مهم للغاية
مُلخَص عام لخطبة الجمعة بالأمس في مسجد الحاج مُردس، والتي حملت عنوان "أساليب المنهج النبوي في تقويم السلوك".
واعتقد أن هذا الموضوع من الأهمية بمكان الإحاطة به؛ لأن من طبيعة البشر الخطأ، وكل خطأٍ يحتاج إلى علاجٍ مُعيَن لاينفع سواه.
المُلخَص
اتسم المنهج النبوي في تقويم السلوك الخاطيء للأفراد بعِدة سمات، أهمها التنوع في الأساليب؛ حيث استخدم رسولُنا الكريم أساليباً مختلفة في علاج الأخطاء، باعتبار أن معالجة
جميع المرضى بدواءٍ واحد قد يقتل أكثرهم، ما يعني أن معالجة الخطأ تستدعي البحث عن الأسلوب الناجع الذي يُناسبه. فيما يلي سنعرض الأساليب النبوية المتنوعة في تقويم
السلوك بصورةٍ كلية؛ ثم نعرض التفاصيل في مداخلات لاحقة إن شاء الله.
كيف قوَم الرسول صلى الله عليه وسلم السلوك الخاطيء؟
استخدم النبي صلى الله عليه وسلم عدة أساليب في تصحيح الأخطاء أهمها:
الأول: التسامح مع الاعتداءات المُوجهة إلى شخصه الكريم.
الثاني: المعالجة الفورية لأي خطأ يمس قواعد الإسلام وأصوله.
الثالث: الأسلوب الوقائي بمعنى إيجاد دروع واقية تمنع وقوع الخطأ.
الرابع: المعالجة الاجتماعية، وهذا الأسلوب يستخدم في حالة الإنسان الذي لا يردعه الإيمان من ارتكاب الأخطاء، فيتم اللجوء إلى أسلوب الإحراج الاجتماعي ما يجعل الإنسان
يكف عن الخطأ حفاظاً على سمعته ومكانته.
الخامس: أسلوب البدائل أي اقتراح بديل مُجدِ يجعل بين الإنسان والخطأ المُعين حجاباً مستوراً.
السادس: الحوار المُقنع، أي الذي يقود المُخطيء إلى ترك السلوك السالب طوعاً بعد تقديم الحُجج المعقولة التي تكشف خطل السلوك السالب.
السابع: المُقارنة، أي مقارنة السلوك الخاطيء بما يُقابله من الطرق الصحيحة وتبيان فائدة هذا وذاك.
الثامن: الإعراض، أي عدم ذكر اسم المُخطيء والاكتفاء بنقد الفعل الخطأ دون الإشارة إلى الفاعل، حتى تتُاح للفاعل فرصة التصحيح الذاتي، وكذلك استخدام أسلوب الصمت
للهدف عينه، وهو ترك المخطيء يُصحح نفسه.
التاسع: المصارحة، أي مكاشفة الشخص المُخطيء بسلوكه السالب دون الإساءة له أو الانتقاص من قدره.
العاشر: المزاح، استخدام المرح في الحديث مع المُخطيء دون جرحٍ للمشاعر أو إهدارٍ للكرامة.
الحادي عشر: القدوة، استخدام علاج عملي يقتدي به الناس دون الحاجة إلى الأسلوب النظري.
الثاني عشر: الانتظار، إعطاء المخطيء فرصة لتصحيح الخطأ فإن نجح كان ذلك هو المقصود والمنشود، وإن فشل يكون قد تهيأ نفسياً لقبول المناصحة.
الثالث عشر: إظهار الغضب وعدم الرضا عن السلوك الخاطيء بصورة تُوصَل الرسالة بوضوح دون الحاجة إلى حديث.
الرابع عشر: التأنيب والتوبيخ، ويستخدم هذا الأسلوب عندما يكون الخطأ كبيراً لا ينفع معه اللين.
الخامس عشر: الإنذار، أي استخدام أسلوب الترهيب في معالجة الخطأ.
السادس عشر: العزل، أي عزل المُخطيء عن دائرة التكليف خاصةً إذا خُشي من استمراره في التكليف تقويض أهداف تتعلق بأمن الناس وسلامتهم.
هكذا اتسم منهج النبي صلى الله عليه وسلم بالتنوع في تقويم الأخطاء مستخدماً أساليباً متعددة تُراعي ظروف المُخطيء وخلفياته، وتنشد الأخذ به إلى الطريق الصحيح.
من الملاحظ أن المنهج النبوي لم يكتف في تقويم الأخطاء بأسلوب الزجر أو هذا حلالٌ وهذا حرام كما يُفعل الآن؛ وإنما استخدم أساليباً مُقنعة متنوعة تُعطى حسب نوع الخطأ
وحالة المُخطيء ونفسيته والمؤثرات التي تُحيط به وتؤثر فيه.
هذا مُلخص عام لأساليب المنهج النبوي في تقويم السلوك، وسوف يتبعه إن شاء الله تفصيل في الأساليب حتى تعم الفائدة، وأتمنى أن نجعل هذا المنهج واقعاً في حياتنا لأنه يحمل
من الرُقي والتقدم ما تعجز عن إداركه الدراسات الاجتماعية الحديثة.
مُلاحظة: هنالك بحث مهم تقدم به البرفسور محمود خليل في إحدى المؤتمرات الأكاديمية العربية عن نفس الموضوع، وقد استفدت منه كثيراً في هذا الملخص، وما تبقى فهو ثمرة
لاستقرائي للسيرة النبوية الشريفة.
وبالله التوفيق
نُواصل.