بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة في مسجد الهجرة بودنوباوي 3/5/2013م
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى
يوم الدين وبعد.
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً
كَبِيراً)[1]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ) قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ :هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ)[2].
أحبتي في الله:
القرآن هو كلام الله المُنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو النبراس الهادي الذي يُضيَ الهداية للعالمين، وهو
المعجزة الخالدة عبر امتداد الزمان وامتداد المكان، وهو الدستور المُحكم لتوجيه حركة الحياة في شتى مجالاتها، وقد ميَزه الله
تعالى على غيره بميزاتٍ عدة:
أولا: ألوهية المصدر (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن
رَّبِّ الْعَالَمِينَ)[3].
ثانيا: التعهد بالحفظ من التحريف (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[4].
ثالثا: ديمومة الهداية عبر امتداد الزمان والمكان.
رابعا: الشمول (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْء)[5] فهو مصدر للمعرفة في شتى مجالاتها، ولا يعني ذلك أنه حوى
تفاصيل كل شيء ولكنه حوى أصول كل شيء وهذا دليلٌ على إعجازه وصلاحيته لكل زمانٍ ومكان.
خامسا: هو الكتاب الوحيد المُجمع عليه من كل الفرق الإسلامية، فلم يختلف عليه أحد، وهذا يجعله عاملاً أساسياً من عوامل
الوحدة الإسلامية.
سادسا: كشف عن صفحات الماضي من أحوال الأمم والحضارات، مؤشرات صعودها وهبوطها والمستفاد من ذلك، وقوَم
أحداث الحاضر (في عصر الإسلام الأول)، وتحدَث عن أحداث ووقائع وحقائق ظهرت في المستقبل.
سابعا: استطاع أن ينقل أمة أمية لا تكتب ولا تحسب إلى أمة حية بهرت الدنيا بعلمها وحضارتها، ومن أمة متناحرة يستفزها
سباق الخيل إلى أمةٍ متماسكة لدرجة أن يقف الابن ضد أبيه في المعركة. أمة حققت في 80 عاماً تمددا لم تبلغه الإمبراطورية
الرومانية في ثمانية قرون. ومع كل هذا فإن علاقة المسلمين بالقرآن في عصرنا الحالي هي علاقة هجر في بعض أوجهها، أو
انصراف بالتلاوة عن التدبر في الأوجه الآخرى، مما جعل عطاء القرآن محصوراً في حدود التلاوة في حلق المساجد، أو في
حالة الرقى الشرعية، أو عند احتضار الموتى.
الهجر مذموم والتلاوة محمودة وأجرُها عند الله كبير ولكن السؤال المهم: أين موقع التدبر في حياتنا؟
لقد ذم القرآن الأمم السابقة حين تخلفت عن فهم وتطبيق ما أنزل الله إليهم من كتب إذ قال: (ومِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا
أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة وترتيلا. قال بن تيَمية رحمه الله: عن بن عباس وقتادة قوله (ومِنْهُمْ
أُمِّيُّونَ) أي غير عارفين بمعاني الكتاب: يعلمونها حفظا وقراءة بلا فهم، لايدرون مافيها. وقوله (إِلَّا أَمَانِيَ) أي تلاوة لا يعلمون
فقه الكتاب إنما يقتصرون على ما يُتلى عليهم"[6] هذه العلة تصرف القرآن عن توجيه حياة الأمة في شتى مجالاتها.
أحبتي في الله:
إذا كان اتَساع عطاء القرآن لا يحده زمانٌ ولا مكانٌ فإن عطاءه أيضاً لا يحجبه جانبٌ من جوانب الحياة عن الجوانب الآخرى،
فهدايته ممتدة لتشمل كافة نواحي الحياة، وإذا كان الأمر كذلك فلنا أن نتساءل سؤالاً مشروعا: ماهي أهم الثمرات التي يجب أن
نجنيها من القرآن؟ فيما يلي أجيب عن هذا السؤال في نقاطٍ محدودة:
الثمرة الروحية:
إن في قراءة القرآن ثواباً كبيراً عند الله تعالى في الآخرة (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنّاهُمْ سِرّاً
وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[7]. والقرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة،
والذي يقرأه وهو ماهرٌ به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأه وهو عليه شاق فله أجران. وقراءة الحرف بحسنة والحسنة
بعشر أمثالها مما يعني أن قراءة آلم فقط بثلاثين حسنة، وهذا أجرٌ كبير يجب ألا يفوت على المسلم.
الثمرة التربوية:
القرآن يُربَي النفوس على التحلي بالفضائل والتخلي عن الرزائل؛ فعقوق الوالدين رزيلة والإحسان إليهما فضيلة (وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً)[8]. كذلك الكذب رزيلة والصدق فضيلة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[9] الإسراف رزيلة
والبخل رزيلة ولكن الكرم فضيلة (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)[10]. الأنانية رزيلة ولكن
الإيثار فضيلة (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)[11] التكبر رزيلة
والتواضع فضيلة (وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[12] والقرآن دعا إلى تحلية النفوس بالصبر
(وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[13] والإحسان (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) واليقين والقناعة (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ومسؤولية الكلمة (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)[14] والبعد عن كبائر الإثم والفواحش
والعفو عن الناس (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ).
الثمرة النفسية:
القرآن قدَم قراءة نفسية دقيقة لشخصية الإنسان (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) فمن
سمات الإنسان إذا أصابه الشر فزع وجزع وبالغ في الحزن، وإذا أصابه الخير منعه عن الناس وبخل به إلا المتصفين
بالصفات المذكورة في الآيات التالية وهم المؤمنون، وهؤلاء لأنهم علموا أن ما اُنفق باقٍ بالزيادة في الدنيا وبالنعيم في الحياة
الآخرة. والنفس الإنسانية بطبيعتها تميل إلى الغرور في حالة النجاح واليأس في حالة الفشل ولذلك وضع القرآن قاعدة ذهبية
لضبط هذه المسألة (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ). أي حتى لا يتحول النجاح إلى غرور والفشل إلى يأس،
والمؤمن لا ييأس لعلمه أن بعد العسر يسرا، وأن الموت لا يحيل حياته الدنيا إلى فناء بل هو بداية الحياة الحقيقة المثالية التي
تتسم في كل أوجهها بالعدل المطلق والعطاء المطلق وفوق ذلك كله رؤية وجه ربنا الكريم (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ) ومن هنا تحدث الطمأنينة للنفس الإنسانية.
كذلك تحدث الطمأنينة بتلاوة القرآن فبها يتحقق سمو القلب، وارتياح النفس، وسكن الفؤاد، وزوال القلق، واختفاء الاكتئاب.
وقوى النفس الإنسانية لا تتوحد إلا تحت راية القرآن، ولذلك كان القرآن ولا زال وسيظل يمثل روشتة علاجية ناجعة
لأمراض النفس الإنسانية، ومن هنا ندعو إلى تأسيس علم نفس مبني على حقائق القرآن.
وقد قدَم الدكتور مصطفى محمود (رحمه الله) دراسة أولية في هذا المعنى نأمل أن تعقبها دراسات تفصيلية من قبل المؤسسات
البحثية المتخصصة في بلداننا.
الثمرة الاجتماعية:
القرآن أقام العلاقات الاجتماعية على المحبة، وإذا نظرنا للنواة التي يتشكل منها المجتمع أي الأسرة فإنها تتكون من زوج
وزوجة، والسياج الذي يحكم العلاقة الزوجية هو المحبة والسكينة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[15] والزواج علاوة على دوره في بناء المجتمع وإشباع عاطفة
الإنسان يؤدي وظيفة وقائية من الانحراف في مستنقع الرزيلة صوناً لأعراض الناس وأنسابهم، فإذاً القرآن يُحارب الرزيلة
والجريمة من مصدرها.
إضافة إلى ذلك أصدر القرآن أحكاماً قويةً تحمي الأفراد والمجتمعات من أي تهديد لحياتهم، وفي ذلك حرَم قتل النفس بغير
الحق بل اعتبره كقتل الناس جميعا، وحرَم الفساد في الأرض بكل ألوانه، وأمر بالقسط في الأمور كلها، وبالوفاء بالعهد،
وبحرمة استباحة أموال الناس وأعراضهم، ونهى عن إتيان الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وقد ربط القرآن بين الإيمان والأخلاق والقانون، فلم يدع الحياة كلية للضمائر ولم يدعها للتشريع والتأديب وإنما زاوج بين هذه
وتلك. جعل الصلاة والصيام وسائر العبادات مع كونها صلة تواصل روحي مع الله تعالى جعلها تؤدي وظيفة اجتماعية،
فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام لتحقيق التقوى، والزكاة لتحقيق الكفاية المعيشية للمحرومين، والحج لاجتماع
القلوب والتآلف بين المؤمنين وهكذا.
إن الإيمان رادع طوعي من الوقوع في الجريمة وكذلك الأخلاق؛ ولكن من لم يردعه الإيمان ولا الأخلاق تردعه العقوبات.
والحدود نفسها بما في إثباتها من دقة البيانات وكثرة الشبهات تجعل أثرها المعنوي كبيرا ووقوعها العملي قليلاً وهذا يدل من
جهة على رحمة القرآن، ومن جهةٍ أخرى رغبته في حماية المجتمع من المهددات التي تنتهك حقوقه وتعصف بأمنه
واستقراره.
الثمرة العلمية:
أول مانزل من القرآن إقرأ وهذا وحده يكفي لتبيان مكانة العلم في القرآن، وقد حثنا القرآن على اكتشاف سنن الله في الآفاق
وفي الأنفس، ودعانا إلى حسن تسخيرها وتوظيفها لمصلحتنا ولعمارة الأرض (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[16].
والقرآن حث الإنسان على التدبر والتفكر والاعتبار والملاحظة، وفوق ذلك كله عرض لكثير من الحقائق العلمية التي أثبتت
الاكتشافات العلمية بعد قرون صحتها.
وحتى في المسائل التاريخية كان القرآن سبَاقاً في الحديث عنها بدقة، مثلاً المواد التي بُنيت منها الإهرامات في مصر. إلى
وقت قريب كان الظن السائد أن الإهرامات بُنيت من الحجارة ولكن فريقا من علماء الآثار اكتشفوا بعد ملاحظات واختبارات
وتجارب أن الإهرامات مبنية من الطين المحروق بالنار (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ
مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[17]. وهذا يؤكد إعجاز القرآن ودقته وتقدمه وفي نفس الوقت يعكس تخلف الأمة عن فهم
كتابها وعدم انتفاعها به، فنحن لا نتكشف الحقائق إلا بعد أن يبحث الآخرون في المجالات العلمية ويصلوا إلى النتائج
المُتطابقة مع القرآن ثم نأتي لنُهلل ونُكبر ونفتخر بأن القرآن قد تحدث عن هذا قبل أربعة عشر قرناً، نعم تحدث ولكن أين
نحن قبل أن تكتشف الدراسات العلمية هذه الحقائق؟.
ثم إن القرآن تحدث عن حقائق كونية لا يستطيع العلم الوصول إليها مثلا: متى بدأ العالم وكيف؟ وماهو أصل الكائنات الحية
فيه؟ وما المقصد من وجوده؟ ومتى سينتهي؟ كل هذه أشياء لم يطَلع عليها الإنسان بالنظر حتى يعرفها، والوسيلة الوحيدة
للمعرفة في هذه الحالة هي الوحي، فإذا أدرك العلم أن حدوده هي في نطاق عالم الشهادة، وأن عالم الغيب لا يمكن القطع في
مسائله إلا بالرجوع إلى الوحي الإلهي عندها يحدث التكامل بين الإيمان والعلم والعكس.
وحتى النظريات التي انطلقت من افتراضات مادية في تفسير الكون (نظريتي الانفجار العظيم، والتوالد أو النشوء والتطور)
نجحت في تفسير المسائل المتعلقة بعالم الشهادة، ولكن المسائل الغيبية حتى في نطاق عالم الشهادة يبقى الوصول إلى كنهها
من خلال الملاحظة والتجارب والنظر ضرب من ضروب العبث (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)[18]
وهذه هي ثمرة القرآن في مجال العلوم التجريبية.
الثمرة البيانية:
نصوص القرآن حوت في ثناياها كل أدوات البيان من تورية وطباق وجناس، وكل أساليب النطق من ترنيم، وتضخيم،
ووصل، ووقف. ومع أن العرب عرفوا البلاغة قبل الإسلام، إلا أنهم لم يعهدوا الأسلوب البياني الذي جاء به القرآن، وقد
روت السنة كيف أن ثلاثة من كبار مُشركي قريش كانوا يسترقون السمع ليلا لصوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ
القرآن.
وفي العصر الحديث مازال القرآن وسيظل ببيانه يفتح القلوب للإيمان حتى دون أن يفهم الآخرون معناه قال جيفري لانغ وهو
عالم فيزياء أمريكي: "قرأت القرآن فشعرت أنه هو الذي يقرؤني، ومع أني لم أفهم معاني النص أسلمت" وقال دانيال مور
وهو شاعر أمريكي: عند تلاوة القرآن في صلاة الفجر أدرك أن هذا الخلق لم يُخلق إلا لقراءة القرآن)[19].
الثمرة الفكرية:
من إعجاز القرآن وصلاحيته لكل زمانٍ ومكان أن تناوله لقضايا الاقتصاد والسياسة والأمن والعلاقة مع الآخر ألخ كان كلياً
ولم يكن تفصيلياً، أي أنه جاء بمباديء وموجهات عامة ولم يُلزم المسلمين بتفاصيل دقيقة حولها؛ بل ترك لهم مساحة الاجتهاد
ليقوموا بتأسيس النظم التي تتواءم مع تلك المباديء والموجهات العامة ولا تخرج عليها. صحيح في مجال الأموال نزلت
أحكام تفصيلية في شأن الزكاة والمورايث في القرآن والسنة ولكن لم يرد في القرآن نظاماً اقتصاديا كليا مُفصَلا حتى يلتزم به
المسلمون في كل العصور.
وفي صدر الإسلام الأول تعددت طرق تولي أمر المسلمين، وتعددت الصلاحيات التي مارسها الخلفاء، وتعددت فهوم إدارة
الدولة ولكن القيم الكلية والمباديء ظلت ثابتة لا سيما في عهد الخلافة الراشدة.
ولو أنزل القرآن تفاصيل في هذه المجالات لانتفت عنه صفة الصلاحية لكل زمانٍ ومكان لطبيعة تغيرها مع تغير الزمان
والمكان، ولكنه أنزل مباديء ثابتة وخالدة ثم ترك أمر تفاصيلها للمسلمين وهذا من إعجاز القرآن.
أحبتي في الله
روى الإمام أحمد عَنْ زِيَادِ بْنِ لَبِيد قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَقَال: ذَاكَ عِنْدَ أَوَانِ ذَهَابِ الْعِلْمِ. قَالَ: قُلْنَا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ، وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا، وَيُقْرِؤُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا
ابْنَ أُمِّ لَبِيدٍ، إِنْ كُنْتُ لأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ، أَوَ لَيْسَ الْيُهُودُ وَالنَّصَارَى يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ فَلا يَنْتَفِعُونَ مِمَّا فِيهِمَا
بِشَيْءٍ.
اللهم أجعلنا ممن ينتفعون بالقرآن ويعملون به، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
اللهم إني أحمدك وأثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم، وأشكرك شكر عبدٍ معترفٍ بتقصيره في طاعتك يا ذا
الإحسان والنعم، وأسألك اللهم بحمدك القديم، أن تصلي وتسلم على نبيك الكريم، وآله وصحبه ذوي القلب السليم، وأن تُعلي لنا
في رضائك الهمم، وأن تغفر لنا جميع ما اقترفناه من الذنب واللمم.
قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[20].
الإسلام حرَم قتل النفس وجعل قتلها كقتل الناس جميعاً، والنبي صلى الله عليه وسلم أوضح أن حرمة المؤمن أشد حرمةً من
هدم الكعبة، ومن مقاصد الشريعة أن حرمة الأبدان مُقدمة على حرمة الأديان.
أحبتي في الله:
تابعتم الأحداث المؤسفة التي وقعت في ولاية شمال كردفان في مدن: أم روابة وأبوكرشولا، والسميح، والله كريم فقد اجتاحت
قوات تابعة للجبهة الثورية هذه المدن مما أدى إلى ترويع المواطنين، وإزهاق بعض الأرواح، وتدمير بعض الممتلكات.
إننا إزاء هذه الأحداث نقول الآتي:
أولا: نسأل الله تعالى الرحمة للقتلى وعاجل الشفاء للجرحى.
ثانيا: للحركات المسلحة في دارفور وفي جنوب كردفان وفي جنوب النيل الأزرق مطالب مشروعة نقر بها، وقد ضمنَاها في
مشروع اتفاقية السلام التي اقترحناه من قبل؛ ولكن استخدام العنف ضد المدنيين أو استخدامه لتحقيق المطالب المشروعة نهجٌ
مفروض ويأتي بنتائج عكسية.
ثالثا: مسؤولية حفظ النظام والأمن تتحمله الحكومة السودانية، وقد أشار بعض قادة النظام أنهم على علمٍ بهذا الهجوم قبل ثمانٍ
وأربعين ساعة وهذا يُمثَل قمة الاستهتار بالأرواح والممتلكات، وهذه ليست المرة الأولى التي يُقدم فيها النظام على التصرف
بهذه الطريقة.
رابعا: لابد من الإقرار بأن هذا النظام عمل ولأول مرة على تقنين العنف السياسي في البلاد، وذلك بقوله "جئنا إلى السلطة
عبر القوة ومن أراد أن يأخذ حقه أو يأتي إليها فليأت عبر القوة" وهي مقولة يُرددها بعض قادة النظام بين الفينة والأخرى
حتى بعد انتخابات أبريل 2010م.
خامسا: السلام المُجزأ مرفوض وأثبت عدم جدواه، لأن الحكومة إذ تتقي عضعاض الأفاعي تنوم فوق العقارب!، كذلك استثمار
أزمات البلاد في دعم بقاء النظام لم ولن يأت بنتيجة، والمطلوب نظام جديد يتيح الحريات ويعمل على تحقيق السلام العادل
في السودان، ويُحقق تطلعات الشعب في الوصول إلى نظام ديمقراطي كامل الدسم.
إننا إذ نناشد الجميع للاستجابة لهذا النداء الذي لا يقصي أحدا، نُحمَل الحكومة مسؤولية أمن وحماية المواطنين فهي التي تأخذ
من ميزانية البلاد أكثر 70% للأمن والدفاع ولكن دون جدوى، وعلى الحركات المسلحة عدم التعرض لأمن المواطنين
وسلامتهم وسلامة ممتلكاتهم، ونُؤكد أن عدم الإسراع في الاستجابة للنظام الجديد معناه مزيد من التطلع نحو التغيير ربما عبر
وسائل تُهدد أمن وسلامة البلاد.
وبالنسبة لأحداث أم دوم نحن نرفض استخدام العنف ضد المدنيين، ونرى ضرورة الحل العاجل والعادل لقضيتهم، كما نترحم
على الشاب المتوفي في الأحداث محمد عبد الباقي ونسأل الله تعالى عاجل الشفاء للجرحى.
اللهم أحفظ وطننا وهيِ له مخرجاً سلمياُ عاجلاً وعادلاً إنك ولي ذلك والقادر عليه آمين.
هوامش:
[1] سورة الإسراء الآية (9).
[2] رواه بن ماجة.
[3] سورة يونس الآية (37).
[4] سورة الحجر الآية (9).
[5] سورة النحل الآية (89).
[6][6] محمد الغزالي، كيف نتعامل مع القرآن، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، تجده في مكتبة المصطفى الالكترونية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][7] سورة فاطر الآية (28-30).
[8] الإسراء الآية (23)
[9] سورة التوبة الآية (119)
[10] سورة الفرقان الآية (67).
[11] سورة الحشر الآية (9)
[12] سورة الإسراء (37).
[13] سورة الأنفال الآية (46).
[14] سورة الإسراء الآية (36).
[15] سورة الروم الآية (20).
[16] سورة هود الآية (61).
[17] سورة القصص الآية (38).
[18] سورة الكهف الآية (51).
[19] الصادق المهدي، أيها الجيل، الخرطوم، دار مدارك للنشر، 2012م، ص(174-175).
[20] سورة المائدة الآية (32).