بسم الله الرحمن الرحيم
حول مفهوم التخطيط الاقتصادي
والاساليب المستخدمة في تطبيقاته
محتويات الدراسة:
اولا: مفهوم التخطيط ومبرراته.
ثانيا: المبادئ الاساسية للتخطيط.
ثالثا: التخطيط في الانظمة المختلفة.
رابعا: طرق التخطيط وأساليبه.
خامسا: الادوات المستخدمة في اعداد الخطط.
سادسا: مشاكل التخطيط الشامل وضرورة الاهتمام بالقطاع الخاص.
سابعا: الخلاصة ودعوة للاتجاه الى التخطيط التأثيري.
ثامنا: التخطيط الاقتصادي لمنطقة الهدى.
اولا: مفهوم التخطيط ومبرراته:
في هذا العصر الذي يتسم بالثورة العلمية التقنية والتحولات الاجتماعية نحو مجتمع افضل للانسان المعاصر. تتزايد الروابط المتبادلة بين الانشطة الاقتصادية المختلفة وداخل كل نشاط منها. نظرا للزيادة المضطردة لحاجة الانسان للعديد من السلع والخدمات الاساسية منها والكمالية وغير ذلك من الدوافع التي تدعو الى ضرورة الاخذ بالتخطيط نهجا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وان كانت هذه الضرورة تبرز بشكل واضح في بعض الدول المتقدمة. فهي تبرز بصورة أوضح في الدول النامية والمختلفة على السواء. وذلك بهدف اختزال الطريق والجهود التي تبذل للوصول الى التنميـة المتجاوبة مع القدرات المادية والبشرية المتاحة في هذه البلدان. وبخاصة منها حديثة العهد بالاستقلال.
لماذا التخطيط:
لقد تباينت الاراء حول النهج الاقتصادية الانسب في ادارة الاقتصاد الوطني ما بين تطبيق النظام المعتمد على آليات السوق والنهج التخطيطي. وبغض النظر عن الاسس الايديولوجية والفلسفة التي تكمن خلف هذا التباين. تنطلق الاراء المؤيدة للتخطيط الشامل والملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج في تبريرها معتمدة على مجموعة الاعتبارات التالية:
1- تنشأ المشروعات العامة عادة لتحقيق مجموعة مختلطة من الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. مما يستدعي اسناد ادارتها للقطاع العام لما له من قدرة مميزة في هذا المجال.
2- حققت المشروعات العامة العديد من اهدافها في كثير من البلدان وبخاصة النامية منها. اذ قامت بدور ريادي في عملية التصنيع والتنمية وتوفير البنى الاساسية الضرورية.
3- لا تعود الاسباب الرئيسة للأداء المالي الضعيف للمشروعات العامة إلى الملكية لوسائل الانتاج. وانما تعود إلى التخطيط السيء للمشروعات او الاختيار غير المناسب لخطوط الانتاج او لضعف الادارة والبنى الارتكازية.
4- ان الاعتماد على نظام آليات السوق في ادارة الاقتصاد وان كان يستطيع تحقيق النمو الاقتصادي الا انه لا يضمن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتناسقة.
5- لا يستطيع نظام آليات السوق ضمان القدر المطلوب من العدالة في توزيع الدخل والثروة الوطنية. وتوفير الخدمات المطلوبة لجميع افراد المجتمع مما قد يؤدي إلى خلق مشكلات عدم الاستقرار في المجتمع.
6- ان الهياكل المالية والادارية والتنظيمية للقطاع الخاص بطبيعتها غير قادرة على مواجهة التطورات التكنولوجية والاتجاهات الدولية في اقامة المشروعات الكبيرة والمعقدة وإدارتها.
7- ان دوافع القطاع الخاص لتحقيق الربح السريع تعتبر عائقا اساسيا للتوجهات التنموية بعيدة المدى. اذ انها تحـد من توجهات هـذا القطـاع إلى الاستثمـار بالمشروعات التنموية الضرورية للمجتمع.
8- لا يستطيع القطاع الخاص تعبئة كافة الامكانات المادية والبشرية المتاحة للمجتمع والاستفادة منها في عملية التنمية.
9- كما ان الاعتماد على القطاع الخاص بشكل واسع وبخاصة في القطاعات الاستراتيجية قد يؤدي إلى الانشكاف الخارجي. وهذا بدوره يؤدي إلى التبعية والسيطرة الاجنبية على موارد الاقتصاد الوطني.
مما تقدم ولضرورة القضاء على العوامل غير الملائمة للتطور الذي يهدف إلى الصالح العام لكل افراد المجتمع. تنبثق مبررات التخطيط التنموي الشامل.
اذ ان الاقتصاد المخطط يجعل جميع مؤسسات الدولة تعمل كوحدة وفق نسق متكامل ونظرة استشرافية واقعية لغايات المستقبل تجعل النتائج اضمن واكثر فعالية للمجتمع بأسره.
ثانيا: المبادئ الاساسية للتخطيط:
بعد الاطلاع على تجارب التخطيط التنموي الشامل في عدد من البلدان يمكن استخلاص اهم المبادئ الاساسية للتخطيط التنمي الشامل وتخليصها فيما يأتي:
الواقعية: اذ لا بد ان توضع الخطة على اساس من المعرفة الواقعية بصورة المجتمع والحقائق الاقتصادية القائمة فيه. وان توضع الغايات لتتلاءم مع حقيقة هذا الوضع القائم. وبالتالي يمكن اختيار الاساليب الواقعية للوصول إلى الاهداف المنشودة.
الشمولية: يجب ان تشمل الخطة اغلب المتغيرات الاساسية التي من شأنها العمل على تجديد الانتاج. وان تغطي كل المصادر والامكانات الرئيسة. مادية كانت ام بشرية. لان الاقتصاد القومي ككل مترابط عضويا بحيث لا يمكن تخطيط جزء منه واهمال الجزء الآخر. وقد لا يمكن الوصول إلى الشمولية بخطوة واحدة وانما ينبغي ان نصل اليها بالتخطيط المتدرج. وذلك بوضع استراتيجية تعبر عن الاهداف بعيدة المدى للمجتمع. ثم وضع خطط تنموية مرحلية ذات ابعاد زمنية متوسطة. تنبثق عنها الخطط السنوية قصيرة المدى.
التكامل والاتساق: يجب ان تكون اجزاء الخطة متكاملة عضويا وان تشكل في مجموعها كلا متكاملا متناسقا. وهذا التناسق يجب ان يشمل الاهداف والوسائل المستخدمة في تحقيقها.
المرونة: نظرا للتطور السريع في العلوم والتكنولوجيا. يجب الا تكون الخطة قيدا يحد من تقدم المجتمع. اذ لا بد ان تتصف الخطة بالمرونة وان تتجاوب مع الظروف المتجددة في هذا العصر.
الالزام والديمقراطية: لا بد من توفير مركز جهاز تخطيطي لاتخاذ القرارات وان يكون لهذه القرارات صفة الالزام على جميع المستويات في القطاع العام وصفة التوجيه للقطاع الخاص والتعاوني ان وجد. ومن ناحية اخرى فلا بد من المشاركة الفعالة للقاعدة الجماهيرية ومنظماتها في صياغة الخطة والقرارات التخطيطية المتعلقة بها.
المركزية واللامركزية: يعني المبدأ توزيع العمل على اساس مركزية قرارات التخطيط والمتابعة وتقييم الاداء ولا مركزية التنفيذ ضمن عملية واحدة مترابطة.
توفير الكوادر التخطيطية: لا بد من توفير الكوادر التخطيطية وتدريبها اولا لضمان نجاح العملية التخطيطية. حيث ان درجة المركزية في اتخاذ القرارات واتساع حجم القرارات التخطيطية المركزية يتناسب عكسيا مع ندرة الكوادر التخطيطية المخلصة وكفاءتها وقلة عدد المؤسسات المشمولة بالتخطيط.
الاستمرارية: ان مبادئ الواقعية والشمول والاتساق والمرونة والمركزية والديمقراطية كلها تساعد على تأمين هذا النسق المتناسق بين جميع اجزاء الخطة واستمرارية العملية التخطيطية. اذ ان العملية التخطيطية لا بد وان تكون عملية مستمرة.
وتطبيقا لهذا المبدأ تأخذ بعض الدول التي تتبع منهج التخطيط الاقتصادي والاجتماعي بمبدأ ما يسمى بالخطط المتحركة. بمعنى العمل باستمرار على تمديد سنوات الخطة إلى الامام وتعديلها حسب المتطلبات والمتغيرات المستجدة. مما يضمن تحقيق مبدأ المرونة ويساعد المخططين على مواجهة الظروف الجديدة ويضمن استمرار العملية التخطيطية. الا ان ذلك يتطلب قدرة ناضجة في الممارسة التخطيطية ووسائل تكنولوجيا متطورة لتسهيل مهمة وضع التعديلات اللازمة على الخطة وتسهيل مهمة متابعة التنفيذ وتقييم الاداء.
ثالثا: التخطيط في الانظمة المختلفة:
تختلف انواع التخطيط باختلاف طبيعة النظام الاقتصادي من حيث نوع التخطيط ودرجة شموله والوسائل المتبعة لتحقيق اهدافه.. اذ ان لكل دولة ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر في اختيار نوع التخطيط المناسب ودرجة المركزية والشمول التي تتلاءم معه. والطرق والاساليب التي يجب اتباعها لتحقيق اهدافه.
فاذا ما تناولنا انواع التخطيط نجد ان هناك منها العديد. نسرد منها باختصار ما يلي:
التخطيط الاقتصادي والتخطيط الاجتماعي.
التخطيط الشامل والتخطيط الجزئي القطاعي.
التخطيط المركزي الالزامي والتخطيط اللامركزي التأشيري.
التخطيط القومي والتخطيط الاقليمي.
التخطيط الوظيفي والتخطيط الهيكلي.
التخطيط المادي والتخطيط المالي.
تخطيط المشروعات. تخطيط الانتاج. تخطيط الاسعار... الخ.
لن يسمح المجال هنا للكلام بالتفصيل عن كل نوع ونرى من الافضل الحديث عن اختلاف التخطيط مع اختلاف الانظمة التي تعمل عليه.
أ- التخطيط في النظام الرأسمالي:
يعتمد النظام الرأسمالي على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج. حيث ان القوة المحركة لآلية هذا النظام هي المزاحمة وآليات السوق. ان طبيعة النظام الرأسمالي ذاتها تجعل قطاعات الاقتصادي القومي متباينة في تطورها.
اما الاهداف العامة التي تعمل الدول الرأسمالية على تحقيقها باتباع اسلوب التخطيط فيمكن تحديدها بالنقاط التالية:
رفع معدل نمو الدخل القومي بحيث تبقى الاقتصاديات الرأسمالية منافسة للاقتصاديات الاشراكية.
تنمية بعض قطاعات الاقتصاد القومي التي تكون مختلفة عن غيرها او يراد التعجيل في نموها بمعدل اعلى.
تصحيح الانحرافات الناجمة عن طريقة سير اقتصادياتها الرأسمالية ونمطها والتي تظهر في التضخم والبطالة والدورات الاقتصادية وغيرها.
ويمكن القول باختصار ان الملكية الخاصة لوسائل الانتاج هي المسيطرة في هذا النظام، وان معظم القرارات تكون في ايدي قلة من الافراد. وان الحكومة لا تؤثر في هذه القرارات الا بطريق غير مباشر من خلال السياسات المالية والنقدية وسياسة الاجور. الامر الذي يجعل تنفيذ الاهداف خاضعا لرغبة هؤلاء الافراد ومشيئتهم.
ب: التخطيط في البلدان الاشتراكية:
يعتمد النظام الاشتراكي على الملكية الجماعية لوسائل الانتاج. حيث تمتلك الدولة جميع وسائل الانتاج. اما الاهداف العامة التي تحاول الدول الاشتراكية الوصول اليها باتباعها اسلوب التخطيط فيمكن تحديدها بما يأتي:
ان التخطيط الاقتصادي باعتباره احد الاسس الرئيسة للاشتراكية يهدف قبل كل شيء إلى تصفية الاقتصاديات الرأسمالية التي تعترض طريق بناء الاشتراكية.
تكوين قطاع اشتراكي كبير يكون دعامة للحياة الاقتصادية واداة للتوجيه الاقتصادية في المرحلة الانتقالية. بحيث يستطيع هذا القطاع توجيه انماط الانتاج غير الاشتراكية التي يستمر نشاطها في هذه المرحلة.
دعم الجهاز الانتاجي بالاعتماد على التصنيع وتطوير الزراعة. وتكوين المؤسسات والمنظمات الاقتصادية الاشتراكية. بهدف رفع مستوى المعيشة وحسن توزيع الدخل.
وترجع اهمية التصنيع إلى ان التنمية الاقتصادية تحتاج إلى قاعدة صناعية كبيرة وكافية لان تكون ركيزة لها في انطلاقتها التنموية واستمرارها. اما الاهتمام بالزراعة فيرجع إلى ان القاعدة الصناعية يلزمها قطاع زراعي قادر على تلبية مطالبها من توفير المستلزمات الزراعية للانتاج وتوفير الغذاء للعمال الزراعيين والصناعيين. وفي الواقع تحتاج إلى الصناعة إلى الزراعة وفي الوقت نفسه تفتقر الزراعة إلى الصناعة. الامر الذي يتطلب تحقيق التوازن في تنمية هذين القطاعين. وهنا تبرز اهمية التخطيط المركزي في عملية تنظيم توزيع الموارد وتوفيرها للقطاعات المختلفة وحسب الاولويات التي تمليها اهداف الخطة.
ج: التخطيط في الدول النامية:
تقسم البلدان النامية على اختلاف مستوياتها الاقتصادية وانواع الاقتصاديات التي تتواجد فيها بانها جميعا متخلفة عن الدول الرأسمالية والاشتراكية المتقدمة على السواء. ووضع التخلف هذا يظهر بصور شتى متداخلة فيما بينها. وكثيرا ما يكون كل منها سببا لظهور الاخرى.
ومن اهم هذه الصور القصور الشديد في استغلال الموارد الطبيعية والبشرية. وندرة رأس المال وسوء استخدامه وانخفاض الانتاجية وغيرها. وتظهر حصيلة ذلك في الانخفاض النسبي للدخل القومي وسوء توزيعه. وفي التبعية بشكل او بآخر للدولة المتقدمة.
بناء على ذلك تكمن اهداف التخطيط في البلدان النامية في ازالة صور التخلف بشتى اشكالها والخلاص من التبعية. وعليه تتجسد هذه الاهداف في النقاط الآتية:
رفع مستوى استغلال الموارد الطبيعية والبشرية لتحقيق مستوى اعلى للدخل القومي.
تحقيق الاستقلال الاقتصادي والتخلص من التبعية.
ان بلوغ مثل هذه الاهداف بالطبع ليس بالعملية السهلة. خاصة وان تحقيق أي هدف منها يرتبط بتحقيق الاهداف الاخرى.
رابعا: طرق واساليب التخطيط:
يعتبر التخطيط الاقتصادي منهجا علميا ونهجا عمليا وفنيا يهدف إلى تحقيق أقصى نمو ممكن في المجتمع بأقل تكلفة ممكنة وأقرب مدى زمني مستطاع. وتتوقف كفاءة هذا المنهج بالدرجة الاولى على نوعية الادوات التخطيطية فيه. وعلى الاساليب والطرق الفنية التي يختارها المخططون لهذا الغرض بالدرجة الثانية.
ويعتمد نجاح التخطيط بدوره على التنظيم السياسي العام للدولة وعلى كفاءة الاجهزة المسؤولة ومدى سيطرتها وتمكنها من حسن اختيار هذه المناهج ودقة تطبيقها. ومن ثم حسن اتخاذ القرارات التي من شأنها التوصل إلى افضل البدائل الاقتصادية والاجتماعية بين موارد الدولة واستخداماتها.
أ- في الدول الاشتراكية:
يمكن القول بصفة عامة ان المنهج الاساسي للتخطيط الاقتصادي المطبق في الدول الاشتراكية يتضمن
اولا: اختيار المعايير المتضمنة لدوافع التفصيل الاجتماعية الخاصة بشتى تقسيمات الموارد والاستخدامات. ويتضمن.
ثانيا: التطبيق الفني للمعايير المختارة
وقد تقف عملية التخطيط الاقتصادي عند حد تطبيق الجانب الاول. وذلك بتطبيق المعايير الاجتماعية للكفاية الاقتصادية بهدف اختيار اكثر القرارات صلاحية لاستخدام الموارد المتاحة على النحو الذي يحقق اعلى ناتج قومي بأقل مقدار للمواد الانتاجية الطبيعية والبشرية. وفي الحدود التي يسمح بها مبدأ مستوى التوظيف وميزان المدفوعات.
وقد تسمو عملية التخطيط الاقتصادي إلى حد الاختيار الامثل للقرارات الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن تطبيق معايير الكفاية الاقتصادية التي تسهم بصفة ايجابية في الناتج القومي. بحيث يفوق عائدها الاجتماعي تكلفتها الاجتماعية. وكذا إلى تطبيق معايير التفضيل الاجتماعي التي تؤدي إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
اما الطريقة التي يتبعها الاقتصاديات الرأسمالية فهي مبينة على نظام الحوافز. وهنا تنشد الدولة مستوى اقتصاديا معينا ولكنها لا تتخذ الخطوات الايجابية المباشرة من اجل التوصل اليه. وتكتفي بعرض الحوافز على الوحدات الاقتصادية وتحريكها بحيث تحاول هذه الوحدات تحقيق ذلك المستوى من تلقاء نفسها.
وقد ترسم الحكومة نماذج اقتصادية تشتمل على ادوات تغيير الوضع الاقتصادي ومدى التغييرات التي يمكن للوحدات الاقتصادية ان تجربها فيها ان شاءت لتحقيق الوضع الاقتصادي الذي تتطلع اليه الدولة. وتقوم الحكومة بعد ذلك باعلان صورة المستوى الاقتصادي المنشود والبيانات المتعلقة به كي يتسنى للوحدات الاقتصادية تنفيذها. هذا ويستخدم المخططون في كلا المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي طرقاً وأساليب عدة للتوصل إلى المؤشرات التي تمكنهم من وضع خططهم وتساعدهم على اتخاذ قراراتهم. وسوف نعرض فيما يلي بعض الطرق المتبعة لوضع الخطط الاقتصادية في ظل المنهاج الرئيسي للتخطيط الاقتصادي الشامل. نتبعها بعرض بعض الادوات والاساليب التي يستخدمها المخططون في عملهم.
الطريقة الاولى طريقة الامثلية:
يسعى التخطيط التنموي الشامل إلى تحقيق افضل المنجزات التي يستطيع ان يبلغها المجتمع في حدود الموارد المتاحة خلال فترة زمنية معينة مع التوفير ما امكن في تكاليف هذه المنجزات وبخاصة الموارد النادرة منها. لذا فان الاسلوب الذي يتبعه المخطط لا بد وان يساعده على تحقيق ذلك. ومن هذا المنطلق يميل بعض المفكرين إلى اتباع اسلوب يأخذ بغايات المجتمع جميعا ويحصر الموارد المتاحة وامكانياتها القصوى في آن واحد. ويعمل على تنظيم ما يحقق الربح والرفاهية من تلك الغايات وتصغير عناصر التكاليف مع الالتزام بالقيود التي تفرضها محدودية الموارد المتاحة للمجتمع.
يعرف هذا الاسلوب باسلوب الامثلية حيث انه يبحث عن الحل الامثل للنموذج. وهو يحتاج إلى قدر كبير من المعلومات التي يجب ان تكون على قدر كاف من التماثل بالنسبة إلى كل جوانب الاقتصاد القومي. وتحتاج هذه الطريقة في تطبيقها إلى اساليب رياضية متقدمة كاساليب البرمجة الخطية وغير الخطية والى آلات حساسية الكترونية ذات طاقة عالية للتمكن من معالجة هذا الكم الهائل من المعلومات بصورة آنية. يترتب على تطبيق هذه الطريقة اعطاء البيانات ذات المواصفات الكمية اولوية على الظواهر الوصفية. كما ان التماثل المطلوب في البيانات يثير مشاكل عديدة وبخاصة في الدول النامية المتخلفة احصائيا. كما يؤدي تعقيد الاساليب الرياضية المستخدمة إلى عدم تمكين الكثير من العاملين في التخطيط من استيعابها وتفهمها مما يجعلها تلقي معارضة قوية في التطبيق العملي. لذلك نجد ان استخدامات هذا الاسلوب ما زالت ضئيلة في الدول الشرقية والغربية وكذا في الدول النامية التي لا تتوفر لديها الامكانيات الفنية المتخصصة والاجهزة الالكترونية المتطورة.
الطريقة الثانية الطريقة التصويرية:
ان ضخامة العمليات الحسابية اللازمة عند اتباع طريقة الامثلية تستدعي كما ذكرنا اجهزة الكترونية متطورة ذات طاقات هائلة لا تتوفر لدى الكثير من الدول وبخاصة الدول النامية منها. الامر الذي دعا المخططين فيها إلى اتباع اسلوب رياضي آخر يقوم على حساب عدد من النماذج البديلة التي تبني كل منها على مجموعة مختلفة من الفروض. بحيث تتيح لدى المسؤولين رؤيا اوضح بالنسبة لما يمكن ان يترتب على كل من المناهج البديلة للتنمية. ومن الممكن في هذه الحالة الاستفادة من الادوات الحسابية البسيطة.
والى جانب هذه الميزة في الحسابات فان هذا الاسلوب يمكن المخطط من معالجة مشكلة عملية اساسية ناتجة عن صعوبة التوفيق بين غايات المجتمع المتضاربة وعن عدم تبين الاجهزة السياسية لحقيقة النتائج المترتبة على رغباتهم بحيث يظل هناك احتمال لان تأتي النتائج المحسوبة باسلوب الامثلية باثار لم تؤخذ في الحسبان عند صياغة النموذج مما يجعل الحل مرفوضا رغم انه يعطي بالفعل افضل النتائج في ظل القيود التي بني عليها النموذج. الامر الذي يحتاج خبرة كبيرة من جانب المخططين لتفادي مثل هذه المواقف.
يطلق على هذه الطريقة اسم الاسلوب التصويري في التخطيط. حيث تقوم على تصوير مواقف افتراضية مختلفة قبل حدوثها بالفعل. ويلاحظ ان حجم النموذج الرياضي المستخدم في هذه الحالة يمكن ان يأخذ أي قدر نشاؤه من الإجمال او التفصيل. لذا فانه اقدر ضمن الاسلوب السابق على معالجة قدر اكبر من المشاكل. ومن الجدير بالذكر ان هذا الاسلوب قد اتبع عند مناقشة الخطة الخمسية الثانية في الجمهورية المتحدة ويستخدم عند مناقشة العديد من القضايا التخطيطية في كثير من البلدان.
الطريقة الثالثة التخطيط على مراحل:
هروبا من الخوض في مشاكل الاساليب المتقدمة للتخطيط السابق عرضها والتي تسعى إلى الحصول على حل متكامل يحدد جميع معالم اطار الخطة في آن واحد يسعى المخططون إلى حل ابسط باتباع اسلوب يتم العمل فيه على مراحل متتالية تقترب كل مرحلة منها من الصورة النهائية بدرجة أكبر. وقد تبنت المدرسة الهولندية بقيادة تنبرجن هذا الاسلوب الذي يفرق بين المراحل المتتالية على اساس مدى التفصيل في كل منها بحيث تكون نتائج كل مرحلة متكاملة غير متضاربة.
يبدأ العمل في هذا الاسلوب بمراحل شديدة الاجمال تساعد على تلمس الاتجاهات التي يجري العمل فيها خلال المرحلة التالية الأكثر تفصيلا. وهكذا حتى نصل إلى الصورة النهائية المطلوبة مع ضمان تناسقها واتفاقها مع الغايات والأهداف التي روعي تحقيقها بجهد اقل في المراحل الاجمالية.
يلقى هذا الاسلوب في التخطيط رواجا كبيرا خاصة بعد ان تبنته هيئة الأمم المتحدة التي تعتبر تنبرجن مستشارها الاول في التخطيط. ومن الجدير بالذكر ان المرحلة الاخيرة تختلف في درجة تفصيلها من دولة لاخرى حسب النظام المعمول به في الدولة. وغالبا ما نجد تنبرجن نفسه يقف عند مراحل اكثر اجمالا مما لا تسعى اليه كثير من الدول وان كان هذا يتفق مع ما يسمى بالتخطيط في الدول الرأسمالية التي لا تسعى إلى درجة كبيرة من التفصيل.
اضافة إلى ذلك فان الاسلوب يسمح باستخدام نماذج رياضية مبسطة في اكثر من مرحلة من مراحله. وبذلك يتيح للمخططين امكانية استخدام كل ما في حوزتهم من النماذج مع توفر الفرصة لرفض ما تثبت المناقشة عدم صلاحيته لسبب او لاخر. لذا يؤكد انصار هذا الاسلوب انه يعطي المخطط الفرصة لادراك مجريات الامور في كل لحظة وتلمس مواضيع الخطأ ومحاولة تصحيحها ولو بطريقة التقدير الشخصي غير الموضوعي. الامر الذي لا يسمح به الاسلوب السابق الذي تدمج فيه كل المراحل معا ويترك المخطط امام مجموعة من النتائج على درجة من التفصيل بحيث لا تسمح للمخطط بالتعرف على مصدر الخطأ في أي منها ان شعر بوجوده.
تبدأ هذه الطريقة بعد تحديد الاهداف والاطار العام للخطة بوضع تصور معين للاطار التفصيلي تشترك في اعداده جميع الاجهزة التخطيطية في الدول. ثم يقوم الجهاز المركزي للتخطيط بدراسة مدى تناسق هذا الاطار او تضاربه. ويعمل على تصحيحه عن طريق مطالبة الاجهزة المعاونة في الدولة بتعديل مفترحاتها الاولى للحصول على صورة جديدة للاطار التفصيلي قد يظهر فيها انواعا مختلفة من التناقضات فيعمل على تعديله مرة اخرى... وهكذا. وتستخدم عادة الموازين السلعية العينية المختلفة كأدوات تخطيطية مساعدة للقيام بهذه العمليات المتكررة. وكما هو واضح فان اعداد الخطة يتم عن طريق التقريب المتتالي او ما يسمى احيانا بالتجربة والخطأ.
وتعتمد الدول الاشتراكية بوجه عام على هذا الاسلوب خاصة لان مدى التفصيل في خططها يجعل اساليب الحل الآتي لمجموعة المعادلات التي يتطلبها نموذج الامثلية امرا شبه مستحيل. ولذلك نجد انه حتى في الدول الاشتراكية يمكن تصور اكثر من مرحلة في العملية التخطيطية. تكون المراحل المتقدمة منها اساسا لما يسمح بالاطار الاجمالي للخطة. بحيث اذا ما وجد ان هذا الاطار محققا لغايات المجتمع اصبح من الممكن اعداد الاطار التفصيلي في ضوئه. وذلك من شأنه العمل على تقليل الجهد الضخم اللازم للوصول إلى اطار متوازن بالدرجة المطلوبة من التفصيل. أي انه يمكن بهذا الشكل الجمع بين التخطيط على مراحل وبين التقريب المتتالي. وهذا ما حدث بالفعل عند اعداد الخطة الخمسية الاولى في مصر.
الطريقة الخامسة طريقة تحديد الاهداف:
تعتمد هذه الطريقة اولا عل تحديد مجموعة الاهداف الاولية العامة. ثم يستنبط منها الاهداف المشتقة عن طريق تطبيق النماذج الرياضية كما في طريقة الامثلية. بحيث يمكن الحصول على الاجماليات الاساسية العامة للاقتصاد القومي. كما تتضح ايضا البدائل التخطيطية التنموية. وبهذا نكون قد حصلنا على الاطار العام للخطة.
وتدور الخطوة التالية حول اعداد الاطار التفصيلي للخطة. حيث يتم توزيع الانتاج ومستلزماته وكذا الاستثمار والدخل المتولد والتوظيف في كل قطاع على مستوى تفصيلي.
وهناك منهجان عامان يستخدمان في توزيع الاستثمارات على مختلف قطاعات الاقتصادي القومي يختلفان وفقا لانظمة الدول. حيث تعتمد الدول الرأسمالية غالبا على الميزانية القومية وجداول المدخلات المخرجات. بينما تعتمد الدول الاشتراكية على جداول الموازنات السلعية والمالية وموازنات القوى العاملة.
كما يمكن التوصل إلى مستوى التوزيع التفصيلي بطريقة التقريب المتتالي التجربة والخطأ حيث يتم ضع توزيع تحكمي بين القطاعات مع دراسة معدلات النمو والمعاملات الفنية لكل منها. ثم تستخدم الموازين آنفة الذكر. وللتحقق من مدى انحراف هذا التوزيع عن التوازن الكامل تستخدم الموازنات الحكومية او جداول المدخلات المخرجات.
وفي النهاية يصاغ الاطار الاجمالي والتفصيلي النهائي الذي قد يتمشى مع المراحل السابقة او يختلف عنها. ولكن بشرط المحافظة على الاهداف الاساسية التي تم وضعها وبشرط تحقق التوازن والاتساق في الخطة.
مراحل التخطيط:
في التخطيط المرحلي التخطيط على مراحل ميّز تنبرجن بين ثلاثة مراحل رئيسة لوضع الخطة الاقتصادية الشاملة على اساس مستويات التخطيط المختلفة. فيما يلي نستعرض المراحل الثلاث:
المرحلة الاولى: وضع الخطة الاقتصادية الكلية للاطار العام
وفي هذه المرحلة توضع تقديرات تعبر عن انسب توقيت زمني للدخل القومي والمدخرات الكلية والاستثمارات وبعض المتغيرات الاخرى. واذا كان تنظيم الدخل القومي يعتبر احد الاهداف الاساسية للخطة فان تحديد تنمية الاستهلاك المستقبلي يشكل قرارا هاما ويترك لرجال السياسة.
هذا ويمكن استخدام نماذج اقتصادية كنموذج هارود دومار لتحديد سرعة تنمية المتغيرات الاقتصادية الكلية.
المرحلة الثانية وضع الخطط القطاعية
وتحل في هذه المرحلة مشاكل التنمية المرتقبة للطلب في عدد من القطاعات آخذا في الاعتبار بنتائج المرحلة الاولى. ويتضمن هذا الطلب النهائي في المرحلتين الاولى والثانية.
المرحلة الثالثة خطة المشروعات الاستثمارية
توضع في هذه المرحلة المشروعات الاستثمارية المستقلة في البرنامج الاستثماري لكل قطاعات. ويتطلب هذا اساسا مقارنة حالة الاقتصاد القومي قبل وبعد تنفيذ المشروع وهذا يعني تقدير عوائد كل مشروع من المشروعات الاستثمارية.
ولمقارنة مختلف المشروعات فان بالامكان استخدام معيار مساهمة المشروع في سياسة التنمية واستخدام الموارد النادرة.
خامسا: الادوات المستخدمة في اعداد الخطط
يستخدم المخططون في كلا المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي ادوات واساليب عدة للتوصل إلى المؤشرات التي تمكنهم من وضع خططهم وتساعدهم على اتخاذ قراراتهم...
وتعتبر الموازين بمختلف انواعها اكثر ما يستخدم من هذه الادوات. كما تعتبر نماذج المدخلات المخرجات واساليب الامثلية من برمجة خطية وغير خطية من الادوات التخطيطية الهامة. وسوف نستعرض هنا بعض هذه الادوات التي تستخدم في بناء الخطط الاقتصادية.
أ- الموازين
هناك عدة انواع من الموازين التي تستخدم كأدوات مساعدة في اعداد الخطط القومية... منها الموازين السلعية العينية والموازين المالية. ومنها الموازين الاقتصادية الصناعية ومنها موازين القوى العاملة.
تعد الموازين السلعية العينية اشهر انواع هذه الموازين واقدمها واكثرها استخداما في الدول التي تأخذ بنهج التخطيط المركزي الشامل. فقد كانت الموازين السلعية هي اولى الأدوات التي استخدمها الاتحاد السوفيتي في بداية عهده بالتخطيط.
يتم بناء هذه الموازين بالنسبة للسلع الرئيسية والاستراتيجية بهدف تحقيق التوازن بين ما هو متاح منها وما هو مستخدم. بمعنى تحقيق التوازن ما بين العرض والطلب على هذه الموارد. ومن ثم محاولة تحقيق التوازن العام على مستوى الاقتصاد القومي.
وتهدف الموازين السلعية إلى تمكين المخطط من معرفة آثار الاهداف التي يضعها عند استخدام الموارد وامكانية تحقيقها. ومن ثم فهي اداة لتحقيق التلاؤم بين اهداف الخطة والامكانات المتاحة في الاقتصاد القومي. ومن الجدير بالذكر ان الميزانية السلعية على مستوى الاقتصاد القومي ليست سوى تجميع الميزانيات السلعية التي يتم تحضيرها بواسطة المشروعات والمستويات الاقتصادية المختلفة. ويتضمن كل ميزان الوحدات المتاحة من السلعة والاستخدامات المختلفة لها. ومن الضروري ان تكون السلعة التي يعد الميزان لها متجانسة حتى يمكن جمع وحداتها ومقارنتها. الامر الذي يزيد من عدة الموازين المستخدمة. واذا لم يتوفر التجانس يلجأ المخططون إلى الموازين القيمية.
وقد انتقد هذا النظام على اساس انه لا ياخذ التغير والتقدم التكنولوجي في الاعتبار عند تطبيقه. كما انه يلزم اعداد عدد كير جدا من الموازين للتخطط على المستوى القومي. الامر الذي يزيد من تعقيد النظام وصعوبة حساباته. بالاضافة إلى ان هذه الموازين السعلية بمفردها تعجز عن تحقيق التوازن الكلي والتناسق الكامل بين موارد الاقتصاد القومي واحتياجاته.
ولتحقيق التناسق على المستوى الكلي واستبعاد وجود عدم التناسب والاختلال في العلاقات بين الكميات الكلية تستخدم الموازنات الاقتصادية او التركيبية التي توضع على اساس قيمي او كمي وقيمي في بعض الاحتان. وفي هذا الصدد يجب الربط دائما بين الميزانيات المادية العينية والميزانيات التركيبة الكلية. وبدون ذلك لا يمكن التوصل إلى معرفة توازن بين النوعين من الموازنات. فقد تختلف الاهداف الموضوعة في صورة قيمية عن الاهداف الموضوعة بصورة عينية.
كما تلعب موازين القوى العاملة دوراً هاماً في تحقيق التوازن بين عرض العمل والطب عليه. فهي تؤمن احتياجات فروع الانتاج المختلفة من الكوادر الادارية والمهارات المالية والفنية المختلفة. ولا بد هنا لضمان عدم ظهور الاختلالات والاختناقات من ربط خطة العمل بالخطة القومية. بحيث تصبح جزءا لا يتجزأ منها مما يعمل على تحقيق التوازن العام للخطة.
ب- نموذج المدخلات المخرجات
تستخدم بعض الطرق المتبعة في بناء الخطط نموذج المدخلات المخرجات والتي تسمى احيانا بطريقة المستخدم المنتج. وتقوم هذه الطريقة على قسمي الاقتصاد القومي إلى عدد من القطاعات حسبما تتيحه البيانات الاحصائية المتوفرة ووفقا لرغبة المخطط. ويتم وضع تدافعات كل قطاع في صورة معادلات بسيطة تشتمل على الموارد والاستخدامات الخاصة بكل قطاع، توضع في العادة بشكل جدول يعرف بجدول المدخلات والمخرجات او جدول المستخدم المنتج.
ويمثل جدول المستخدم المنتج مصفوفة مربعة توضع فيها مجموعة القطاعات بصورة افقية بصفتها قطاعات منتجة. كما توضع القطاعات نفسها بصورة رأسية بصفتها قطاعات مستخدمة. وبهذا يحتل كل قطاعاً صفاً وعموداً في المصفوفة. بحيث يظهر في الصف توزيع منتجات هذا القطاع على القطاعات الاخرى. بينما تظهر استخدامات هذا القطاع من منتجات القطاعات الاخرى في العمود الخاص بهذا القطاع.
وحيث ان مشتريات كل قطاع تناظر مبيعاته إلى الطقاعات الاخرى فانه يمكن بفضل جداول المدخلات المخرجات التوصل إلى هيكل التكاليف وهيكل الطلب على كل قطاع. كما توضح هذه الجداول العلاقات والتشابكات على مستوى الاقتصاد القومي بين القطاعات والفروع الانتاجية المختلفة. كما يمكن التبصر بما يترتب على تغيير مستوى أي نشاط من نتائج مباشرة وغير مباشرة. بشكل يمكن معه التوصل إلى التوازن الكلي والتنبؤ بما تقضي اليه اية زيادة اولية في طلب أي قطاع من زيادات في الطلب على فروع الانتاج المختلفة. وكذلك التنبؤ بالنتائج الاضافية التي يمكن ان تحدث في القطاع العائلي. وهو ما يصعب التوصل اليه باستخدام الموازين.
ترجع نشأة هذا الاسلوب إلى فرانسوا كيناي زعيم مدرسة الطبيعيين حيث قدمه في الجدول الاقتصادي. ثم تطور بعد ذلك على يد كارل ماركس في تحليله للعلاقات الانتاجية وطبيعتها. ويرجع الفضل في تطوير الصورة الحالية لهذا النوع من التحليل إلى الاقتصادي الروسي فاسسيلي ليونتيف.. كما يعتبر ريتشارد جودوينمن جامعة كامبردج ممن نادوا باستخدامه الذي شاع في الكثير من الدول الاشتراكية والدول النامية.
ج- اسلوب البرمجة الخطية
البرمجة الخطية هي احدى الادوات الهامة في بحوث العمليات التي تم التوصل اليها خلال الحرب العالمية الثانية اثناء محاولات القوات الجوية الامركيية التوصل إلى طرق اكثر فاعلية لتخصيص الموارد والامدادات الحربية. وقد صاغ النموذج العام لهذه المشكلة جورج دانتزج عضو فريق البحث التابع للقوات الجوية الامريكية في تلك الفترة وصمم طريقة السمبلكس لحل هذه المشكلة عام 1947. ثم تتابع التطوير بعد ذلك في كلا المجالين النظري والتطبيقي لهذه المشكلة إلى ان اصبحت اليوم احدى الادوات القياسية الهامة التي تستخدم في اتخاذ القرارات. وتشمل تطبيقاتها مجالات مختلفة ومستويات اقتصادية مختلفة. فهي احدى الادوات التي تستخدم في الطريقة الامثلية في التخطيط. وخاصة بعد انتشار الحاسبات الالكترونية.
تسعى هذه الاداة إلى ايجاد الحل الامثل للمشكلة بعد صياغة النموذج والتعبير عن دالة الهدف والقيود المختلفة التي تحيط بالمشكلة بعلاقات خطية تكون بصورة معادلات او متباينات خطية يمكن تحويلها إلى معادلات اثناء حل النموذج.
تعبر دالة الهدف عن مؤشر نسعى إلى تعظيمه كالدخل القومي او الربح مثلا او مؤشر نسعى إلى تصغيره كالتكاليف او استخدام الموارد على سبيل المثال. كما تعبر القيود عن محدودية الموارد المختلفة المتاحة المستخدمة في العملية الانتاجية.
سادسا: مشاكل التخطيط الشامل وضرورة الاهتمام بالقطاع الخاص
من وجهة النظر الاخرى يرى المدافعون عن القطاع الخاص بوجود علاقة جدلية ما بين الملكية الخاصة والكفاءة الاقتصادية. حيث يتميز هذا القطاع بالمرونة وسرعة اتخاذ القرار والمقدرة على الحركة والتعرف على فرص الاستثمار الممكنة وانتهازها. والامكانات غير المحددة في الابتكار والابداع ومواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية والادارية.
وبالتالي فان تعميق دور القطاع الخاص والملكية الخاصة قد يضمن فعالية نظام آليات السوق مما يعمل على ترشيد استخدام وتوزيع الموارد المتاحة. في حين ان الملكية العامة لوسائل الانتاج وهيمنة القطاع على النشاط الاقتصادي لا يخلق فقط التشوهات في العلاقات الموازية. ويفرز المضاربات والممارسات غير المنضبطة وبعض السلوكيات المستخدمة غير شاملة وغير فعالة.
وعلى ذلك يعتقد هذا الفريق ان الملكية الخاصة هي الضمان الأكيد لخلق الشروط التنافسية الصحية في الاقتصاد. ويعتمد اصحاب هذا الرأي في تبريرهم على الحجج والمحاور الآتية:
1- وسائل التدخل والتنظيم الحكومي في ظل الاقرار الكامل للملكية الخاصة قد تكون كافية لتحسين الكفاءة في الاقتصاد الوطني وعلى مستوى الوحدات والافراد. كما يمكنها ان تضمن جانبي المعادلة الصعبة الخاصة بالتنمية والعدالة، الا ان اخفاق نظام آليات السوق قد تصاعد مع تزايد هيمنة الحكومة على وسائل الانتاج واستخدامها وسائل غير فعالة في ادارة الاقتصاد.
2- يحد نظام السوق وآلياته من التطور البيروقراطي الحكومي ويزيد من تطور فئة التكنوقراط التي تساعد على الاندفاع والمبادرة في استخدام احدث الوسائل الفنية للانتاج والتوزيع والادارة لما لديهم من معرفة فنية متقدمة وزيادة في اتخاذ القرارات التي ترفع من القدرة الانتاجية للمجتمع.
3- تؤدي الملكية الخاصة إلى فرض انضباط الاسواق التجارية والمالية على المنشآت. الامر الذي يضطرها إلى العمل على رفع كفاءة الاداء. في حين تبقى المنشآت العامة المحتمية تحت مظلة القطاع العام في مأمن من الافلاس والتصفية. حيث تتدخل الحكومة آليات في اغلب الاحوال لانقاذها.
4- يساعد اعتماد نظام آليات السوق في ادارة وتنظيم الاقتصاد الوطني على تعزيز ونمو الاسواق المالية. الامر الذي يؤدي إلى توسيع الملكية واشراك الجمهور في ملكية الاقتصاد. وهو حافز فعال بعيدا عن اعتبارات الدعم والاعانة. كما قد يؤدي إلى استقرار النظام المالي والاقتصادي ويقلل من تضرر الشركات من جراء تقلبات اسعار الفائدة.
5- تزدهر التجارة الخارجية في ظل نظام آليات السوق وتصبح دافعا رئيسيا للنمو والتنمية.. مما يعمل على الاستفادة القصوى من الثورة العلمية التقنية. كما توفر رؤوس الاموال تمويلا دائما يساعد على تنفيذ العديد من المشروعات الصغيرة التي تعمل على النهضة الصناعية بالبلاد وتخفف من مشاكل البطالة.
6- ان توسيع قاعدة الملكية الخاصة في المجتمع يعمل على تعميق مشاركة افراد المجتمع وتحفزهم على تحمل اعباء التنمية بما يضمن تعبئة الموارد البشرية وغير البشرية وترشيد استخدامها. كما ان هذه المشاركة الجماعية في تحمل اعباء وجني ثمار التنمية تقلل الاعباء على الحكومة وتعمل على تصحيح التشوهات التي تحدث في نظام السوق والحوافز والعلاقات السعرية.
7- تتجلى اهمية دور القطاع الخاص من خلال تحرير القطاع العام من اعباء ادارة المشروعات غير الرئيسة. مما يساعد الحكومة على تركيز جهود الدولة على الوظائف العامة والهامة الاخرى.
سابعا: الخلاصة ودعوة للاتجاه إلى التخطيط التأشيري
لقد انتشر التخطيط الاقتصادي واصبح نظاما لتوجيه الانتاج في العديد من البلدان المتطورة والنامية السائرة على طريق التطور الاقتصادي والاجتماعي. ومن خلال الدول التي سارت على طريق التخطيط الاقتصادي والاجتماعي. يمكن ان نستخلص النقاط الهامة التالية:
ان التخطيط الاقتصادي ليس هدفا بحد ذاته وانما هو اداة لدعم ارادة التغيير بقوة الادارة العلمية. يفترض اجراء مسح متكامل لمعرفة الواقع والوضع الراهن للاقتصاد والمجتمع المرغوب احداث التغيرات فيه. والتنبوء علميا بامكانية ما يراد الوصول اليه. علما بوجود الامكانات والكوادر المتخصصة للقيام بهذه العملية.
لا يعني التخطيط عملية وضع الخطط او مجرد الشروع بتنفيذها. وانما يتطلب التعبير الحقيقي وبالارقام كلما امكن عن كل هدف من اهداف الخطة. ووضع السياسيات والخطوات لتنفيذها. وتوفير الوسائل الضرورية اللازمة لتحقيق ذلك. ومن ثم العمل على تكاتف جهود جمع افراد المجتمع في عملية التنفيذ.
يمكن الحديث عن التخطيط الاقتصادي بالمفهوم الواسع الشامل عندما تتوفر الاهداف الانمائية المصاغة من قبل الجهات السياسية المسؤولة. ويتوفر الجهاز التخطيطي الذي يعمل على صياغة الخطة ووضع السياسيات والادوات المناسبة لتنفيذها. ومن ثم متابعة تنفيذها. كما يمكن الحديث عن التخطيط داخل قطاع او مؤسسة او مجموعة مؤسسات ينظمها اتحاد نوعي او ما شبه ذلك.
اما الحديث عن التخطيط التنموي الشامل لجميع النشاطات الاقتصادية والاجتماعية فانه يفترض بالاضافة إلى توفير الشروط المشار اليها اعلاه وقبل كل شيء وجود سلطة مركزية لها القدرة على التصرف باصدار القرارات والمتابعة في غالبية الاقتصاد الوطني الذي هو في حوزتها. بهدف تحقيق التوازن في الهيكل الاقتصادي لصالح جميع فئات المجتمع بما يتفق واستراتيجية التنمية.
تتفتح امكانية التخطيط التنموي الشامل للعمل الاقتصادي والاجتماعي عندما تكون الحاجات الفعلية للمجتمع ولكل فرد فيه هي الموحية بتلك الخطط. بمعنى الا يكون توجيه هذه الخطط او الدافع لعرقلتها هو المصالح الخاصة التي تتحكم بوسائل الانتاج على حساب المصلحة العامة التي تهدف إلى تطوير المجتمع بأسره.
من الممكن ان نلاحظ وجود التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتخطيط لها في الواقع. عندما ترتكز بالدرجة الرئيسة على تعبئة وتطوير موارد المجتمع. مادية كانت او بشرية. بهدف الوصول إلى تنمية القوى العاملة المنتجة وتوسيع قدراتها الانتاجية. وفي مثل هذا النوع من التخطيط تبرز إلى القمة مسألة تخطيط الاستثمارات الجديدة لتأمين النمو الافقي باستحداث المشاريع الارتكازية الاساسية إلى جانب المصانع والمزارع وغيرها من المؤسسات. مع عدم اهمال الجوانب الاخرى.
في حين يرتكز تخطيط التسيير الاداري للحياة الاقتصادية والاجتماعية الجارية بالدرجة الرئيسة على استغلال الامثل للموارد المادية والبشرية المتاحة للمجتمع بهدف الوصول إلى اقصى مردود ممكن لها. وهذا يتطلب ترشيد القرارات الاقتصادية والتطوير الادراي للمؤسسات. والاهتمام بالنشاط الانتاجي وفي مثل هذا النوع من التخطيط الاقتصادي العلمي تبرز إلى المقدمة مسألة النمو العمودي المكثف وترشيد التسيير الاداري في مختلف المجالات. بهدف تأمين زيادة مستمرة في انتاجية العمل الاجتماعي باعتبارها المؤشر الرئيسي لقيام التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
يتميز القطاع الخاص. إلى جانب العلاقة الجدلية ما بين الملكية الخاصة والكفاءة الاقتصادية. بالمرونة والمقدرة على الحركة وسرعة اتخاذ القرارات وانتهاز فرص الاستثمار. اضافة إلى المقدرة على الابتكار والابداع ومواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية والادارية.
تبرز اهمية القطاع الخاص في اعتماده على آليات السوق وتطبيقه لانظمة الحوافز والربط بين الاجور والانتاجية. وهذا من شأنه الحد من البيروقراطية وظاهرة المالية المقنعة. كما انه يشجع على بروز فئة التكنوقراط المميزة بالاندفاع والمبادرة في استخدام احدث الوسائل الفنية للادارة والانتاج والتوزيع.
وتتجلى اهمية دور القطاع الخاص من خلال تحرير القطاع العام إلى اعباء ادارة المشروعات الصغيرة وغير الرئيسة. ونمو الاسواق المالية وازدهار التجارة الخارجية. وغيرها من الامور التي تعمل على دفع عجلة النمو والتنمية إلى الامام.
دعوة للاتجاه إلى التخطيط التأشيري:
بناء على ما سبق عرضه. وعلى ضوء الاحداث الاخيرة والحقائق التي تشير إلى الاخفاقات التي نتجت وتبلورت من تجارب ادارة الاقتصاد الوطني بالتخطيط الالزامي الشامل في روسيا ودول اوروبا الشرقية. فان الوضع يدعو إلى اعادة النظر في الطرق والاساليب التي اتبعت في ادارة الاقتصاد بهدف التعرف على النهج الصحيح الذي يجب اتباعه.
ان سياسة الاصلاح الاقتصادي التي تمت في الفترة الاخيرة في بولندا والمانيا الشرقية وبلغاريا وهنجاريا. ومن قبلهم الصين ويوغسلافيا. واخيرا سياسة اعادة البناء التي تتبعها الاتحاد السوفيتي والتي تسعى إلى تطوير اساليب الادارة وتخفيف قيود المركزية وزيادة التعاون مع العالم الخارجي وتحرير قيود التجارة واقامة المشروعات المشتركة وغيرها... كلها دلائل على اخفاق آلية التخطيط المركزي والاتجاه نحو آلية السوق في تنظيم وادارة الاقتصاد الوطني.
وعلى الرغم من الاقرار بفوائد الملكية الخاصة ونظام آليات السوق يبقى التخطيط والتنظيم الحكومي اداة اساسية فعالة في ادارة الاقتصاد الوطني. على ان يكون هذا التخطيط تخطيطا تأشيريا بهدف تحقيق الغايات الاستراتيجية والاهداف بعيدة المدى التي من شأنها العمل على رفاهية المجتمع. وذلك بدراسة الوضع الراهن وتحديد المسارات الصحيحة ومن ثم توفير المعلومات للقطاع الخاص عن الاتجاهات المستقبلية التي يسعى المجتمع إلى تحقيقها. وتحفيز هذا القطاع لتحقيق الاهداف المحددة للخطة والتنسيق والتعاون ما بين القطاعين العام والخاص والتعاون ان وجد في اطار من المرونة وعدم الالزام.. وتعتبر التجربة الفرنسية القائمة حاليا افضل دليل على صحة هذه الدعوة.
ويمكننا من واقع المعطيات المتوفره في الهدي يمكن تحديد اهداف هذه الخطة بالآتي:
1. تنشيط القطاع الزراعي من خلال حفز المواطنين على العمل الزراعي والتركيز على الانشطة الزراعية التي توفر فرصا جديدة وتسهم في انتاج سلع غذائية ضرورية لسد الاحتياجات المحلية .
2. تنشيط قطاع الصناعات البسيطة من خلال حل المشاكل التي تواجهه وانشاء منشآت جديدة وتدعيم الحرف التقليدية. وتوطين الانتاج الصناعي المبسط بما يساعد على توفير فرص عمل لابناء المنطقة.
3. تنمية البنى التحتية. والخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والنقل والمواصلات.
4. زيادة الموارد المالية الخارجية الضرورية للتنمية الاقتصادية من نفرات ومساهمات مغتربيين .
5. خلق أكبر عدد ممكن من فرص العمل لتشغيل ابناء المنطقة وذلك من خلال عقود عمل خارجية او داخل الوطن
6. تنمية القوى البشرية وتأهيلها .
7. تغيير انماط التعليم والتركيز على التدريب المهني والفني .
وفي اطار هذه الاهداف لا بد من وضع برامج تنفيذية تفصيلية على المستوى السياسي والجهوي والحزبي. تتضافر في وضعها جهود ابناء المنطقة
المراجع
1- د. عمرو محي الدين: التخطيط الاقتصادي. دار النهضة - بيروت.
2- د. عمرو محي الدين: التنمية والتخطيط الاقتصادي. دار النهضة - بيروت. 1975.
3- د. مجيد مسعود: المفاهيم الاساسية للعملية التخطيطية. المعهد العربي للتخطيط الكويت 1989.
4- د. محمد سعيد عبد العزيز: دور القطاع الخاص في جهود التنمية. المعهد العربي للتخطيط الكويت 1989.
5- د. محمد محمود الامام: التخطيط الجزئي ودوره في التنمية. معهد التخطيط القومي القاهرة 1969.
6- د. محمد مبارك حجير: التخطيط الاقتصادي. المكتبة الانجلومصرية القاهرة 1966.