أثابك الله أخي طلحة ولا شك أن فعل الخيرات عمل عظيم ولنقراء هذا الكلام العجيب منقول من أحد الدعاة . قول الله عزوجل
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ([1]).خرج من قريته بعد أن تآمر علية القوم على قتله خرج منها وهو خائفاً متلفتاً يتوقع الشر في كل لحظة هارباً يسعى بكل طاقته ليس معه مال وليس معه متاع مشى ..ومشى حتى انتهى به المطاف إلى قرية فوصل وقد أنهكه التعب والجوع والظمأ وما كاد يجلس على الأرض ليستريح من عناء السفر المتعب حتى رأى منظراً استفز فيه شهامته ورجولته ونخوته ودينه فماذا رأى..؟ رأى فتاتين عفيفتين طاهرتين تتحاشيان الاختلاط بالرجال معهما أغنامهما ؛ وعلى الرغم من أنه لا يعرفهما وليس له حاجة عندهما إلا أنه رأى أنها فرصة لأن يكسب الأجر عند الله بقضاء حاجتهما ، وعلى الرغم من حرارة الجو و ما كان يعانيه من تعب السفر إلا أنه بادر لقضاء حاجتهما فسقى لهما ثم بعد أن أنجز تلك المهمة لم يطلب منهما أجرة ما عمل أو انتظر منهن كلمة شكر إنما تولى إلى الظل ليستظل من تلك الحرارة الشديدة أعلمتم من هو ذلك الشاب إنه رسول من أولي العزم من الرسل إنه كليم الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم خلد الله لنا عمله ذلك في كتابه إلى يوم القيامة ليظل علماً للبشرية في مجال قضاء حوائج الناس واستمعوا لربكم يقص عليكم ذلك الموقف :{ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ()وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ()وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ()فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(2).أذهب عمله ذلك هباء ؟ لا . لقد تكفل بثمن عمله رب العالمين واسمعوا للثمن : {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ()قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ()قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ}(3). الله أكبر أمان بعد الخوف ورزق بعد الفقر وزوجة بعد العزوبة هذا مع ما ينتظره من الأجر في الآخرة.قضاء حوائج الناس خلق أصحاب الفطرة السليمة ومن باب أولى أن تكون سجية المتقين والمؤمنين فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم قبل بعثته كان من ضمن شمائله الكريمة قضاء حوائج الناس كما أثنت بها عليه زوجه الوفية خديجة رضي الله عنها وأرضاها حيث قالت له يوم أن جاء فزعاً من الغار في بداية الوحي : (كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ)(4). وبعد الرسالة كان سعيه في ذلك أشد حيث كانت الجارية الصغيرة (الطفلة الصغيرة) تأخذ بيده الشريفة فتنطلق به في شوارع المدينة وهو أكبر سلطة سياسية في ذلك الزمان فيمضي معها حتى يقضي حاجتها.زانتك في الخُلق العظيم شمائلٌ ..يُغرىَ بهن ويولع الكرماء ..فإذا سخوت بلغت بالجود المدى ..وفعلت ما تفعل الأنواء..وإذا عفوت فقادراً ومقدراً ..لا يستهين بعفوك الجهلاء..وإذا رحمت فأنت أم أو أب…هذان في الدنيا هم الرحماء.قضاء حوائج الناس باب عظيم للخير فقد أخرج ابن أبي الدنيا عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قوله
(إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس،حببهم إلىالخير،وحبب الخير إليهم،هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة))(5). بشروا من يسعى في قضاء حوائج الناس بقضاء حوائجه ففي الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(6).فمن كان الله في حاجته أتظنون أنه يخيب ..؟ بعض الناس قد يغره المنصب والوجاهة والمكانة فيترفع عن قضاء حوائج الناس فنقول له هذا خير الأمة بعد نبيها الصديق رضي الله عنه كان يواظب على خدمة عجوز مقعدة فبعد أن ولي الخلافة ذهب عمر رضي الله عنه لقضاء حوائجها ظاناً أن أبا بكر ستشغله الخلافة ولو بشكل مؤقت عن ذلك العمل فإذا به يجد أن الخليفة قد سبقه لذلك ! وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه وهو خليفة وجد وهو يعس بالليل امرأة في حالة المخاض تعاني من آلام الولادة فحث زوجته على قضاء حاجتها وكسب أجرها فكانت هي تمرض المرأة في الداخل وهو في الخارج ينهمك في إنضاج الطعام بالنفخ على الحطب تحت القدر حتى يتخلل الدخان لحيته وتفيض عيناه بالدمع لا من أثر الدخان الكثيف فحسب بل شكراً لله أن هيأه وزوجته لقضاء حوائج الناس!فما أشد حرمان من لم يوفق لقضاء حوائج الناس وأشد منه خسارة وبؤساً من سعى في تعطيل حوائج الناس.وإلى كل من جعل الله حاجة الناس إليه فبدأ يتبرم ويضيق بتلك الحاجات أقول له احمد الله أن جعل حوائج الناس إليك ولم يجعل حاجتك إلى الناس . أقول له من الذي أعطاك ما أعطاك فاحذر أن تترفع وتحتجب عن حاجات الناس فيمتنع الكريم عن حاجتك ، وقد يبدل الله حالك فيجعل حاجتك إلى الناس بدلاً من أن تكون حاجات الناس إليك معاشر من يسعى في قضاء حوائج العباد المؤمنين اعلموا أنه ليس من قضاء حوائج الناس مساعدتهم على ارتكاب المنكر،كما أنه ليس من قضاء حوائج الناس أن تقضى حوائج الأقارب والمعارف على حساب الآخرين.أيها الأحبة في الله إذا كان الله قد شكر لامرأة زانية وغفر لها زناها لأنها سعت في قضاء حاجة كلب عطش ، فكيف بمن يقضي حاجة عبد مؤمن موحد؟كيف بمن يقضي حاجة جاره؟ كيف بمن يقضي حاجة زوجه وأولاده؟كيف بمن يقضي حاجة والديه من أم أو أب؟كيف بمن يقضي حاجة حاج ضيف من ضيوف الرحمن؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) والله تعالى أعلم