إن العبادات التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده من صلاةٍ وصومٍ وحجٍ إذا نظر إليها المرء دون ولوج في معانيها ومقاصدها لوجد أن الصلاة ما هي إلا حركةٌ ميكانيكيةٌ من ركوع وسجودٍ، ولوجد الزكاة ما هي إلا انتقاصٌ لماله، والصومَ جوعٌ وعطشٌ، والحج طوافٌ وسعيٌ بين الحجارة. ولكن إذا ربط الإنسان هذه العبادات الظاهرية بتلك المعاني والمقاصد لوجد معنىً لكل فرض فرضه الله عز وجل واضحاً وضوح الشمس، لا يحتاج إلى دليل.
أيها الأحباب
إن لهذه العبادات تأثيرٌ مباشرٌ على سلوك المرء. فالذي يصلي صلاةً صحيحةً يكون دائما بعيدا عن الفحشاء والمنكر. لأن الصلاة هي صلةٌ بين العبد وربه، ولا يليق بالمرء الذي يكون على وصالٍ مع ربه كل يوم خمسة مراتٍ أن يُقْدِمَ على ارتكاب الفحشاء والمنكر. فإن كان يصلي ويأتي هذه الأفعال فإن صلاته خِداجٌ أو بدون قَبول. بدليل قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ..الآية) وقال تعالى أيضا في حديث قدسي: "إنما تقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي، وقطع نهاره في ذكري، ولم يبت مصرا على معصيتي، ورحم المسكين والأرملة وابن السبيل، ورحم المصاب ، ذلك أكلأه بعزتي وستحفظه ملائكتي، وأجعلُ له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة".
إن للعبادات التي فرضها الله سبحانه وتعالى أثرٌ واضحٌ في السلوك الإنساني، وتحريرٌ نفسيٌ للإنسان من عبودية الهوى والسعي وراء التيه والضلال. فالصلاة يتعلم منها المرء الانضباط في المواعيد والأمانة في أداء الواجب، كما يتعلم المرءُ من الزكاة البذلَ والعطاء، ويتعلم من الصوم الصبر والعفة ومن الحج أيضا الصبر على الشدائد والمشاق والتعامل مع المسلمين الذين يختلف معهم قوميا.
إن الله عز وجل لم يفرض هذه العبادات بمعزل عن سلوك الإنسان فالعبادات لم تكن طقوسا وشعائرَ تؤدى وإلى جانبها سلوكٌ غير حميد. بل المسلم الحقيقي الواعي لدينه يجد في كل شعيرة يؤديها حافزا يتعامل مع عباد الرحمن بغض النظر عن أعراقهم وقومياتهم أو معتقداتهم الدينية، لأن الإسلام هو دين المعاملة حتى مع غير المسلمين. يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: "في كل ذي كبد رطبة أجر " وفي هذا المعنى يروى عنه صلى الله عليه وسلم أن امرأة عذبت هرة فدخلت فيها النار، وأن رجلا سقى كلبا عطشانا فدخل الجنة. لهذا نجد أنه حتى حقوق الحيوان مكفولة في الإسلام،وجعل منها الإسلام بعدا روحيا ثوابه إما دخول الجنة وإما النار.
إن المسلم - أيها الأحباب- الواعي المستنير لا يجد ثمة صعوبة في التعامل مع الآخرين في أي زمان ومكان لأن الدين الإسلامي هو دين الانفتاح والتعامل مع الآخر الديني والآخر اللاديني.
فقد خط لنا الإسلام خطوطا عريضة لنهج الحياة، وجعل التفاصيل لأهل كل زمان حسبما تقتضيه حياتهم أي إن الإسلام لم يكن نصوصا جافة، بل اجتماعيا هو تعاليم متحركة تلبي رغبات الناس وتشجع أداءهم واجتهاداتهم نحو الأفضل والأمثل.
والإسلام يحترم الإنسان ويقدره لمجرد آدميته. قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(70)) .
إن احترام الإسلام للإنسان لأنه يتميز على سائر مخلوقات الله بالعقل الذي هو سبب تحمل الإنسان للأمانة التي أشفقت جميع مخلوقات الله من سماوات وأرضين وجبال من حملها. إن الإنسان هو خليفة الله في أرضه. استخلفه الله جل جلاله كي يعمر هذه البسيطة ويعيش فيها حينا من الدهر. فعليه أن يؤدي واجبه كاملا ولا يدع للتواكل والتشاؤم بابا إلا أغلقه، فلا يسأم ولا يتضجر. قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ(105))
وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(55))
وقال الحكيم:
لا تجزعن إذا ما الأمر ضقت به ولا تبيتنَّ إلا خاليَ البالِ
ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير اللهُ من حالٍ إلى حالِ
ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يتمنى دون عمل لأن التمني دون عمل من شيمة الخاسرين. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ..الآية)
وفي الأثر أن قوما خرجوا من الدنيا بغير عمل وقالوا نحسن الظن بالله وكذبوا لو احسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل .