مهند الأمين عبد النبي
عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 47 الموقع : ام درمان امبدة المزاج : السعيد هو المستفيد من ماضيه المتحمس لحاضره المتفائل بمستقبله
| موضوع: الترك لا ينتج حكماً (مفاهيم يجب ان تصحح) الإثنين 20 فبراير 2012 - 17:18 | |
| P الترك لا ينتج حكماً الحمد لله الذي هدانا سواء السبيل ووفقنا لمعرفة الحجة والدليل. والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله خاتم المرسلين، الذي هدانا الله به وأخرجنا من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن ظلم العباد إلى عدل الرحمن وجعل إتباعنا له منجاة لنا في الدارين، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.وبعد:.وهذه الرسالة تناقش مسألة «الترك»، التي جُعلت سببًا لتحريم ما لم يقم دليل على تحريمه من أفعال المكلف. لا أحد يشك فيه أن التحريم لا يكون إلا بدليل شرعي من الكتاب والسنة الصحيحة، بل ذهب البعض إلى أنه لا يكون إلا بدليل قطعي ورودًا ودلالة. أن الحكم الشرعي إنما هو خطاب الله عز وجل المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع ولا يتحقق كل هذا إلاّ إذا استقام أمر المسلمين ولم يكفر بعضهم بعضًا أو يفسق بعضهم بعضًا أو يبدع بعضهم بعضًا، عند أول بادرة اختلاف عند استنباط حكم في أدلة هذا الدين، التي حتمًا لا تنحصر في الكتاب والسنة، كما يجري على الألسنة أحيانًا، وإن كانا هما المصدران الأساسيان للتشريع استقلالاً، فمعهما مما دلا عليه وأرشدا إليه أدلة أخرى كالإجماع والقياس، والأربعة هي الأدلة المتفق عليها ويلحق بها أدلة أخرى، أخذ بها العلماء من هذا المذهب أو ذاك، وأغفلها آخرون، كالاستحسان، والمصالح المرسلة، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والعرف والعادة، والاستصحاب، بل وزد عليها عمل أهل المدينة عند الإمام مالك. وأما المجازفة بالقول أن كل ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام وأنه يحصر، وكذلك الإدعاء بأن فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمكن حصره ادعاء باطل، ومن أدعى ذلك فعليه الإثبات.وكذلك الحال في الإدعاء بأن هذا مما لم يفعله الصحابة والتابعون، أو لم يفعله أحد من الأئمة أو يأمر به، فنقل الترك يستحيل عقلاً وعرفاً، وكم مدعٍ يصرح أن السلف تركوا، فتجد لأعيانهم الفعل صريحًا، رغم أن لفظ السلف لم يحدد له مفهوم يعتمد عليه، فإذا كان كل من سبقنا من الأمة سلف لنا، فالأمر متسع لا يجعل لهذا اللفظ خصوصية، وإذا كان المقصود به الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، ثم صحابته رضوان الله عليهم، فالصحابة اختلفوا في مسائل كثيرة فالمتبع لأي منهم متبع للسلف على هذا العرف، وكثير من الذي يدعيه بعضنا ويؤاخذنا به مخالف لهديه صلى الله عليه وآله وسلم ولهدى أصحابه رضوان الله عليهم ومنهجهم، فلا أحد منا يدعي أن الصحابة كفّر بعضهم بعضًا عند الاختلاف أو بدّعه أو فسّقه. وأما أن يكون سلفي بالإدعاء دون دليل على أن منهجه هو نفس المنهج الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فكل المذاهب والفرق مدعية ذلك. وإذا كنا نقول أن الحق الذي نراه هو الذي عليه جمهور الأمة (أهل السنة والجماعة) والذي يشمل اتباع المذاهب الأربعة المنتسبين في الفروع للأئمة (الإمام أبو حنيفة النعمان والإمام مالك بن أنس الأصبحي، والإمام محمد بن إدريس الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل الشيباني). فليس لأحد أن يحتكر الحق، فيقول أن الحق هو ما أقول وما أنقل عن من أقلد، وأن سائر علماء الأمة وأتباعهم أهل ضلال يبتدعون، وقد يبلغ الأمر به إلى أن يجعلهم مشركين كفاراً.وقد آن الأوان للتخلص من مثل هذه الأفكار المفرقة للأمة.الترك من غير بيان كالسكوتإذا ترك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا، ولم يبين لماذا تركه فإنه أشبه ما يكون بالمسكوت عنه، الذي جعله عفوًا في قوله عليه الصلاة والسلام: »إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها« وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم ]ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسي شيئًا[ ثم تلا قوله تعالى: ] وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً [ولو ذهبنا نحرم كل ما تركه رسول الله r لحرمنا كثيرا من الذي نفعله اليوم سواء كان عادة أم عبادة، ولكانت صلاة التراويح التي تصلى في المساجد اليوم على الصورة المعهودة في بلادنا، وخاصة في الحرمين الشريفين حراما، فهي من الذي ترك فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك صلاة القيام في رمضان آخر الليل، ولكان دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح أو القيام حرامًا فهو من الذي تركه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، على طريقة من يقول بأن الترك دليل تحريم لكل ما لم يفعل السلف، ولكان ما نطعم اليوم من هذه الأطعمة المتنوعة حرامًا، ولَلَحق به ما نلبس ونسكن وكثير غيره من الأنظمة في شتى المجالات، فقضية الترك لا تنتهي عند حدٍ. والذين يقولون بأن الترك دليل على التحريم لو أنهم راجعوا أنفسهم لوجدوا أنهم قد أتوا كثيرًا مما ترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضوان الله عليهم وهم لا يشعرون.الترك أسبابه متعددة لا تحصر(1) ومن ذلك حديث حنين الجذع الذي له طرق متعددة، وله شاهد في الصحيح من حديث ابن عمر وجابر وإسناده حسن وملخص قصة الجذع أنه كان يصلي ويخطب إلى جذع فقال رجال في أصحابه: « يا رسول الله نجعل لك شيئًا تقوم عليه يوم الجمعة حتى ترى الناس أو قال: يراك الناس وحتى يسمع الناس خطبتك قال: نعم. فصنعوا له ثلاث درجات فقام النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يقوم فخار الجذع حتى تصدع وأنشق فمسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر» وترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اتخاذ المنبر آنذاك إنما كان أنه لم يطرأ على باله حتى أشار إليه أصحابه به.(2) الأحاديث الواردة في تركه صلاة الضحى، ومنها ما حدّث به مورق قال: « قلت لابن عمر رضي الله عنهما: أتصلى الضحى، قال: لا، قلت: فعمر قال: لا، قلت فأبو بكر قال: لا قلت: فالنبي – صلى الله عليه وسلم - قال لا إخاله » .ومنها حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: « ما حدثنا أحد أنه رأى النبي r يصلي الضحى غير أم هانئ فإنها قالت: إن النبي r دخل بيتها يوم الفتح فاغتسل وصلى ثماني ركعات فلم أرى صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود»فالترك هنا لا يمكن أن يدل على التحريم، بل صلاة الضحى مندوبة لدخولها في عمومات أحاديث وآيات أخر.(3) حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام، فإن قريشًا استقصرت بناءه وجعلت له خلفًا». وترك بناء الكعبة على أساس إبراهيم إنما كان مراعاة لقرب عهدهم بالكفر وخشية لتغير قلوبهم بسبب ذلك.(4) ما ورد عن سيدنا رسول الله r أنه صلى بالناس في رمضان صلاة التراويح أربع ليالٍ ثم لم يخرج إليهم بعد ذلك وقد اجتمعوا انتظارًا لها فلما صلى الفجر، أقبل على الناس فتشهد ثم قال: «أما بعد فإنه لم يخف عليّ مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك»وهذا ترك لها بعد أن صلاها – عليه الصلاة والسلام- بالناس جماعة بسبب خشيته أن تفرض على المسلمين.فالترك بهذا يحتمل وجوهًا أخرى متعددة، ولو استقصينا كتب السنة لوجدنا الكثير من هذا، فما ترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبيّن سبب تركه له كثير في ما ثبتت الرواية الصحيحة فيه، ولا شك أنه قد ترك كل محرم فهو أكمل العباد وأعظمهم طاعة لله، فلا يثبت تحريم بمجرد الترك وحده إلا أن يبين ذلك، ويضاف إلى الترك هذا التبين، الذي هو وظيفته صلى الله عليه وسلم - فهو الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وحاشاه أن يردد التحريم لشيء يحتمل وجوهًا تستقصى على الحصر.وايضا غاية ما يستند إليه منكرى الدعاء أدبار الصلوات أن التزامه على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف، وعلى صحة تقدير هذا النقل، فالترك ليس بموجب الحكم في ذلك المنزوك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه، وأما تحريم ولصوق كراهية بالمتروك فلا، ولا سيما في ماله أصل جملي متقرر في الشرع كالدعاء»وقد احتج المالكية والأحناف على كراهة صلاة ركعتين قبل المغرب بقول إبراهيم النخعي: أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلونها.لكن ما لم يفعله كالاحتفال بالمناسبات كالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج، والاحتفاء بالهجرة النبوية، لا نقول أنه محرم لمجرد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ترك فعله، وإنما نرجع ذلك إلى أنه محدث إن دخل تحت عموم دليل فله حكمه، وهكذا في كل ما يمنع بحجة أنه مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالترك قد يكون فوق كل ما ذكرنا لعذر قام للتاركين في ذلك الوقت، وقد يكونوا قد تركوه ليفعلوا ما هو أفضل منه.ما يقتضيه التركمسألة تقسيم بعض العلماء ترك النبي r لشيء على نوعين:الأول: الترك الذي لم يوجد ما يقتضيه في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ثم حدث له مقتضى بعده، فهذا جائز على الأصل، ويضربوا لذلك المثال بكل ما أخذ به بعد عهده صلى الله عليه وآله وسلم لوجود مقتضى له كجمع القرآن وكتابة المصحف خشية ضياع آيات الكتاب العظيم خاصة بعد مقتل القراء في حروب الردة. والنوع الثاني: ما تركه r مع وجود مقتضى له في عهده، وضرب له الشيخ ابن تيمية -رحمه الله- ما أحدثه بعض الأمراء من أذان يرفع لصلاة العيدين وقال: فمثل هذا الفعل تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيًا له، من ما يمكن أن يستدل به من ابتدعه، لكونه ذكرًا ودعاء للخلق إلى عبادة الله وبالقياس على آذان الجمعة، وهذه المسألة بنى القول بها من رأى أن الترك دليل تحريم، بناءً على مسألة أخرى هي عدم جواز السكوت في مقام البيان، والحقيقة إن هذه المسألة لابد أن تضم إليها مسألة أخرى هي أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر فإن الرسول r لما بين في الحديث ما يشرع عمله في العيدين، مع تقريره الأذان والإقامة في سائر الفروض وفي الجمعة بالذات، دلّ ذلك أن ما ذكره يفيد الحصر، فلا يزاد عليه، ولا يقال أن التحريم مكتسب من الترك فقط.ثم إن القياس في العبادات كما يرى الجمهور لا يستعمل، فيظل الترك مقتضيًا الجواز وعدم الوجوب لا التحريم، وهو الذي نختاره مع من اختاره من العلماء، لنرتفع في مقام الاختلاف عن التعجل في الحكم على المخالف بالعظائم من بدعة وفسق وتشريك، فيحدث الشرخ ويتسع بين المسلمين مما يضر بهم وبمجتمعاتهم، فإذا كان المحتفلون اليوم بالمناسبات سواء سميناها دينية أم تاريخية كالمولد النبوي والهجرة والإسراء وسواها هم غالب جمهور المسلمين في مختلف أقطارهم، فإن ذلك يعني أنهم ارتكبوا محرمًا بجعلهم مبتدعين يهجرون ويجتنبون، وتتصاعد لهجة الداعين بذمهم حتى لا يبقى بينهم وبين هؤلاء صلة، لأمر هو في أصله من ما يسوغ فيه الاختلاف، وهو نتيجة اجتهاد في ما لا نص فيه، للمجتهد فيه أجران إن أصاب، أجر الاجتهاد ثم الإصابة، أو أجر واحد إن أخطأ، وهو في كل حال مرفوع عنه الإثم. الخاتمةإننا لو انتهجنا هذا الأسلوب في معالجة قضايا الاختلاف وعذر بعضنا بعضًا في ما اختلفنا فيه، لاجتمعنا على الكثير من ما نتفق عليه من قطعيات هذا الدين، التي علمت منه بالضرورة وجاء النص عليها واضحًا، فكنا عباد الله إخوانا لا يتهم بعضنا بعضًا بالابتداع والفسق بل والشرك والكفر، فإن استمرار هذا النهج في الاختلاف، مع الحدة المتبعة في الهجوم على المخالف، ينتج عداءً بين المسلمين يوهن الأمة ويجعلها نهبًا لأطماع الأعداء، ولعل ما تعيشه الأمة اليوم من هذا الضعف المتوالي، وضياع مكانتها التي كانت لها بين الأمم، وارتداد سائر أقطارها إلى ما يشبه البدائية أحيانًا، إنما قاد إليه مثل هذا، حتى أصبحت الأموال تنفق من أجل الانتصار على خصوم الداخل وقهرهم، وضاعت بسبب ذلك كل الحقوق التي جاء بها الإسلام ووفرها للمؤمنين به خاصة، ثم لبني الإنسان عامة، فلم يعد المسلمون يهتمون للحريات التي تقوم عليها الحياة، من حرية تدين، إلى حرية تعبير ورأي، إلى حرية في المسكن والانتقال واختيار العمل وأصبحت المجتمعات المسلمة تعاني من مشكلات تكاد تستعصي على الحلّ، لأن الجهد كله خاصة من النخبة الدينية منصرف إلى هذا الاختلاف المفرق. والأمة في حاجة لجهود علمائها في الاجتهاد عندما تواجهها الوقائع التي تحتاج إلى حكم. نسأل الله عز وجل أن يهدينا سواء السبيل، وأن يرينا الحق حقًا وبرزقنا إتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
جمع وإعداد مهند الأمين احمد محمد مسجد الرحمن – امبدة ح3 ت 0115192191-09189855516 نُقل هذا البحث ببعض التصرف والإضافة والتهذيب من كتاب (- الترك لا ينتج حكمًا ) للشريف عبدالله بن فرّاج العبدلي
| |
|