النفط السوداني... بين نعمة الطبيعة ونقمة الجشع الأمريكي
التنافس على نفط السودان يذكي مخاطر الانفصال... سامر إلياس يبرز دور النفط جلياًً من خلف مشهد الانتخابات التعددية الأولى منذ /24/ عاماً التي جرت في السودان، فقبل أيام من الانتخابات استبق رئيس حكومة جنوب السودان، سيلفا كير، الانتخابات واتّهم الخرطوم بإرجاء ترسيم الحدود بين شمال البلاد وجنوبه سعياً للاحتفاظ بالسيطرة على احتياطات النفط، ولم تخفف تأكيدات الرئيس السوداني أنّ 30% من الجنوبيين ضدّ الانفصال، و/40/ في المئة مع الوحدة من مخاوف انفصال الجنوب نتيجة تنظيم استفتاء مطلع العام المقبل، أو بعودة دوامة الحرب الأهلية التي بدأت مع اكتشافات النفط الكبيرة في السودان، ذلك أنّ نسبة كبيرة من الجنوبيين لم تُحدِّد موقفها بعد، كما أنّ الوضع قد يتغير بحكم تجاذبات داخلية، أو تدخلات خارجية، فالصراع بين الجنوب والحكومة المركزية تحوّل بعد الاكتشافات النفطية إلى صراع سياسي للسيطرة على مناطق إنتاج النفط، وخصوصاً في منطقة أبيبي، وكذلك آلية تقاسم عائدات نفط الجنوب. ورغم أنّ اتفاق السلام الشامل المبرم في العام 2005 بين الخرطوم والحركة الشعبية أنهى حرباً أهلية استمرت /21/ عاماً، لكنه لم يبتَّ نهائياً في وضع منطقة أبيي. وينصّ الاتفاق على أنّه يجب تحديد مصير المنطقة عبر استفتاء العام 2011. وسيقرر السكان أيضاً ما إذا كانت أبيي ستتبع الشمال أو ستنضم إلى الجنوب. ومع مقاطعة أحزاب رئيسة للانتخابات في منطقة دارفور غربي السودان تُطرح تساؤلات حول مصير منطقة أخرى يُتوقع أن تكون غنية جداً بالنفط والغازات. ويشير خبراء إلى أنّ مصير ثروات السودان الهائلة وحقوق استثمارها يحدده موقف لاعبين دوليين كبار، ويفتح شهيّة شركات نفطية عملاقة في مشارق الأرض ومغاربها، وصل عددها حالياً إلى ثلاثين شركة نفطية تتنافس على استثمار احتياطات نفط مؤكَّدة تُقَدّر بنحو ستة بلايين برميل ما يضعها في المرتبة الخامسة في إفريقيا، ويلتهب التنافس مع ما تبشّر به دراسة التركيبة الجيولوجية من أنّ السودان قد يكون عائماً فوق بحر من الذهب الأسود، ما قد يرفع الاحتياطات إلى أضعاف ما هي عليه حالياً. إضافة إلى أنّ النفط السوداني يُعَدّ من أجود الخامات مع سعر استخراج رخيص يتراوح بين /3-4/ دولارات للبرميل. داخلياً أدّى اكتشاف النفط وبدء إنتاجه إلى رفع حجم الموازنة السودانية من نحو بليون دولار في العام 2002 إلى /13/ بليوناً في 2008. ونما قطاع النفط السوداني 8% في العام 2005 وحقق طفرة كبيرة في 2006 عندما نما بنحو 64%، ووصل إنتاج النفط في العام 2008 إلى /500/ ألف برميل يومياً مرتفعاً من نحو /150/ ألف برميل في العام 2000. وتشكل صادرات النفط نحو 90% من صادرات السودان، وتمد عائدات النفط حكومة الجنوب المتمتعة بحكم ذاتي بنحو 98% من إيراداتها. وكان من الممكن أن تلعب هذه المؤشرات دوراً في استقرار السودان وازدهاره، لكّنها حولته إلى ساحة تنافس بين الولايات المتحدة الساعية إلى إعادة السيطرة على نفط السودان، والصين التي استغلّت خروج شركات واشنطن من السودان في العام 1995 لتوظف بلايين الدولارات في استثمارات نفطية مكّنتها من الظفر بأكثر من نصف صادرات السودان النفطية، ووفقاً لإحصاءات العام 2008، تملك شركات النفط الصينية 40% من أسهم شركة النيل الأعظم النفطية في السودان، والتي تضخّ ثلاثمئة ألف برميل يومياً. كما مدّت شركة "سينوبك" الصينية خطّ أنابيب بطول ألف وخمسمئة كيلومتر لنقل الإنتاج النفطي إلى ميناء بورت سودان على البحر الأحمر، ومنه إلى ناقلات البترول المتجهة إلى الصين. ومن الطبيعي ألا يرضي هذا الوضع الولايات المتحدة، وأن تسعى إلى تغييره بشتى الوسائل، حتى ولو كان الثمن إشعال فتيل حرب جديدة في الجنوب أو دارفور غربي السودان، للسيطرة على النفط السوداني، وضخّه إلى غرب القارة وصولاً إلى المحيط الأطلسي عبر تشاد، وحرمان الصين أو أي طامح آخر إلى الاستثمار في نفط السودان.