أضـــابيـــر:
علي هامش اليوم العالمي للشباب
وزارة الصحة ...التحدي الشبابي الوحيد
محمد الأمين عبد النبي
Wdalamin_760@yahoo.com
شيخوخة عارمة ضربت بأطنابها كل أوجه الحياة في السودان وولدت فشل وعجز وتكرار كربوني ممل وإعادة إنتاج الأزمات بصورة سافرة وتفاقمت المشاكل والأحوال بشكل مريع ، وغاب الإبداع والإنتاج والفعل الإيجابي والساقية مدورة ترس قدام وترسين وراء، فمنذ عقدين من الزمان نفس الشخصيات والقيادات والأفكار والسياسات والتصريحات (فاقد الشي لا يعطيه) فالكل ساكن محلك سر وهنالك سيطرة أبوية على مفاصل الدولة والمجتمع وتغييب للدماء الشابة وتحجيم متعمد وتكبيل لحركة الفكر والمواكبة والابتكار وما نعاني منه مشاكل وأزمات بفعل سياسات خاطئة صناعها ما زالوا يتربعون على عرش السلطة ومنظمات المجتمع المدني، فبكل المقاييس فإن عطاء الشباب وفاعليتهم ومواكبتهم ومقدراتهم على التعاطي مع مشاكل المجتمع أفضل حال من الشيوخ ، وهذه ليس دعوة للشبابوية (آيدولوجية تنفي دور الأجيال الأخرى) وإنما دعوة للمشاركة السياسية للشباب وتكامل الأدوار في مواقع صنع القرار لأنهم ببساطة الأكثرية ولأن القضايا ذات طابع فتي فهم الأكثر تضرراً من غيرهم ولأن المستقبل والغد مرهون عليهم. فالمجتمعات المتقدمة والراقية اهتمت بدور الشباب في التنمية وإدارة شئون المجتمع مبكراً لذلك تقدمت وتطورت ، أما في السودان قلّ ما تجد قيادة شابة في البرلمان أو الأحزاب أو السلطة التنفيذية أو منظمات المجتمع المدني وذلك بوضع المتاريس والعوائق للمشاركة الإيجابية لهؤلاء الشباب واتهامهم بالتآمر والكسل والجهل والتسرع وإشغالهم بأنفسهم بالعطالة المقنعة وإلهائهم بالغناء وكرة القدم وصرف المليارات لإنصرافهم حول القضية الأساسية ومشاركتهم في إدارة أمورهم وحل قضاياهم المتزايدة ، وهذا النهج مرسوم بدقة وفق المناهج التربوية مروراً بالتعليم العالي فصار الشباب السوداني إما مهاجراً تاركاً وطنه او عاملاً هامشياً أو عاطلاً (أقصد معطلاً) أو متمرداً وقليل من ذوي الحظوة وجد موقعاً بفعل المحسوبية والواسطة أو الانتماء للحزب للحاكم . هذه الصورة جعلت الشباب أول من دفع فاتورة الحرب والخصخصة والتصفية والمنهبة والفساد والإنفاق العام غير الراشد، فالجيل الذي يمارس الحرمان والافقار على الشباب تمثل فترة الشباب لديهم أجمل أيام العمر بما عاشوه من يسر وترف وسهولة( التعليم والصحة وغيرها بالمجان ) وفشلوا وعجزوا عن حل مشاكل الشباب بعد وفقوا أوضاع أبنائهم التعليمية والصحية والعملية .
هذا الواقع الطارد للشباب والمحبط لا يخلوا من مواقف مشرفة تدعو لإشراك الشباب وتنادي بإعطائهم فرصة سانحة لإثبات ذاتهم في الأحزاب والمنظمات والبرلمان والجهاز التنفيذي للدولة والتطلع الإيجابي لإخراج الشباب البائس لمرافئ الحياة ، ففي الانتخابات الاخيرة المشكوك في نزاهتها وحريتها ظهر عدد مقدر في الترشيح للبرلمان خاصة من القوي التقليدية ولكن لم تري النور لمقاطعة القوي السياسية للانتخابات وفي ظل الواقع الماثل نجد تجارب شابة عظيمة ومقدرة تنفي الصورة النمطية حول الشباب وتعكس قدرات خارقة لإدارة الأزمات وفك الاشتباكات وتقديم البدائل والحلول والتعبير الصادق عن مشاكل المجتمع وقضاياه.
عبد الله تيه مثلاً تجربة شابة نشأت وترعرعت في المجتمع المدني فصارت نموذجاً للشباب في فك الشفرة ما بين السلطة والأبوية والاحتكارية الافتراضية لمواقع صنع القرار يحمل هَم جيل بالإضافة لهموم المجتمع، عرفناه كادراً طلابياً حزبياً مدركاُ لواجباته فسهل الاختلاف والاتفاق معه في القضايا الطلابية والشبابية الوطنية ، وعرفناه في ساحات العمل الطوعي والمدني فكان مشاركاً وفاعلاً في منبر الشباب بمشروع الراشد بـundp وإصدار صحيفة الشباب وأحد القيادات الشبابية التي أطلقت مبادرة الحركة الشبابية السودانية وأهداف الألفية للتنمية ، وعرفناه نائباً لرئيس المجلس التشريعي لولاية الخرطوم بمعاركه حول التشريعات والسياسات ، عرفناه سياسياً وحزبياً ملتزم بقرارات ومبادئ وأهداف حزبه ومنضبطاً تنظيمياً وفي قلب الأحداث السياسية ، عرفناه متفهماً ومتعاوناً لقضايا الناس والمشي في حوائجهم ومناصرتهم وإنصافهم
الآن جاءته الوزارة (الصحة) تجر أذيالها طائعة ومختارة كتجربة جديدة في سجل الشباب في الجهاز التنفيذي ، تطلب مزيداً من العمل والجهد خاصة وأن هذه الوزارة ذات أهمية مرتبطة مباشرة بالجماهير ، وتفاقمت بها المشاكل والقضايا بدرجة تعصف بأي وزير نتيجة للسياسات الخاطئة والتهميش الوزاري وصارت من الوزارات المدرة للمال (الجبايات) بدلاً عن دورها الخدمي كأهم مقومات دولة الرعاية الاجتماعية مع غياب كامل للرعاية والاستشفاء فأصبح أغلبية سكان الريف يلتمس العلاج والدواء من الشيخ والفكي والدجال أو الأعشاب بدلاً ان يذهب للموت برجليه . خيراً فعلت أخي الوزير بأخذ زمام المبادرة وإعطاء قضية الأطباء العناية اللازمة ووضعها في إطارها الصحيح فهذه واحدة من عشرات القضايا المتعلقة بصحتنا وتدهورها نتيجة لسوء الإدارة والتخطيط والإهمال فالواجب بحكم المسؤولية يستوجب مراجعة شاملة للقطاع الصحي والطبي فاسأل سعادة الوزير عن الإسهالات المائية؟ والسرطانات والأمراض المستوطنة والمزمنة وحمى الضنك والهستيريا ؟ اسأل عن موت الرضع والأمهات ؟ اسأل عن الملايين التي تؤخذ من المريض أين ذهبت؟ اسأل عن التأمين الصحي وعن الأدوية التي يتناولها المريض من حيث الجودة والوفرة والثمن؟ اسأل عن الأخطاء الطبية؟ والتشخيص الخاطئ والتحاليل غير الدقيقة؟ اسأل عن الدعم الحكومي مقارنة بمستشفيات الأمن والجيش والشرطة وغيرها؟ اسأل عن المستشفيات الخاصة باهظة الثمن؟ اسأل عن العلاج بالخارج؟ اسأل عن أساب تدهور الصحة في بلادنا؟. قبل أن تسأل كشاب تولي المسؤولية نيابة عن جيل بأثره ، فالشعب السوداني ينتظر منك قرارات شجاعة وتوجيهات تعيد إليه الأمل في التشافي والعلاج بمستشفيات الدولة بعد أن هده المرض فتكاثرت عليه العلل وضاقت به السبل وتعيد للصحة في بلادنا عافيتها التي سلبت فشمر ساعد الجد فالمسئولية كبيرة وحساسة ،، وصحتنا بين يديك ،، فماذا أنت فاعل ؟؟؟