نبض الكلمة
عصاك اللي ما تعصاك
شريفة الشملان
(قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى)
أرجو أن يكتب الله لي قريباً التخلي عن العصا وقد رافقتني لفترة تجاوزت العشرة
أعوام، فقد سهل الله عليّ وعملت عملية تغيير المفصل.
ولان الامتنان حق فلابد ان أودعها توديعاً يليق بها، فلقد كانت رفقة طيبة ساعدتني على تجاوز الآلام، والحركة، أتوكا عليها، قدمت لي خدمات عديدة كرفيقة طيبة.
أول هذه المزايا بل وأهمها في السفر تفسح لي الطريق في عملية وصولي للجوازات والطائرة فبدلاً عنها سيكون الكرسي المتحرك.
في السفر يهب لمساعدتي الشباب فهناك من يحمل عني الحقيبة وهناك من يمسك الباب لأستطيع المرور. بل يقدمونني في الصف، مع ابتسامات لطيفة وكأنها تشجعني، وما في الغرب وجدته في بعض الدول العربية. في الدمام والخبر الكل يساعد.
من مميزات استخدام العصا أنها تختبر أخلاق الناس وخاصة الشباب، يحز بالنفس أن فتيات في عمر الزهور يمررن ويكدن يسقطنني وعصاي دون التفاتة اعتذار بل تمر وكأن الأمر لا يهمها، ومرة حدث عند محاسب أحد الأسواق المركزية بالرياض أن دفرتني فتاة حتى درت دورة كدت أن أسقط على وجهي، وعندما نبهتها زمت شفتيها وكأنها تعجب من تصرفي لا العكس.
من محاسن العصا أيضا جلب الشيء البعيد أقلب رأسها ثم أمدها فيقرب لي ما أريد، ومن محاسنها أيضا ممكن الإشارة فيها، أن أطفئ نور الكهربا والعكس، ممكن أن أهش بها على أحفادي فيتقافزون ضحكاً. لكنهم في مرات كثيرة يسرقونها مني. ركض ذات مرة حفيدي بها ورماها في بركة السباحة وأتى مشفياً بي. أخته أخذتها مني ولعبت بها ثم بح، ولأنها صغيرة لم نفهم منها شيئاً حتى عثرت عليها تحت سريري.. لقد كبرا وأصبحا يجلبانها لي.. قريبتي في إحدى المناسبات مسكتها لتبعث قليلاً بها ولما قمت كانت قد صارت بعيدة ويا فلانة عصاي.
ذات مرة كنت مدعوة من زميلة ابنتي وصديقتها فأخذها ابنها ليلعب بها، فنادته اترك العصا انها للعجايز فقط. ولما نظرت لها ضاحكة فر الدم من وجهها.
ليس سهلاً ان نودع من رافقنا عمراً وكان يعمل بلا كلل يساعدنا بصمت لا يطلب أجراً ولا يتأفف مؤدب يخجل الأدب منه.
الأشياء من حولنا تلك التي تحسن أداءها وتسهل طريقة العيش تشعرنا بألفة بالغة معها حتى نكاد تكون صداقة خاصة فيما بيننا، هي لا تنطق لكنها ممكن ننطقها حبا لها. من من البشر فيما حولي مستعد لفترة تتجاوز العشر سنوات أن يمنحني كتفه أتوكأ عليها ليل نهار؟ ومن ذا الذي يستعد ليتحمل الإشارة والجر والدفع وإغلاق أحيانا النوافذ وفتح البواب أو جرها لإغلاقها. غير العصا.
العصا ربما هي الاختراع البشري الأول الذي لا يمكن لأحد أن يقول إنها فكرته. هي أزلية منذ خلق الله البشر والشجر. فهي للدفاع وصد الكلاب الضالة، وتطور أمرها حتى أصبحت في بعض البلدان تستعمل أداة أبهة، لننظر لبعض المارشلات الكبار وهم يضعون عصا تحت آباطهم، قد يبدون ذوي هيبة ولكني أكره الحروب وأدواتها وأستثني العصا فما خلقت لهم.
لقد قررت أن أفعل مع عصاي كما عمل بن لادن مع زبيله الذي كان يحمله على ظهره حتى استطاع تكوين ثروته فعلقه في صدر مجلسه. أنا سأضع لعصاي إطاراً جميلاً وأضعها في صدر صالة معيشتنا ومع كلمة لطيفة تستحقها.
أخيراً هي الأشياء البسيطة التي تسهل حياتنا قد لا نعرف قيمتها عندما لا نحتاجها لكنها حقاً وفية وأمينة ولطيفة.
وصدق من وصف العصا (عصاك اللي ما تعصاك).
ولكم السلامة