة منها أن الإحصاءات الرسمية في دول أوروبا لا تحدد هوية الشخص الدينية، وحتى العرب كخلفية عرقية لم تظهر في استمارات الإحصاء الرسمية إلا نادراً. وعليه فيمثل الإحصاء المدرج أدناه أرقاماً تقريبية وضعت من خلال الوقوف على إحصاءات بعضها لمؤسسات رسمية أو شبه رسمية، وأخرى لبعض المؤسسات الإسلامية. ولا شك أن التباين ليس بسيطاً بين تلك الإحصائيات، غير أنه يمكنني القول ومن خلال إطلالة واسعة على تلك الإحصائات ومن خلال الوقوف على أوضاع المسلمين في جل دول أوروبا ومعايشة تطور نمو أعدادهم خلال السنوات العشرين الماضية، إن الأعداد المذكورة أدناه تقارب الواقع إن شاء الله.
أوروبا الغربية
نسبة العرب عدد العرب عدد المسلمين عدد سكان البلد القطر
70% أكثرهم من المغرب العربي 3,800,000 5,500,000 56,576,000 فرنسا
11% أكثرهم من المغرب العربي 360,000 3,200,000 79,113,000 ألمانيا
27% أكثرهم من العراق 400,000 1,700,000 57,236,000 بريطانيا
65% أكثرهم من المغرب العربي 650,000 1,000,000 57,739,000 إيطاليا
39% أكثرهم من المغرب العربي 350,000 900,000 14,805,000 هولندا
53% أكثرهم من المغرب العربي 320,000 600,000 9,928,000 بلجيكا
27% أكثرهم من المغرب العربي 110,000 400,000 8,526,000 السويد
22% أكثرهم من المغرب العربي 87,500 400,000 6,796,000 سويسرا
68% أكثرهم من المغرب العربي 260,000 380,000 38,869,000 أسبانيا
18% أكثرهم من المغرب العربي 70,000 400,000 7,624,000 النمسا
7% أكثرهم من مصر 50,000 700,000 10,140,000 اليونان
25% أكثرهم من المغرب العربي 30,000 120,000 5,130,000 الدنمارك
52% أكثرهم من الصومال 21,000 40,000 4,974,000 فنلندا
42% من الجالية 6,681,500 15,840,000 357,456,000 المجموع
إضافة إلى أعداد أخرى قليلة في كل من (البرتغال – النرويج - لوكسومبورج). أي أن عدد المسلمين في أوروبا الغربية أكثر من 15,000 مليون نسمة.
تعداد المسلمين في أوروبا الشرقية:
الشرقية والبلقان
عدد العرب عدد المسلمين عدد سكان البلد القطر
350,000 21,000,000 147,386,000 روسيا الاتحادية
80,000 2,000,000 51,704,000 أوكرانيا
13,000 0,120,000 23,152,000 رومانيا
15,000 2,600,000 8,976,000 بلغاريا
12,000 0,020,000 37,932,000 بولندا
5,000 0,080,000 10,590,000 المجر
5,000 0,080,000 10,200,000 روسيا البيضاء
2,000 0,025,000 4,341,000 ملدوفيا
2,000 0,035,000 7,700,000 دول البلطيق
2,400,000 3,200,000 البانيا
2,200,000 4,479,000 البوسنة
2,000,000 2,283,000 كوسوفا
0,500,000 2,111,000 مقدونيا
0,400,000 4,683,000 كرواتيا
0,250,000 1,948,000 سلوفينيا
0,800,000 9,830,000 صربيا
484,000 34,618,000 330,515,000 المجموع
وهذا يعني أن أوروبا كلها تضم اليوم ما يقارب من 50,000,000 مسلم منها أكثر من 7,000,000
من خلفية عربية.
المؤسسات الإسلامية على الساحة الأوروبية:
أ- اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا
وهومن أوسع المؤسسات الإسلامية انتشاراً؛ إذ يضم في عضويته مؤسسات دعوية عامة وتخصصية؛ كالمؤسسات الشبابية والطلابية والنسائية، وبعض المؤسسات المهنية في 28 قطراً أوروبياً. تأسس قبل أربعة عشر عاماً، وتعتبر مؤسساته في فرنسا الأكبر والأوسع، كما قام بإنشاء مؤسسات أوروبية مركزية تخصصية، تقدم خدمات كبيرة للمسلمين في أوروبا، وهي اليوم مؤسسات كبرى قائمة بذاتها منها:
1. المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية: وهو مؤسسة تعليمية وله فروع ثلاث في فرنسا وفي بريطانيا ويضم ثلاث مؤسسات، معهد اللغة العربية، ومعهد تحفيظ القرآن، والكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية ويضم اليوم ما يقارب 500 طالب بدوام كامل ومثل هذا العدد ذلك يدرسون بالانتساب والمراسلة. وهدف المعهد الأساسي تخريج جيل من المسلمين في أوروبا من الجنسين يحملون العلم الشرعي والمعرفة بواقع الحياة في المجتمع الأوروبي ويقومون مستقبلا بإدارة المراكز وإمامة المساجد الإسلامية في أوروبا، إضافة إلى هدف آخر هو الارتقاء بالمعلومات الشرعية لمديري وأئمة المساجد والمراكز الإسلامية الحالية من الدارسين بالانتساب وسوف يتم فتح فروع أخرى في القريب إن شاء الله.
2. المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث – وهو مؤسسة علمية تمثل مرجعية دينية للمسلمين في أوروبا ويضم أكثر من ثلاثين من أهل العلم في مختلف دول أوروبا ومن مختلف الأعراق والمذاهب ومن علماء أجلاء أفاضل من خارج أوروبا ممن لهم إطلالة ومعرفة بواقع المجتمع الأوروبي والغربي عموماً ويرأس المجلس فضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي حفظه الله وقد عقد المجلس خلال السنوات الخمس الماضية أحد عشرة دورة أصدر فيها العشرات من الفتاوى التي تهم المسلمين في أوروبا والغرب عموماً وصدرت تلك الفتاوى بالعديد من اللغات الأوروبية إضافة إلى اللغة العربية كما أصدر المجلس ثلاثة مجلدات تضم كل الأوراق التي تقدم بها الشيوخ الأفاضل والتي صدرت الفتوى على أساسها ومقر المجلس الرئيس اليوم في مدينة دبلن بايرلندا.
المنتدى الإسلامي الأوروبي للشباب والطلاب :
وهو مؤسسة تضم اليوم أكثر 40 مؤسسة شبابية وطلابية قُطرية في أوروبا .
3. الوقف الأوروبي – وهو مؤسسة وقفية خيرية واستثمارية تعمل لتأمين الدعم المالي للمؤسسات الإسلامية في أوروبا "ومقرها بمدينة بيرمنكهام ببريطانيا مما ساهم في استقرارها ونموها وتطورها" إضافة إلى دعم وإسناد حاجات المسلمين في جوانب الحياة المختلفة وخاصة الاجتماعية والتعليمية.
4. رابطة المدرس الإسلامية – وهي مؤسسة تعليمية تربوية انبثقت من لقاء لممثلي المدارس الإسلامية في ستة أقطار أوروبية (بريطانيا، هولندا، السويد، الدنمارك، ألمانيا، بلجيكا) وعقدت العديد من الندوات والمؤتمرات حضرها الكثيرون من المهتمين بالشأن التعليمي في أوروبا وكانت موضعاً للتنسيق والتعاون والتكامل بينهم ومقرها اليوم في مدينة ستوكهولم بالسويد.
5. رابطة الإعلاميين في أوروبا: .
المجلس الإسلامي الأوروبي – وهو مؤسسة أوروبية تضم مؤسسات إسلامية من عدد من الدول الأوروبية (ألمانيا – فرنسا – اسبانيا – بلجيكا – هولندا). ومركز ثقلها في ألمانيا ومركز عملها الأساسي المركز الإسلامي ومسجد آخن واتحاد الطلبة المسلمين في أوروبا. وهذا المجلس جل مؤسساته ذات خلفية عربية وله مناشط متنوعة وساهم بفعالية في تشكيل المجالس الإسلامية في كل من ألمانيا واسبانيا وبلجيكا.
6. المؤسسات الدعوية الإسلامية الكبرى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في فرنسا: الذي يضم معظم المؤسسات الإسلامية في فرنسا
- والمجلس الإسلامي في بريطانيا: الذي يضم أكثر من 300 مؤسسة إسلامية وتشكل تمثيلاً شبه رسمي للمسلمين في بريطانيا،
- والمجلس الإسلامي في السويد
- والمجلس الإسلامي في بلجيكا
- واتحاد الجمعيات الإسلامية في سويسرا
- والمجلس الإسلامي في ألمانيا
- واتحاد الجاليات والهيئات الإسلامية في إيطاليا،
معرفة الواقع الأوروبي:
أولا: إدراك الاتحاد الأوروبي أنه الآن يضم شعوبا متعددة الأديان والثقافات، ومع أن واجبها أن تحترم الدساتير الديمقراطية التي تحكم البلدان الغربية، فإن حقها أن تنعم بالاعتراف بهويتها الدينية والثقافية، ضمن معادلة توفق بين الحقوق والواجبات. وللحيلولة دون الاستقطاب والمواجهات ينبغي أن تجرم التشريعات أية إساءة للمقدسات.
ثانيا: تطور الوعي العالمي بحقوق الإنسان الدينية والثقافية، بصورة توجب إبرام معاهدة تلحق بمعاهدات الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية، معاهدة خاصة بالحقوق الدينية والثقافية تلتزم بها الدول.
ثالثا: كثير من المجتمعات الغربية جاهلة بحقيقة محمد صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة الذي انفردت رسالته:
* بالاعتراف للإنسان بقيمة وكرامة من حيث هو إنسان.
* بالاعتراف بالتعددية الدينية.
* بمحتوى اجتماعي جعل العدالة الاجتماعية تالية في الأهمية للتوحيد.
* الالتزام بأحكام وأخلاق حتى في ظروف القتال، حماية للنساء والأطفال والمسنين، أي حماية للمدنيين.
* وكان نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم) إنساني المعاملات توقيرا للكبير وعطفا على الصغير وتكريما للمرأة. هذه المعاني غابت عن كثيرين بسبب الجهل، وغيبت عن كثيرين بسبب الغرض.
التعامل الشرعي مع إساءة المقدسات:
إن الابتلاءات مرتبطة بالدعوة الاسلامية منذ نزولها وقد واجه الأنبياء والرسل من قومهم صدودا وإعراضا بل إن بعضهم قد قتلوا ، ورسالة الإسلام واجهت كثيرا من الابتلاءات؛ بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لم يسلم من الأذى؛فوصفوه بالشعر والجنون وآذوه في جسده وفي عرضه وحاولوا قتله، ولكنه واجه كل هذه الابتلاءات بالصبر والعفو عندالمقدرة وكتب السيرة مليئة بأساليب التعامل حتى أضحت منهجا إسلاميا له فقهه، واستنادا على ماسبق يمكن أن نستخلص المنهج الذي يجب أن نتعامل به مع هذا الموقف وذلك على النحو الآتي:
أولا: ابراز الحقائق التي لايعرفها كثير من الغربيين عن الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم أي تلخيص التهم وتفنيدها وتقديم الوقائع الصحيحة الداحضة للتهم.
ثانيا: استخدام الوسائل السلمية للتعبير عن رفضنا لهذا السلوك المسيء للمقدسات .
ثالثا:المطالبة بإيقاف مثل هذه الأعمال التي تخلق عداوات بين الشعوب والدول والحضارات.
رابعا: الابتعاد عن المعاملة السيئة لمواطني وسفراء الدول التي انتج فيها الفلم لأن الحكم الشرعي في هذه الحالة "ولاتزر وازرة وزر أخرى" والسفراء لايتعرض إليهم بسوء حتى في زمن الحرب.
خامسا: الضغط الرسمي والدبلوماسي على الأمم المتحدة، والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان؛ بضرورة إلحاق ميثاق ديني وآخر ثقافي، بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان.
سادسا:تنفيذ برنامج إعلامي باللغات العالمية؛ يوجه للرأي العام الغربي يوضح أهمية المقدسات والرموز للإنسان الشرقي عموما والمسلمين على وجه الخصوص، وأن التعرض للمقدسات والرموز سيؤدي إلى خلق عداوات بين الغرب والشرق لامبرر لها.
سابعا: اتباع الاجراءات الصحيحة لحمل الدول الغربية على سن قوانين تجرم الاساءة للمقدسات.
ولا يفوتنا أن نذكر، ونحن نعبر عن غضبتنا واستنكارنا حكمة العز بن عبد السلام: «كل عمل حقق خلاف مقصوده فهوباطل». وفوق ذلك التوجيه الالهي: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)..المائدة الآية 8 ، و(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، سورة الأعراف الآية 199.