منطق الغيم
هيه .. يا خناس
اميمة الخميس
جاء في كتاب الأغاني للأصفهاني (أن نابغة بني ذبيان كانت تضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعرهه. وأنشدته الخنساء قصيدتها التى مطلعها :
" قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ ..
أَم ذَرّفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ "
حتى انتهت إلى قولها:
وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ .
كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ
وَإِنَّ صَخراً لَمولانا وَسَيِّدُنا ..
وَإِنَّ صَخراً إِذا نَشتو لَنَحّارُ
فقال لها النابغة : لولا أن أبا بصيرٍ – يقصد الأعشى وهو شاعر مشهور من أصحاب المعلقات - أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس !!
فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها.
قال له النابغة : حيث تقول ماذا؟
قال: حيث أقول:
لَنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلمَعنَ بِالضُحى ...
وَأَسيافُنا يَقطُرنَ مِن نَجدَةٍ دَما
وَلَدنا بَني العَنقاءِ وَاِبني مُحَرَّقٍ ...
فَأَكرِم بِنا خالاً وَأَكرِم بِذا اِبنَما
فأجابه النابغة : إنك لشاعر لولا أنك قلت " الجفنات " فقللت العدد ولو قلت " الجفان " لكان أكثر. وقلت " يلمعن في الضحى " ولو قلت " يبرقن بالدجى ". لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً. وقلت: " يقطرن من نجدة دماً " فدللت على قلة القتل ولو قلت " يجرين " لكان أكثر لانصباب الدم. وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. فقام حسان وغادر الخيمة..
قام حسان رضي الله عنه وبقيت الخنساء ولم يحضر أحد إلى خيمة النابغة ليقلل من شأنها، أو يهينها أو يعيب حضورها الشخصي والشعري فوق المنبر، ولكنها بقيت على مكانتها في الجاهلية والإسلام.
حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم، وكان عليه السلام يستنشدها وهي في مجلسه، فيعجبه شعرها، وكانت تنشده وهو يردد معجبا : " هيه يا خناس .. هيه يا خناس"
هذا هو المشهد التاريخي الذي نعرفه ودرسناه وندرسه، وإن كان أحد له تاريخ خاص وقراءة خاصة به يظل يلوح بها في المناسبات الثقافية والمحافل الفكرية والأدبية التي يتقافز بين أروقتها وقاعاتها لإفسادها مستجيبا لهواجسه المظلمة وظنونه الخبيثة فذلك أمر مختلف ..
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ..
وصدق ما يعتاده من توهم
حكاية الخنساء وهي تحتل واجهة المشهد الشعري في عكاظ هي التاريخ الذي نعرف، وإن كانت هناك قراءة مختلفة للتاريخ في عقول فئة متطرفة فلا تفرض على عموم المسلمين في جميع أقطار الأرض.
الشاعرة العذبة (جميلة الماجري) أذكر أنني تشاركت وإياها عام 2005 أمسية أدبية مضيئة في تونس وكانت ثالثتنا الأديبة شريفة الشملان، واختار منظمو الأمسية أن تكون الأمسية (كبعد رمزي) في منزل (طاهر حداد)، فهو أول تونسي كتب مدونة حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية .. وكان الاحتفاء بنا وقتها من قبل المجتمع الأدبي في تونس احتفاء مبهجا.
فماذا نسمي بعض ما صدر ضد شاعرتنا التونسية جميلة في سوق عكاظ ؟ فهل هو دين جديد يختلط به الغلظة وضيق الأفق والمزايدة على عموم المسلمين ...؟
هل أحد منكم يعرف قوانين هذه العقيدة الصحراوية الفظة الطارئة على المشهد ؟ فلا أعتقد أن أحدا يود أن يبخس دور المملكة الريادي والحضاري على المستوى الأقليمي والعالمي.
عذرا .. يا خناس
عذرا لجميع شاعرات تونس منذ زمن (عليسة قرطاجة) إلى جميلة الماجري..
عذرا مشروعنا التنموي والحضاري
عذرا لجميع شجر الورد الطائفي الذي أزهر ليلة مرت به شاعرات عكاظ ..