(1)
الحَمْدُ للهِ ذِي الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، وَالطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا لَهُ أَهْـلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
الحَجُّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ قَصْدٌ وَنِيَّةٌ، وَعِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ وَبَدَنِيَّةٌ، وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِعبَادِهِ أَنْ فَرَضَهُ عَلَى المُستَطِيعِ القَادِرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي العُمرِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ لَو قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا استَطَعْـتُمْ،)، وَالحَجُّ عِبَادَةٌ يَانِعَةُ الثِّمَارِ، حَافِلَةٌ بِالأَسْرَارِ، يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَعْرِفُهُ أُولُو النُّهَى وَالأَبْصَارِ، وَلَقَدْ أَذَّنَ بِهَذِهِ العِبَادَةِ مُنْذُ عَهْدٍ
(2)
قَدِيمٍ خَلِيلُ اللهِ إِبرَاهيمُ استِجَابَةً لأَمْرِ اللهِ المَعْبُودِ، فَأَسْمَعَ اللهُ أَذَانَهُ كُلَّ الوُجُودِ، قَالَ تَعَالَى آمِرًا لَهُ: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ، إِنَّ الحَجَّ سَفَرُ طَاعَةٍ مُبَارَكٌ، يَتْرُكُ فِيهِ المُسلِمُ الأَهْـلَ وَالبَلَدَ، وَالمَالَ وَالوَلَدَ، تَلْبِيَةً لأَمْرِ اللهِ الوَاحِدِ الأَحَدِ، يَتَزَوَّدُ المُسلِمُ فِيهِ بِخَيْرِ زَادٍ، وَهَلْ بَعْدَ تَقْوَى اللهِ مِنْ زَادٍ؟ إِنَّهُ زَادٌ يُسْعِدُ حَيَاةَ الإِنْسَانِ وَيُنْجِيهِ يَوْمَ التَّنَادِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإَِِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)
عِبَادَ اللهِ :
لِلْحَجِّ مَوَاقِيتُهُ الزَّمَانِيَّةُ، وَهِيَ مَوَاقِيتُ لاَ تُحْسَبُ بِالأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ، بَلْ بِالأَشْهُرِ المَعلُومَاتِ، حتَّى يَستَطِيعَ النَّاسُ أَنْ يَأْتُوا لأَدَاءِ مَنَاسِكِهِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، وَبَلَدٍ نَاءٍ وَسَحِيقٍ؛ وَلِيَتَمَكَّنَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ أَدَاءِ المَنَاسِكِ عَلَى الوَجْهِ المَرْضِيَّ وَالمَنْشُودِ،
(3)
فِي المَكَانِ المُعَيَّنِ وَالزَّمَنِ المَحْدُودِ، كَمَا أَنَّ لِلْحَجِّ مَوِاقِيتَهُ المَكَانِيَّةَ التِي عِنْدَهَا يَبْدَأُ الحَاجُّ عَقْدَ نِيَّـتِهِ وَالدُّخُولَ فِي عِبَادَتِهِ؛ فِي هَذِهِ الأَمكِنَةِ أَو مَا يُحَاذِيهَا يَبْدَأُ الإِحْرَامُ، فَيُغَيِّرُ الحَاجُّ أَو المُعْـتَمِرُ مِنْ بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ، أَمَّا تَغْيِيرُ البَاطِنِ فَيَكْمُنُ فِي عَدَمِ الاهتِمَامِ بِالدُّنْيَا وَمُلْهِيَاتِهَا، وَشَهَواتِهَا وَمُغْرِيَاتِهَا، وَطَرْحِ كُلِّ مَا يُعكِّرُ الرُّوحَ مِنْ تَفْكِيرٍ فِي الأَهْـلِ وَالوَلَدِ، وَالمَالِ وَالبَلَدِ، أَمَّا تَغْيِيرُ الظَّاهِرِ فَيَكْمُنُ فِي طَرْحِ كُلِّ اهتِمَامٍ بِزِينَةِ اللِّبَاسِ وَفَخَامَتِهِ، وَشَكْلِهِ وَصُورَتِهِ، فَيَخْلَعُ الرَّجُلُ عَنْ بَدَنِهِ الثَّوْبَ المُعتَادَ، وَيَلْبَسُ إِزَارًا وَرِدَاءً لِيَكُونَ فِي غَايَةِ التَّواضُعِ ومُنْتَهَى الخُضُوعِ لِلإِلَهِ المَعْبُودِ، وَبِذَلِكَ يَبْـتَعِدُ عَنِ الكِبْرِ وَالغُرورِ، وَهُوَ رَاضٍ سَعِيدٌ فَرِحٌ مَسْرورٌ، أَمَّا المَرأَةُ فَتُحْرِمُ فِي ثِيَابِهَا المُعْـتَادَةِ كَاشِفَةً عَنْ وَجْهِهَا وَكَفَّيْها فَقَطْ، غَيْرَ أَنَّها تَبْـقَى كَالرَّجُلِ بَعِيدَةً عَنْ كُلِّ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ، فَلاَ اهتِمَامَ لَهَا بِشَكْلٍ أَو زِينَةٍ؛ إِذْ حُلِيُّهَا أَخْلاَقٌ حَمِيدَةٌ وَتَصَرُّفَاتٌ رَزِينَةٌ.
عِبَادَ اللهِ :
(4)
إِنَّ الطَّوَافَ بِالبَيْتِ الحَرَامِ لَيْسَ مُجَرَّدَ حَرَكَةٍ جُسْمَانِيَّةٍ، بَلْ هُوَ تَعْبِيرٌ عَنْ تَوَجُّهِ القُلُوبِ لِلهِ حينَ دَوَرَانِهَا بِبَيْتِهِ، اِلْتِمَاسًا لِرَحْمَتِهِ، وَطَلَبًا لِرِضْوَانِهِ وَمَثُوبَتِهِ، إِنَّهُ الْتِفَافٌ حَوْلَ بَيْتِ اللهِ الكَرِيمِ؛ لِيَنَالَ الطَّائِفُ عَطَاءَهَ، وَيُدْرِكَ فَضْلَهُ وَنَعْمَاءَهُ، وَإِذَا كَانَتْ مَظَاهِرُ كَرِمِ اللهِ تَصِلُ إِلَيْنَا فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ مَكَانٍ سَحِيقٍ، وَطُفْنَا بِبَيْـتِهِ العَتِيقِ؟ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّـفَا وَالمَروَةِ هُوَ تَذْكِيرٌ لِلسَّاعِي بِأَمْرٍ هُوَ فِي أَمَسِّ الحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ الاعتِمَادُ عَلَى اللهِ وَحُسْنُ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، دُونَ تَوَاكُلٍ وَاستِكَانَةٍ، بَلْ مَعَ سَعْيٍ دَؤُوبٍ، لِيَحْظَى فِي النِّهَايَةِ بِرِزقِهِ المَكْتُوبِ، فَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ يُذكِّرُنَا بِسَعْيِ السَّيِّدَةِ هَاجَرَ أُمِّ إِسَماعِيلَ التِي تَرَدَّدَتْ بَيْنَ هَذَيْنِ المَكَانَيْنِ تَسْـتَمْطِرُ الرَّحَمَاتِ وتَلْتَمِسُ البَرَكَاتِ، تَطْـلُبُ مِنَ اللهِ أَنْ يُنْقِذَ وَلَدَهَا إِسَمَاعِيلَ مِمَّا يُعَانِيهِ، فَهُوَ فِي أَمَسِّ الحَاجَةِ إِلَى شَرْبَةِ مَاءٍ تُرْوِيْهِ، وَتُنْقِذُهُ مِنَ الخَطَرِ وَتَحْمِيهِ، فَكَانَ سَعْيُهَا حَرَكَةً، جَلَبَتِ الخَيْرَ وَالبَرَكَةَ، بِهَذَا يَتَعلَّمُ المُؤمِنُ أَنَّ التَّوَكُّلَ
(5)
عَلَى اللهِ أَمْرٌ مَحْـتُومٌ، لَكِنَّ السَّعْيَ لِتَحقِيقِ الأَمَلِ أَمْرٌ ضَرورِيٌّ وَمْعلُومٌ، لَقَدْ تَوكَّلَتِ السيِّدَةُ هَاجَرُ عَلَى اللهِ وَالتَمَسَتِ الأَسْبَابَ، فَأَغَاثَهَا اللهُ وَوَلَدَهَا بِمَاءٍ مَعِينٍ، أَرْوَاهُمَا بَلْ أَرْوَى غَيْرَهُمَا مِنَ الآمِّينَ لِهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ، فَزَمْزَمُ الآنَ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ لِسَانُ حَالِهَا يَقُولُ: مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوكُّلِهِ كَانَ حَسْبَهُ وَكَافِيَهُ، وَحافِظَهُ وَحَامِيَهُ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا وَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ الصَّـفَا وَالمَروَةِ دَرْسٌ لأَهْـلِ الإِيمَانِ بِأَنَّ الوُصُولَ إِلَى الهَدَفِ وَالمُرَادِ يَتَطَلَّبُ المُحَاوَلاتِ وَالتَّرْدَادَ، فَمَنْ أَرَادَ تَحْـقِيقَ هَدَفٍ وأَخفَقَ مَرَّةً، فَعَلَيْهِ أَلاَّ يَيْأَسَ بَلْ يُحَاوِلَ إِعَادَةَ الكَرَّةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.
عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ الوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَيْسَ مُجَرَّدَ وُقُوفٍ نِصْفَ النَّهَارِ وَجُزْءًا مِنَ اللَّيلِ ثُمَّ انْصَرافٍ، إِنَّهُ تَعْـلِيمٌ وَتَدْرِيبٌ، وَتَقْوِيمٌ
(6)
وَتَهْذِيبٌ، وَنِظَامٌ وَتَرتِيبٌ، فَتَحْدِيدُ بَدْءِ زَمَنِ الوُقُوفِ وَتَحْدِيدُ نِهَايَتِهِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَهَمِيَّةِ الوَقْتِ وَتَرتِيبِ كُلِّ عَمَلٍ فِيهِ، وَبِذَلِكَ يُبَارِكُ اللهُ فِي الوَقْتِ؛ فَيَتَّسِعُ لِلأَعْمَالِ مَهْمَا كَثُرَتْ، وَيُحَقِّقُ المُسلِمُ جَمِيعَ أَهْدَافِهِ مَهْمَا وَفَرَتْ، وَكَمَا نَظَّمَ الإِسلاَمُ بَدْءَ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالوُصُولَ إِلَيْهَا، نَظَّمَ طَرِيقَةَ الانْصَرِافِ مِنْهَا، فَفِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ دَعَا الإِسلاَمُ لِلنِّظَامِ وَعَدَمِ العَجَلَةِ، لِيَتَحَقَّقَ اليُسْرُ وَيَنَالَ كُلُّ إِنْسَانٍ أَمَلَهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ (إِنَّ أَهْـلَ الشِّرْكِ وَالأَوثَانِ كَانُوا يَدفَعُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْـلَ غُروبِ الشَّمْسِ وَأَنَا أَدفَعُ مِنْهَا بَعْدَ غُرُوبِهَا فَلاَ تَعْجَلُوا)، وَلَقَدْ تَعَوَّدَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ انْصِرَافُهُمْ مِنْ مَوَاقِعِ أَعْمَالِهِمْ بَعْدَ أَدَائِهَا تَأْخُذُ صُورَةَ العَجَلَةِ وَالازْدِحَامِ، وَفِي هَذَا مَا يُسَبِّبُ لَهُمُ العَنَتَ وَالمَشَقَّةَ، وَيَحُولُ دُونَ الانْدِفَاعِ إِلَى الأَمَامِ، فَعَلَّمَ الإِسلاَمُ النَّاسَ وَقْتَ إِفَاضَتِهِمْ مِنْ عَرَفَاتٍ أَنْ يَفِيضُوا عَلَى مَهَلٍ، وَيَتَجَنَّبُوا الإِسْرَاعَ وَالعَجَلَ، وَحثَّهُمْ عَلَى الانْصِرَافِ بِهُدُوءٍ، لِيَبقَى لِلْمَوقِفِ رَوْعَتُهُ وَلِلْحَجِّ وَقَارُهُ، فَالاستِعْجَالُ
(7)
لَهُ مَضَارُّهُ وَأَخْطَارُهُ، إِنَّ هَذَهِ الأَبْدَانَ التِي ظَلَّتْ فِي المَوقِفِ العَظِيمِ بِعَرَفَةَ خَاشِعَةً هَادِئَةً وَادِعَةً، لاَ يَلِيقُ بِهَا أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ رَوْعَةِ الخُشُوعِ إِلَى السُّرْعَةِ وَإِيذَاءِ الجُمُوعِ، وَلَقَدْ حَرَصَ الرَّسُولُ عَلَى أَنْ يَلْتَزِمَ المُنْصَرِفُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ بِذَلِكَ؛ لِيَتَجنَّبُوا المَخَاطِرَ وَالمَهَالِكَ، وَلِيَبْـقَى ذَلِكَ لَهُمْ عَادَةً، تُحَقِّقُ الأَمَانَ وَالسَّعَادَةَ.
الحديث :
روى الإمام أحمد - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ وَالْعُمْرَتَانِ تُكَفِّرَانِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الذُّنُوبِ»... أو كما قالَ .
(
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ السَّلاَمَ الذِي نَسْعَى لِلْعَيْشِ فِي ظِلاَلِهِ تُعلِّمِنَا إيَّاهُ مَنَاسِكُ الحَجِّ، فنَهَى الإِسلاَمُ عَنِ الجِدَالِ وَالخِصَامِ، وَكُلِّ فِسْـقٍ أَو فُحْـشٍ فِي الكَلاَمِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، وَيَقُولُ الرَّسُولُ (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)، وَفِي الحَجِّ يَتَجلَّى َمظْهَرُ الوَحْدَةِ بَيْنَ المُسلِمِينَ جَلِيًّا ظَاهِرًا مَرئيًّا، حَيْثُ يَلْتَقُونَ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، بِزِيٍّ وَاحِدٍ وَلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهَدَفٍ وَاحِدٍ، فَتَتَجلَّى فِي اجتِمَاعِهِمْ وَحْدَةُ الكَلِمَةِ وَوَحْدَةُ المَظْهَرِ، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ
(9)
رَسُولُ اللهِ فِي خُطْبَةِ الوَدَاعِ حِينَ قَالَ: (أَيُّها النَّاسُ: إنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، كُلُّكُمْ لآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، لَيْسَ لِعَرَبِيٍّ فَضْـلٌ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلاَّ بِالتَّقْوَى، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ اشهَدْ)..
عباد الله :
اتقوا الله فإنكم عليه تعرضون وأخلصوا له الأعمال فإنكم عليها محاسبون واعلموا أن الله صلّى على نبيه في كتابه المكنون و أمركم بذلك فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فأكثروا من الصلاة عليه تكونوا من الفائزين. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وارض عن الأربعة الخُلفا وبقية العشرة الكرام وأزواج نبيك المصطفى وعن عمي نبيك وحبيبك وسبطيه ذوي الإخلاص والصفا وعن الأنصار والمهاجرين والتابعين إلى يوم الدين. اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب
(10)
الدعوات يا رب العالمين, واجعل بفضلك هذا البلد آمناً مطمئناً ولا تؤاخذنا بما فعلنا وارفع اللهم مقتك وغضبك عنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين, اللهم بك نستنصر فانصرنا وإيّاك نسأل فلا تخيبنا وإليك نلجأ فلا تطردنا وعليك نتوكل فاجعلنا لديك من المقربين, إلهي هذا حالنا لا يخفى عليك وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك فعاملنا بالإحسان إذ الفضل منك وإليك وأختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا من الذين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
قوموا للصلاة يرحمُكمُ الله