الجزيرة العربية قبل الإسلام احتضنت خصالاً حميدة: الحنيفية السمحة التي تحلى بها بعض العرب في العصر الجاهلي، وهي الوصول إلى الحقيقة الإلهية بغير وحي، الكرم، الشجاعة، والإقدام. ومع ذلك حوت خصالاً ذميمة: التعصب للقبيلة، ابتلاع القوي الضعيف، إساءة الجوار، القتل الجماعي لأسباب تافهة، استباحة الدماء والأعراض، والظلم. وقد عبَر عمرو بن كلثوم عن ذلك حينما أنشد:
بغاةٌ ظالمين وما ظُلمنا *** ولكنَا سنبدأ ظالمين
هذا هو المنطق الجاهلي حيث كان الاعتداد بالقوة هو السائد، والبغي هو الحاكم للعلاقات بين القبائل، فالقبيلة إما مُغيرة أو مُغارٌ عليها.
وفي مرحلةٍ لاحقة وامتداداً لهذه الثقافة الجاهلية اعتبر المتنبيء الظلم من شيم النفوس، بل إن الذي لايظلم لابد أن يكون شخصاً معلولاً:
الظلم من شيَم النفوس *** فإن تجد ذا عفةٍ فلعلةٍ لايظلم
وعندما جاء الإسلام لم يبطل كل المفاهيم الجاهلية بل استحسن حسنها، وأبطل قبيحها. فالرسول صلى الله عليه وسلم أثنى على كرم حاتم الطائي، وعلى توحيد بعض الأحناف الجاهلين، وعلى شجاعة عنتر، وعلى حلف الفضول وهو حلفٌ جاهليٌ يقضي بأن لايبقى في مكة مظلوماً.
أما المفاهيم الجاهلية الذميمة فقد استأصلها الإسلام من جذورها: استبدل الشرك بالإيمان، والظلم بالعدل، والرابطة القبلية بالرابطة الإيمانية، والبغي بين الناس بالإخوة، وفوق ذلك كله أقر كرامة الإنسان من حيث هو إنسان غض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه أو نوعه (ولقد كرمنا بني آدم)، وجعل قتل النفس بغير الحق كقتل الناس جميعاً، وإحيائها كإحياء الناس جميعاً.
نُواصل