(1)
وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، جَعَلَ التَّفاؤلَ فِي الحَياةِ مِنْ شِيَمِ المُتَّقِينَ، وسَبِيلاً لِلسَّعادَةِ والفَلاَحِ فِي الدَّارَيْنِ، أَحْمَدُهُ سُبْحانَهُ بِما هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثْنِي عَلَيْهِ وأُومِنُ بِهِ وأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَـلَّ اللَّهُ وَسَـلِّمْ وَبَارَكْ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أُوصِيكُم ونَفْسِي بِتَقوى اللهِ تَعالَى، فَإِنَّها سَبَبٌ لِتَحقِيقِ المَرْغُوبِ، وانْدِفاعِ المَرْهُوبِ، وتَبْدِيدِ الكُروبِ، وبَسْطِ الأَرزاقِ، ودُخولِ جَنَّةِ الكَرِيمِ الخَلاَّقِ، قَالَ تَعالَى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، واعلَموا عِبادَ اللهِ أَنَّ اللهَ تَعالَى قَدْ جَعَلَ الحَياةَ الدُّنْيا مُتَقلِّبَةَ الأَحوالِ، لاَ تَستَقِيمُ أَبداً عَلَى حَالِ، ولاَ تَصفُو لِمَخلُوقٍ مِنَ الكَدَرِ، فَفِيها الخَيْرُ والشَّرُّ، والسُّرورُ والحُزْنُ، ويأْتِي الأَملُ
(2)
والتَّفاؤلُ شُعاعَيْنِ يُضِيئانِ دَياجِيرَ الظَّلاَمِ، ويَشُقَّانِ دُروبَ الحَياةِ لِلأَنامِ، فَيَبْعثانِ فِي النَّفْسِ الجِدَّ والمُثابَرَةَ، ويُلَقِّنانِها الجَلَدَ والمُصابَرَةَ، فَالذِي يُغْرِي التَّاجِرَ فِي تِجارَتِهِ أَمَلُهُ فِي الأَربَاحِ، والذِي يَبْعَثُ الطَّالِبَ لِلْجِدِّ فِي دِراسَتِهِ أَمَلُهُ فِي النَّجاحِ، والذِي يُحَبِّبُ إِلى المَرِيضِ الدَّواءَ المُرَّ أَمَلُهُ فِي الشِّفاءِ، والذِي يَدْعُو المُؤمِنَ أَنْ يُخالِفَ هَواهُ، ويُطِيعَ مَولاَهُ، أَمَلُهُ فِي الفَوزِ بِجَنَّتِهِ ورِضاهُ، وإِذا تَعَسَّرَ عَلَى المُؤمِنِ شَيءٌ لَمْ يَنْقطِعْ أَمَلُهُ فِي تَبدُّلِ العُسْرِ إِلى يُسْرٍ، وإِذا اقتَرفَ ذَنْباً لَمْ يَيأَسْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ومَغْفِرَتِهِ، بَلْ يَرْجِعُ إِلَى رَبِّهِ ولاَ يُسَوِّفُ فِي تَوْبَتِهِ، قَالَ تَعالَى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَبِالأَمَلِ يَذُوقُ الإِنْسانُ طَعْمَ السَّعادَةِ، وبِالتَّفاؤلِ يُحِسُّ بِبَهْجَةِ الحَياةِ، ولَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ يُعْجِبُهُ الفَأْلُ الحَسَنْ ، لأَنَّ فِيهِ إِحْسانَ الظَّنِّ بِاللهِ عَزَّ وجَلَّ. فَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهَ وَمُسْنَدِ الإمَامِ أحْمَدْ عَنْ أَبِي هُريِرَةَ
(3)
قَالَ : كَانَ النَبِيُّ يُعْجِبُهُ الفَألَ الحَسَنْ وَيَكْرَهُ الطَيْرَةَ وَفِي رِوَايَّةَ : يُحِبُّ الفَالَ الحَسَنْ. قَالَ الحَافِظُ ابْنِ حَجَرْ: وَإنَّمَا كَانَ يُعْجِبُهُ الفَألَ؛ لأَنَّ التَشَاؤُمَ سُوءُ ظَنٍ بِاللهِ تَعَالىَ بِغْيرِ سَبَبٍ مُحَقْقٍ، وَالتَفَاؤُلُ حُسْنُ ظَنٍ بِه، وَالمُؤمِنُ مَأمُورٌ بِحُسْنِ الظَّنَ بَاللهِ عَلىَ كُلِّ حَالٍ. وَمِنْ الفَألِ الحَسَنِ مَا كَانَ يَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ كُلِّهَا، فَكَانَ يُحِبُّ الأَسْمَاءَ الحَسَنَةِ، وَيُعْجِبُهُ التَيَمُّنُ فِي شَأَنِهِ كُلِّهِ؛ لأَنَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ أَهْلُ الجَنَّةِ. وَهذَا مِنْ بَابِ حُسْنَ الظَّنِ بِاللهِ تَعَالىَ المَأَمُورُ بِهِ شَرْعاً، وَقَدْ صَدَقَ الشَاعِرُ القَائِلُ :
مولايَ صِدقُ الفَالِ قَدْ جَرَّبْتَهُ
مِنْ لَفْظِ عَبْدِكَ وَالعَوَاقِبَ أَجْمَلُ
: إِنَّ حَقِيقَةَ الأَمَلِ لاَ تَأْتِي مِنْ فَراغٍ، كَما أَنَّ التَّفاؤلَ لاَ يَنشأُ مِنْ عَدَمِ، إِذْ أَنَّهُما وَلِيدا الإِيمَانِ العَمِيقِ بِاللهِ جَلاَّ وعَلاَ، والمَعْرِفَةِ بِسُنَنِهِ ونَوامِيسِهِ فِي الكَوْنِ والحَياةِ، فَهُوَ سُبْحانَهُ يُصَرِّفُ الأُمُورَ كَيفَ يَشاءُ مَتَى شَاءَ، بِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ، وإِرادَتِهِ ومَشِيئَتِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ فَيُبَدِّلُ
(4)
مِنْ بَعْدِ الخَوفِ أَمْناً، ومِنْ بَعْدِ العُسْرِ يُسْراً، ويَجْعَلُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، ولِهذَا كَانَ المُؤمِنُ عَلَى خَيْرٍ فِي كُلِّ الأَحْوالِ، لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِاللهِ الوَاحِدِ المُتَعالِ، وَتَفاؤُلِهِ لِبُلُوغِ الآمَالِ، فَهُوَ شَاكِرٌ للهِ فِي السَّرَّاءِ، وصَابِرٌ عَلَى مَا أَصَابَهُ فِي الضَّرَّاءِ، فَكَانَ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ، ولَيسَ ذَلِكَ إِلاَّ لِلْمُؤمِنِ المُتَفائِلِ، فَعَنْ صُهَيْبِ بنِ سِنانٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : ((عَجَباً لأَمْرِ المُؤمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلُّهُ خَيْرٌ، ولَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ، إِنْ أصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وإِنْ أَصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ))، والمُؤمِنُ دائماً يَضَعُ نُصْبَ عَينَيْهِ قَولَ اللهِ تَعالَى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وهُوَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيْبَهُ رَوىَ التَرمَذِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ((لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ, حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَأَنَّ مَا
(5)
أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ)). وشَتّانَ مَا بَيْنَ حَالِ المُتفائِلِ والمُتشَائِمِ، إِذِ المُتشائِمُ لاَ يَرَى فِي الوُجُودِ إِلاَّ الظَّلاَمَ والشَّقاءَ، ولاَ يَرَى الحَياةَ إِلاَّ بِنَظْرَةٍ سَوْداءَ، فَحَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مِنَ التُّعساءِ.
عِبَادَ اللهِ: جَدِيرٌ أَنْ يَلِدَ الإِيمَانُ الأَمَلَ، وأَنْ تُثْمِرَ شَجَرَةُ اليَقِينِ التَّفاؤلَ، وأَنْ يَكونَ المُؤمِنُ أَوْسَعَ النَّاسِ أَمَلاً، وأَكْثَرَهُمْ استِبْشَاراً وتَفاؤلاً، فَهَذا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ الذِي أَرْسَلَهُ اللهُ بَشِيراً ونَذِيراً، ودَاعِياً إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ وسِراجاً مُنِيراً، مَكَثَ فِي مَكَّةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ عَاماً يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ، لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ عِبادَةِ الأَصْنامِ، إِلى عِبادَةِ المَلِكِ العَلاَّمِ، فَجَابَهَ طَواغِيتُ الشِّرْكِ دَعْوَتَهُ بِالاستِهزاءِ والعِصْيانِ، ورَفَضُوا عِبادَةَ الواحِدِ الدَّيّانِ، وواجَهُوا آياتِ رَبِّهِ بِالسُّخْرِيَةِ والاستِهزاءِ، وأَذاقُوا أَصْحابَهُ أَلواناً مِنَ الإِيذَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَضْعُفْ أَو يَستَكِينْ، ولَمْ يَنْطَفئْ فِي صَدْرِهِ الأَمَلُ والتَّفاؤلُ، وحِينَ اشْتَدَّ عَلَيهِ وعَلَى صَاحِبِهِ الطَّلَبُ أَيَامَ الهِجْرَةِ، وَوصَلَ المُشْرِكونَ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ كَانَ يَقُولُ لأَبِي بَكْرٍ
(6)
بِلُغَةِ الواثِقِ بِرَبِّهِ، الذِِِِِِي لَمْ يَتَسرَّبِ اليَأسُ إِلَى قَلْبِهِ: ((ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثالثُهُما)). ولاَ عَجَبَ أَنْ يَكونَ النَّبِيُّ بِهذَا اليَقِينِ والتَّفاؤلِ؛ فَهَذِهِ صِفَاتُ إِخْوانِهِ المُرْسَلَيِنَ مِنْ قَبْلِهِ، وقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ فِي قَولِهِ: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ، فَهَذَا سَيِّدُنَا إِبراهِيمُ قَدْ صَارَ شَيْخاً كَبِيراً، ولَمْ يُرزَقْ بِولَدٍ، فَدَفَعَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِالوَاحِدِ الأَحَدِ، وتَفَاؤلُهُ بِالفَرْدِ الصَّمَدِ، أَنْ يَدْعُوَهُ لِيَرزُقَهُ وَلَداً مِنَ الصَّالِحينَ فَقَالَ: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ، فَاستَجابَ لَهُ رَبُّهُ ووَهَبَهُ إِسْماعِيلَ وإِسْحَاقَ نَبِيَّينِ مِنَ الصَّالِحينَ، وهَذا نَبِيُّ اللهِ سَيِّدُنَا يَعقُوبُ فَقَدَ ابنَهُ يُوسُفَ ثُمَّ أَخَاهُ، فَصَبَرَ عَلَى مِحنَتِهِ وبَلْواهُ، إِذْ لَمْ يَتْرُكْ لِليَأْسِ مَجالاً فَيُثَبِّطهُ، ولاَ سَرَى فِي عُروقِهِ الشَّكُّ بِرَبِّهِ فَيُقْنِطهُ، بَلْ تَفاءَلَ ورَجَا، أَنْ يَجِدَ لِمِحنَتِهِ مَخْرَجاً، فَقَالَ بِقَلْبٍ مِلْؤُهُ اليَقِينُ، وإِحْسَاسُ الصَّابِرينَ المُتفائِلِينَ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، ومَا أَجْمَلَهُ مِنْ تَفاؤُلٍ وأَمَلٍ، تُعَزِّزُهُ الثِّقَةُ بِاللهِ حِينَ
(7)
قَالَ: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ، وسَيِّدُنَا أَيُّوبُ ابتَلاَهُ رَبُّهُ بِذَهَابِ المَالِ، وَفَقْدِ العَافِيَةِ والعِيالِ، ثُمَّ مَاذَا؟! قَالَ تَعالَى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ، إِنَّ المُؤمِنَ بِقَضاءِ اللهِ وقَدَرَهِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، يَعلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا أَلمَّ بِهِ وأَصَابَهُ، قَدْ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ وكَتَبَهُ، إِيماناً بِقَولِهِ تَعالَى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ المُؤمِنَ إِذا جَدَّ فِي الحَياةِ واجتَهَدَ لِلحُصُولِ عَلَى أَحَدِ المَطالِبِ، وواجَهَ مَشَقّاتٍ ومَصَاعِبَ ثُمَّ فَشَلَ؛ فَلاَ يَسْخَطُ ولاَ يَقْنَطُ، ولاَ يَيأْسُ ولاَ يُحْبَطُ، فَالحَياةُ كُلُّها تَجارِبُ وابتِلاءاتٌ، والأَمَلُ والتَّفاؤلُ مَطلَبٌ لِلتَّغلُّبِ عَلَى الأَزَماتِ، يُعْطِي المُؤمِنَ قُوَّةً وعَزِيمَةً، وطَاقَةً عَظِمَيةً، فَهُوَ إِذا أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، لاَ يَعْرِفُ طَرِيقاً لِلفَشَلِ، ولاَ
(
يُخالِجُهُ الكَسَلُ والمَلَلُ، ولَوِ استَبْطأَ الفَرَجَ، وكَثُرَ دُعاؤه وتَضَرَّعَ، ولَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ لِلإِجابَةِ، يَظَلُّ مُتفائِلاً فِي حَياتِهِ، لاَ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ عَلَى سُلُوكِهِ وتَصَرُّفاتِهِ، أمَّا اسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ؛ فَقَدْ تَكُونُ مُعَجَّلَةٌ فِي الدُّنْيَا، أَو مُؤَخَّرَةٌ إَلى الآخِرَةِ، فاليَقِينُ بِالإجَابَةِ مَعْ حُضُورِ القَلبِ وَقْت الدُّعاءِ مِنْ شِرُوطِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، كَما رَوىَ التَرمَذِيُّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ((ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ)) وَرَوىَ الإمَامُ مُسْلِمُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ أَنَّهُ قَالَ ((لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ)). قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ قَالَ ((يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِى فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ)). وَليُوقِنَ العَبدُ بعدَ ذلَك أنَّمَا أَصَابَهُ ابتِلاَءٌ واختِبارٌ، مُقدَّرٌ عَلَيْهِ مِنَ الوَاحِدِ القَهَّارِ، وهَذَا دَلِيلُ مَحَبَّةِ اللهِ سُبْحانَهُ لِعَبْدِهِ، قَالَ تَعالَى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ
(9)
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فَاتَّقوا اللهَ –عِبادَ اللهِ-، واجْعَلُوا في حَيِاتكُمُ التَّفَاؤُلَ والأَمَلَ، ولاَ تَركَنُوا إِلى اليأْسِ والفَشَلِ، واستَعِينُوا بِاللهِ وتَوكَّلُوا عَلَيْهِ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ.
الحديث : روى البُخَارِيُّ ومُسْلِمُ فِي الصَحِيحَينِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ «لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ». قَالَ وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ» .
* * *