محمد عوض الحاج من أبناء تنقاسي (دخلوا القرير الأميرية عام 1963م) حدثني عن واقعة تستخلص منها كيف كان المدرسون يحرصون على تربية التلاميذ ويسهرون على راحتهم ويراعون أمنهم داخل وخارج أسوار المدرسة. حتى ذلك التاريخ كان التعليم مجانا لأبناء الفقراء ولكن هنالك مصاريف يدفعها بعض الآباء الميسورين. في الدفعة التي قبلت في عام 1963م كان هنالك طلاب مقبولين ولكن فرض على آبائهم 15 جنيه لكل طالب رغم أن أبناءهم كانوا من المتفوقين والطلاب منهم محمد عوض الحاج (محدثي) ، السر عثمان الطيب(القرير)، ميرغني محمد مالك (تنقاسي). تدفع المصاريف على ثلاثة أقساط ، ودفع القسط الأول 5 جنيهات.
وقبل أن يحين موعد القسط الثاني أعلنت حكومة الرئيس عبود مجانية التعليم للجميع وتم الغاء المصاريف على أن ترجع المبالغ المدفوعة. كانت هنالك مشكلة وقفت أمام المدرسين وهي كيفية ايصال المبالغ لأباء الطلاب وهل تسلم لأبنائهم ليتولوا ايصالها... واختلفت وجهات النظر.. كيف لطالب صغير مثل محمد عوض الحاج ان يحمل مبلغ 5 جنيه في جيبه من القرير لتنقاسي؟؟ وأخيرا استقر الرأي بأن يطلبوا من الطالب الصغير ان يحضر ليختبروا مدى مقدرته على تحمل المسؤولية... وحضر محمد عوض وكان يلبس عراقي ويلبس تحته رداء. وسألوه هل تستطيع أن تحمل المبلغ؟ فأجاب بنعم. وسألوه : وأين تضعه؟ قال: لدي جيب في الرداء أضع المبلغ فيه والبس العراقي ثم فوقه الجلابية... كان هناك بعض الاطمئنان من بعض المدرسين.. سأله مدرس: هل حملت مبلغا مماثلا أو أكثر منه قبل ذلك ؟ قال الطالب: نعم.. والدي يرسلني الى كريمة لأحضر من بعض التجار مبالغ ( والده كان تاجرا بسوق تنقاسي).. سألوه: كم أكبر مبلغ حملته من كريمة الى تنقاسي في جيبك؟ قال الطالب: 150 جنيه... علق أحد المدرسين: ( والله دا مبلغ إنتو ذاتكم المدرسين ما فيكم واحد ختاهو في جيبو).. (الشافع نجيض.. أدوه القروش بيوصلا)