خلق الله الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها ثم استوى الى السماء وهي دخان ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ثم خلق ملائكته الذين يسبحون بحمده ويقدسون اسمه ويخلصون في عبادته ثم شاءت إرادته واقتضت حكمته ان يخلق آدم
وذريته ليسكنوا الأرض ويعمرها فأنبأ ملائكته أنه سينشئ خلقا اخر يسعون في الارض ويمشون في مناكبها وينتشر نسلهم في أرجائها .
سوى الله ابونا آدم من صلصال من حمأ مسنون ثم نفخ فيه من روحه فسرت فيه نسمة الحياة وصار بشرا سويا.ثم أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم فاستجابوا لربهم خاضعين وأقبلوا على آدم معظمين وعفروا جباههم له ساجدين إلا إبليس فقد خالف أمر ربه وانجاز الى معصيته ىسأل الله إبليس عن سبب امتناعه فقال تعالى : (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين).
فزعم أنه خير من ابونا آدم عنصرا وأزكى منه جوهرا وظن أن لا أحد يباريه في في علو قدره ولايستشرف الى سمو مكانته (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ).وجهر بالعصيان وصرح عن المخالفة والبهتان واستكبر عن أمر ربه فجازاه الله على عصيانه وعاقبه على مخالفته زناداه قائلا له: (فاخرج منها فانك رجيم وإن عليك اللعنة الى يوم الدين ).سأل إبليس ربه أن ينظره الى يوم الدين
فاجاب الله سؤله وقال له: (قال فإنك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم).لم يشكر إبليس الله فضله بل قابل نعمته بالكفران وفصله بالجحود والنكران وقال : (فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم).طرد الله إبليس من رحمته .سجدوا لآدم فاعترفوا بفضله وأقروا بانه خير منهم مقاما واقرب منهم إلى الله مكانا .آتاه الله من علمه وأفاض عليه من نوره وعلمه .
أذاق الله إبليس بأسه واقبل على ابونا آدم فأسكنه وامنا حواء جنته وأوحى إليه أن اذكر نعمتي عليك فإني خلقتك ببديع فطرتي وسويتك بشرا على مشيئتي ونفخت فيك من روحي وأسجدت لك ملائكتي أفضت عليك قبسا من علمي وهاهي ذي دار الخلد جعلتها لك منزلا ومقاما فإن أطعت كافأتك
بالإحسان وخلدتك في الجنان وإ، تركت عهدي أخرجتك من داري وعذبتك بناري ثم لا تنس أن إبليس هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى.
أباح لهما أن يأكلا من الجنة رغدا حيث شاءا ونهاهما أن يقربا شجرة من بين أشجارها الكثيرة.سكن آدم الجنة وصار يتمتع بما فيها من كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وشاركته هذة المتعة زوجتهأمنا حواء وعاشا مدة يرشفان من مناهل السعادة .
وحز ذلك في نفس إبليس وعز عليه أن ينعم ابونا آدم وزوجته وهو مطرود من رحمة الله اقسم واظهر له ولزوجته عطفه عليهما وإشفاقه من زوال نعمتهما فقال (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين). وأقسم لهما أنه من الناصحين ولا يقصد ضررهما وحاول إغراءهما بطيب ريح تلك الشجرة وبديع طعمها فاغترا بقوله وافتتنا بزخرف لفظه وتابعا رأيه وزلا بإغوائه.
فلما خرجا عن أمر ربهما سلبهما نعمته وحرمهما جنته وناداهما ربهما : (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين).
أنابا إلى الله وندما على فعلتهما و(قلا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع الى حين).تاب الله عليهماوغفر لهما زلتهما فأثلج ذلك صدرهما وقرت به عينهما وانبثق الأمل في نفسيهما بالبقاء في الجنة
والتمتع بنعيمها وقد علم الله ما جال بخاطرهم فأمرهما بالهبوط منها وأنبأهما أن العداوة بينهما وبين إبليس ستظل قائمة ليحذرا فتنته ولا يصغيا إلى إغوائه فقال: (اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى).
فجعل له مأربا في الحياة وأملا يسعى اليه وأخبره أنه قد انتهى طور النعيم الخالص وأنه بعد خروجه من الجنة وحرمانه نعيمها قددخل فيطور فيه طريقان هدى وضلال..إيمان وكفر ..وفلاح وخسران فمن اتبع هدى الله الذي شرعه وسلك الصراط المستقيم الذي حدده فلا خوف عليه من وسوسة
الشيطان و إغوائه ومن أعرض عن ذكر الله زحاد سبيله فسيكون عيشه ضنكا .
بدأ نظام الحياة يستكمل حينما تهيأت امنا حواء لتستقبل أولادها أول زهر تفتح في رياض الإنسانية وأول نفحة من نفحات البشرية وبهم تأنس وتسعد مع زوجها أبونا آدم وقد كانا شديدي الحب والشغف أن يريا فلذات أكبادهما على ظهر البسيطة فتمتلئ جوانب الارض بنسلهما يمشون في
مناكبها ويأكلون من رزق الله ولقد كان ابونا ادم حفيا بأبنائه وامنا حواء مستبشرة بقدومهم رغم ما قاست من أهوال وآلام .
وضعت امنا حواء توأمين :قابيل واخته وهابيل وأخته وشب الإخوة في رعاية الأبوين حتى ملأتهم نضارة الحياة وقوة الشباب فنزعت البنتان الى منازع النساء وانبعث الولدان يضربان في الأرض كسبا للرزق وابتغاء للخير فكان قابيل من زراع الارض وكان اخوه من رعاة الاغنام .
وانتشر رواق السلام والأمان على هذه الأسرة السعيدة الطاهرة وعلى امتداد الزمن وتتابع فسحة الأجل قويت في كلا الفتيين مال كل منهما الى أن تكون له زوجة ليسكن اليها ويطمئن بصحبته وتعلقت نفسه بذلك الامل وارادة الله جلت حكمته قضت منذ الأزل ان يمتحن بنو ادم على ظهر البسيطة فيكثر المال والبنون وتاخذ الارض بهجتها كما جرى القدر الا يكون الناس امة واحدة .
فاوحى الله تعالى الى ابي البشرية ان يزوج كل فتى من فتييه بتوام اخيه بهذا افضى ابونا ادم الى ابنائه راجيا ان يكون قوله الفصل .
بعد ان اسر ابونا ادم بمكنون صدره الى ابنيه ثار قابيل ولم ينزل على ارادة ابيه لان نصيبه اقل جمالا من نصيب اخيه .وهبت على الاب رياح عاصفة ما دارت يوما في خلده ولا حسبانه وتوزعت نفسه بين رغبة ابنيه والابقاء على السلام بينهما والامان الى ان هداه الله مخرج يسد به مهب الريح فطلب اليهما ان يقرب كلاهما قربانا الى الله فايهما تقبل قربانه كان احق بما اراد فقدم هابيل جملا من انعامه وقدم قابيل قمحا من زراعنه وكل منهما يترقرق في صدره فيض الامل .
وكان هابيل موفور الحظ فتقبل قربانه ولم يتقبل قربان اخيه .وبعد ذلك انطفا امل قابيل وراح ضحية الحقد فتوعد اخاه وقال :لافتلنك حتى لا اصاحبك شقيا وانت سعيد.فقال هابيل لاخيه والحسرة تقطع فواده:كان اولى لك يا اخي ان تتعرف موضع الداء فتحمه وان تتحرى مسالك السلام فتنبعث اليها لان الله لا يتقبل الا من المتقين.
لم تكن آصرة الاخوة شفيعة امام ذلك الحقد المتقد في صدر قابيل ولم يكن مبعث الحنو والرحمة والعطف ليهدئ من ثورة ذلك البركان الثائر ولم تكن مخافة الله ولا رعاية حقوق الابوين رادعة لتلك النفس التى كانت اول من اجرم على ظهر البسيطة من الناس.
في ساعة من ساعات الفلك الدائر ولنزوة حقيرة من نزوات النفس الجامحة وقعت الواقعة فراح هابيل قتيلا بيد اخيه .
هنا لابد ان تهبط رحمة الله رعاية لحق تلك الجثة الطاهرة بعث الله غرابين فاقتتلا فقتل احدهما ثم حفر له بمنقاره ووارى جثته تحت التراب هنا لستشعر قابيل الندم والحسرة فقال: (ياويلتى اعجزت ان أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخي).