قراءة سريعة لخطاب البشير الإنقاذ الإنهيارالتام وتسويق الوهم
خالد عثمان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في خطابه بالأمس أمام الهيئة التشريعية القومية أعترف الرئيس بفشل الدولة في السيطرة على الصرف البذخي وكذلك فقدان الدولة السيطرة على سعر صرف الجنيه السوداني وأرجع الفشل الي لاحداث هجليج والعدوان المتواصل علي أطراف أخري من البلاد، زيادة الصرف الجاري للدولة بما أملته إتفاقيات السلام والنظام الفيدرالي وإنتشار الحكم المحلي، وتوسع مؤسسات الدولة في الانفاق، زيادة الاستهلاك الأجتماعي، اتساع الفجوة بين الصادرات والواردات و خروج عائدات النفط بالكامل.
ان الاسباب التي ذكرها الرئيس انما تكشف عن الفشل الهيكلي للدولة السودانية في مجال الإدارة والإقتصاد المرتبط محورياً بالقرار السياسي الذي تحتكره قلة ، تعتبر هي المسوؤلة أخلاقياً وسياسياً أمام الشعب السوداني عن ما حدث، فلايمكن أن نفصل السياسة عن الإقتصاد ولا عن الأخلاق، وفي مثل هذه الحالات كان من المفترض على رئيس الجمهورية ان يتحمل نتائج هذا الفشل وتبعاته.
وحاول رئيس الجمهورية عمر البشير بعد ذلك التحدث بلغة إقتصادية فقسم الإجراءات الحكومية المفترضة الي شقين مالي(Fiscal) ونقدي ( Monetary) وكلنا يعلم ان سياسة الإنقاذ الإقتصادية منذ يومها الأول هي سياسة اليمين المحافظ الذي يرى بعدم تدخل الدولة في السياسة المالية وإطلاق يد رأس المال في تحقيق الإرباح وتخصيص الشركات العامة الحيوية (commanding heights ) وكلنا نذكر كيف تم تدمير سكك حديد السودان ، وكيف يتم التعامل مع شركة الخطوط الجوية السودانية حالياً، أذن السياسة المالية ستتواصل كما هي مزيد من التخصيص بحيث ترفع الدولة يدها تماماً عن قطاعات الاقتصاد الحيوية ، مع تقليل الإنفاق في قطاعات الدولة التي ترهلت بسبب الرشاوي السياسية التي تدفع لترضية الخصوم بدون حلول سياسية حقيقية.
السياسة المحافظة هي التي بشر بها النمساوي فون هايك ، والتقطتها من بعدة مدرسة شيكاغو لتتبناها مارغريت تاتشر ومن بعدها رونالد ريغان وهي السياسة المسوؤلة الأن عن الازمة الاقتصادية العالمية المرتبطة بسلطان العولمة، والانقاذ في باطنها انما هي حصان رأسمالي متوحش ، لايهتم بقيم التكافل ولا بنصرة الفقراء.
وبالعودة لخطاب الرئيس نجد ان معظم الإجراءات التي ذكرها لاتعتبر إجراءات إقتصادية ، إننما هي إجراءات إدارية الهدف منها إيقاف الفساد الذي يستشري في الدولة ، نذكر منها على سبيل المثال : إحكام إجراءات الضبط، ضبط اجراءات الشراء والتعاقد لمشتريات الحكومة، إحكام الضوابط الخاصة بمنح الاعفاءات الجمركية، الالتزام الصارم بأحكام لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية ،ولائحة التعاقد والشراء ، والإلتزام بقواعد القبول في الخدمة العامة والترقى وضبط التعيينات، إخضاع كافة الهيئات وأجهزة الدولة لديوان المراجعة القومى ، ومنع التهرب من إجراءات المراجعة والمحاسبة وتوجيه وزارة العدل للاسراع بتقديم مخالفات جرائم المال العام للفصل الناجز والحاسم بواسطة القضاء.
وفي محاولة منه لتوضيح الموارد التي سيتم من خلالها سد العجز ذكر الرئيس زيادة ثلاثة أنواع من الضرائب ، مكافحة التهرب الضريبي ، بيع أراضي سكنية للمغتربين ورفع الدعم عن المحروقات ، وفيما يبدو فأن رفع الدعم عن المحروقات هو المصدر الوحيد المستهدف ، اذ لايمكن الحصول على ضرائب في حالة الكساد التي يعاني منها الإقتصاد ، اما بيع أراضي للمغتربين فهذا لا تعدو ان تكون خدعة قد أكتوى بها كل المغتربين.
وفي الجانب النقدي ( Monetary) تحدث الرئيس عن تخفيض سعر صرف الجنية السوداني العائم أصلاً، ويعني هذا زيادة أسعار كل السلع المستوردة حتى تلك التي تم إعفاءها من الجمارك ، وذكر التحرك الخارجى للحصول على منح وقروض أو تصكيك مشروعات تنموية لمؤسسات تمويل دولية للحصول على النقد الأجنبي، وهنا بدأ الرئيس وكأنه يبيع في الوهم لظروف الحصار الدولي على النظام السوداني.
أن أهم ما نخرج به من خطاب البشير هو إصرار الحكومة على السير في نفس السياسات الرأسمالية اليمنية للحفاظ على المكتسبات التى حققتها الجماعات الطفيلية ، وكما ذكرنا من قبل فان الديمقراطية هي الحل الوحيد لمشكلة السودان ، وان السياسة الاقتصادية المختلطة التي تتطبقها حتى الاحزاب الاشتراكية في الدول المتقددمة هي الأنسب للسودان ، ويمكن حل مشكلات السودان الاقتصادية بتمويل المشاريع الانتاجية ذاتياً لخلق الوظائف وضخ السيولة في السوق عبر بند العطالة.
ان المشكلة التي أمامنا انما هي أخلاقية تتعلق بالفساد والمحسوبية والرشوة ، كما أوضح الرئيس نفسه، ثم هي مسألة أختيار للسياسات يشارك فيها كل الشعب السوداني عبر إنتخابات ديمقراطية حرة، فهل يتقدم سعادته بإستقالته؟