سيف الدولة حمدناالله
ليس أسوأ من أجوبة الرئيس الاّ الأسئلة التي وُجهت إليه، ومشكلة الرئيس التي لا يريد أن يدركها أن الشعب يعرف البئر وغطاها، وهو - الرئيس- آخر من يعطيه الشعب أذنه ليستمع إليه في شأن ما وصل إليه حال البلد، فقد كان وراء كل البلاوي التي أنحدفت على الوطن وشعبه، فالرئيس هو المشكلة لا الحل، وأفضل خدمة يمكن أن يقدمها هي أن يعطي الشعب عرض أكتافه ويتركه في حال سبيله ليعرف كيف يمكنه أن ينهض من جديد ويلحق ببقية الأمم.
كان لا بد أن يكون محتوى المؤتمر الصحفي بهذه السطحية والبلاهة، فليس لدى الرئيس شيئ مفيد ليقوله، أو - بلغة العوام - كيسو فاضي - فليس هناك أصعب من الدفاع عن القضية حينما تكون باطلة وخسرانة، وقد كانت النتيجة أن ركل الرئيس بالكرة في مرمى الإنقاذ بدلاً عن مرمى الخصم، وقد أعجبني وصف ورد بمقال للكاتب الصحفي حسن إسماعيل حول الموضوع، قال فيه وهو يخاطب الرئيس "أنت الآن كحارس المرمى الذي يجلس القرفصاء ليحكي كيف ولجت الأهداف في مرماه دون أن يعتذر عن هذا الفشل الذريع".
هذه حقيقة، فمشكلة الرئيس أنه جاء إلينا ليشكو أخطائه دون أن يعترف بأنه الذي تسبب فيها أو يقدم حلولاً بشأنها، وأول ما إستوقفني من ذلك ما ذكره في تفسير سبب الأزمة التي تعيشها البلاد، قال طويل العمر أن ذلك يرجع لأمرين: الأول إنفصال الجنوب وما نجم عنه من فقدان لعائدات البترول وثانيهما تداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية.
ده إسمه كلام !! أن ينطق بمثل هذا القول ذات اللسان الذي كان يقول بأن الله قد فتح علينا أبواب النعيم بفصل الجنوب والتخلص منه!! والذي كان يقول لأهل الجنوب "عليكم يسهل وعلينا يمهل" !! وسلّط عليهم "الطيب مصطفى" ليفعل كل ما من شأنه أن يجعلهم يختاروا الإنفصال !! وهو من كان يقول بأن بداية نهضة السودان بدأت مع إنفصال الجنوب !! وأن إنفصال الجنوب سوف لن يؤثر على إقتصاد البلاد وأن الحكومة قد درست البدائل وأنها تستطيع سد العجز الذي ينجم عن غياب البترول !! وأن عائدات الذهب سوف تبلغ 50 مليار وهي أكثر من عائدات البترول !!
ثم من الذي كان يقول أن السودان - بفضل نهجه الإقتصاد الإسلامي - لم يتأثر بالأزمة الإقتصادية العالمية !! وأن هذه الأزمة هي عقاب من الله أنزله على دول البغي والطغيان !!
هذا وطن لا يستحق أن يكون لعبة، يعلن فيه أكبر رأس في الدولة - وهو في حالة من البهجة والحبور وخِفة الدم – وبعد ربع قرن من الحكم – بأن الوطن قد ضرب الأرض ودخل في حفرة لأننا نستهلك أكثر مما ننتج ونستورد أكثر مما نُصدر وأن الحكومة تصرف أكثر مما تتحصل عليه من إيرادات !!
من الذي وصل بالوطن إلى هذه التوليفة البائسة !! ومن يشتكي لمن !! الحكومة التي تشتكي للشعب فشلها وتريد منه أن يدفع الثمن !! من الذي قضى على الإنتاج وأهلك مصادره (المصانع والمشاريع الزراعية ..ألخ)، من الذي منح الإذن للحكومة لتعيين واحد من بين كل ثلاثة إخوان مسلمين في وظيفة وزير أو مستشار أو وزير أو معتمد !! كم يلزم الدولة جمعه من مال الغلابة لشراء مئات آلاف السيارات الباهظة التكلفة التي يستخدها هؤلاء اللصوص!! ثم، ما هي البضائع التي يتم إستيرادها ليستخدمها الشعب حتى تكون هناك فجوة بين الصادر والوارد !!
مشكلة الرئيس أنه يحكم على الوطن بالعين التي يرى بها حالة من هم حوله من أهل وجيران وأصدقاء، فهو يحكي عن ما تحتوي عليه البقالات التي إنتشرت بشوارع الخرطوم وتناول الشعب للوجبات السريعة، وإمتلاك الأسرة الواحدة لخمس سيارات ..الخ، هذه عشيرة الرئيس لا أهل السودان، فأهلنا في الأرياف بؤساء وأشقياء في الأرض، يشربون الماء مع الأبقار والبهائم من ذات المصدر (الحفير)، ويعيشون في الكهوف وشقوق الجبال، ينامون على الأرض، هزمهم الجوع وفتك بهم المرض.
شكراً للرئيس الذي حرر شهادة وفاة حكمه بيديه بما قال به في المؤتمر الصحفي، فقد أعلن فشل جهاز الدولة وعجز الحكومة، وليس أمام الشعب سوى الخروج لإستلام الأمانة، فقد بدأت بشائر الثورة التي ننتظرها ، وسوف تستمر .. حتى النصر بإذن الله.
سيف الدولة حمدناالله