هو موسم الشائعات بلا أدنى شك والشائعة هي وسيلة علمية لأنواع عدة من
الحروب والمعارك (ثمة فروقات واضحة بين الحروب والمعارك) كما أنها هي في حد
ذاتها حربا ومعركة قائمة بذاتها ثم أنها تنقسم لثلاثة أقسام البيضاء
والسوداء والرمادية وما نعايشه اليوم هو الاسوأ إذ أننا ومنذ فترة نعاني
شيوع الشائعات السوداء وذلك على المستوى السياسي أو المستويات المرتبطة به ,
وفي هذا اليوم فقط سرت شائعتان مفادهما وفاة الدكتور الترابي تلتها أن
الرئيس البشير يرقد الآن طريح الانعاش بالمملكة العربية السعودية.. أما
الاولى فقد إتصلت بالاستاذ كمال عمر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي الذي
نفى لي صحتها وأبدى إستغرابه لها وبخصوص الثانية فلم يتسنى لنا معرفة صحتها
من عدمها ولعلها حربا أخرى أريد منها الرد على الشائعة الأولى ونسبة للزمن
القياسي بين الاثنين فإننا نعتقد أن هناك حربا حقيقة مستعرة في الخفاء بين
جهات عدة ولكل رسائله ولكنها في هذه الحالة جاءت على نفس الوزن ونفس
السياق التأثير المعنوي بإستهداف قيادة طرفين من القيادات ذات الاثر
والتأثير الواضح إذ أن كلا الرجلين ذا تأثير واضح في سوحه وبين
قواعده..ويبقى السؤال:
إذا علمنا أن للشائعة عدة أهداف أهمها التغطية
على مسائل غير التي تتضمنها الشائعة كمادة للتداول فما الذي يرمي له من
أطلق الشائعتين سواء أن كانوا أفرادا أو مؤسسات؟. ثمة شيئ غريب ومريب يعمل
الطرفان أو الاطراف على التغطية عليه بمادتي الشائعتين وبقية مواد الشائعات
الاخرى فما هو هذا الشيئ أو هذه الاشياء؟.وهي بالتأكيد مسائل ذات إرتباط
وثيق بشؤون الحكم ونلاحظ أن حرب الشائعات لا تنشط إلا وسط حالات أقرب
للفوضى مما تعايشه مجتمعاتها ونلاحظ أيضا أن هاتين الشائعتين قد وردتا وسط
أجواء محمومة للممارسة السياسية سببها نتائج مؤتمر الحركة الاسلامية
وتسريبات ما سمي بالمحاولة التخريبية ومغادرة الشيخ الترابي لدول مصر
وليبيا وكازاخستان وباكستان وبقاء السيد الصادق المهدي خارج البلاد بين
لندن والقاهرة وغير ذلك من حراك وأحداث.
كلا طرفي الشائعين الاخيرتين
كيانين عقائديين بل لعلهما وجهان لنفس العملة والمعروف أن للكيانات
العقائدية إلتزامات شديدة الصرامة تكتسبها من منطلقاتها العقائدية ذاتها
وهي في النفس الوقت تتابين في تفسير وفهم وتطبيق هذه القواعد كل حسب نصوصه
ورغما عن إتفاقهم في وحول الاصول إلا أن الفروع تبقى ودائما أساسا متينا
يجعلهم يسعون دوما لبرنامج للحد الادنى ليلتقوا عليه وهذا من أهم عوامل
فناء هذه الكيانات وهو من أهم ملامح التزمت المرتبط بالممارسة, وهذا هو حال
الكيانين في هذه المرحلة وهو حال يناقض واقعه كما هو ملاحظ.
في العام
السابق كُلفت رسميا من الصحيفة بتغطية فعاليات مناصرة الشعب السوري التي
دارت وقائعها بالمركز العام لحزب الامة القومي والتي شرفها لفيف من الساسة
كان (الكلمة الشاذة فيهم) السيد غندور وهو المتحدث الوحيد في الفعالية الذي
تحدث بإسم الحكومة بينما كل المتحدثين الآخرين كانوا من المعارضة ويومها
سألت سؤالا في مطلع التحقيق مفاده ما الذي كان يفكر فيه غندور وهو يلف في
عمامته ويقف أمام المرآة مصففا لها؟ هو يعلم أنه في طريقه لعش الدبابير وسط
قيادات وقواعد المعارضة لمناصرة شعب منتفض على دكتاتوره فما هو سبب وجوده
هو إذا علمنا أن معارضي بشار والبشير قد إجتمعوا وفقا لقاعدة إن المصائب
يجمعن المصابينا؟ يومها دخل غندور لساحة الحفل على هيئة وخرج على هيئة أخرى
بعد أن قذفه الحضور بالقوارير والاحزية وهتفوا ضده حتى خرج تحت حماية
الحرس الخاص للسيد الصادق المهدي بينما فر حراسه منه (كانوا حوالي ثلاثة
أفراد)...وما قادني لهذه الحادثة هو ما يثار الآن عن ضرورة تجنيب البشير
البلاد من الكوارث والانهيار بأن يخطو خطوة شجاعة تعيد الإمور لنصابها
بتكوين حكومة قومية وهو حديث منطقي من جهة وغريب من جهة أخرى فهو يكتسب
منطقيته من أن ذلك مطلب الاغلبية من المعارضين (مدنيين ومسلحين) بينما
يكتسب غرابته من نفس السؤال : ما الذي كان يفكر فيه البشير وهو يخطو الخطوة
الاولى من خطوات تنفيذ الانقلاب ؟ هنا تبرز لنا عواملا ذاتية وموضوعية
والاخيرة أهمها العوامل التنظيمية إذ أن التوجيهات التي تلقاها الرجل جاءت
مدعومة بعدة مبررات واقعية ولكن بعد أن مثلت له مخاطر التجربة أصبحت كل
خطوط الرجعة مغلقة أمامه ولعدة أسباب هي الاخرى وأيضا أهمها الاسباب
الذاتية والموضوعية والتي تطورت بتطور الأحداث هي الأخرى حتى ظل لسان حاله
يردد وهو يرفض كافة مقترحات الخروج (وتقول عني الاعراب أني صبأت؟) هو الآن
يخشى إن تقدم خطوة نحو الخروج أن يقول عنه تنظيمه أنه صابئ وكل هذا الحديث
مرتبط محوريا بما يسري من شائعات حول صحته مع كل هذا الاحتقان المركب الذي
تعانيه الساحة السياسية والامنية بالبلاد ولعل ذاكرتنا ملأى بما صرح به
الرجل بعد خروجه من العملية بأن المرض بالنسبة له تطهيرا للذنوب ويفترض في
تصريحه أنه لعل البعض قد دعا عليه وهو حديث يؤكد أن الرجل يرى أن مرضه
كفارة له عن المظالم التي يعتقد أنها قد تكون قد وقعت في حق بعض رعاياه
أثناء ممارسته وهذه عقلية ونفسية لا تبشر إلا بالمزيد من الانتماء لتنظيمه
لا الواقع والحقائق...
حتى الآن لن يستطيع أي أحد أن يجزم بصحة ما ورد
ولن يستطيع أحد أن يثبته أو ينفيه بل وحتى القصر الجمهوري لم يصدر سوى
بيانا واحدا أكد فيه خضوع السيد الرئيس لعملية جراحية تمت في الحنجرة مما
فتح الباب واسعا للشائعات والحقائق معا وهو ما قاد لما نراه الآن من سباق
مارثوني حول من الذي سيرث عرش البشير.
ونحن نسأل الله من منطلقات إنسانية للرجل بالشفاء العاجل فإننا نسأله أيضا أن يعجل بشفاء كل الوطن.