اضــــــــابير
على هامش اليوم العالمي للشباب (2)
الشباب السوداني البائس .. من المسئول ؟ وما العمل ؟
محمد الأمين عبد النبى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]مدخل أول :-
" من يعزف عن المشاركة في الحياة السياسية سيعاقب بأن يحكم بمن هم دونه ومن لا يراعون مصالحه" إفلاطون .
مدخل ثاني:
" إذا حللنا الواقع الاجتماعي والسياسي في السودان نجد أن سكان السودان ما بين (50) سنة وما فوق يمثلون 10% ومن (15 – 50) سنة 75% واقل من (15) سنة 15% ولكن نجد ان نسبة الـ10% الأولي تستحوذ على الثروة والسلطة وأن الـ 90% من الشعب يعيش في الفقر والتهميش والحرمان فهذه الوضعية مجافية للديمقراطية ... فالدمقراطية لايصعنها الا الديقراطيون" الاستاذ صلاح جلال
درج العالم في مثل هذا اليوم الاحتفال باليوم العالمي للشباب (12 اغسطس ) كل عام يرصد التحولات والتغيرات التي تدعم قضايا الشباب ويقدم برامج ومشاريع للعام الجديد ويكون الابتهاج والاحتفاء بما تحقق من إنجازات للشباب ولعلنا في السودان قد أخذنا فكرة الاحتفالات دون الاعتبار للهدف الاساسي من هذا اليوم . فقد جاء الاحتفال هذا العام يعبر عن عمق الأزمة في التعاطي مع شريحة الشباب وقضاياهم حيث خلت كل الأنشطة عن عرض قضايا ومشاكل الشباب وأوغلت في موجة (فوبيا) الوحدة والانفصال واستهلاك الكلام الممجوج الذي لا يخدم هذه القضية في شئ ، مما اعتبره البعض دفن للروؤس تحت الرمال من مواجهة مشاكل الشباب المتجزرة والمتفاقمة وهروب عن الالتزامات الدولية الخاصة بأهداف الالفية للتنمية MGOs وما انجز فيها لدعم المراة والشباب كأكبر القطاعات استفادة من هذه الالتزامات وقد اقرت الجهة المطالبة بتقديم التقرير باسم السودان بوجود عقبات أٍساسية لانفاذها . ويبرزهنا سؤال يفرض نفسه بإلحاح ماذا عن قرار السيد رئيس الجمهورية بان هذا عام للشباب ؟ والذي اعتبره الشباب خطوة مباركة ووجدت صدي واستجابة من الشباب لتنمية قدراتهم واستيعابهم وتوظيفهم بما يناسب التنمية المستدامة لضمان مستقبل آمن . وكان المتوقع ان تكثف اللقاءات و الحوارات بين ومع الشباب لخلق فضاء رحباً للحوار والمناقشة وطرح مشاكلهم ومعاناتهم وايجاد الحلول الملائمة من خلال مشاركتهم في رسم سياسات الوقاية والعلاج.
مشاهدات عن واقع الشباب السوداني :
يمر هذا اليوم والشباب السوداني تخاطفته الاجندات وتعددت به الاتجاهات وضاقت به السبل مماخلق واقعاً مؤلماً وبائساً فاقداً للهدف والأمل ومحطباً وقانعاً ومكتوفاً الايادي فكل مبادراته قفزات في الظلام ونحو المجهول ، فاذا القيت نظرة لحال الشباب اليوم تلاحظ وبوضوح شديد:
شباب معطل باعداد كبيرة وفي كل اطراف لسودان ووسطه . والمخدرات كأكبر آفة ضربت باكنابها شبابنا والتقرير الذي عرضته قناة الجزيرة قبل ايام ينزر بخطر جسيم. وانتشارالزواج العرفي بين الشباب بحثاً عن غطاء ديني لعلاقات غير شرعية .والشذوذ الجنسي والتشبه بالنساء في مظاهر التجميل والنعومة وطريقة الكلام والتعامل وقد شاهد الراي العام بام عينيه محاكمة (19) من الشباب الشواذ جنسياً فصار حدث عابر .وزيادة المدخنين الشباب والمدمنين والمتعاطين لمختلف أنواع المسكرات والخمور والمنبهات . واتساع رقعة الامراض المنقولة جنسياً وعلي راسها الايدز . وزيادة الجرائم والسرقات وانتشرت في المجتمع السوداني جرائم الاغتصاب والعنف ضد الاطفال والمرأة وكثرت أنواع الاحتيال والمواسير .وأصبح معظم الشباب السوداني لولم نقل كله يحلم بالهجرة خارج حدود الوطن هروباً من الاغتراب الداخلي للاغتراب الخارجي فأعداد الشباب في دول المهجر في تذايد بمتوالية هندسية متخذين وسائل متعددة اللجوء والاغتراب واحياناً التهريب ممتطين قوارب الموت لكل بقاع الدنيا حتي اسرائيل. والنمو المتطرد لظاهرة العنف والتطرف والارهاب في أواسط الشباب بعامل التجنيد العلني لنشر الافكار المنحرفة وترويجها والخطاب الديني القائم على العاطفة والحماسة مع غياب للرؤية والتفكير والمعرفة ، فكثير من الشباب اكتشفوا الدين فجأة ووجدوا فيه ملاذاً فصبوا كل مشاعرهم نحو النصوص دون الامعان فيها فسلكوا نمط تدين دخيل على السودانيين . وظهور حفلات الشباب الخليعة والمشبوهة وأنواع الحلاقات الغربية كـ(المجنون جن) وغيرها من الحلاقات التي تؤكد التاثيروالاستلاب الثقافي والقيمي ولبس المحزق والعاري والشفاف وسط الشابات واللامبالاة والتسكع في الطرقات واهدار الوقت ... الخ .
هذه الظراهر والمظاهر تعكس وبجلاء عوامل الرفض الشبابي للواقع فهي جزء من رفض قد طوره البعض لتمرد على المجتمع والوطن واتخذ وسائل خشنة لتغييره والبعض الاخر اتخذ رفضاً إنسحابياً لان القوة المقابلة ( الحكومة) اكبر وعاتية، وهذا الرفض تحكمت فيه بشكل كبير التنشئة الاجتماعية والسياق الاجتماعي المحيط بالشباب . كل هذا الرفض ناجم عن عدم إشباع حاجات الشباب وفي مقدمته الحرية وكيفية ممارستها لكي تكون مدخلاً للابداع والمبادرة والفاعلية ووجود الفرص الجادة لمشاركته ومساهمته وتوفيق اوضاعه . مما فرض حالة من الانفصال والجفوة والهوة بين الشباب والمجتمع من حولهم ، وولد الحيرة والتوهان وفقدان الثقة في النفس والشيخوخة المكبرة والانطواء على الذات بحثاً عن الخلاص الفردي بعد فتور حماسته، والعزلة وهي لاتفي باي حال السكون والجلوس في المنزل وانما الحركة في أطر ومحيطات معزولة والانطواء مما يصعب على الباحث معرفة ما يجري في عالم الشباب السري هذا الوضع قابل للانفجارالسلوكي والسياسي في اي لحظة .
من المسئول عن وضع الشباب البائس ؟
ربما يكون هذا السؤال انقسامي لكنه محوري وضروري هل المسئولية علي الحكومة أم المجتمع؟ ام الشباب أنفسهم ؟ من هو المعني بحل مشاكل الشباب ؟ هل هي وزارة الشباب والرياضة كجسم هيكلي لتنفيذ السياسات العامة للشباب ام المجتمع لمدني ام الشباب ؟ ام الدولة ( الحكومة) ،فالوزارة اذا لم يكن لديها ادارة وخطط وبرامج للشباب واضحة فهذا مؤشر لعدم وجود رؤية واضحة للدولة حول الشباب . فالتوهان يؤكده التغيير المتكرر لأسم الوزارة والصلاحيات التي تظهر عقب كل تعديل وزاري فجاز لنا أن نعتبرها وزارة للرياضة من خلال الدعم الصخي والاهتمام المتعاظم للرياضة على حساب الشباب فاذا لقيت نظرة على قانون الشباب والرياضة 2003م تدرك استحواذ الرياضة على جل مواده وبنوده فهو قانون مجحف للشباب بكل ما تعني هذه الكلمة من معني. واليك أن تنظر عزيزي القارئ للمنظمات الشبابية ومراكز الشباب ومعاناتهم في استقطاب الدعم لأنشطتهم المختلفة . صحيح هنالك محاولات لمعالجة مشاكل البطالة وسط الشباب لبعض الجهات والمؤسسات الحكومية ولكم يغلب عليها التسييس والمحسوبية والشروط التعجيزية والصرف البزخي الاداري مما افقدها دورها لمعالجة المشكلة . يمكن القول ان هنالك قصور في الاليات الحكومية لمعالجة قضايا الشباب وتمكينهم في مؤسسات الدولة وغياب للرؤية العميقة للشباب وقضاياهم مع وجود كلام معسول ان الشباب هم الحاضر والمستقبل والاعتماد في الفترة القادمة على الشباب والواقع يجافي ذلك . لا يخفي في ذلك الدور الذي يقوم به الاعلام الرسمي الموجه الذي يجعل من الشباب تابع فغابت البرامج التوعوية والتثقيفية والحوارية التي تعكس مشاكل الشباب بحرية وشفافية وتسليط الضوءعلي قضاياهم . اما المجتمع المدني والذي كان متقدماً علي الحكومات قد اصابه الفتور فاصبح همه البحث عن حريته المنقوصة وحقوقه المسلوبة وسلامة التشريعات والقوانين واعادة قوته المنهكة بفعل الكبت والقهر ، وظل إنسانه يعاني الحرمان والتهميش فضاعت قضية الشباب وسط قضاياه ومشاكله . اما الشباب فهم منقسمون بعضهم اّثر أن يكون ضمن الواجهات السياسية للحكومة لينتفع من مكاسبها ويدفع ثمن ذلك تعتيم الرؤية على المسئولين . أو الشباب الذي يحبث عن الخلاص الفردي، وبعضهم فقد القيم الاجتماعية وقل وازعه الديني ولجاء لعالم اخر. فقد نمأ بين الشباب التعصب والكراهية والجهل وغياب الحوار واللجوء والنزوح في هذا الوضع المتناثر غابت الحركة الشبابية السودانية الموحدة . فهضمت حقوقهم في الاحزاب السياسية والمنظمات الاهلية والمدنية والمؤسسات الحكومية وأصبحت اخر مشاريع يمكن أن تمؤل من المنظمات الدولية هي مشاريع الشباب .
ما الــــــــــعمل :
مما سبق فان الشباب في أزمة حقيقية يعاني منها اليوم فماذا فعالون ؟ هل المطلوب تقديم خدمات مباشرة للشباب ومشاريع اعاشة ام تقديم سياسات للشباب تدعم تمكينهم والتوسع في خلق فرض عمل وتشغيل حقيقية (ليس للاعلان والرعاية ) والمساواة في هذه الفرص وتنمية قدراتهم بالتدريب والتأهيل ؟. هل المطلوب مراجعة الاطر الموجودة الان لتتسع لمشاركة الشباب أم تتم مشاركتهم واستيعابهم في نفس الاطر القائمة ؟ من يمثل الشباب اليوم؟ هل هو من تحتاره الحكومة أم من يختاره الشباب ؟ هذه أسئلة في غاية الأهمية لكل من يبحث عن حل لمشاكل الشباب السوداني لاخراجهم من حالة اليأس الى الامل ومن التشاؤم الي التفاؤل فالمطلوب عمله الان قبل الغــــد : توفر الإدارة السياسية الحقيقية للدولة لمعالجة قضايا الشباب وعلى رأسها المشاركة الإيجابية للشباب في كافة مؤسسات الدولة أسوة بكوته المرأة والتمثيل الايجابي لها .وبناء مؤسسات شبابية فاعلة واشتراك الشباب في الفعل السياسي والتنموي وادماجهم في الحياة العامة وفق أسس تراعي دينامكيتهم وحيويتهم المفقودة الآن . وتعزيز مكانتهم وتفعيل دورهم واقرار برمجة إعلامية شبابية توعوية تناقش قضاياهم بشكل من التخصص والمهنية واشراكهم في ذلك. وتعديل قانون الشباب والرياضة الحالي المجحف للشباب بما يتناسب مع عطاء وعدد هذه الشريحة وتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالشباب . وصياغة وتبني استراتيجية متكاملة للشباب من شأنها اعادة الثقة في الشباب وتقديم محفزات لتقليل الهجرة ومحاربة الظواهر السالبة . وإعادة النظر في التنمية الاجتماعية القائمة على العنف والتلقين والمحاكاة . والشراكة الفاعلة لكل المعنين بأمر الشباب لتبني برامج عملية لحل مشاكلهم . وعتماد الحوار والتفاهم المتبادل والتسامح وتقبل الاخر أساساً للتعامل مع الشباب وقضاياهم وأشراكهم في مشاريع التنمية والسلام والوحدة لارتباط هذه القضايا بالمستقبل والذي يمثله الشباب .والتعليم النوعي للشباب وتدريبهم على استخدام التكنولوجيا وغرس القيم الوطنية والدينية الفاضلة ومواكبة العصر وفق منهج يراعي ثوابتنا وموروثاتنا الثقافية .
آملين أن نحتفل بهذا اليوم في العام القادم بتمكين حقيقي للشباب وحل لكثير من مشاكلهم وبلورة طاقتهم وقدراتهم لمجابهة التحديات التي تمر بها بلادنا في هذا المنعطف شعارنا في ذلك من إمتلك شباباً امتلك المستقبل .
وكل عام والشباب السوداني بخير .