الأنصار: نبذة تعريفية
ارتبط قيام كيان الأنصار بالدعوة المهدية وثورتها ثم دولتها في السودان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث سمى الإمام أتباعه بأنصار الله مصداقا للآية: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصارا لله}، وصار أتباع المهدية داخل السودان وخارجه -في نيجريا والكمرون والسنغال وتشاد وغيرها- يسمون بالأنصار.
إن التزام أنصار الله ونهج أصحاب الإمام المهدي عليه السلام يقوم على خمسة أسس واضحة هي:
أولا: الالتزام بالكتاب والسنة والامتثال للنص القرآني والسني القطعي ورودا والقطعي دلالة.
ثانيا: فيما عدا القطعيات هذه فإن أحكام الإسلام تحتمل الاجتهاد والتجديد على أساس : لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
ثالثا: إن لتكاليف الإسلام أغوارا وبواطن لا تصلح إلا بصلاح تلك البواطن.
رابعا: الجهاد الهادف لإعلاء كلمة الله ماض إلى قيام الساعة .
خامسا: الإمامة قيادة دينية واجبة.
تنظيم كيان الأنصار:
لم يجر إحصاء دقيق للأنصار بعد، والهيئة ساعية في رصد وتشبيك الأنصار داخل السودان وخارجه، والتقدير المبني على رحلات الهيئة الميدانية واتصالها الجماهيري هي ان أعداد الأنصار بالسودان تصل لحوالي ثمانية مليون أنصاري. كذلك توجد ملايين من المجموعات الأنصارية في نيجريا، وأقل منها في بلدان إفريقية أخرى.
لقد مر تنظيم الأنصار بمراحل مختلفة كالتالي:
• في الطور الأول للمهدية:
لقد كان تنظيم الأنصار على عهد المهدي في فترة الثورة يتبع تنظيما هرميا قتاليا تبدأ قاعدته بالمقدم (يرأس عشرة أفراد)، ثم رأس المية، ثم الأمراء (وهم قادة الجيوش)، ويتبع كل واحد منهم إلى أحد الرايات الثلاث (الزرقاء، أو الخضراء، أو الحمراء) وعلى رأس كل راية خليفة. ويتبع الخلفاء الثلاثة للمهدي.
أما في فترة الدولة فقد تشكل تنظيم الأنصار الإداري عبر مستوى مركزي فيه الخلفاء ثم الأمراء ثم الأمناء ثم الوكلاء، ومستوى ولائي فيه عمال الولايات والحكام العسكريون يليهم المدراء ثم الوكلاء ثم المآمير، كلا المستويان يتبعان للمهدي.
كان عمل الأنصار القتالي والسياسي والديني والدعوي يقع كله داخل تلك الهياكل الجامعة المانعة -فقد اقتضى الموقف التوحيدي التحرري التشريعي الثوري القوي عزل الرأي الآخر ومقاطعته).
حقق الأنصار بتلك التنظيمات طفرة إدارية وتنظيمية باهرة في سودان القرن التاسع عشر، كما كونوا جسما قويا استطاع هزيمة الإمبراطورية البريطانية في أوج قوتها، بل إنه حتى عند الهزيمة نال إعجاب أعدائه كما في مقولة ونستون تشرشل الشهيرة: لم نهزمهم ولكن دمرناهم بقوة السلاح.
شكلت المهدية بصورتها تلك أقوى استجابة لمطالب عصرها وجددت الدين ووحدت البلاد وحررتها وأقامت تشريعا تجاوز فرقة المذاهب ووفق بصورة مذهلة بين أغوار الدين وظواهره، ولكن الدولة المهدية تعرضت بوقوفها الصلب أمام الاستعمار وطموحها الكبير لتحرير كل الأرض الإسلامية لهجمة استعمارية قوية لم تصمد أمامها فكانت نهاية الدولة في 1899م.
• في الطور الثاني للمهدية:
بعد زوال دولة المهدية واجه الأنصار بطشا شديدا من المستعمر الذي كان يرى في المهدية الخطر الأول عليه. منعت عليهم التجمعات وحظرت حتى صلواتهم وأنشطتهم الدينية، وتفرقوا شذر مذر.
قام الإمام عبد الرحمن بلم شتات الأنصار مرتكزا على مقولة: زوال الدولة لا ينسخ بيعة الدين. لذلك سعى في إحياء العلاقة الدينية بالأنصار مجددا البيعة عاملا على تأسيس المساجد وخلاوى القرآن وحلقات الراتب.
أقام الإمام عبد الرحمن للأنصار تنظيما محكما يقوم على الوكلاء (وهم يمثلون قبائلهم ومناطقهم)، والمناديب (وهم يبعثون لقبائلهم ومناطقهم دوريا)، وشيوخ الأنصار (وهم يمثلون أحياء العاصمة المثلثة)، وشباب الأنصار (وهو تنظيم للشباب حاول تكوينه الإمام في 1942 ولكن السلطات أمرت بحله في عام 1950م، ثم سمح بتكوينه من جديد في 1952م)، وهيئة الملازمية (وهي تنظيم يجمع الأشخاص المحيطين بالإمام مباشرة يساعدونه في أنشطته المختلفة).
كان عمل الأنصار ذلك يتبع للإمام شخصيا، ويخضع لمكتبه الخاص إذ يشرف عليه قسم منه يسمى مكتب شئون الأنصار.
لقد جعل الإمام عبد الرحمن كيان الأنصار التكوين الشعبي السوداني الأول يظهر ذلك في مقدرته المتفوقة على حشد جماهيره في المناسبات والأعياد المختلفة. وهي خاصية احتفظ بها الكيان رغم أن الأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة على السودان بذلت كل ما تستطيع من وسائل وإمكانات لتقويض كيان الأنصار بلا جدوى.
لقد اتخذ الإمام عبد الرحمن موقفا واضحا ضد أسلوب الثورة المسلحة ونأى بالكيان منه تماما شارحا مفهوما للجهاد في الإسلام أوسع من الجهاد القتالي وحسب، هذا مع الاحتفاظ بالروح الفدائية وبدرجة عالية من التدريب البدني والانضباط. كما أنه في التعامل مع الآخر الملي والوطني نقل الكيان نقلة نوعية من موقف العداء والمواجهة إلى التسامح والتعايش، هذا بدون التخلي عن العقيدة المهدية قيد أنملة.. لقد كانت اجتهادات الإمام في أقلمة المهدية لزمانه ونقل كيان ثائر مقاتل رافض للآخر، إلى وضع الجهاد المدني والتعايش مع الآخرين بدون فقدان الحماسة ولا التشويش على نقاء العقيدة أو المساس بالعبادات، كلها انجازات استحق معها أن تسمى فترته بالمهدية الثانية.
العلاقة بين الكيان وحزب الأمة:
وفي مرحلة لاحقة من العمل الوطني أنشأ الإمام حزب الأمة بوصفه مؤسسة سياسية حديثة لحشد الدعم للدعوة الاستقلالية تستوعب في صفوفها الأنصار، وغيرهم من دعاة الاستقلال.. لم يكن إنشاء حزب الأمة وتخصصه في الجانب السياسي من باب فصل الدين عن السياسة بل كان لإتاحة مزيد من التجويد بقيام هيئات تخصصية في الجوانب المختلفة، علاوة على توسيع مواعين الدعوة الاستقلالية واستيعاب المنادين بالاستقلال في كيان سياسي لا يرتبط بالضرورة بالعقيدة الأنصارية.
هكذا صار عمل الأنصار الدعوي والديني عبر نظام الوكلاء والمناديب، ويتبع للإمام ويخضع لمكتبه الخصوصي ويشرف عليه مكتب يسمى شئون الأنصار، بينما صار عملهم السياسي يتبع لحزب الأمة.. وبهذا صار كل الأنصار أعضاء في حزب الأمة حسب مقولة: كل أنصاري حزب أمة وليس كل حزب أمة أنصاري.
• في الطور الحالي: هيئة شئون الأنصار
استمر عمل الأنصار في عهدي الإمام الصديق والإمام الهادي عليهم رضوان الله يتبع مكتب الإمام الخصوصي عبر مكتب شئون الأنصار. وبعد قيام نظام مايو واستشهاد الإمام حل النظام المايوي جميع أجهزة الأنصار واحتل دورهم ومساجدهم واعتقل عددا كبيرا من قياداتهم ومن المناديب ووكلاء الإمام. ولما خرج السيد الصادق المهدي من المعتقل في مايو 1973 وجد كل مؤسسات الأنصار ومساجدهم تحت احتلال السلطات الحكومية، وأن كثيرا من الأنصار أحسوا بضرورة التصدي للنظام فهاجروا شرقا في ذات الدرب الذي سار فيه الإمام.. بدأت تلك الهجرة مباشرة بعد أحداث الكرمك عام 1970م.
خرج السيد الصادق المهدي من البلاد، وكون مع الآخرين الجبهة الوطنية التي قادت نضالا مسلحا ضد النظام المايوي بلغ قمته في انتفاضة 2 يوليو 1976م. كان الأنصار المهاجرين هم أساس القوات المشاركة في الانتفاضة التي نظمتها الجبهة الوطنية. هزت تلك الانتفاضة النظام المايوي مما جعله يسعى للمصالحة الوطنية التي تمت في 7 يوليو 1977م.
وكان من بين بنود المصالحة أن ترفع الحكومة يدها من مؤسسات الأنصار وأن تمنح الأنصار حرية العمل الديني والاجتماعي والاقتصادي.. وكانت تلك أول مرة يتاح فيها -منذ قيام حكم مايو- للأنصار بعض الحرية في تنظيم صفوفهم واستئناف عملهم الديني والدعوي.
تكوين الهيئة:
رأى السيد الصادق المهدي بعد التشاور الواسع ألا يقوم تنظيم الأنصار على ما كان عليه في الماضي بإشراف مكتب خصوصي. بل أن ما يناسب الظروف الجديدة هو أن يقوم تنظيم الأنصار على أساس هيئة ذات شخصية اعتبارية تسمى هيئة شئون الأنصار. ونص دليل تلك الهيئة على الآتي: وتعين هيئة شئون الأنصار الإمام (أو نائبه) في تصريف مسئولياته بمفهوم يحقق قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم). الآية.
الدليل الأساسي لهيئة شئون الأنصار:
صدر الدليل الأول لهيئة شئون الأنصار في عام 1979م أثناء النظام المايوي. وعدل مع المحافظة على جوهره في عام 1986م. ثم عدل الدليل مرة ثالثة مع المحافظة على جوهره في 1994م. وفي ديسمبر 2002م عقدت الهيئة مؤتمرها العام الأول، وقد شارك فيه 4 آلاف عضوا مصعدا من كليات وقواعد مختلفة. وقد أكمل المؤتمر العام هياكل الهيئة بانتخاب مجلس الشورى ومجلس الحل والعقد والإمام والأمين العام. كما أجرى بعض التعديلات على الدليل الأساسي.
كان الدليل يسمى الدليل التأسيسي ثم غير اسمه إلى الدليل الأساسي، وهو في جوهره وثيقة تعرف بهيئة شئون الأنصار وتبين أهدافها وتوضح وسائلها ومؤسساتها القيادية وأجهزتها التنفيذية وتنص على الشورى المسنونة في العلاقة بين الإمامة والهيئة. يؤكد الدليل أن نشاطات الهيئة هي كل الجوانب غير السياسية وذلك من باب التخصص..
يعرف الدليل الهيئة بأنها :
"تجسيد تنظيمي للأنصار ووسيلة لممارسة الشورى المفروضة بينهم وأداة لتنظيم صفوفهم كما تنظم المسبحة حباتها وأداة لممارسة الأنشطة الروحية والثقافية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية والفنية.. باختصار كل الأنشطة غير السياسية. هذا لا يعني أن الأنصار يفصلون بين السياسة والدين فالإسلام دين شامل وهدايته كلية بحيث تخاطب كل وجوه الحياة.. ولكن الإسلام يجيز التخصص فوارد أن نقيم في الإسلام هيئة تعليمية تحصر نفسها في مهام التعليم، وهيئة إغاثية تحصر نفسها في مجال الإغاثة.. وهلم جرا. هذا الاختصاص جائز وربما كان في بعض الظروف ضروريا.
لما كانت دعوة أنصار الله عامة لخطاب كل أهل القبلة فقد وجدت استجابة في كثير من البلاد مما جعل لأنصار الله وجودا عالميا أوجب أن يكون لهيئة شئون الأنصار وجودا عالميا. وجودا يساعدها عليه التزامها بتنظيم الأنصار ودفع نشاطهم في كل مجالات الحياة الروحية والثقافية والتربوية والاقتصادية والفنية والرياضية.. الخ. وما دام نشاط هيئة شئون الأنصار مجانبا للعمل السياسي فيرجى ألا يتناقض مع متطلبات النظم السياسية في أي مكان."
ولذلك فإن دليل الهيئة "يحصر نفسه في الجوانب غير السياسية دون أن ينفي أن عقيدة المسلم تلزمه بتعاليم موجهة لكل نواحي الحياة".
يعرف الدليل أهداف الهيئة بإحياء الدين وفكر المهدية وتنظيم عمل الأنصار والاهتمام بشئونهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والفنية والرياضية، والاهتمام بالقضايا الوطنية والإسلامية والإنسانية عموما، والاجتهاد لتوحيد أهل القبلة، وإغاثة المنكوبين والمستضعفين على نطاق العالم. كما يحدد وسائلها التنظيمية والدراسية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية علاوة على عمران المساجد وإحياء المواسم والأعياد الدينية.
وبشأن تنظيمات الأنصار، يعرف الدليل الأساسي الأنصاري بأنه "من آمن بالكتاب والسنة ودعوة الإمام المهدي والأخوة الأنصارية، والطرح الإسلامي المشمول في مقدمة هذا الدليل". تسجل الهيئة كل الأنصار حسب هذا التعريف، وتقسم البلاد إلى أقاليم تحدد عددها وحدودها، على أن يتولى أمر الأنصار في كل إقليم وكيل الإمام ومجلس الشورى الإقليمي ومجلس الوكيل. تكون التنظيمات هرمية بادئة برئيس العشرة، فرئيس المائة، فرئيس الألف ورؤساء الألف يكونون مجلس الشورى الإقليمي ومنه يتكون مجلس الوكيل الذي يعمل كلجنة تنفيذية لمعاونة الوكيل في تصريف مهامه.
أما بشأن أجهزة الهيئة القيادية : يقتضي الدليل الأساسي لهيئة شئون الأنصار أن يكون على قمة عمل الأنصار مجلس يسمى مجلس الحل والعقد، وأن يكون من 40 عضوا. وأن يكون بعده مجلس أوسع من 400 عضوا يسمى مجلس الشورى، وأن تكون القاعدة الواسعة لنظام الأنصار مكون من 4000 عضوا. هذا ويتولى العمل التنفيذي لهذا الكيان أمانات عشر تتولى العمل في المجالات التنفيذية المختلفة ويرأسها الأمين العام. وقد تجددت كل تلك الهياكل بعد المؤتمر العام الأول.
فتم انتخاب السيد الصادق المهدي إماما للأنصار وأجريت بيعته ونصها
بايَعْنَاكَ عَلَى َبْيعَةِ الإِمَامِ المُؤَسِّس الأولِ وَخَلِيفَتِهِ. وَبيْعةِ الإِمَامِ المجدد الثَانى وَخَلِيفَتِيهِ. بَايَعْنَاكَ عَلَى قَطْعِيَاتِ الشَرِيْعَةِ. بَايَعْنَاكَ عَلَى نَهْجِ الشُوْرَى وحُقُوْقِ الإِنْسَانَ. بَايَعْنَاكَ عَلَى فَلاَحِ الدُنْيَا وصَلاَحِ الآخِرَةِ. بَايَعْنَاكَ عَلَى الطَاعَةِ المُبْصِرَةِ فِيْمَا يُرْضِى الله وَرَسُوْلَهُ. نُشْهِدُ الله عَلَى ذَلِكَ والله خَيْرُ الشَاهِدِيْنَ).
كما تم انتخاب الشيخ عبد المحمود أبو أمينا عاما للهيئة، وأجاز مجلس الحل والعقد الأمناء الذين اقترحهم وفقا للدليل الأساسي للهيئة في أول انعقاد له.
مراجع:
السيد الصادق المهدي:
عبد الرحمن الصادق إمام الدين.1996م
ورقة: أساس الشرعية في كيان الأنصار.أول أكتوبر 1994م
نشرة توضيحية داخلية- سبتمبر 1994م
ورقة : مجمع بيت المهدي- 31 يناير 2000م
د. فضل الله علي فضل الله:العبور بالعودة إلى الجذور.
الدليل الأساسي لهيئة شئون الأنصار