ما هي الحاجة التي كانت في نفس يعقوب عليه السلام
أما بعد:
إن قصة يوسف عليه السلام مع إخوته، من القصص العجيبة التي ذكرها الله في القرآن الكريم، والتي فيها عظات وعبر، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
وسأقف معكم في هذا المقال عند قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام: ((وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)) سورة يوسف، الآية 67-68.
ففي هذه الآيات ينصح يعقوب عليه السلام أبنائه بعدم الدخول من باب واحد، بل من أبواب متفرقة، وهذه النصيحة لحكمه، وحاجة كانت في نفس يعقوب عليه السلام.
فالحاجة التي كانت في نفس يعقوب عليه السلام هي:
1- الطمأنينة على أبنائه والشفقه عليهم.
2- الخوف من العين، لأنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ومنظر وبهاء ، بالإضافة إلى أن دخولهم من باب واحد فيه نوع من الاجتماع، فخشى عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم فإن العين حق.
وقوله عليه السلام: ((لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ)) فيها أخذٌ بالأسباب، وقوله: ((وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)) فيها تسليم بقضاء الله وقدره، وصدق التوكل على الله في جميع الأمور.
وفي الآية دليل على أن يعقوب عليه السلام، صاحب علم عظيم، ولكن هذا العلم لم يحصل عليه بحوله وقوته، وإنما من فضل الله عليه وتعليمه إياه ((وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ)) .
ونذكر جملة من أقوال العلماء في الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، وهي كالتالي:
قال ابن القيم الجوزية في مدارج السالكين:
((التوكل عمل القلب ومعنى ذلك أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان ولا عمل الجوارح ولا هو من باب العلوم والإدراكات)).
وقال أيضاً: ((التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة فإن الدين استعانة وعبادة فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها ولا تزال معمورة بالنازلين لسعة متعلق التوكل وكثرة حوائج العالمين وعموم التوكل)).
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية:
((قال الشيخ تقي الدين رحمه الله الله الذي خلق السبب والمسبب والدعاء من جملة الأسباب التي يقدرها فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع بل العبد يجب أن يكون توكله ودعاؤه وسؤاله ورغبته إلى الله سبحانه وتعالى والله يقدر له من الأسباب من دعاء الخلق وغير ذلك ما يشاء والدعاء مشروع أن يدعو الأعلى للأدنى والأدنى للأعلى)).
ونستفيد مما سبق ذكره فوائد، منها:
1- على الإنسان الأخذ بالأسباب في جميع الأمور، فعلى الوالدين، أن ينصحوا أبنائهم، ويبينوا لهم الأمور.
2- التسليم بقضاء الله وقدره، فعلى الوالدين أن يسلموا بقضاء الله وقدره، فإن حصل شيء لأبنائهم، فلا يتسخطوا، ولا يتذمروا، بل جميع الأمور تحت قضاء الله وقدره.
3- التوكل هو نصف الدين، وهو عمل قلبي.
4- أن الأخذ بالأسباب لا يتنافى مع الإيمان بالقدر ولا التوكل ولا الثقة في الله تعالى.
5- الاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، الإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع.
6- أن العلم الذي عند بعض الناس، لم يتحصلوا عليه بحولهم، وقوتهم، إنما حصلوا عليه أولاً بفضل من الله، وبتعلمه للعلوم ثانياً.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع:
- تفسير السعدي، ج1، ص401.
- تفسير ابن كثير ج2، ص485.
- فتح القدير ج3، ص41.
- مدارج السالكين ج2، ص113 - 114.
- الآداب الشرعية ج2، ص 263.
- فتوى رقم 44824 من موقع الشبكة الإسلامية.